صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة التاسعة: حقیقة التوحید

تاریخ: 
شنبه, 30 مرداد, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 21 آب 2010م الموافق للیلة الحادیة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

حقیقة التوحید

العلاقة بین التوحید والإخلاص

«وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِخْلاَصَ تَأوِیلَهَا، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَهَا، وَأَنَارَ فِی الْفِكْرَةِ مَعْقُولَهَا»1.
بعد الحمد والثناء على الله تعالى فی هذه الخطبة الشریفة تأتی الشهادة بالتوحید، وهذه هی سنّة النبیّ الأكرم والأئمّة الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین) فی خطبهم حیث یستهلّون الخطبة بحمد الله وشكره، ثمّ یشهدون بعد ذلك بالتوحید، ومن ثمّ یتطرّقون إلى ذكر ما ینوون بیانه من المباحث.
تقول سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها): إنّ الشهادة بوحدانیّة الله جلّ وعلا هی كلمة لها باطن ولها ظاهر. فظاهرها هو أنّ نقول: أشهد أن الله واحد؛ بید أنّ لهذا الظاهر حقیقةً لابدّ من إدراكها وتطبیقها على أرض الواقع. ووفقاً للتعبیر الذی ساقته (علیها السلام) فإنّ تأویل هذه الشهادة هو الإخلاص. ثمّ تشیر فی الجملة الثانیة إلى مسألة من شأنها أن تفتح باباً واسعاً فی المعرفة الإلهیّة؛ فتقول (علیها السلام): لقد أودع الله عزّ وجل فی قلوب البشر لوناً من ألوان المعرفة به وبوحدانیّته. وفی الجملة الثالثة تنوّه بأنّ الله تبارك وتعالى قد جعل المعرفة العلمیّة والذهنیّة التی تأتی عن طریق الفكر بالغة الوضوح والجلاء.
لقد تمّ التركیز فی هذه الشهادة على بضع مسائل أساسیّة؛ أوّلها هی العلاقة بین التوحید والإخلاص. والإخلاص هو جعل الشیء خالصاً ونقیّاً، أمّا فی عرف اللغة والحوارات الدارجة الیومیّة فهو یعنی عادة الإخلاص فی العمل؛ بمعنى أن یتمتّع الإنسان بنیّة خالصة فی أعماله لا یشوبها الریاء أو التظاهر. إلاّ أنّ اتّضاح هذا الارتباط والمعنى المراد فی هذه الكلمات یحتاج إلى إلقاء المزید من الضوء علیه.
التوحید هو الاعتقاد بأنّ الله واحد، وهو باب التفعیل من «وَحَد». وباب التفعیل ینطوی على عدّة معان. فالمعنى الأوّل له هو ما یكون متعدّیاً؛ ویعنی جعل الشیء واحداً. غیر أنّ التوحید الذی یكون جزءاً من عقائدنا فهو اعتبار الشیء وعدّه واحداً؛ إذ أنّ «وَحّدَه» تعنی: عدّه واحداً، علم کونه واحداً، وهذا معنی آخر من معانی باب التفعیل. وإنّنی أودّ هنا أن اُؤكّد على الشبّان من طلبة العلوم الدینیّة حتی لایستخفّوا ولا یتسامحوا فی تعلّم أدب اللغة! لأنّ الكثیر من الأخطاء التی تُرتكَب فی فهم الحدیث والروایة ترجع إلى الضعف فی الأدبیّات، وإنّ ما یؤسف له أنّه لم یعد یُقام لأدبیّات اللغة فی الآونة الأخیرة كبیر وزن. ففی زمان ما قبل الثورة قام أحد الأشخاص، وكان للأسف معمّماً، بتصنیف كتاب عن التوحید أراد فیه التنظیر للأفكار الماركسیّة من منطلق الأدب الإسلامیّ، وقد انطلق من هذه النقطة وهی: «إنّ التوحید هو من باب التفعیل، وهو جعل الشیء واحداً. لكنّه لا معنى لأن نقول بخصوص الباری تعالى: نجعله واحداً؛ لأنّ الله هو واحد فی الأساس. إذن ما ینبغی أن نوحّده هو الشیء الذی لیس هو بواحد فی اصله و اساسه، والذی یشكو من الاختلاف والكثرة، بحیث یحتّم علینا السعی لإزالة كثرته، وهو المجتمع. ومن هنا فإنّه یتعیّن علینا أن نجعل المجتمع واحداً. إذن فالتوحید، الذی هو جزء من عقائدنا الإسلامیّة، یعنی السعی لتوحید المجتمع، وهو یعنی الاشتراكیّة. وهذا هو الإسلام أساساً!». هذا النمط من الكلام هو فی الحقیقة تلاعب بالألفاظ لیس إلاّ وهو ما یلوح لنا كلّ یوم بحلّة جدیدة ویتلوّن بلون مختلف على مرّ التاریخ والعصور، وقد یقع فی هذا الفخ أحیاناً أناس خیّرون یحملون نیات حسنة.

