صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثامن عشر: التوحید اصیل و الشرک عرضی

تاریخ: 
دوشنبه, 8 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 30 آب 2010م الموافق للیلة العشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

التوحید أصیل والشرك عَرَضیّ

«... فَرَأَى الأُمَمَ فِرَقاً فِی أَدْیَانِهَا، عُكَّفاً عَلَى نِیرَانِهَا، عَابِدَةً لأَوْثَانِهَا، مُنْكِرَةً لِلَّهِ مَعَ عِرْفَانِهَا، فَأَنَارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ ظُلَمَهَا، وَكَشَفَ عَنِ الْقُلُوبِ بُهَمَهَا، وَجَلَى عَنِ الأَبْصَارِ غُمَمَهَا، وَقَامَ فِی النَّاسِ بِالْهِدَایَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الْغَوَایَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ الْعَمَایَةِ، وَهَدَاهُمْ إِلَى الدِّینِ الْقَوِیمِ، وَ دَعَاهُمْ إِلَى الطَّرِیقِ الْمُسْتَقِیم‏».
تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) مشیرة إلى الحكمة من وراء بعثة الأنبیاء ولاسیّما النبیّ الخاتم (صلّى الله علیه وآله): لقد تمّ الإعداد لبعثة نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله) قبل خلق هذا العالم فقد خلق الله سبحانه وتعالى نوره وعیّنه لمهمّة ختم الرسل. وحینما اقتضت الحكمة الإلهیّة بَعَثه عزّ وجلّ فی هذا العالم للنبوّة من أجل أن یطبّق على أرض الواقع ذلك التصمیم الذی وضعه سبحانه للخلقة، خصوصاً خلقة الإنسان.
وحینما بُعث الرسول الأكرم (صلّى الله علیه وآله) بالرسالة واجه مشهداً عالمیّاً كان العالم فیه بأسره یخوض فی بحر الضلالة والجهالة والإبهامات. فالناس قد تشتّت مذاهبهم أشدّ ما یكون التشتّت واختلفت آلهتهم حتّى عكفت كلّ فرقة منهم على إله تعبده؛ وفی خضم ذلك شاب الإبهام طریقَ الله المستقیم ولم یعرف طالبوا الحقیقة سبیل السعادة القویم؛ ومن أجل هذا فقد بُعث النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) لینهض بتلك المهمّة الخطیرة المتمثّلة بهدایة الناس إلى الصراط المستقیم الذی یضمن لهم سعادة الدنیا والآخرة. وهذه هی خلاصة ما أستُهلّت به المحاضرة من كلام الزهراء (علیها السلام).
ونرى أن ما هو مناسب لهذا البحث هو تحلیل قضیّة افتراق الناس فی أسالیب العبادة وظهور أدیان ومذاهب شتّى ومتضادّة. وبعض ما یمكن أن یطرح فی هذا الصدد من أسئلة هو: منذ متى ظهر هذا الافتراق فی الدین؟ وكیف وُلدت تلك الأدیان والمذاهب المختلفة؟ وما هی الحلول التی خطّط لها الباری تعالى من أجل رفع مثل هذه الخلافات؟ وأخیراً ما هو الدور الذی اضطلع به نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله) فی مواجهة تلك الأدیان والمذاهب المختلفة؟

