صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثالث عشر: هدف الخلقة

تاریخ: 
چهارشنبه, 3 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

السلام علیك یا أبا محمّد یا حسن بن علیّ أیّها المجتبى

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 25 آب 2010م الموافق للیلة الخامسة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

هدف الخلقة

الله مختار على الإطلاق

«...كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَهَا بِمَشِیَّتِه، مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى تَكْوِینِهَا، وَلاَ فَائِدَةٍ لَهُ فِی تَصْوِیرِهَا‏»1.
لقد تطرّقنا فی المحاضرة الماضیة إلى قضیّة أنّ فاعلیّة الله بالنسبة إلى أفعاله، التی من جملتها خلق العالم، اختیاریّة؛ فكلّ شیء فی هذا العالم إنّما یقع ضمن إطار إرادة الله ومشیئته؛ ومن هذا المنطلق نرى أنّ القرآن یصرّ إصراراً عجیباً على إناطة كلّ شیء بمشیئة الباری عزّ وجلّ، سواء فی الاُمور التكوینیّة (من قبیل سعة الرزق وضیقه، وطول العمر وقصره)، أو فی الاُمور التشریعیّة. فی الامور التشریعیة یؤکد القرآن علی انّ اصلالتشریع لابدّ أن لا یكون إلاّ بإذن الله تبارك وتعالى ومشیئته؛ فهو یقول عند تحریم البعض لشیء وتحلیلهم لشیء آخر: «قُلْ ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ»2، وکذا الامر بالنسبة للعمل بالتشریع أیضاً فإنه لابدّ أن یتعلّق بمشیئته سبحانه وتعالى، فیقول: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ»3، فحتّى إیمانكم هو غیر خارج عن دائرة مشیئته عزّ وجلّ. فعلاوة على الموت والحیاة فإنّ أفعالنا الاختیاریّة أیضاً متعلّقة بإذن الله ومشیئته. وعلى هذا الأساس فإنّ النقطة المهمّة التی تؤكّد علیها تلك الكلمات القصار من هذه الخطبة الشریفة هی أنّ خلق هذا العالم هو بمشیئة الله تعالى؛ «ذرأها بمشیّته».
تُستخدم كلمة «ذرأ» فی العادة فی باب تكاثر الموجودات؛ كالتكاثر الذی یكون عن طریق التوالد والتناسل. فالقرآن الكریم یقول: «ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ»4؛ أی: إنّ الله هو الذی یوزّع الموجودات على سطح الأرض؛ والمراد من هذا القول هو: لا تظنّن أنّ أفعال الخلائق قد خرجت من ید الله بعد خلق الأبوین ولم تعد لها علاقة بإرادة الله ومشیئته بعد ذلك.
إنّ ظواهر الكون المختلفة لا تحدث إلاّ فی سیاق سُنن وضعها الله فی هذا العالم، وقد یكون لبعضها كالمعجزات طرق خاصّة واستثنائیّة. فإذا كان تحقّق كلّ شیء فی هذا العالم منوطاً بمشیئة الله تعالى ولم یكن للجبر أو القهر سبیل إلى فعل الله عزّ وجلّ، فإنّه یكون لله الاختیار التامّ والمطلق. فأفعال سائر الموجودات المختارة كالإنسان تشوبها نسبة من عوامل الجبر؛ لهذا فإنّه لیس كلّ شیء هو تحت تصرّفنا. فاختیارنا قد لا یشكّل من بین مجموع الأسباب والعلل الدخیلة فی أفعالنا إلا واحداً فی المائة. فالله هو الذی جعل تلك العوامل، وهی لیست تحت تصرّفنا، ومتّى شاء فهو قادر على سلبها. أمّا فیما یتعلق بفعل الله فالاختیار فیه یكون بتمام معنى الكلمة؛ إذ لیس هناك أیّ شرط أو قید أو مانع یقف أمام فعل الله؛ ومن هنا فإنّ الاختیار الحقیقیّ هو لله فحسب.