الاخلاص فی العقیدة

على أیّة حال فلیس معنى التوحید هو جعل الشیء واحداً، هذا وإن استُعمل أحیاناً بهذا المعنى. فإنّ التوحید الذی هو من اُصول معتقداتنا هو عدّ الله واحداً.
بطبیعة الحال إنّ توحید الله هو بحاجة إلى معرفته عزّ وجلّ؛ بمعنى أنّه لابدّ أن نكتشف وجود الله أوّلاً، ومن ثمّ نفهم صفاته التی من جملتها وحدانیّته. ویظن البعض عندما یُقال: إنّ ذات الله واحدة، أنّها لیست اثنتین أو أكثر، وأنّ الفرض الصحیح هو أنّ الله واحد، لكنّه إذا كان لنفس هذا الربّ أجزاء مختلفة فلا منافاة لذلك مع كونه واحداً! والحال أنّ عدم التجزّؤ یعتبر هو الآخر من معانی وحدانیّة الله تعالى.
قیل إنّ أعرابیّاً أصرّ فی یوم معركة الجمل على لقاء أمیر المؤمنین (علیه السلام) فأتوا به إلیه، فقال له: ما معنى قولكم: إنّ الله واحد؟ فهاجمه الناس منكرین علیه هذا السؤال فی هذا الظرف الحساس قائلین له: یا أعرابیّ! أما ترى ما فیه أمیر المؤمنین من تحدیات المعركة؟ فقال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «دعوه فإنّ الذی یریده الأعرابیّ هو الذی نریده من القوم»؛ أی: إنّنا نقاتل من أجل التوحید. ثمّ شرَع (علیه السلام) یبیّن له بكلّ صبر وأناة قائلاً: «إنّ القول فی أنّ الله واحد على أربعة أقسام...» وإنّ أحد معانیه هو أنّه غیر متجزّئ إلى أجزاء... الخ2.
فعندما نقول: الله واحد، فلابدّ أن نعلم بأنّ لهذه الجملة باطنا، وعلینا أن نتوخّى الدقّة كی ندرك عمق هذا الموضوع، إذ یجب أن یمتاز توحیدنا بالعمق فی مقام الفكر، والنظریّة، والعقیدة وأن لا نكتفی منه بفهم سطحیّ. هذا من جانب، ومن جانب آخر علینا أن نكون حذرین أیضاً لئلاّ یختلط توحیدنا فی مقام العمل بالشرك؛ إذ أنّ توحید أغلب المؤمنین ممزوج بضرب من ضروب الشرك. ولا عجب فی ذلك! فالقرآن الكریم نفسه یقول: «وَمَا یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»3. ولهذا الاختلاط مراتب. أمّا التوحید الخالص فهو ما لم یمتزج معه أیّ لون من الوان الشرك؛ ولهذا فإنّ له مرتبة واحدة وهو لا یشبه المختلِط فی تعدّد مراتبه. فإذا خالط التوحیدَ شیءٌ وإنْ قلّ فانّه یخرج عن خلوصه، وعندئذ ستصبح له آلاف المراتب. فالتوحید الخالص هو ما لا یشوبه أیّ شرك على الإطلاق؛ لا فی مقام العقیدة ولا على مستوى العمل. لكنّ خلوصنا، للأسف، هو ضعیف وهو فی الغالب مشوب، ولذا علینا السعی إلى تقلیل هذا الاختلاط وتقویة المادّة الأصلیّة.
