صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الخامس عشر: المصطفی من الله

تاریخ: 
جمعه, 5 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 27 آب 2010م الموافق للیلة السابعة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

المصطفى من الله

المفاهیم اختار، واصطفى، واجتبى

«...وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبِی مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اجْتَبَاهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ، إِذِ الْخَلاَئِقُ بِالْغَیْبِ مَكْنُونَةٌ، وَ بِسَتْرِ الأَهَاوِیلِ مَصُونَةٌ، وَبِنِهَایَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَة»1.
بعد الشهادة بالتوحید وبصفات الله عزّ وجلّ، تأتی مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) فی هذه الخطبة الشریفة على ذكر الشهادة بالرسالة. نحن لدینا اطّلاع على معانی الألفاظ «أرسل»، و«ابتعث» أو «بعث»؛ فالإرسال یعطی معنى البعث، والبعث یعنی الإیقاظ والنشر، غیر أنّ القرآن الكریم یستعمل أوصافاً اُخرى للأنبیاء مضافاً إلى تلك، مثل «الاختیار» و«الاصطفاء»، و«الاجتباء» التی تتقدّم فی الرتبة على الإرسال والبعث. فالقرآن الكریم یقول فی موسى (علیه السلام): «وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا یُوحَىٰ»2؛ أی اخترتك للنبوّة. وقد استُخدمت لفظة الاصطفاء فی حقّ الكثیر من الأنبیاء أیضاً؛ نظیر: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَاهِیمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِینَ»3. كما وقد استُعمل الفعل «اجتبى» أیضاً فی المجال ذاته؛ إذ یقول عزّ من قائل فی سورة آل عمران: «وَمَا كَانَ اللهُ لِیُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَیْبِ وَلَٰكِنَّ اللهَ یجَْتَبِی مِنْ رُّسُلِهِ مَنْ یَشَاءُ»4. والألفاظ المذكورة، وإن أعطت جمیعها فی الفارسیّة معنى الاختیار والانتخاب، غیر أنّ المعانی المأخوذة فی كلّ منها فی اللغة العربیّة مختلفة. «فالاصطفاء» مأخوذ من «الصفو»، وهو تصفیة الشیء وجعله زلالاً. أمّا «الاجتباء» فمأخوذ من الاستخلاص وسحب عصارة الشیء. وأخیراً «الاختیار» الذی هو من مادّة «الخیر»؛ وهو انتقاء الشیء بعنوان کونه خیراً.
هذه الأوصاف قد استُعملت فی حقّ النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) أیضاً، بید أنّ هناك اُموراً قد لوحظت فی هذه الخطبة نرى من المهمّ الالتفات إلیها. فالسیّدة الزهراء (علیها السلام) تؤكّد هنا أنّ الاختیار والاصطفاء قد سبقا الإرسال والبعث. وقد یتبادر إلى الذهن من هذا الكلام للوهلة الاُولى أنّ النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) قد بُعث بالنبوّة فی الأربعین من عمره الشریف، لكنّ الله قد اختاره واصطفاه قبل ذلك الحین ببضع سنوات. إلاّ أنّ الجمل التالیة توحی بغیر ذلك. دعونی استعرض فی بادئ الأمر العبارات التی تلوتها فی مطلع المحاضرة ومن ثمّ أتطرّق إلى شرحها.
تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «أَشْهَدُ أَنَّ أَبِی مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اجْتَبَاهُ»؛ إذ تُطلق كلمة التسمیة على عملیّة تعیین شخص لإنجاز مهمّة ما. «وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ»؛ والابتعاث هو البعث الذی یكون بحساب ودقّة. كما أنّها (علیها السلام) تبیّن فی هذه العبارة أنّ الاصطفاء كان قبل البعثة؛ لكن كم من الوقت قبله؟ هی تقول: عندما كانت المخلوقات فی هذا العالم غیباً مستوراً وشیئا مكنوناً وحینما كانت تسترهم حُجب عجیبة وسُتر مهولة فكانوا محفوظین ومصونین بها. أمّا العبارة الأخیرة «بِنِهَایَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَة» فقد فسّرها من قام بشرح هذه الخطبة كما یلی: لقد كانت الموجودات معدومة منذ الأزل وهذا العدم قد امتدّ إلى زمان نشوء هذا الوجود، وقد كانوا یوجَدون فی آخر مرحلة من مراحل العدم. غیر أنّ هناك احتمالاً آخر یبدو لی أقوى من سابقه وهو أنّ المراد من النهایة هو التأكید علی کونها معدومیّة؛ بمعنى أنّه لم یكن ثمّة أیّ شیء حینذاك. على أیّة حال فهی (سلام الله علیها) تقول: «لقد اختار الله النبیّ واصطفاه وسمّاه للرسالة فی الوقت الذی كانت فیه الخلائق فی ذلك الوضع، ومن ثمّ بعثه للرسالة فی هذا العالم فی زمان معیّن».

