صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثانیة والعشرون: کتاب الله

تاریخ: 
جمعه, 12 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 3 أیلول 2010م الموافق للیلة الرابعة والعشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

كتاب الله

«... ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ، وَقَالَتْ: أَنْتُمْ عِبَادَ اللهِ نُصُبُ أَمْرِهِ وَنَهْیِهِ، وَحَمَلَةُ دِینِهِ وَوَحْیِهِ، وَأُمَنَاءُ اللهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَبُلَغَاؤُهُ إِلَى الأُمَمِ حَولَكُمْ، وَزَعِیمُ حَقٍّ له فِیكُمْ، وَعَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَیْكُمْ، وَبَقِیَّةٌ اسْتَخْلَفَهَا عَلَیْكُمْ، كِتَابُ اللهِ النَّاطِقُ، وَالْقُرْآنُ الصَّادِقُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالضِّیَاءُ اللاّمِعُ، بَیِّنَةٌ بَصَائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، مُتَجَلِّیَةٌ ظَوَاهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْیَاعُه، قَائِدٌ إِلَى الرِّضْوَانِ اتِّبَاعُهُ، مُؤَدٍّ إِلَى النَّجَاةِ اسْتِمَاعُهُ، بِهِ تُنَالُ حُجَجُ اللهِ الْمُنَوَّرَةُ، وَعَزَائِمُهُ الْمُفَسَّرَةُ، وَمَحَارِمُهُ الْمُحَذَّرَةُ، وَبَیِّنَاتُهُ الْجَالِیَةُ، وَبَرَاهِینُهُ الْكَافِیَة»
تنقسم الخطبة المباركة لسیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى بضعة أقسام عامّة، القسم الأوّل منها یتضمّن الحمد لله والثناء علیه والشهادة برسالة النبیّ الخاتم (صلّى الله علیه وآله) مع بیان الدور الذی نهض به (صلّى الله علیه وآله) فی هدایة الناس، وهو ما تمّ توضیحه لحدّ الآن. ثمّ توجّه (علیها السلام) خطابها إلى الناس لتعرّج، بعد توضیح المسؤولیّات الملقاة على عاتقهم، على بیان بعض أوصاف القرآن الكریم وجانب من أسراره العامّة، وهذا بمجموعه یشكّل القسم الثانی من الخطبة.