التفسیر المادّی لكثرة الأدیان

هناك نظریّتان تبحثان فی كیفیّة ظهور و تأسیس الأدیان المختلفة. النظریّة الاُولى هی النظریّة التی یتبنّاها علماء الاجتماع؛ فمؤسّسو هذا العلم عموماً كانوا یتصفون بنزعات مادّیة ولازال أكثر علماء الاجتماع الی الآن یحملون هذه المیول. یقول مؤسّس علم الاجتماع السیّد اوجست كُنت: ینقسم تاریخ حیاة البشر إلى ثلاثة عصور: العصر الأوّل هو عصر الأساطیر والسحر والشعبذة والدین. فالبشر فی ذلك العصر لم یكونوا قد نالوا النصیب الكافی من العلم وما كانوا قادرین على تفسیر وجود الظواهر المختلفة؛ ومن أجل ذلك فقد كانوا یستندون إلى عوامل ما وراء المادّة فی تفسیرهم لها. أمّا العصر الثانی فهو عصر ظهور الفلسفة. فلقد عمد الفلاسفة إلى إسناد تلك الظواهر إلى الصور النوعیّة فقالوا: إنّ العالم یُدار بواسطة تلك العوامل الغیبیّة الكامنة فی قلب هذا العالم. وقد كان ذلك حتّى تطوّرت العلوم التجریبیّة  وأقصت الفلسفة جانباً، وكلّما ازداد تطوّر العلم اتّضح المزید من الحقائق، حتّى أدركنا أنّه لم یكن للأرواح، ولا للآلهة، ولا للعوامل الفلكیّة، ولا لغیرها أیّ دور یذكر فی هذا المجال. لقد وضع كُنت الدینَ جنباً إلى جنب مع السحر والشعبذة والأساطیر واعتبرها جمیعاً منبثقة من مقولة واحدة. وقد ترعرع سائر علماء الاجتماع فی بیئة من هذا القبیل.
ومن جملة المسائل التی یطرحها علم الاجتماع هی منشأ ظهور الدین حیث یدور البحث فی هذا المجال حول أنّه هل كان البشر فی بادئ الأمر یدینون بدین واحد ثمّ تشعّب بعدها إلى أدیان شتّى، أم كانت هناك فی البدایة أدیان متعدّدة وقد تمّ دمجُها فیما بعد مع بعضها لتصبح دیناً واحداً أو بضعة أدیان؟ فی عهد ما قبل الثورة الإسلامیّة ألقى أحد المجدّدین فی الفكر، والذی كان یُعرف أحیاناً كخبیر فی الشؤون الإسلامیّة، محاضرة مطوّلة فی جامعة طهران تحت عنوان «التحلیل الاجتماعی للشرك». تلخّصت هذه المحاضرة فی أنّ البشر كانوا یعیشون فی بادئ الأمر ضمن قبائل مختلفة وكان أفراد كلّ قبیلة یكنّون لرئیسها الاحترام. وبعد موت رئیس القبیلة كانوا أحیاناً یتّخذون له رمزاً أو تمثالاً ویحتفظون به فی مكان معیّن كتعبیر عن احترامهم وإجلالهم له. وبمرور الزمان تحوّلت تلك التماثیل إلى أصنام، وشیئاً فشیئاً صارت لتلك الأصنام آداب ومناسك تحوّلت فیما بعد تدریجیّاً إلى دیانة خاصّة. من أجل ذلك فقد كان فی البدء أدیان كثیرة حیث كانت لكلّ قبیلة دیانة خاصّة تدین بها. لكنّه بعد التطوّر الذی شهدته الحضارة البشریّة وكما حاولوا التقرّب من بعضهم البعض فی الاُمور السیاسیّة والاجتماعیّة حتّى ضُمَّت المدن الصغیرة فی مدینة كبیرة واحدة واُدغمت المدن إلى بعضها لتصبح دولة، فقد سعوا إلى الاتّحاد على صعید الدین أیضاً فدُمجت الدیانات المختلفة مع بعضها. ومن هنا فإنّ الخطّ البیانیّ یتّجه من الكثرة إلى الوحدة. وهذا هو أحد تفاسیر ظهور الأدیان حیث یرى أنّ الأدیان بدأت من الكثرة واتّجهت نحو الوحدة.