العلّة الغائیّة لأفعال الإنسان

عندما نحلّل نحن البشر أفعالنا نجد أنّنا لا نقوم بفعل إلاّ عندما نشعر بالدافع إلیه؛ فعلى سبیل المثال نحن باستطاعتنا أن نأكل الطعام وباستطاعتنا أن لا نأكل أیضاً؛ لكنّنا عندما نجوع فإنّ حافزاً یتولّد فینا یدفعنا إلى تناول الطعام. فالفعل الاختیاریّ یحتاج إلى عامل مؤثّر، كما أنّه لا یؤتَى به إلاّ إذا كانت نتیجته جلب منفعة، أو دفع مضرّة، أو تأمین حاجة، أو إزالة معاناة؛ وباختصار فلابدّ من وجود خیر وراءه كی یهبّ المرء للقیام به. فطالما افتقرنا إلى ذلك الخیر ووجدنا فی أنفسنا الرغبة للحصول علیه فإنّنا نسعى فی سبیله. فإنْ نحن طلبنا الطعام فلأنّ الشِبْع یمثّل خیراً بالنسبة لنا ونحن مفتقرون إلیه؛ إذن فنحن نتناول الطعام كی نحسّ بالشبع؛ وبعبارة اُخرى فإنّ غایتنا هی السعی، من خلال الفعل الاختیاریّ، للحصول على ما نحن محرومون منه. من هذا المنطلق فإنّ ما نضعه فی الحسبان كی نبلغه عبر إنجاز عملٍ ما فهو هدفنا من هذا العمل وهو ما یُصطلح علیه فی الفلسفة «العلّة الغائیّة». وهنا یذهب البعض إلى أنّ العلم بذلك الهدف هو العلّة الغائیّة، ویَعدّ البعض الآخر أنّ الاشتیاق له هو العلّة الغائیّة. ولنقل ببساطة أكثر: «إنّ الرغبة إلى ذلك الهدف هی العلّة الغائیّة».