العبودیّة لله؛ أوّل حقّ لله علینا

«أَنْتُمْ عِبَادَ اللهِ نُصُبُ أَمْرِهِ وَنَهْیِهِ». كان یمكن للزهراء (سلام الله علیها) عوضاً عن قولها: «عباد الله» أن تقول: «أیّها المؤمنون»، أو: «أیّها المهاجرون والأنصار»؛ لكنّها قالت: «عباد الله»، ولعلّ الالتفاتة من وراء هذا الاختیار هی تنبیه القوم بدایةً إلى مسؤولیّتهم المتمثّلة فی العبودیّة قائلة لهم: یجب على العبد أن یكون مطیعاً لمولاه. فلیست القضیّة أنّكم مستقلّون، وبوسعكم التصرّف وفقاً لرغباتكم، وتأمیر من تشاءون من الخلق علیكم، بل یجب أن تنظروا فیما كلّفكم الله تعالى به.
«النُّصُب» هی جمع «نُصْب» وهو ما برز أمام العین، ونَصْب العلامة أیضاً مشتقّ من هذه المادّة حیث قد تكون له مآرب شتّى؛ فحیناً یتمثّل بعلامات المرور المنصوبة فی الشوارع من أجل هدایة مستخدمی الطرُق والشوارع إلى مقاصدهم، وطوراً تُستعمل فی السباقات لإظهار خطّ النهایة؛ وقد استُخدمت فی القرآن الكریم بهذا المعنى حیث یقول عزّ من قائل: «یَوْمَ یَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ یُوفِضُونَ»1؛ أی إنّ شدّة انتشار الناس یوم القیامة وسرعة سیرهم توحی وكأنّهم یتسابقون نحو هدف معیّن.
ویمكن هنا طرح تعلیلین لمخاطبة الزهراء (علیها السلام) للناس بالنصب: الأوّل هو كما أنّ هدف السباق یكون محطّ الأنظار وأنّ الناس یهرعون إلیه، فإنّ أوامر الله ونواهیه قد اُنزلت علیكم فكأنّكم خطّ نهایة السباق بالنسبة لها؛ إذ یقول القرآن الكریم: «وَكَذَلِكَ أَوْحَیْنَا إِلَیْكَ قُرْءَاناً عَرَبِیّاً لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»2، بمعنى أنّ أهل مكّة وضواحیها هم المخاطبون بالقرآن بالدرجة الاُولى. فعندما تقول (علیها السلام): إنّكم نصب أوامر الله ونواهیه فهذا یعنی: انّكم أوّل المخاطبین بهذه الأوامر والنواهی. أمّا الاحتمال الثانی فهو أنّ النُّصُب تعنی العلامات الدالّة والهادیة؛ لیكون المعنى: انّكم معالم أوامر الله ونواهیه؛ أی أنتم من یجب علیه إبلاغ أوامر ونواهی الباری تعالى إلى الآخرین؛ لكن یبدو أنّ الاحتمال الأوّل أقوى.
«حَمَلَةُ دِینِهِ وَوَحْیِهِ». وأنتم أیضاً حملة دین الله ووحیه. فقد نزل الوحی على رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لكنّ النبیّ قد وضع محتویات الوحی بین أیدیكم. فانتم حملة الدین، وإنّ فی رقبتكم واجب حفظ هذه الأمانة.
«وَأُمَنَاءُ اللهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَبُلَغَاؤُهُ إِلَى الأُمَمِ حَولَكُمْ». فبالنسبة لهذا الدین الذی وُضع أمانة فی أعناقكم یجب علیكم أوّلاً: أن تحفظوه بین أنفسكم؛ أی أن تطبّقوا أحكام الإسلام على أرض الواقع فی مجتمعكم الإسلامیّ وتحافظوا على المُثُل الإلهیّة، وثانیاً: أن تبلّغوه إلى الاُمم الاُخرى من حولكم.
ثمّ تتابع (سلام الله علیها) القول: لقد أودع النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) عندكم ودیعة إلهیّة وترك فیكم میراثاً عظیماً ألا وهو القرآن الكریم. فاعلموا أنّه یتعیّن علیكم الرجوع إلى كتاب الله فی معرفة أمر الله ونهیه، وتشخیص ما أنتم مكلّفون به، واستظهار كیفیّة العمل بالدین وإبلاغه.