التفسیر الإلهیّ لكثرة الأدیان

السبیل الاخری لتفسیر هذه الكثرة هی الرجوع إلى المصادر الإسلامیّة والوحی والقرآن الكریم. فلننظر إذن ماذا یقول القرآن فی هذا المجال. إنّ كلام القرآن الكریم یقع فی الطرف المقابل تقریباً من كلام علماء الاجتماع. فعلى أساس التعالیم القرآنیّة فإنّ النوع البشریّ قد ظهر بخلق آدم وحوّاء (علیهما السلام) وأنّ آدم (علیه السلام) كان نبیّاً وموحّداً یعبد الله سبحانه وتعالى. ومن الطبیعیّ أنّه عندما یبلّغ هذا النبیّ للتوحید وعبادة الله الواحد فی مجتمعه الصغیر المتكوّن من اُسرته فسوف ینتهج هؤلاء، الذین خُلقوا حدیثاً، ویختارون نهج والدهم. والقرآن الكریم یصرّح بهذا الأمر فی قوله تعالى: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ‏ِ لِیَحْكُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُواْ فِیهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلاَّ الَّذِینَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ»1؛ كما وقد جاء فی الحدیث الشریف: «کانوا قبل نوح امة واحدة‌ علی فطرة الله»2؛ أی إنّ جمیع البشر كانوا بادئ الأمر موحّدین. ثمّ یشیر العزیز القدیر إلى أنّ الاختلاف قد نشب بین البشر تدریجیّاً حتّى بعث الله الأنبیاء كی یطرحوا منهاجاً للحیاة البشریّة ویبیّنوا للبشر طریق السعادة. لكنّ فریقاً منهم، وبدافع البغی والتعالی والعدوان، كانوا قد أشاعوا الاختلاف فی نفس هذا الدین الواحد الذی أنزله الله تعالى. ولا زال هذا الأمر مستمرّاً إلى یومنا هذا. فلقد انبثقت فی كلّ من الأدیان الكبیرة المئات من الفرق؛ فمذهب البروتستانتیّة فی الدیانة المسیحیّة لوحده قد تشعّب إلى خمسمائة فرقة أصلیّة، وكذا الأمر فی سائر المذاهب. یقول القرآن الكریم إنّ العامل الوحید الذی یثیر هذه الاختلافات هو تكالب مؤسّسی هذه الفرق على السلطة وحرصهم علی التعالی والبغی وهی امور تعود إلى الهوى الذی یؤدی الی تأسیس هذه الفرق: «فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ»3. فالقرآن الكریم یرى أنّ دین الحقّ كان واحداً، وأنّ جمیع الأنبیاء جاءوا لیبلّغوا نفس هذا الدین؛ بالطبع من الممكن أن یأتی أحد الأنبیاء بأحكام معیّنة تتناسب مع زمانه فیأتی مَن بعدَه لینسخ بعض تلك الأحكام؛ إلاّ أنّ القرآن الكریم یُرجع جمیع هذه الأدیان إلى أصل واحد، واُسس ثابتة ویطلق علیها جمیعاً اسم الإسلام. وقد كانت وصیّة الأنبیاء عند رحیلهم عن الدنیا لذویهم ومقرّبیهم: «فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ»4. غیر أنّ القرآن یعدّ هذه الاختلافات مقصودة ویرى أنّها ناشئة عن البغی، والطغیان، والتعالی، والتكالب على متاع الدنیا واللهث خلف السلطة وما إلى ذلك. فلو أنّهم غضوا الطرف عن تلك الاُمور لما نشب الاختلاف. فقد بیّن الأنبیاء سبیل الحقّ بكلّ وضوح بحیث یتسنّى لكلّ طالب حقیقة أن یبلغها. غیر أنّ البعض قد عمد إلى تعكیر صفو المیاه وتحریف دین الحقّ عن طریق إثارة الشبهات وإلقاء البدع. إذن حسب رأی القرآن الكریم فإنّ الرسم البیانیّ للاختلافات فی الأدیان یسیر من الوحدة نحو الكثرة.

كیفیّة ظهور التحریفات

من اللافت للانتباه أنّ هذه التحریفات لم تكن فی أوّل نشوئها على الشاكلة التی نراها علیها الیوم. فعلى سبیل المثال نجد الیوم أنّ الاعتقاد بالتثلیث فی الربوبیّة (الأب، والابن، وروح القدس) یشكّل ركناً من أركان المسیحیّة، بینما لم یكن لهذه المسألة وجود فی المسیحیّة عند بزوغها كما وأنّها لم تظهر دفعة واحدة. ففی بادئ الأمر كان أتباع الیهودیّة، ثمّ تلاهم أتباع النصرانیّة، یستخدمون تعابیر مجازیّة، كزعمهم أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه: «وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَى‏ نَحْنُ أَبْنَـٰؤُاْ اللهِ وَأَحِبَّـٰؤُهُ‏»5، فهذا التعبیر هو تعبیر شكلیّ ومجازیّ. فقد قالت الیهود فی عُزَیْر الذی عاد إلى الحیاة بعد مضیّ مائة عام على موته: إنّه ابن الله: «وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللهِ»6. وقد كان أولى بالمسیحیّین أن یدّعوا مثل هذا الادّعاء بالنسبة للمسیح (علیه السلام) إذ لم یكن له أبٌ جسمانیٌّ. لكنّ هذه الادّعاءات المجازیّة اتّخذت شیئاً فشیئاً طابع الجدّیة حتّى صارت ركناً من أركان الدین. وقد حارب القرآن الكریم قضیّة اتّخاذ الله للولد محاربة شدیدة. كما أنّهم عدّوا ـ من ناحیة اخرى ـ الاُصول الحقیقیّة للدین مجازاً فصاروا یؤوّلونها حتّى حذفوها بالتدریج. لذا فإنّهم قد مارسوا التحریف فی الدین من جانبین. وفی زماننا الحاضر توجد أیضا مثل هذه النزعات ولابدّ من توخّی الیقظة والحذر فی هذا المجال.