ومن ناحیة اُخرى فإنّ الشرك الجلیّ والواضح هو أحد مراتب الشرك أیضاً؛ وهو كالذی یعتقد به عبَدة الأصنام الذین یقولون بوجود عدّة آلهة. فنفی هذا النمط من الشرك لیس كافیاً للوصول إلى مقام التوحید الخالص، إذ علینا أن نعلم أیضاً أنّ ذات الله تعالى لیس لها أجزاء وهی غیر مركّبة من عدّة أعضاء. وهنا یتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: إنّنا إذا اعتقدنا أنّ الله بسیط ولا تنطوی ذاته على أیّ شكل من أشكال التركیب، فهل سیكون توحیدنا كاملاً من حیث العقیدة؟ والجواب هو: طبقاً لكلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فإنّ توحیدنا لم یكتمل بعد؛ إذ یقول (علیه السلام) فی نهج البلاغة: «وَكَمَالُ تَوْحِیدِهِ الإِخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْیُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَیْرُ الْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَیْرُ الصِّفَة»4. ویمكننا توضیح هذه النقطة بهذا المثال، وهو عندما نقول: هذه الورقة بیضاء، فإنّ الورقة هی الموصوف والبیاض هو صفة لها. وما ندركه نحن من معنى الصفة والموصوف هو أنّ الموصوف شیء، والصفة شیء آخر عارض على الموصوف. فنقول: الورقة هی جوهر جسمانیّ، وإنّ بیاضها عرضیّ؛ لذا فإنّه یمكن أن تكون الورقة ورقة فی حین أنّ لونها یتبدّل. إذن فاللون هو غیر ذات الورقة. هذا ما نفهمه نحن فی العادة من معنى الصفة والموصوف. لكنّه إذا قلنا: إنّ لله حیاة، وعلما، وقدرة، و...الخ، فهل یعنی ذلك أنّ الله هو شیء وأنّ حیاته، وعلمه، وقدرته، ...الخ هی أشیاء اخری؟! هل هذه الاُمور عارضة على الله تعالى؟! هل إنّ قدرته تشبه قدرتنا فی إمكانیّة نقصانها أو زوالها؟! هناك الكثیر من الذین نجحوا فی اجتیاز المرحلتین السابقتین من التوحید لكنّهم لم یفلحوا فی عبور هذه المرحلة الثالثة. لعلّ هذه النزعة، وهی الاعتقاد بانفصال صفات الله عن ذاته عزّ وجلّ، هی النزعة الغالبة بین صفوف إخواننا من أهل السنّة الیوم. ولعلّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) هو الشخص الأوّل فی العالم الإسلامیّ، بل ولربّما فی عالم الفكر والرأی، الذی نطق بهذه العبارة بكلّ صراحة: «كمال الإخلاص له نفی الصفات عنه»؛ والصفة هنا بالطبع هی الشیء الذی یغایر الموصوف والذات. فلا ینبغی إثبات شیء كهذا لله جلّ وعلا؛ بل یتعیّن نفیه عنه. فیجب علینا أن نقول: لیس لله صفة هی غیر ذاته؛ فالله عالم، لكنّ علمه هو عین ذاته، وذاته عین علمه أیضاً. والله قادر، لكنّه عین قدرته. فالله هو ذات بسیطة ونحن ننتزع من هذه الذات عدّة مفاهیم؛ وهی مفهوم الذات، ومفهوم صفة العلم، ومفهوم صفة القدرة، و...الخ. انّ هذه الطریقة هی مصیدة ینصبها الذهن لیجتذب بها هذه المفاهیم.