إبلاغ الدین إلى أنحاء العالم كافّة واجب كفائیّ

عندما نقول: نحن مكلّفون بقبول الإسلام والعمل به، یتبادر إلى الذهن السؤال التالی: ما هو الإسلام؟ الإسلام هو التصدیق والإیمان بحقّانیة ما جاء به النبیّ (صلّى الله علیه وآله). فمن واجبنا الاعتقاد بتعالیم الإسلام العقائدیّة، والعمل بأوامره العملیّة. لكنّنا بعد مضیّ 1400 سنة، وبعد كلّ ما قاساه الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) وأئمّتنا الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین) وعلماؤنا الأعلام من متاعب على طول أربعة عشر قرناً من الزمن، لازلنا غیر عارفین بكلّ ما فی أعناقنا من واجبات اجتماعیّة. فمعظمنا یعتقد بأنّه إذا تعلّم ما علیه من تكالیف فردیّة وعمل بها فلن یعود مسؤولاً. لكنّ هذا الطراز من التفكیر یؤدّی إلى ضعف المجتمع وظهور حالة الهشاشة فیه. إذ بمعزل عن التكالیف الفردیّة فإنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هو من واجبنا أیضاً. ففضلاً عن عملنا نحن بأحكام الدین، علینا مراقبة عمل الآخرین بها أیضاً. فواجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هو واحد من ضروریّات الدین وفرع من فروعه، بحیث إنّ الشاكّ فی وجوبه هو كالشاكّ فی أصل الإسلام، وإنّ المنكِر له كالمنكِر لضرورة من ضروریّات الدین وهو ممّا یوجب الارتداد. لقد تمّ التأكید بشدّة فی القرآن الكریم وأحادیث أهل البیت (علیهم السلام) على هذه الفریضة حتّى عدّوها من أخطر فرائض الدین. یقول الإمام الباقر (علیه السلام): «إنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فریضة عظیمة بها تُقام الفرائض»3. فهذه الفریضة هی أوّل واجب ملقىً علینا تجاه الآخرین، لكنّ تكلیفنا لا ینتهی عند هذا الحدّ. فواجبنا الثانی هو إیصال هذه الأمانة، ألا وهی الإسلام، إلى أهلها؛ فالله یقول فی كتابه العزیز: «إِنَّ اللهَ یَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»4؛ وأهلها هم كلّ من هو بحاجة إلى الإسلام. فالإسلام قد نزل لجمیع البشر: «لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ»5، وهو رحمة أفاضها الله تعالى لتتنعّم بها البشریّة قاطبة.
إنّ لهذا الواجب سلسلة من المراتب؛ فالنبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) قد أبلغ الإسلام إلى معاصریه، وإنّ أهل مكّة ومن حولها قد أخذوا منه (صلّى الله علیه وآله) وأبلغوه إلى باقی البلدان. ثمّ تعهّد الأئمّة الطاهرون (علیهم السلام) بحمل الرسالة من بعد النبیّ لیوكلوا المهمّة فی النهایة إلى العلماء وسائر الناس. وفی هذا العصر فإنّ الناس هم المسؤولون عن حمل هذه الأمانة وإیصالها إلى سائر البشر، وإنْ هم تقاعسوا فی إیصالها إلى أهلها یكونون قد قصّروا فی أداء الأمانة بل وخانوها أیضاً.
إنّنا غیر واعین إلى حقیقة أنّ هذه المسؤولیّة ملقاة على كواهلنا نحن. بالطبع إنّ لهذه المسؤولیّة مراتب كمراتب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. فعامّة الناس یتصوّرون أنّ إبلاغ الدین هو واجب العلماء؛ لكنّه لیست القضیّة أنّ شریحة من الناس قد عُیِّنوا لأداء واجب إبلاغ الدین وأنّه ساقط عن الآخرین، بل إنّ العلماء قد نهضوا بهذه المسؤولیّة طواعیة وقضوا أعمارهم فی هذا الطریق؛ لكنّه إذا لم یَفِ هذا المقدار بالغرض فإنّ الآخرین مسؤولون أیضاً. فإبلاغ الدین هو أشبه ما یكون بالجهاد؛ بمعنى أنّه إذا اضطلعت جماعة بالمسؤولیّة بما یفی بالحاجة والغرض فإنّها تسقط عن الباقین، وإلاّ فالكلّ مسؤول.
إنّنی أوجّه سؤالی هنا إلى علماء الدین وأقول لهم: كم من الوقت شغلنا أنفسنا بالتفكیر فی هذا الموضوع، وهو أنّ من واجبنا السفر إلى أفریقیا، وأمریكا الجنوبیّة، وغیرهما من أجل تعریف أهالیها بالإسلام؟ هناك الملیارات من البشر على وجه الأرض متعطّشون لمعرفة الحقیقة. فلیس جمیع هؤلاء أعداء للإسلام، ومستعمرین، وصهاینة. فهناك الكثیرون ممّن یتلقّى الدعوة السلیمة بأذرع مفتوحة. أنا شخصیّاً ومن خلال الأسفار التی قمت بها إلى ما یقارب الأربعین بلداً فی العالم أشهد أنّنی لمست حقیقة أنّ الناس متعطّشون لمعرفة الحقیقة لمس الید، وإنّ عطشهم هذا یُثقل كاهلنا بمسؤولیّة أعظم وهی إرواء هذا العطش. السیّد مجتبى الموسویّ اللاریّ (حفظه الله تعالى وكثّر الله من أمثاله) منذ أكثر من ثلاثین عاماً، وعلى رغم تحمّله أعباء المرض وغیاب التمویل المالیّ، فإنّه یقیم تواصلاً مع أكثر من مائة بلد فی العالم، ومراسلات بما یزید على أربعین لغة مع أهلها. إنّ هذا المثال لهو حجّة لله علینا. للأسف فإنّنا نشكوا التقصیر فی هذا المجال. إنّنی أوجّه خطابی لشبابنا الأعزّاء المقبلین بقلوبهم الطاهرة النقیّة على طلب العلم قائلاً لهم: اعلموا أنّ واجبنا یتخطّى تصحیح قراءة رجل قرویّ للحمد والسورة على الرغم من كونه واجباً أیضاً؛ لكنّ فی أعناقنا واجباً أثقل وأخطر. فإنّ علینا تعلّم اللغات المختلفة، وتبیین المعارف الإسلامیّة المتقنة والمستدلّة ولیس المباحث الذوقیّة والظنّیة الضعیفة أحیاناًـ لشعوب العالم بما یفهمونه من لغة آخذین بنظر الاعتبار الأجواء الثقافیّة السائدة، لا أن یكون بیاننا مجرّد ترجمة لما هو موجود. فمولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) تقول فی هذه الجملة القصیرة: إنّ من جانبـ أن تحفظوا الأمانة الإلهیّة فی أنفسكم فلا تضعُفوا ولا تهنوا، وعلیكم من جانب آخرـ تبلیغ رسالة الإسلام إلى ما وراء حدود بلدانكم.

