صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثانی عشر: افعال الله

تاریخ: 
سه شنبه, 2 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 24 آب 2010م الموافق للیلة الرابعة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

أفعال الله

الخلق من العدم

«...ابْتَدَعَ الأَشْیَاءَ لا مِنْ شَیْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنْشَأَهَا بِلا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا، كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَهَا بِمَشِیَّتِه‏»1.
بعد الشهادة بوحدانیّة الله تعالى والإشارة إلى ما منّ الله به على عباده من تیسیره لهم معرفتَه، تقول السیّدة الزهراء (سلام الله علیها): غیر أنّه لا سبیل لأیّ أحد إلى معرفة حقیقة ذات الله وكنه صفاته. وبعبارة اخرى: یستحیل أن یحیط المرء علماً بذات الله وبصفاته سبحانه؛ بل ویمكن القول أیضاً: حتّى حقیقة أفعال الله فإنّنا لا ندركها على النحو الصحیح. فنحن نعلم أنّ الله یولج الروح فی الجنین ویهبه الحیاة، أو أنّه یحیی الموتى یوم القیامة، وما إلى ذلك ونحن نسوق بعض الألفاظ فی هذا الباب أیضاً، لكنّنا لا ندرك حقیقتها. أجَل، لعلّ الله عزّ وجلّ قد أرى بعض أولیائه مراتبَ من أفعاله؛ فالمرحوم العلامة الطباطبائیّ (رضوان الله تعالى علیه) یقول: إنّ إبراهیم (علیه السلام) لم یرغب فی مشاهدة عملیّة عودة المیت إلى الحیاة، بل لقد أحبّ بطلبه هذا أن یدرك حقیقة الإحیاء، وقد أظهر الله تعالى له ما هو ممكن من خلال إحیاء الطیور على ید إبراهیم نفسه (علیه السلام). ولعلّ معجزات الأنبیاء (علیهم السلام) هی فی الحقیقة من أفعال الله التی جرت على أیدیهم فاكتشفوا بها حقیقة فعل الله عزّ وجلّ؛ أمّا سائر الناس فلا یستطیعون فی الظروف العادیّة الوقوف على حقیقة فعل الله؛ فلا یمكنهم أن یفهموا كیف یخلق الله الكائنات؟ وكیف یمیتها؟ ...الخ. فنحن لا یسعنا إلاّ أن نطلق المفاهیم على تلك الأفعال الإلهیّة، فنقول على سبیل المثال: «إنّه یحیی»، ونحاول فهم تلك المفاهیم. فهذه المفاهیم هی من قبیل المعقولات الثانیة التی تتّخذ طابعاً رمزیّاً بالنسبة للحقائق الخارجیّة.
تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «ابْتَدَعَ الأَشْیَاءَ لاَ مِنْ شَیْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا»؛ فالله عندما خلق جمیع مخلوقات العالم لم یحتج إلى مادّة أوّلیة لخلقها؛ ذلك أنّه لو كانت تلك المادّة مخلوقة، لكانت واحدة من تلك المخلوقات. فهی (علیها السلام) ترید أن تقول: إنّ الله لم یخلق مجموع هذا الكون من مادّة اخرى، لأنّ احتیاج هذا المجموع إلى مادّة اخرى یستلزم التسلسل؛ فلو جعلنا الله وفقاً لتصوّرنا الذهنیّـ فی طرف والكون فی طرف آخر، فإنّ عملیّة إیجاد هذا الكون لن تكون بحاجة إلى أیّ شیء عدا الإرادة الإلهیّة.
وأمّا ما جاء فی كتاب الله من أنّ بعض الأشیاء قد خُلقت من بعضها الآخر؛ نظیر: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ»2 فلا ینافی كلام الزهراء (سلام الله علیها)؛ لأنّها (علیها السلام) تقول: لم یخلق الله مجموع الأشیاء من مادّة سابقة، ولیس فی ذلك ما ینافی أن تكون بعض الأشیاء مخلوقة من بعضها الآخر؛ فالله لیس بحاجة إلى مادّة یشتغل علیها لیخلق تلك المجموعة.
أمّا مصدر هذه الشبهة فنابع ممّا فی مخیّلتنا من فهم للفظة الصنع أو حتّى الخلق، وهو أنّه لابدّ من وجود شیء كی تُجرى علیه بعض التغییرات لیتحوّل إلى شیء آخر؛ فمن أجل صناعة الخاتم مثلاً فإنّه یتعیّن وجود الذهب الذی سیصنع الصائغ منه الخاتم عن طریق إذابته وصبّه فی قالب وإجراء بعض العملیّات علیه، فنقول حینئذ: «صَنَع الخاتم». فعندما یقال: «الله صانع العالم» یتبادر إلى الذهن أنّه كانت هناك مادّة ما أجرى الله علیها بعض العملیّات والتغییرات فخلق منها العالم؛ فإن لم تكن هناك أیّ مادّة، فكیف لله أن یخلق العالم؟! لكنّ هذه أفكار خاطئة وساذجة. فبسبب ما ألفناه من أعمالنا وأفعالنا فإنّنا لا نستطیع أن ندرك بشكل صحیح أنّ شیئاً یمكن أن یوجَد من العدم المحض. ولا عجب فی ذلك؛ لأنّنا لا نستطیع أن ندرك حقیقة ذات الله أیضاً. فلو أقمنا بنیاننا على إنكار كلّ ما لا تدركه أفهامنا، لكان لزاماً علینا أن ننكر الكثیر من الاُمور فی هذا العالم المادّی نفسه.