الإخلاص فی العمل

تحدّثنا لحدّ الآن حول الإخلاص فی العقیدة. لكنّ للتوحید، مضافاً إلى ذلك، مراتب طولیّة فی العمل وهی أنّنا عندما نعرف الله تبارك وتعالى بهذه الصفات فلابدّ أن یكون سلوكنا مطابقاً لمقتضى تلك الصفات الإلهیّة؛ فمثلاً علینا الاعتقاد بأنّ منشأ جمیع الموجودات هو الله عزّ وجلّ وما من موجود على الإطلاق یمكنه أن یتحقّق إلاّ من ناحیة إرادة الله تعالى. فالله فقط هو القائم بذاته، وهو الذی خلق باقی الموجودات: «وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ»5، ویُبیَّن هذا المعنى فی أنماط مختلفة أحدها هو التوحید الأفعالیّ. فلازم التوحید الأفعالیّ هو اعتقاد المرء بأنّ منشأ جمیع الخیرات هو الله جلّ شأنه. فالذی یعتقد بأنّ الخیرات كلّها من الله فلن یرجو غیره؛ واذا أراد أحد إلحاق الضرر بغیره فكیف یستطیع أن یقوم بهذا العمل؟ فانّ إلحاق الضرر بالآخرین یحتاج إلى قوّة، فمن أین له هذه القوّة؟ هذه القوّة هی أیضاً من الله. إذن فكلّ نفع أو ضرر إنّما هو متعلّق بإرادة الله عزّ وجلّ: «وَإِنْ یَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ یُرِدْكَ بِخَیْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ»6. لكنّ فهم هذه الرؤیة لایخلو من بعض الصعوبة، أمّا الالتزام بها على الصعید العملیّ فهو بالغ الصعوبة.
لقد تعوّدنا علی أن نقول: هذا عملی، وهذا عمل فلان! بل قد نقول أحیاناً أیضاً: لیس لهذا الأمر صلة بالله، أنت الذی قمت به! لكنّ القرآن یتحدّث معنا بلغة اُخرى؛ فهو یقول: «وَهُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّیِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ»7. فالله هو الذی یُجری السحاب، والله هو الذی یُنزل المطر بواسطة هذا السحاب، وهو الذی یُخرج النبات من الأرض، فكلّ ذلك هو فعل الله عزّ وجلّ. فهذا الكلام یمثّل ثقافة خاصّة تختلف عمّا نعرفه، ونتحدّث به، ونقرأه فی الكتب، ونكتبه. والسرّ فی هذا البیان هو أنّه تبارك وتعالى یریدنا أن نتذكّر دوماً أنّ جمیع الأشیاء متعلّقة بالله. صحیح أنّ هناك فاعلین وسطاء ومتوسطین فی المسألة، لكنّه لابدّ من معرفة الشخص الذی یكون أصل الوجود فی قبضته، والذی صمّم هذا النظام الدقیق، والذی یستطیع أن ینهیه متى شاء. فإنْ حرّر مسؤول مرسوماً یخصكّ فهل یكون أملك ونظرك إلى القلم الذی یكتب المرسوم؟ وهل ستقول إذا كتبه: شكراً جزیلاً أیّها القلم؟ فالقلم هنا هو أداة لیس إلاّ، وإنّ ید الكاتب هی التی تكتب بواسطة هذا القلم. فالعالَم برمّته یمثّل مجموعة من الأسباب، وحتّى إذا كانت بعض تلك الأسباب تمتلك شعوراً واختیاراً؛ إلاّ أنّ مسبّب الأسباب هو شخص آخر، وما الآخرون إلاّ وسائط جزئیّة. فإن أدرك الإنسان ذلك على النحو الصحیح فسوف یعیش حالة لا یخاف معها من أیّ أحد. وقول الإمام الخمینیّ الراحل (رضوان الله تعالى علیه) عندما كان یقول: «اُقسم بالله إنّنی لم أخف طیلة حیاتی من شیء قطّ» إنّما ینطلق من هذا الإدراك وهذا الفهم، فقد كان یعلم أنّه ما من شیء أو أمر فی هذا العالم یمكنه أن یحدث من دون إذن الله تعالى وإرادته.