القرآن؛ هو المدّعی لحقّ الله

ثمّ تعرّج سیّدتنا الزهراء (علیها السلام) إلى دور القرآن الكریم فی المجتمع الإسلامیّ. وهنا أودّ الإشارة إلى نقطة مهمّة؛ فلو أنّها قالت أوّلاً: اتّبعوا أمیر المؤمنین (علیه السلام) والأئمّة المعصومین (علیهم السلام)، ما كانوا لیسمعوا كلامها. فهی قد قدّمت كلّ تلك المقدّمات واحتجّت بكلّ تلك الاحتجاجات من أجل إفهامهم أنّكم قد سلكتم الطریق الخطأ فی إقصائكم لعلیّ جانباً. فإنّ على رأس الاُمور التی من شأنها تمهید الأرضیّة للاحتجاج والمساعدة فی هدایة الناس هو القرآن الكریم. لكنّها (علیها السلام) قد بیّنت هذا المعنى باسلوب هو غایة فی الروعة والجمال. فقد كان بإمكانها أن تضع القرآن كمبتدأ وتقول: القرآن یحمل هذه الصفات. لكنّها قالت: إنّ لله علیكم حقّاً، وإنّ ثمّة شیئا بینكم یطالبكم بهذا الحقّ. فلقد استهلّت هذا الموضوع بالقول: «وَزَعِیمُ حَقٍّ لَكُمْ لِلَّهِ فِیكُمْ»؛ أی إنّ لله علیكم حقّاً أوّلاً، وإنّ هناك مَن یطالب بهذا الحقّ ثانیاً. فلیس باستطاعتكم القول: إنّنا لا نعلم حقّ الله؛ إذ أنّ لله علیكم حقّ الربوبیّة، وإنّكم، من باب أنّكم عبید، فإنّكم مسؤولون تجاهه. فهذا هو أوّل وأوضح حقّ یدركه الإنسان. بمعنى أنّنی لست مِلك نفسی، وأنّ كلّ ما عندی فهو ملك لغیری. فهو ربّی ویجب علَیّ طاعته.
«وَعَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَیْكُمْ». توجد لكلمة «عهد» استعمالات شتّى، أحدها التعهّد والالتزام؛ أمّا تعبیر: «عَهِدَ إلیه» فهو تعبیر خاصّ؛ فكلّ حرف إضافة إنّما یفید معنى دقیقاً معیّناً، فعبارة «عَهِد إلیه» تخلتف عن عبارة: «عَهِد له» أو «عَهِد فی كذا». إذ لیس معنى العبارة: «عهدنا إلى آدم» فی الآیة الشریفة: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِیَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»6، هو عقد مُوقَّع بین طرفین، وإنّ أقرب المعانی إلى هذا المعنى هو معنى «الأمر». فعهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلى مالك الأشتر یعنی: أمر علیّ لمالك الأشتر. فالزهراء (سلام الله علیها) تقول: إنّ لله تعالى حقّاً، وإنّ ثمّة مِن بینكم مَن یتصدّى لهذا الحقّ، ولقد أصدر هذا المتصدّی أمراً لكم.
«وَبَقِیَّةٌ اسْتَخْلَفَهَا عَلَیْكُمْ». لقد استُخدمت كلمة «بقیّة» فی القرآن الكریم أیضاً فی قوله: «بَقِیَّتُ اللهِ خَیْرٌ لَّكُمْ»7، وإنّ أحد ألقاب إمام العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشریف) هو «بقیّة الله»؛ بمعنى أنّ باقی الأئمّة قد رحلوا عن الدنیا وإنّ الإمام الذی بقی لكم هو الوجود المقدّس لولیّ العصر (أرواحنا فداه). تقول مولاتنا (سلام الله علیها) هنا: مع أنّ النبیّ قد رحل عنكم، لكنّه قد ترك فیكم بقیّة. فهذه الصفات التی تذكرها (علیها السلام) للقرآن هی بمثابة خبر لمبتدأ متأخّر.