الخلق بلا نموذج یُحتذَى

أمّا النقطة الاُخرى فهی أنّ الإنسان لا یمكنه فعل شیء من دون اُسوة ونموذج؛ وانطلاقاً من هذا التصوّر فإنّنا نتخیّل أنّه لابدّ من وجود صورة أبدیّة وأزلیّة یجعلها الله تعالى اُسوة ومثالاً له لیخلق الأشیاء على أساسها! لكن علینا أن ندرك أنّ خلق الله لا یستند إلى احتذاء نموذج سابق. ووفقاً للفرضیّة الذهنیّة فإنّنا إذا جعلنا الله فی طرف والعالم فی طرف آخر فلن یبقى هناك شیء آخر لنقول: هذا هو النموذج المحتذى فی عملیّة الخلقة. فإن قیل: إنّ الصور الذهنیّة هی النماذج المحتذاة فی الخلقة! قلنا: هل هذه الصور هی مخلوقة أم خالقة؟ فإن كانت مخلوقة، فهی جزء من العالم، وإذا لم تكن مخلوقة فلابدّ أن تكون الإله بعینه، وإلاّ للزمت الكثرة فی ذات الله وهذا محال. إذن لیس هناك أیّ نموذج لأیّ شیء قبل خلق الله للأشیاء؛ ومن هنا تقول الزهراء (سلام الله علیها): «وَأَنْشَأَهَا بِلا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا، كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ»؛ فالله لم یحتذِ بأمثلة اعتمدها لیخلق الخلق على أساسها؛ فما من مؤثّر فی وجود هذا العالم غیر القدرة الإلهیّة. ولقد قلنا فی بحوثنا السالفة إنّ قدرة الله هی عین ذاته. إذن فلم یكن غیر ذات الله المقدّسة، وهی التی وُجد جمیع الكون بإرادتها.