إذا أحبّ الإنسان شیئاً فهو لأجل حسنه وخیره؛ ومن هنا فإنّه لو أدرك أنّ كلّ ما هو حَسَن وخیر فی هذا الكون فهو من الله عزّ وجلّ وأنّ كلّ ما یملكه الناس هو عطیّة الله لهم، فعندها لن یُجیز لقلبه أن یتعلّق بغیر الله تعالى؛ فهو سیرى أنّ كلّ أشكال الجمال هی منه، وهذا هو ما یُدعى بالتوحید فی العمل. فشخص كهذا لا یطیل صلاته من أجل الآخرین، بل لا یودّ أن یعرف الآخرون المنزلة التی هو فیها من منازل المعرفة والعبادة، وأیّ فعل خیر قام به. انّه یبذل قصارى جهده حتّی لا یطّلع الآخرون على ما یفعل من الخیر؛ ذلك أنّه یعلم أنّ الله یحبّ أن یكون عبده خالصاً له: «قُلْ إِنَّ صَلاتِی وَنُسُكِی وَمحَْیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ»8؛ قل: لیس فقط صلاتی وعبادتی، بل حتّى موتی وحیاتی هی له عزّ وجلّ، وأنا لا أرید شیئاً لنفسی على الإطلاق. فهذا هو التوحید الخالص فی العمل. فالإسلام ما جاء إلاّ لیفهّم الإنسان هذه المعارف فی البدایة ثمّ لیربّیه على النحو الذی ینمو به فی هذا الاتّجاه؛ حیث یرى ید الله فی كلّ مكان، وأن یعمل فی سبیل الله، وأن لا یقیم وزناً إلاّ لله، وأن لا یخاف إلاّ من الله، وأن لا یحبّ محبّة أصیلة غیر الله، فإن كان كذلك فسیصدق علیه حینها أنّ توحیده توحید خالص.
تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «كلمة جعل الإخلاص تأویلها»؛ فشهادة أنّ لا إله إلاّ الله هی كلمة لها معنى ظاهر؛ إلاّ أنّ لها حقیقة تفوق ما یتبادر إلى الذهن عند سماعها لأوّل وهلة، وهذه الحقیقة هی أن یخلص الإنسان لربّه بحیث لا یخلو ذهنه واعتقاده من شوائب الشرك فحسب بل أن یتطهّر عمله وسلوكه وأحاسیسه من كلّ ما سوى الله من الشوائب. وكأنّها (علیها السلام) أرادت القول: «هذا ما نحن علیه من مراتب التوحید؛ فاختبروا أنتم أنفسكم لتروا إلى أیّ مدىً یكون حظّكم منه»، وحیث إنّ توحیدنا هو فی الأعمّ الأغلب مشوب بالشرك فهی تؤكّد: «إنّنی أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، إلاّ أنّ هذه الشهادة لها باطن، وتأویل، وكنْه، وحقیقة، وهی خلوصها من شوائب الشرك على صعیدی الاعتقاد والعمل».
رزقنا الله وإیّاكم ذلك إن شاء الله.


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220. 

2. التوحید للصدوق، ص83 . 

3. سورة یوسف، الآیة 106.

4. نهج البلاغة، الخطبة 1.

5. سورة الصافات، الآیة 96.

6. سورة یونس، الآیة 107.

7. سورة الأعراف، الآیة 57.

8. سورة الأنعام، الآیة 162.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...