نور رسول الله هو أوّل المخلوقات

لقد طرقت مسامعنا بعض الروایات التی تحمل مفاهیم من قبیل أنّ أنوار النبیّ الأعظم والأئمّة الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین) قد خُلقت قبل خلق هذا العالم. فقد جاء فی الخبر عن جابر بن عبد الله أنّه قال: قلت لرسول الله (صلّى الله علیه وآله): ما هو أوّل شی‏ءٍ خلقه الله تعالى ؟ فقال: «نور نبیّك یا جابر»5. ولعلّ بالإمكان القول إنّ مضموناً كهذا، وهو أنّ مخلوقاً باسم النور قد وُجد قبل خلق هذا العالم المحسوس وهو متّحد مع الوجودات المقدّسة للرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) والأئمّة الأطهار (علیهم السلام)، قد تجاوز حدّ التواتر، بل وقد ورد حتّى فی كتب الحدیث عند أهل السنّة. غیر أنّ إدراك حقیقة هذا المبحث هو غایة فی الصعوبة؛ فنحن نقبل به تعبّداً من دون أن نفهم كنهَه. یعتقد البعض من السطحیّین فی الفكر أنّ هذا النور هو أشبه بنور المصباح أو نور الشمس؛ غیر أنّ التأمّل فی الروایة یُظهر أنّ هذا النور یختلف تماماً عن تلك الأنوار. فالنور المنسوب إلى الوجودات المقدّسة للنبیّ الكریم والأئمّة الطاهرین (صلوات الله علیهم) هو شیء خُلقت الجنّة من أشعّته، كما وخُلقت الملائكة، واللوح، والقلم، وما إلى ذلك منه أیضاً. ویزداد الوضع صعوبة بالنسبة لنا عندما نسمع أنّ هذا النور كان له من العلم ما یفوق العلوم التی فی حوزتنا الآن؛ بل إنّ علوم جمیع ما بعده من المخلوقات هو مستقىً منه، بل وإنّ الملائكة قد تعلّموا تسبیح الله منه كذلك!
بالطبع فی ذلك الحین لم یكن ثمّة مكان، أو فضاء، أو زمان؛ لأنّ هذا النور كان أوّل المخلوقات. فأیّ نور هو هذا؟ إنّ عقولنا غیر قادرة على إدراك ذلك لكنّ الذی یطمئن بال المرء هو أنّ الله قد عرّف نفسه بالنور أیضاً بقوله: «اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»6. فنحن نعلم، على نحو القطع والیقین، أنّ الله لیس هو نوراً حسّیاً. فذلك النور الذی خلقه من نوره لابدّ أن یكون من سنخه، ولیس من سنخ هذه الأنوار المادّیة والحسّیة. إنّنا ننزّه نور الله من النقائص فنقول: إنّ الله هو نور، لكنّه لیس له حجم أو زمان أو مكان، ولیس هو بحاجة إلى جوهر یقوم به، ولا هو ممّا یقبل التجزئة أیضاً؛ ونحن لا نفهم كنهه، مثلما أنّنا لا نفهم نور رسول الله أیضاً، وكلّ ما نعرفه بشكل إجمالیّ من خلال الأحادیث هو أنّه یوجد لله مخلوق كهذا. فكلّ ما یمكننا نحن قوله هو أنّ هذا النور هو على جانب من الطهارة بحیث لو أردنا العثور فی عالمنا المادّی هذا على شیء یكون شبیهاً له، فلابدّ أن نقول: هو مثل النور، وكما أنّ إضاءة أیّ جسم فی هذا العالم محتاجة إلى النور فإنّ موجودات هذا العالم هی بحاجة إلى ذلك الموجود بنفس تلك الدرجة؛ فلابدّ أن یشرق ذلك النور علیها كی تشرق وتُنوَّر؛ إذ: «وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا»7. جاء فی الخبر أنّ ذلك النور الذی ینسبه الله سبحانه وتعالى إلیه هو نور أهل البیت (علیهم السلام). فهذه اُمور قد ذكرت فی الأحادیث ونحن نشكر الله آلاف المرّات على أن جعل أسماعنا تألف مثل هذه المعارف. فهذه المعانی هی على مستوى من العظمة والسموّ حتّى أنّ مئات من الفلاسفة والحكماء یکونون قاصرین عن إدراك حقیقتها؛ اللهمّ إلاّ اُولئك الذین أراهم الله ذلك النور حضوریّاً، من أمثال علیّ (علیه السلام) الذی اُزیحت الحجب والستر من أمام ناظره حتّى قال: «لو كُشف الغطاء ما ازددتُ یقیناً»8، وهذا یعنی انه ینفی الغطاء عن نفسه.