«كِتَابُ اللهِ النَّاطِقُ». إنّ إسناد النطق إلى القرآن یختلف باختلاف الاعتبارات. فالقرآن یسمّى بالناطق من باب أنّ المرء إذا قرأه یفهم منه أموراً وكأنّ الله هو الذی یتحدّث إلیه. لكنّ القرآن من جانب آخرـ لا ینطق بنفسه ویحتاج إلى مبیّن لبیان بعض مباحثه؛ وإنّه من هذا المنطلق یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام): «هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق»8. فلا ینبغی الخلط بین هذین الاعتبارین. تقول السیّدة الزهراء (علیها السلام): لقد جعل الله تعالى فیكم كتاباً ناطقاً یطالبكم بحقّ الله. فلو انکم أصغیتم للقرآن لفهمتم ما یطلبه منكم. فالقرآن یقول: «یَا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا أَطیعُوا اللهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْكُمْ»9.
ثمّ تقول (سلام الله علیها): «وَالْقُرْآنُ الصَّادِقُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالضِّیَاءُ اللاّمِعُ». وكلّ هذا الكلام الذی ساقته (علیها السلام) یمثّل مقدّمة للتمهید للاستدلال بالقرآن الكریم.
«بَیِّنَةٌ بَصَائِرُهُ»؛ أی إنّ البصائر والرؤى التی یزوّدكم القرآن بها هی على درجة عالیة من الوضوح.
«مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ». فصحیح أنّ هناك فی القرآن مباحث خفیّة ومستورة لكن قد انكشفت تلك السرائر واُزیح الستار عنها وبإمكانكم الآن مشاهدة تلك الحقائق من دون حجاب والإفادة منها.
«مُتَجَلِّیَةٌ ظَوَاهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْیَاعُه». فالذین یتّبعون القرآن الكریم ویقتفون آثاره یعیشون حالة الغبطة والسرور.
«قَائِدٌ إِلَى الرِّضْوَانِ اتِّبَاعُهُ». فالمتّبعون للقرآن سوف یقودهم إلى رضوان الله تعالى.
«مُؤَدٍّ إِلَى النَّجَاةِ اسْتِمَاعُهُ». وحتّى الاستماع للقرآن الكریم یفضی إلى النجاة.
«بِهِ تُنَالُ حُجَجُ اللهِ الْمُنَوَّرَةُ، وَعَزَائِمُهُ الْمُفَسَّرَةُ، وَمَحَارِمُهُ الْمُحَذَّرَةُ». فإنّ حجج الله تصل إلیكم عن طریق القرآن، وإنّ عزائم القرآن (وهی الاُمور التی أوجبها الله علیكم) تُفسَّر لكم، وهو یحذّركم فی المقابل من حرمات الله تعالى.
«وَبَیِّنَاتُهُ الْجَالِیَةُ، وَبَرَاهِینُهُ الْكَافِیَة». فالدلائل الواضحة والبراهین الكافیة القاطعة كلّها مبیَّنة فی القرآن الكریم.
وخلاصة كلام الزهراء (سلام الله علیها) فی هذا القسم من الخطبة هو أنّ علیكم الالتفات أوّلاً إلى أنّكم مسؤولون، وأنّ مسؤولیّتكم غیر محصورة فی المسائل الفردیّة. إذ یتعیّن علیكم التعرّف على المسؤولیّة الملقاة على عاتقكم عن طریق القرآن، فإنّ القرآن قد أتمّ علیكم الحجّة.
نسأل الله العلیّ القدیر أن یمنّ علینا جمیعاً بتوفیق الإفادة من القرآن الكریم وأهل البیت (علیهم السلام).


1. سورة المعارج، الآیة 43.

2. سورة الشورى، الآیة 7.

3. الكافی، ج5، ص55.

4. سورة النساء، الآیة 58.

5. سورة الأنعام، الآیة 19.

6. سورة طه، الآیة 115.

7. سورة هود، الآیة 86.

8. وسائل الشیعة، ج27، ص34.

9. سورة النساء، الآیة 59.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...