العلّة الغائیّة لأفعال الله

هنا قد یتبادر إلى الذهن سؤال: هل كان لله، عندما خلق الكون باختیاره، هدف یصبوا إلیه أم لا؟ فإن كان له هدف، فما هو ذلك الهدف؟ ما الشیء الذی هو فاقد له لیحاول الحصول علیه عبر القیام بهذا الفعل؟
یقول البعض فی هذا الصدد: إنّ الله لیس له هدف أصلاً. بل إنّه من الخطأ أساساً أن ننسب لله هدفاً أو غرضاً أو علّة غائیّة. فالأغراض والأهداف هی غیر مطروحة إلاّ فیما یخصّ المخلوقات. أمّا البعض الآخر فیقول: لقد خلق الله الكون كی تعمّ الفائدة الآخرین، لا أن یستفید هو من ذلك. ولازم هذا القول أنّ الله یفتقر إلى رضا عباده أو كمالهم وهو یرید الوصول إلى ذلك. ومؤدَّى هذا الكلام أنّ الله هو محتاج!
أمّا الفلاسفة المسلمون فلهم فی هذا الباب بحث مفصّل یمكن تلخیصه بما یلی: إنّ العلّة الغائیّة والعلّة الفاعلیّة لله سبحانه وتعالى، بل لجمیع المجرّدات، هما شیء واحد. لكن ما معنى هذا القول؟ فإذا قلنا: إنّ ذاته هی علّة غائیّة لذاته، فهل یعنی هذا القول إنّه یفتقر إلى ذاته وهو یسعى للحصول علیها؟
فی نظری فإنّ العلّة الغائیّة هی ـ فی الحقیقة ـ الرغبة التی یشعر بها الموجود المختار تجاه تلك الغایة؛ وبتعبیر أكثر شمولیّة: هی محبّة الدافع لإنجاز الفعل الاختیاریّ. غیر أنّ المحبّة تختلف باختلاف الموجودات؛ فبالنسبة لله تعالى فإنّه من الممكن افتراض لون خاصّ من المحبّة تكون ـ حالها حال سائر صفاته الذاتیّة ـ عین ذاته. فالله یحبّ الحُسن والخیر، وإنّ الخیر المطلق هو عین ذاته؛ إذن فإنّ الشیء الذی یعكس مرتبة من خیره یكون مطلوباً من قِبله بالتَّبَع.
فتارة نحن نحبّ الشیء لنفسه، وتارة اُخرى نحبّه لانتسابه لشیء آخر. فعندما تحبّ شخصاً فإنّك تحبّ تصویره أیضاً، مع العلم أنّ التصویر لا یعدو كونه قصاصة ورق، لكنّك تحبّه لأنّه یُظهر حبیبك. فطالما أحببت ذلك الشخص فإنّك تحبّ تصویره، بل وكلّ ما ینتسب إلیه تبعاً لذلك. فنحن نُقبّل أبواب وجدران حرم السیّدة المعصومة (سلام الله علیها) لأنّ تلك الأبواب والجدران منتسبة إلى المحبوب وهی ـ من هذه الناحیة ـ مطلوبة لنا أیضاً. وهذه هی خاصّیة المحبّة.
وما یكون ـ أصالةً ـ ذا قیمة بالنسبة لله تعالى انّما هی ذاته هو. وما من شیء على الإطلاق أكثر محبوبیّة من الله تعالى. فالله تبارك وتعالى یملك جمیع الكمالات على نحو أشدّ وأكمل، وكلّ مقدار من الكمال یملكه الآخرون فهو مستقىً منه عزّ وجلّ؛ إذن فإنّ أكثر الأشیاء محبوبیّة هی ذات الله عزّ وجلّ. ولمّا كان الله یحبّ ذاته أصالةً، فهو یحبّ آثارها أیضاً بالتبع. فكلّ شیء یكون أشدّ إظهاراً لله فهو أكثر مطلوبیّة له تعالى. فلماذا یكرّر الباری عزّ وجلّ فی كتابه الحكیم قول: «وَاللهُ یُحِبُّ الصَّابِرینَ»5، «یُحِبُّ التَّوَّابِینَ»6، «یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ»7، ...الخ؟ لأنّ المتمتّعین بهذه الصفات یتمكّنون أكثر من غیرهم من أن یكونوا مرآةً ومظهراً لله عزّ وجلّ. فالإنسان الأكمل، ألا وهو النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) هو أكثر من یحبّهم الله من عباده؛ ذلك أنّ وجوده وصفاته تفوق غیرها من الأشیاء فی إظهارها لله جلّ شأنه. فهو حبیب الله؛ لأنّ خیراته وكمالاته تفوق ما لغیره منها، وهو یستطیع أكثر من غیره إظهار صفات الله فی الخلق. وكذا هو الحال بالنسبة إلى الأئمّة الأطهار وأنبیاء الله وأولیائه كلّ بحسب مرتبته وكماله.
القضیّة الاُخرى التی تستحقّ العنایة هنا هی أنّنا أحیاناً نحبّ شیئاً لا یمكن الحصول علیه إلاّ بالقیام بالكثیر من الخطوات؛ فمثلاً إذا أحبّ شابّ الزواج من ابنة عائلة ثریّة وذات حسب ونسب فسوف یرى أنّه یتعیّن علیه من أجل ذلك كسب المال، والحصول على عمل مشرّف، ونیل شهادة جامعیّة مرموقة، ولهذا تراه یصمّم على تأمین كلّ ذلك. فهو أصالةً لا یرید غیر الزواج من تلك الفتاة، وما باقی الخطوات إلاّ مقدّمات لذلك. لذا تراه یبذل قصارى جهده لإنجاز كلّ ذلك لأنّها تشكّل مقدّمة للوصول إلى المعشوق. وكذا بالنسبة للراغب فی زیارة بیت الله الحرام فهو یسعى فی سبیل كسب الرزق الحلال لتأمین متطلّبات سفره ویبذل ما بوسعه لتوفیر مقدّماته. فكلّ تلك المقدّمات مطلوبة، وكلّها محبوبة لكنّ مطلوبیّتها ومحبوبیّتها هی من أجل أمر هو أحبّ إلى القلب! فلولا هذا الأمر لما تجشّم المرء عناء القیام بكلّ تلك الأعباء. إذن فإنّ من الممكن حبّ شیئین أو بضعة أشیاء طولیّاً؛ بحیث یكون حبّ أحدها بالأصالة، أمّا حبّ الباقی فیتّسم بالفرعیّة. فإنّ ما یُطلَب أصالةً فی الحجّ هو زیارة بیت الله الحرام؛ لكنّ زیارة قبر رسول الله (صلّى الله علیه وآله) هی مرادة أیضاً. ولعدم وجود التزاحم بین هذین الأمرین یكون كلاهما مطلوبا؛ لكنّ أحدهما یكون فرعاً للآخر. فهما هدفان؛ لكنّهما لا یتمتّعان بنفس النسبة من المطلوبیّة، لأنّ لأحدهما صبغة ثانویّة.