عالم النور

تقول سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها): إنّ نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله) قد اختیر قبل إیجاد هذا العالم. لكن ما معنى «قبل» هنا؟ هل المقصود من ذلك یا ترى هو أنّه إذا كان عمر هذا العالم مثلاًـ ملیار سنة فهو قد اختیر على سبیل المثالـ سنة واحدة قبل هذا الملیار من السنین؟ جاء فی بعض الروایات بخصوص بعض موجودات ذلك العالم ما مضمونه أنّها قد خُلقت قبل ألفی عام. فهل هذا النور هو على هذه الشاكلة أیضاً؟ هل المراد من السنة هنا هو تلك الفترة المقدرة بـ‌365 یوماً، أم إنّ لها معیاراً آخر؟ ما نعرضه هنا بعنوان الاحتمال نابع من أنّ فهمنا عادة من هذه «القبلیة» و«البعدیة» هو «القبلیة» و«البعدیة» الزمانیّتین؛ لكنّ السؤال هو: هل كان ثمّة زمان قبل أن تُخلق جمیع هذه الخلائق؟ فلیس من المستبعَد أنّ هذه «القبلیة» لا علاقة لها بالزمان؛ لاسیّما وأنّ ارتباط ذلك النور لا یقتصر على الموجودات التی هی علی الحدود بین العدم و الوجود؛ بل إنّه یشرق على جمیع الموجودات إلى یوم القیامة. فعندما تكون جمیعها مخلوقة من ذلك النور فهی لیست منفصلة عنه بل إنّ هذا النور حاضر فیها جمیعاً.
إنّ الإحاطة بجمیع الموجودات والحوادث التی هی الآن فی طور الحدوث فی هذا العالم تحتاج إلى مقدرة علمیّة فائقة وواسعة جدّاً؛ لكنّه إذا افترضنا أنّ هناك موجوداً معیّناً یشاهد ما مضى من الحوادث بالضبط كما یشهد ما یجری حالیّاً منها، فإنّه من الشاقّ علینا بمكان إدراك ذلك. إنّ اعتقادنا بالله تبارك وتعالى لا یقتصر على أنّه یعلم الحوادث الماضیة والحالیّة فحسب، بل إنّ كلاًّ من الماضی والحاضر والمستقبل حاضر بالنسبة له عزّ وجلّ بنفس القوّة والدرجة؛ فلیست القضیّة أنّه إذا أتى الیومُ فإنّ الله لن یرى الأمس والغد. فعِلم الله لیس علماً حصولیّاً وصورة ذهنیّة حتّى نقول: هو یعلم ما الذی كان بالأمس؛ بل إنّ كلّ ماضی العالم وحاضره ومستقبله هو حاضر عند الله؛ إذ «لیس عند ربّك صباح ولا مساء».
ومن أجل تقریب المسألة إلى الذهن ضرب عظماؤنا مثلاً لطیفاً فقالوا: إذا كنتَ جالساً خلف شباك یمرّ من أمامه قطیع أباعر بحیث لا یمكنك أن ترى أكثر من بعیر واحد فی كلّ مرّة ومن أجل رؤیة البعیر التالی فلابدّ أن یمرّ الذی قبله، فإنّك فی حالة كهذه لا تستطیع رؤیة البعیر الثانی إلاّ عندما یكون الأوّل قد مرّ ولم یكن الثالث قد أتى بعدُ؛ ولهذا فإنّك لا ترى الأوّل والثالث. لكنّك إنْ صعدت إلى سطح الدار حتّى أشرفت على الطریق فإنّك سترى جمیع الأباعر دفعة واحدة وستكون جمیعها حاضرة بالنسبة إلیك على الرغم من أنّ الأباعر نفسها تصدق «القبلیة» و «البعدیة» بالنسبة الیها أثناء مسیرها فی الطریق. وهذا شبیه بالعالم الذی نعیش فیه فنحن نقیسه بمقیاس النافذة التی نراه من خلالها، حیث وفقاً لهذا المقیاس فإنّه عندما یكون الثانی لا یكون الأوّل موجوداً ولا یكون الثالث قد أتى بعد؛ لكنّه هناك عالم آخر مشرف على هذا العالم. فإذا تصوّرنا أنّ لعالم المحسوسات حدوداً وسقفاً، وأنّنا إذا تخطّینا تلك الحدود صرنا فی عالم آخر محیط بهذا العالم، عندها لن یكون للعالم المحیط ما للعالم المحاط به من التقدّم والتأخّر.
من المؤكّد أنّكم سمعتم أنّ هناك من أولیاء الله مَن یعلم بما مضى وما سیأتی من الوقائع. لیس هذا فحسب، بل إنّهم یشهدونها أیضاً. وتفسیر ذلك هو أنّ روح الإنسان هی موجود یسمو على هذا القالب المادّی ولقد منحه الله من القدرة ما یتیح له تخطّی عالَم المادّة، حتّى یصل إلى مرحلة یشبه فیها ذلك الشخص المشرف على الطریق من على سطح الدار، فیكون الماضی والحاضر والمستقبل بالنسبة له سواسیة. یُنقل عن نفر من كبرائنا أنّ بعض أولیاء الله قد وُفّقوا بعد ریاضات مضنیة وعبادات مجهدة من مشاهدة یوم عاشوراء. فأیّ قدرة هی تلك؟ ومن أین لهم ذلك؟ التعبیر القریب إلى أذهاننا هو قولنا: إنّ ذلك فی اللوح المحفوظ، أو لوح المحو والإثبات. هذا اللوح لیس هو كالألواح العادیّة؛ بل هو عالَم تجتمع فیه كلّ تلك الاُمور فی وقت واحد. فالذی یستطیع أن یتّصل بذلك المكان فسیتمكّن من مشاهدة جمیع الأحداث الموجودة هناك.
فإن كانت هذه الفرضیّة التی قرّبها عظماؤنا إلى الأذهان صحیحة، وهی لا تبدو مستبعدة أیضاً، فإنّه عندما تأتی مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) لتقول: لقد اختار الله سبحانه وتعالى أبی قبل أن یبعثه للرسالة عندما لم تكن مخلوقات هذا العالم قد وُجدت بعد، فباستطاعتنا القول: إنّ ذلك النور الذی خلقه الله قبل خلق الخلائق كان فی عالم آخر غیر عالم الدنیا هذا الذی نعیش فیه. فذلك العالم محیط بكلّ ما فی هذا العالم. فالزمن هو جزء من عالم المادّة، وإنّ ذاك العالم هو فوق الزمن، وهو محیط به.