المشیئة الإلهیّة

تُستخدم فی العربیّة ألفاظ مختلفة للتعبیر عن خلق العالم كالإیجاد، والخلق، والإبداع، والإنشاء، والذرْء، وما إلى ذلك، وقد استُخدمت هنا لفظة «الذرء» فی قولها (علیها السلام): «وذرأها بمشیئته» وهی لفظة استعملها القرآن الكریم أیضاً فی قوله: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیراً مِّنَ الجِْنِّ وَالإِنْسِ»3. لقد جعل بعض أرباب المعقول لكلّ من تلك الألفاظ مصطلحاً خاصّاً، وخصّصوا كلّ واحدة منها لفئة معیّنة من المخلوقات. وعلى الرغم من انتفاء الحاجة إلى المزید من التوضیح بوجود المصطلح، وأنّ جعل الأخیر هو أمر محبّذ من هذه الناحیة، لكن ینبغی أن نعلم أن تلكم المصطلحات لا تطابق بالكامل ما أفادته الآیات والروایات وما جرى علیه العرف من تعابیر لغویّة؛ من أجل ذلك فإنّه یتعیّن استخدام كلّ مصطلح فی سیاقه الخاصّ، وعندما یكون السیاق عامّاً فإنّه ینبغی التركیز على المعنى اللغویّ.
بخصوص المشیئة الإلهیّة وأنّ الله قد خلق العالم بمشیئته، فقد اُشبع هذا الموضوع بحثاً ولا یزال، ولن اُشیر إلى هذا البحث إلاّ بإیجاز لأترك المجال إلى أهل الفضل لمتابعته وسبر غوره وتحریر الرسائل فیه إن أحبّوا.
السؤال الأوّل الذی لابدّ من الإجابة علیه هو: ما الفرق بین المشیئة والإرادة؟
والسؤال الثانی هو: هل المشیئة والإرادة هما من الصفات الذاتیّة لله أم من صفاته الفعلیّة؟
أمّا السؤال الثالث فهو: ما هی العلاقة بین أسماء الله وذاته عزّ وجلّ؟
اعتبر بعض المتكلّمین، ولاسیّما الأشاعرة منهم، الإرادةَ من الصفات الذاتیّة لله تعالى وعدّوها من القدماء الثمانیة، فقالوا: إرادة الله قدیمة وهی غیر علمه وغیر ذاته عزّ وجلّ. أمّا البعض الآخر فقد صرّح، استناداً إلى أمثال الروایة القائلة: «خلق الله المشیئةَ بنفسها ثمّ خلق الأشیاء بالمشیئة»4، بأنّه من المعلوم أنّ المشیئة مخلوقة.
لقد جاء فی بعض الروایات أنّ الله قد خلق أسماءً لنفسه وخلق اسماً فی ذاته فهو لیس بخارج عنها. ویتعیّن الالتفات إلى أنّ تعبیر الخلق هنا لیس هو بمعناه العرفیّ أو ما یُصطلح علیه فی الفلسفة، فهو لا یعنی أنّ الاسم الذی جعله الله له هو مخلوق قال الله له: كن أیّها الاسم! فلو كان الأمر كذلك لتبادر إلى الأذهان السؤال التالی: بأیّ شیء أوجد الله هذا الاسم؟ وكوجه من الوجوه یمكننی القول: لعلّ من الأنسب أن نقول: إنّ تعبیر الخلق الذی جاء بخصوص الاسم الخاصّ بذات الله هو بمعنى «الظهور».
وهناك تصوّر خاطیء آخر بخصوص خلق العالم عند بعض قدماء المفكّرین وهو قولهم: «إنّ إیجاد العالم من قِبل الله هو ضرب من الجبر؛ أی إنّه عزّ وجلّ لم یستطع إلاّ أن یخلق. فذات الله تقتضی الخلق ولیس للإرادة والمشیئة فی هذا الباب أیّ دور یذكر»؛ بمعنى أنّ عملیّة خلق العالم من قبل ذات الله تبارك وتعال هی قضیّة جبر، والعیاذ بالله. لكنّه فی مقابل مثل هذا التصوّر الخاطئ توجد العدید من الآیات والروایات التی تؤكّد تأكیداً مبرماً على تعلّق كلّ شیء بمشیئة الله تعالى. فالله یعلّم