فأوّل مطلوب لله سبحانه وتعالى هی ذاته التی لا تشكو من أیّ نقص أو عیب. كما أنّه لا یعانی من كونه وحیداً على الإطلاق؛ فهو وحید منذ الأزل وإلى الأبد. لقد ورد فی الزیارة الجامعة لأئمّة المؤمنین، وهی زیارة نفیسة للغایة وتستحقّ القراءة بتمعّن كبیر، ما نصّه: «یَا ذَا الْقُدْرَةِ الَّتِی صَدَرَ عَنْهَا الْعَالَمُ... ابْتَدَعْتَهُ... وَلا لِوَحْشَةٍ دَخَلَتْ عَلَیْكَ إِذْ لا غَیْرُكَ، وَلا حَاجَةٍ بَدَتْ لَكَ فِی تَكْوِینِهِ، وَلا لاسْتِعَانَةٍ مِنْكَ عَلَى مَا تَخْلُقُ بَعْدَهُ، بَلْ أَنْشَأْتَهُ لِیَكُونَ دَلِیلاً عَلَیْكَ بِأَنَّكَ بَائِنٌ مِنَ الصُّنْع»8.
فأفضل ما یرضی الله جلّ وعلا هو الالتفات إلیه والعلم به، فهذه هی أعلى مراتب الابتهاج. فبعد الابتهاج بذاته فهو یبتهج بحیازته لأكمل المخلوقات التی یتصدّرها النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) ثمّ السیدة الزهراء (سلام الله علیها) و امیر المؤمنین (علیه السلام)، و من ثمّ سائر الأئمة (صلوات الله علیهم أجمعین) لیأتی من بعدهم الأقرب فالأقرب من عباده.
لقد خلق الله العالم لأنّه یحبّ أن تكون هناك مرایا تعكس ذاته. فإذا صحّ الحدیث القدسیّ القائل: «یا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علیّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»9 فإنّ تبریره القابل للفهم هو أنّه عندما یرید الله تعالى خلق أمثال ونظائر لرسول الله (صلّى الله علیه وآله) فلابدّ من تحقّق سلسلة مترابطة لذلك. فصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشریف) لم یكن لیأتی إلى الدنیا إلاّ بتوفّر أب كالإمام الحسن العسكریّ (علیه السلام) وأمّ كالسیّدة نرجس؛ وكذا الأمر یتسلسل حتی یصل إلى السیّدة الزهراء (سلام الله علیها). فلو لم تكن السیّدة الزهراء (علیها السلام) لم یكن للأئمّة (علیهم السلام) أن یوجدوا أصلاً، ولولا الأئمّة (علیهم السلام) لم یكن نور النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) ورسالته لیستمرّا ویبقیا. فبقاء الإسلام لم یكن إلاّ ببركة الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) وإنّ الخیط الناظم لتلك الذوات المقدّسة والموصل لها ببعضها هو السیّدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)؛ ومن هنا یقول الباری تعالى: «لولا فاطمة لما خلقتكما».
إنّنا نعتقد على نحو القطع والیقین أنّ مقام النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) هو أعلى من الجمیع. فلا یمكن القول: إنّ وجود النبیّ (صلّى الله علیه وآله) هو فرع لوجود فاطمة الزهراء (علیها السلام)، لكنّه یمكن القول بأنّ هذه الثلّة هی ما یطلبه الله تعالى وهی مترابطة متماسكة مع بعضها البعض وأنّ السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) هی التی یمكنها أن تشكّل الخیط الذی تنتظم علیه أجزاء تلك المجموعة مع بعضها.
ورجوعاً إلى ما طرحنا من مباحث، فإنْ نحن سُئلنا: لأیّ شیء خلق الله العالم؟ نقول: إنّ الله لیس بفاقد لأمر كی یصیب النفع بخلقه لهذا العالم؛ لكن المخلوق قد یكون هو المحتاج. فالله جلّت آلاؤه إذ یخلق التفاحة، فإنّه یخلق عطر التفّاح فی إثرها أیضاً؛ لكنّه لا یمكن لعطر التفاح أن یتحقّق إلاّ إذا كانت هناك تفّاحة. ففی الحقیقة إنّ هذا العطر هو المحتاج إلى وجود جوهر یقوم به؛ فلیست القضیّة أنّ الله هو المحتاج. فهذا الشرط هو شرط تحقّق المخلوق، ولیس شرط إفاضته. هو شرط قابلیّة القابل، لا شرط فاعلیّة الفاعل. فلیس ثمّة لله من حاجة؛ لكنّه خلق الكون لأنّه ـ أصالةً ـ یحبّ ذاته؛ ومن هذا الحبّ یتولّد بالتبع حبّ أكمل المخلوقات، ولمّا كان النبیّ الخاتم (صلّى الله علیه وآله) هو أكمل الموجودات وأقربها إلى الله تعالى، فإنّه یمكننا القول: إنّه عزّ وجلّ خلق العالم لأجل النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله)؛ بالطبع إنّه یحبّ الأشیاء بمقدار ما تتمتّع به من الخیر. فهؤلاء مطلوبون بمقدار ما یدلّون علیه من حكمة الله، وعظمته، وعلمه، وما إلى ذلك. فالله یحبّ جمیع مخلوقاته؛ لكن لِسعة الفجوة التی تفصلنا نحن عن النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) والأئمّة الأطهار (علیهم السلام) وهی ممّا یستعصی على القیاس، فإنّه لا یكون للعالم قیمة تُذكر فی مقابل تلك الذوات المقدّسة. هذا الكلام لیس مجرّد مجاملة؛ بل هو ترجمة لأقوالهم (علیهم السلام).