إنّ تصوّرنا الابتدائیّ الیوم عن عبادة الأصنام هو أنّ عُبّادها یعتقدون بأنّ تلك الأصنام هی التی خلقت العالم؛ غیر أنّ المسألة لیست بهذه البساطة. فأغلب المبتلین بالشرك كانوا یقرّون بشكل أو بآخر بوجود الخالق الواحد. فالقرآن الكریم یقول على لسان عبّاد الأوثان: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى»7؛ أی إنّهم كانوا یعتقدون بوجود الله بعنوان كونه خالق السماوات والأرض. كما أنّ بعض عبدة الأوثان كانوا یعتقدون بأنّ لله بنات یحبّهن كثیراً وهنّ الملائكة. فكانوا یقولون: بما أنّنا لا نستطیع الاتّصال بهنّ فنحن نحترم هذه الأصنام لكونها رموزا تشیر الی الملائكة؛ وإذ أنّ تلك الملائكة تُسَرّ من عملنا فإنّهم یشفعون لنا عند الله! وقد قیل أیضاً بخصوص عبدة النار فی إیران: إنّهم یقدّسون النار بعنوان كونها رمزا للقداسة من أجل أن یرضى الله عنهم بسبب ذلك، ولم یكونوا یعتقدون بأنّ نفس هذه النار التی یضرمونها بأیدیهم هی التی خلقت السماوات والأرض. بالطبع لقد كان هناك من لا یعتقد أصلاً بأیّ خالق بل یؤمن بنمط من أنماط النزعة الطبیعیّة، حیث یقول هؤلاء: «هذه الطبیعة كانت منذ الأزل مع كلّ ما فیها من تحوّلات، غیر أنّ بإمكان بعض الأشخاص أن یكون لهم دور مؤثّر فی تلك التحوّلات!». فنمرود وفرعون كانوا من جملة من قالوا بربوبیة أنفسهم؛ لكنّهم ما كانوا یقولون بأنّ للعالم خالقاً. وخلاصة القول فلیس معنى العبادة أنّ المعبود هو ذات الخالق.