عالم المادّة هو شعاع من عالم النور

هناك ملاحظة ظریفة فی هذا الباب یمكن استظهارها من بعض الآیات القرآنیّة، وهی أنّ كلّ ما فی العالم الجسمانیّ إنّما هو بفضل العالم الفوقانیّ ولیس هو إلاّ شعاعاً منه. یقول الله عزّ وجلّ فی محكم كتابه العزیز: «وَإِنْ مِّنْ شَیْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ»9؛ فكلمة: «عندنا» تشیر إلى ذاك العالم الذی هو عند الله ولیس عندنا. فهو جلّ وعلا یقول: إنّ كلّ ما تشاهدونه فی هذا العالم فإنّ خزائنه عند الله وهو تعالى لا یُنزل من تلك الخزائن إلى هذا العالم إلاّ ضمن حدود معیّنة.
لعلّ هناك المئات من الروایات الواردة فی كتب كلا الفریقین تبحث فی أصل هذا العالم، وأنا أنقل لكم، على سبیل المثال، روایة عن أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) یقول فیها: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَدٌ وَاحِدٌ تَفَرَّدَ فِی وَحْدَانِیَّتِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَصَارَتْ نُوراً، ثُمَّ خَلَقَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ مُحَمَّداً (صلى الله علیه وآله) وَخَلَقَنِی وَذُرِّیَّتِی، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَصَارَتْ رُوحاً فَأَسْكَنَهُ اللهُ فِی ذَلِكَ النُّورِ وَأَسْكَنَهُ فِی أَبْدَانِنَا، فَنَحْنُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَاتُه»10؛ ومن الطبیعیّ أنّ الكلمة الاُولى التی قالها الله هنا هی عبارة: «قال له كن». كما ویُعلم من صیرورة الكلمة الثانیة (التی قالها الله) روحاً أنّ ذلك النور هو غیر الروح المتعلّقة بالأبدان فی هذا العالم؛ أی إنّ مقامه أسمى حتّى من مقام الروح الإنسانیّة. فلقد أسكن الله الروح فی ذلك النور حتّى خُلقت أبداننا وعندها حلّت الروح فی أبداننا. وبناءً على ذلك، فإنّ قولها (علیها السلام): اختار الله النبیّ قبل أن تصل الخلائق فی عالم الغیب إلى مرحلة الشهود، یعنی فی عالم هو فوق هذه العوالم وهو ما یطلق علیه «عالم النور».
نسأل الله العلیّ القدیر أن یشرق على قلوبنا بصیصاً من هذا النور ببركة أنوار المعصومین الأربعة عشر (علیهم السلام).


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220.

2. سورة طه، الآیة 13.

3. سورة آل عمران، الآیة 33.

4. سورة آل عمران، الآیة 179.

5. بحار الأنورا، ج15، ص24.

6. سورة النور، الآیة 35.

7. سورة الزمر، الآیة 69.

8. غرر الحكم، ص120.

9. سورة الحجر، الآیة 21.

10. بحار الأنوار، ج26، ص291.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...