الهدف من خلق جهنّم

عندما یُتّخذ القرار لخلق موجود مختار فلابدّ أن تُهیّأ الأرضیّة بحیث تتوفّر أمامه إمكانیّة اختیار الصراط المستقیم من ناحیة وانتخاب السبیل المعوجّة من ناحیة اُخرى. فعلاوة على فتح طریق الوصول إلى المقامات العالیة لابدّ من وجود طریق التسافل إلى الحضیض أیضاً كی یكون المناخ مناسباً للاختیار، فلا یستحقّ دخول الجنّة إلاّ من توفّرت له إمكانیّة دخول النار أیضاً. فلو اقتصر الأمر على سبیل واحدة لَما كان ثمّة معنىً للاختیار أساساً؛ وبناءً على ذلك یتعیّن وجود طریق تؤدّی إلى جهنّم أیضاً. وفی هذه الحالة یكون وجود هذا الطریق مطلوباً بالعَرَض. فلو لم یكن فی المخطّط خلْقُ موجود مختار فی هذا العالم لم یكن الله لیخلق النار أصلاً. لذا فإنّه عزّ وجلّ خلق جهنّم بالعَرَض من أجل أولیائه هؤلاء؛ ذلك أنّ بلوغهم مدارج الكمال لن یكون ممكناً إلاّ فی ظلّ عباداتهم الاختیاریّة، ومن أجل تحقّق تلك العبادات الاختیاریّة لابدّ من وجود مفترق طریقین؛ إحداهما طریق الله والاُخرى طریق غیر الله. ولمّا كانت طریق الله منتهیة إلى الجنّة، تحتّم أن تنتهی طریق غیر الله إلى نقطة معیّنة هی جهنّم. إذن فجهنّم هی مطلوبة بالعرض.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220.

2. سورة یونس، الآیة 59.

3. سورة یونس، الآیة 100.

4. سورة الأنعام، الآیة 136.

5. سورة آل عمران، الآیة 146.

6. سورة البقرة، الآیة 222.

7. سورة التوبة، الآیة 108.

8. بحار الأنوار، ج99، ص167. استُخدم هنا مصطلح الصدور فی التعبیر عن خلق العالم؛ لذا فلیكن فی علم اولئك الذین یُشكلون على الفلاسفة بسبب قولهم إنّ العالم صادر عن الله، أنّ أمثال هذه التعابیر جاءت فی روایاتنا أیضاً.

9. مستدرك سفینة البحار، ج3، ص334.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...