التعدّدیة الدینیّة؛ انحراف خطیر

قد یصادف المرء أشخاصاً یحملون مثل هذه المعتقدات لكنّه یلاحظ علیهم النُّبْل وحبّ الخیر للآخرین. فبعض المرتاضین، على سبیل المثال، یمشون حفاة الأقدام حاملین معهم مكنسة ناعمة یكنسون بها الطریق أمام أقدامهم باستمرار لئلاّ یطأوا نملة تمرّ من أمامهم! فهم إلى هذا الحدّ یحترمون الكائنات الحیّة. فعندما یشاهد المرء أمثال هؤلاء یتساءل بینه وبین نفسه: ألا یكون أشخاص كهؤلاء مع ما یتمتّعون به من صفاء الروح من أهل الجنّة؟
علینا أن نعلم أنّه إذا عاش الإنسان فی ظروف معیّنة بحیث تیقّن أنّ الطریق المعوَج الذی یسلكه هو الطریق الصحیح من دون أن یحتمل خلاف ذلك فهو مُستضعَف وقد یغفر الله له، بشرط أن لا یكون قد قصّر فی تشخیص الحقّ ویكون قد عمل ضمن حدود فهمه وإدراكه. بید أنّ البعض یروّج للفكرة القائلة بأنّ عَبَدة الأوثان لیس أنّهم طاهرون فحسب، بل إنّهم من أهل الجنّة أیضاً. فدعاة مذهب التعدّدیة فی الدین یصرّحون بأنّه لیس هناك امتیاز للشیعة على السنّة ولا للسنّة على الشیعة؛ ولیس هناك فضیلة للمسلم على الوثنیّ ولا للوثنیّ على المسلم فإنّ «الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق». فكلّ واحد من تلك المذاهب یمثّل الصراط المستقیم، وإنّ لدینا عددا کبیرا من الصراط المستقیم و لیس صراطاً واحداً. فهذه الطائفة من عُبّاد الأصنام یحترمون الأصنام لاعتقادهم بتأثیر هذا الاحترام فی حیاتهم. ورغم أنّ اعتقاداً كهذا هو اعتقاد خاطئ لكنّه لا یسوّغ لنا اتّهامهم بأنّهم یعبدون إلهاً آخر.
إنّ هذه هی إحدى النزعات الانحرافیّة. وكما أشرتُ سابقاً فإنّ مسألة التثلیث فی المسیحیّة قد ابتدأت كضرب من المجاملة وقول المجاز. وشیئاً فشیئاً عندما شاهدوا أنّه لیس لعیسى (علیه السلام) أب، قالوا: عیسى ابن الله. لكن لاحظوا الكیفیّة التی تعامل بها القرآن الكریم مع هذه القضیّة. إذ كان یمكنه القول: «إنّ لقب ابن الله الذی أطلقه النصارى على عیسى لم یكن إلاّ لقباً شكلیّاً ومجازیا وما كانوا یقصدون من ورائه أنّ الله هو أبو عیسى فی الواقع». فلو كان تعامل القرآن فی هذا المجال بهذه الكیفیّة لتوطّدت علاقاتنا مع المسیحیّین أكثر ولتحقّقت التعدّدیة الدینیّة أبكر. لكنّ القرآن یقول فی هذا الصدد: «تَكَادُ السَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَداً»8. فالقرآن یقول فی مقام الاحتجاج: فلننطلق من أصل مشترك واحد وهو أن لا نعبد إلاّ الله: «قُلْ یَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاّ اللهَ»9، لكنّه یقول باُسلوب قاطع وحازم فی مجال محاربة العقیدة الفاسدة: إنّ كلامكم هذا هو على جانب من الخطأ والقبح بحیث إنّ العالم بأسره یكاد یخرّ وینهار بسببه. فهل یسعنا مع هذه المعصیة العظیمة أن نقول: إنّ هذه العقیدة تمثّل صراطاً مستقیماً كما تمثّل عقیدتنا نحن صراطاً مستقیماً أیضاً؟!
فصحیح أنّ القرآن الكریم یقول: «إِنَّ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَالَّذِینَ هَادُواْ وَالنَّصَـٰرَىٰ وَالصَّـٰبِئِینَ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ»10، لكنّ هذه الآیة لا تعنی أنّه حتّى وإنْ بقی هؤلاء على لجاجتهم ولم یؤمنوا بنبیّ الإسلام ـ بعد بعثته بالرسالة، وإتمام الحجّة علیهم، وتجلّی حقیقة أنّ الدین الحقّ هو دین نبیّ الإسلام، وأنّ أحكام دینهم قد نُسخت ـ فإنّه لا فرق أیضاً بینهم وبین المؤمنین. فالآیة ترمی إلى القول: إنّ الله یثیب المتّبع لأیّ دین إذا كان قد عمل بواجبه عندما كان یُراد منه اتّباع هذا الدین، لكنّه إذا لم یعمل طبقاً لتكلیفه فی حینها، فإنّه لن یذوق طعم السعادة حتّى وإن كان یُلَقّب بألقاب ضخمة ورنّانة.
علینا أن ندرك ونلتفت إلى أنّه من أهمّ واجباتنا هی مسألة الحفاظ على أصل الدین، والمذهب، والمعتقدات وإنّ العبء الأكبر فیما یتعلّق بهذا الواجب یقع على كاهل علماء الدین.

وفّقنا الله وإیّاكم


1. سورة البقرة، الآیة 213.

2. بحارالانوار، ج 11، ص 10، باب معنی النبوة و علة بعثة الأنبیاء.

3. سورة الجاثیة، الآیة 17.

4. سورة البقرة، الآیة 132.

5. سورة المائدة، الآیة 18.

6. سورة التوبة، الآیة 30.

7. سورة الزمر، الآیة 3.

8. سورة مریم، الآیتان 90 و91.

9. سورة آل عمران، الآیة 64.

10. سورة البقرة، الآیة 62.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...