رسوله قول «إن شاء الله» إذا أراد فعل شیء: «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَیْ‏ءٍ إِنِّی فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ یَشَاءَ اللهُ»5، كما أنّ من آدابنا الدینیّة أن نقول «إن شاء الله» عند كلّ عمل نهمّ بالقیام به وأن نلقّن قلوبنا بأنّه ما من عمل یُنجَز بمعزل عن مشیئة الله تعالى؛ بل لقد استخدم القرآن الكریم أیضاً معنى لطیفاً فی هذا الباب عند قوله: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ یَشَاءَ اللهُ»6؛ أی: حتّى مشیئتكم فهی غیر ممكنة من دون مشیئة الله عزّ وجلّ. فالله یؤكّد بشدّة على ضرورة معرفته بهذه الكیفیّة وهی أن نعتقد بأنّه ما من أمر أو شیء فی هذا الكون یمكن أن یتحقّق بمنأى عن مشیئته وإرادته سبحانه وتعالى.
ولعلّ لفظتَی المشیئة والإرداة تعطیان معنیین متفاوتین إذا استُعملتا سویّة؛ لكنّه إذا استُخدمت كلّ واحدة فی محلّ الاُخرى لأفادتا معنى واحداً. وعلى أیّة حال فإنّ هناك تأكیداً كبیراً على كلمة شاء، والقرآن یؤكّد من جانبه على ضرورة أن لا نَعدّ الله مغلول الید. فحینما نظنّ أنّ القضاء حتمیّ وأنّ العلّة تامّة فإنّنا نغفل عن وجود جانب آخر من العلّة ألا وهو مشیئة الله تعالى؛ فهو إذا شاء، تهدّم كلّ هذا البنیان. فلا ینبغی أن نعتقد فی أیّ حال من الأحوال أنّ الله مغلول الید وأنّه لم یعد هو الآخر قادراً على التغییر! فالإله المغلول الید لن یكون إلهاً أصلاً. فهذا التعلّق بمشیئة الله موجود فی جمیع المخلوقات، سواء القدیم منها أو الحادث، المجرّد منها أو المادّی. فوجود كلّ مخلوق مرتبط ارتباطاً وثیقاً بإرادة الله، بل هو بتعبیر آخرـ تحقق لإرادة الله عزّ وجلّ.
یقول القرآن الكریم: «إِذَا قَضَىٰ‏ أَمْراً فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ»7 والجمود على هذه الألفاظ یقتضی القول: إنّه لابدّ بادئ ذی بدء من وجود أمر یكون متعلّقاً بالقضاء، وأنّه لابدّ أن یَعلَم الله أوّلاً، ثمّ یأذن، لیُعمِل بعد ذلك مشیئته ومن ثمّ إرادته فیصل الأمر إلى التقدیر ومن ثمّ إلى القضاء. فإذا وصل الأمر إلى القضاء یكون قد بلغ تمامه. فالقضاء یعنی إنهاء العمل؛ فعندما ینهی العمل، «یقول له كن فیكون» بمعنى أنّه یقول لذلك الموجود الذی شُمل بقضاء الله: كن! فیكون ویوجَد. وهذا بدوره یعنی أنّ هناك قولاً لابدّ من صدوره من الله، وهو «كن»؛ فإذا اجتمعت كلّ هذه الشروط وُجِد ذلك الأمر. إذن ینبغی توفّر هذه الاُمور إلى جانب ذات الله. وهنا یتبادر إلى الذهن السؤال التالی: هل هذه الأشیاء هی عین الله أم هی غیر الله؟ فالله لیس كلاماً. الله یقول: كن! وهذا الكلام إنّما یوجَد بقول الله تعالى. فإذا كان هذا الكلام إلهاً، ما كان حادثاً، بل لكان موجوداً منذ الأزل. وإذا كان مخلوقاً، لأمكن نقل القول إلیه. أی عندما یرید الله خلق هذا الكلام فلابدّ أن یقول له أیضاً: كن! وهلمّ جرّاً، وهذا یستلزم التسلسل. لأنّه من أجل خلقٍ واحد یتعیّن على الله أنّ یقول: كن إلى ما لا نهایة وهذا هو مقتضى التمسّك باللفظ. لكنّنا إذا تدبّرنا فی الأمر ملیّاً لاكتشفنا أنّ الله یرید أن یقول لنا عبر بیانه هذا: إنّه ناهیك عن أنّ الله موجود وأنّه یرید إیجاد هذا الأمر، فإنّه لا حاجة لوجود شیء آخر؛ فالقرآن یقول: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَـٰهُ إِلَیْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى‏ صِرَاطِ الْعَزِیزِ الحَمِیدِ»8، ومعنى الآیة هو أنّ الله یهدی بإذنه هو؛ فهل یعنی ذلك یا ترى أنّ الله یوجِد فی البدء هذا الإذن ومن ثمّ یوجِد الهدایة بواسطتها؟ أم إنّ المقصود هو أنّ الله لیس بحاجة إلى إذن من أحد؟ وهذا كما لو سُئل أحدهم: بإذن مَن قمت بهذا الفعل؟ فیقول فی جوابه: بإذنی أنا! ومعناه: إنّنی لست بحاجة إلى إذن من أحد كی أقوم بهذا الأمر؛ ولا یعنی: أنّنی بحاجة إلى إذنی! وهذا التعبیر مستعمل فی الحوارات العرفیّة والعقلائیة. فقولنا: إنّ الله یهدی بإذنه یعنی إنّه لیس بحاجة إلى إذن من أحد.
أمّا معنى نصّ الحدیث القائل: «خلق الله المشیئةَ بنفسها ثمّ خلق الأشیاء بالمشیئة» فهو أنّ إیجاد المشیئة لیس بحاجة إلى خلق. فالقول بأنّ الله یخلق العالم بإذنه أو یهدیه بإذنه لا یعنی أنّ على الله حقیقةًـ أن یوجِد إذناً ومن ثمّ ینجز عمله على ضوء هذا الإذن! بل هو یدلّ على حدّ فهمناـ على أنّ إیجاد المشیئة لا یحتاج إلى واسطة.
أمّا السؤال الآخر فهو: هل إنّ المشیئة والإرادة هما عین الذات أم خارجتان عنها؟ فإنّنا إذا أرجعنا المشیئة والإرادة إلى معنى المحبّة، فستكونان عین الذات. فالصفات الذاتیّة لا تنحصر بتلك المذكورة فی كتب علم الكلام. فإن ادّعى أحدهم أنّ حبّ الله لذاته أو لآثار ذاته هو عین ذاته، وأنّ الإرادة والمشیئة تعطیان معنى الحبّ، فستكون الإرادة والمشیئة أیضاً من صفات الذات. هذا وقد وردت الإرادة فی القرآن الكریم بمعنى الحبّ أیضاً: «تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا وَاللهُ یُرِیدُ الآخِرَةَ»9.
تؤكّد مولاتنا الزهراء (علیها السلام) عبر هذه الكلمات على أمرین: الأوّل هو أنّ خلقة مجموع هذا العالم لم یكن من مادّة سابقة بل وجوده إبداعیّ؛ بمعنى أنّه خلقها على نحو الإبداع (لا بمعناه المصطلح). والثانی هو أنّ الله لیس مغلول الید على الإطلاق وهو یمارس عمله دوماً طبقاً لمشیئته. فكلّ ما یخلق، سواء أكان قصیر العمر أم لم تكن لعمره نهایة، فهو متعلّق بمشیئته سبحانه وتعالى أیضاً.

وصلّى الله على محمّد وآله.


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220.

2. سورة الأنبیاء، الآیة 30.

3. سورة الأعراف، الآیة 179.

4. بحار الأنوار، ج4، ص145.

5. سورة الكهف، الآیتان 23 و24.

6. سورة الإنسان، الآیة 30؛ وسورة التكویر، الآیة 29.

7. سورة البقرة، الآیة 117؛ وسورة آل عمران، الآیة 47؛ وسورة مریم، الآیة 35؛ وسورة غافر، الآیة 68.

8. سورة إبراهیم، الآیة 1.

9. سورة الأنفال، الآیة 67.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...