صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثالثة والعشرون: أصالة الإیمان

تاریخ: 
شنبه, 13 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 4 أیلول 2010م الموافق للیلة الخامسة والعشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

أصالة الإیمان

لائحة بأسرار القرآن العامّة

«... فَجَعَلَ اللهُ الإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْك ...»
تشیر الصدّیقة الطاهرة (سلام الله علیها) فی القسم الثانی من خطبتها الشریفة إلى المسؤولیّة الثقیلة الملقاة على عاتق مسلمی ذلك العصر، والتی یجب أن تتولاّها الأجیال القادمة أیضاً، ألا وهی المحافظة على القیم والمُثُل الإسلامیّة ضمن حدود المجتمع الإسلامیّ، وإبلاغ رسالة الإسلام إلى ما وراء تخوم دار الإسلام. ثمّ تقول: «إنّ ما یمهّد لكم الطریق للنهوض بهذه المهمّة هو التمسّك بالقرآن الكریم الذی بیّن الله عزّ وجلّ فیه ما یلزم لسعادتكم فی الدنیا والآخرة». وفی ختام هذا القسم تستعرض (علیها السلام) عشرین عنواناً هی من أهمّ تعالیم القرآن الكریم بدءاً بعبارة: «فَجَعَلَ اللهُ الإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْك» وانتهاءً بجملة: «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة».
یشیر مستهلّ وختام هذه اللائحة من العناوین إلى موضوع هو غایة فی الأهمّیة وهو أنّ روح الإسلام فی الحقیقةـ إنّما تتجسّد فی عبادة الله الواحد واجتناب أیّ شكل من أشكال الشرك، وما العناوین الاخرى المذكورة بین هذین العنوانین إلا الأسباب والوسائل التی یُستعان بها لبلوغ هذا الهدف. وهذا یقودنا إلى نتیجة مفادها أنّ الإنسان لن یبلغ السعادة من دون عنصر الإیمان.

العرض الحكیم لمسألة الإمامة

النقطة الاخرى التی تسترعی الانتباه فی انتقاء العناوین العشرین هی أنّ الزهراء (سلام الله علیها) لدى سردها لتلك العناوین التی یعرفها الجمیع والتی تُعدّ من ضروریّات الدین، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهادـ قد أقحمت عنوانین بین عنوانی الحجّ والجهاد یتعلّقان بالإمامة، بحیث إنّنا إذا ألقینا نظرة سریعة إلى تلك العناوین نشعر وكأنّها ینقصها الترتیب. لكنّنا سرعان ما نكتشف بعد قلیل من الدقّة والتمحیص أنّ إقحام هذین الأمرین بین بقیّة العناوین، التی تُعدّ جمیعها من النصوص القرآنیّة ومن ضروریّات الدین، ینطوی على تدبیر وحكمة بالغین. فأوّلاً: الزهراء (علیها السلام) أحجمت عن التطرّق إلى قضیّة الإمامة فی مطلع كلامها كی لا یتولّد لدى الحاضرین ردّ فعل عكسیّ فیقولون: لقد جاءت تطرح قضیّتها الشخصیّة، كما أنّها لم تشأ إرجاء ذكر هذا الأمر إلى آخر الخطبة ففی هذه الحالة لن یُولَى الأهمّیة المطلوبة. ثانیاً: لعلّ فی إقحام هذین العنوانین بین العناوین الاخرى تنبیه إلى أنّهما لا یقلاّن أهمّیة عن الصلاة، والصیام، والزكاة، والحجّ، والجهاد. فهی (سلام الله علیها) ترید أن تقول: إذا كنتم تعرفون تلك المسائل وتقرّون وتعترفون بها، فكیف نسیتم هذه القضیّة التی تُعدّ أهمّ من غیرها من بعض الجهات؟!

الإیمان مطهّر للقلوب

«فَجَعَلَ اللهُ الإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْك»؛ أی تطهیراً لقلوبكم من لوث الشرك. للوهلة الاولى یبدو هذا المعنى غایة فی البساطة، فكلّ مسلم مُقِرّ بالقرآن یفهم أنّ الهدف من الإسلام هو إزالة الشرك من على وجه الأرض وإحلال المجتمع الإیمانیّ محلّه؛ غیر أنّ التركیز على هذا المعنى والتذكیر به هو من باب تنبیه المستمع إلى أنّ الكلام لا یدور حول قضیّة سیاسیّة، واقتصادیّة، واجتماعیّة بحتة؛ بل إنّ أساس دعوة الأنبیاء هو ما یرتبط بقلب الإنسان. فمع أنّ العادة جرت على طرح الإسلام فی مقابل الشرك، والإیمان فی مقابل الكفر، فإنّ مولاتنا (سلام الله علیها) لا تقول: «جعل الإسلام تطهیراً لكم من الشرك»، بل هی تؤكّد على قضیّة الإیمان. فالقرآن نفسه یفرّق بین الإیمان والإسلام ویعرّف الإیمان بأنّه العامل لسعادة الإنسان فی قوله: «قَالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا یَدْخُلِ الإیمانُ فی‏ قُلُوبِكُم»1. أی إنّ ما تقولونه فعلاً یتّصل باللسان، ولابدّ أن تتبعه مرحلة العمل أیضاً، أمّا الإیمان فیأتی بعد تلك المراحل. فالإیمان ینبغی أن یدخل إلى القلب ثمّ یسری من القلب إلى اللسان والأعضاء والجوارح. فمقرّ الإیمان الأساسیّ هو القلب.
ما یكون فی مقابل الإیمان عادةً هو الكفر؛ غیر أنّ الزهراء (علیها السلام) قد استخدمت لفظة الشرك فی مقابل الإیمان. ویمكن هنا طرح تبریرین لهذا الاستعمال: الأوّل: هو أنّ المخاطَبین بدین الإسلام فی الجزیرة العربیّة لم یكونوا من الملحدین الطبیعیّین المنكرین لله تعالى، ومن هنا فقد ورد فی العدید من الآیات أنّك إذا سألتهم عن الذی خلق السماوات والأرض لیقولُنّ الله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ الله‏»2.فهؤلاء كانوا یؤمنون بآلهة یتصوّرون أنّ لها تأثیراً فی تدبیر العالم، ومن هذه الناحیة فإنّ عملهم كان شركاً فی واقع الأمر. أمّا التبریر الثانی لهذا الاستعمال فهو أنّ الشرك المقصود هنا حسب تقدیری الشخصیّـ هو الشرك الذی یكون عن غیر وعی. وتوضیح ذلك هو أنّ الناس جمیعاً یقبلون الله بالفطرة، وإن كانوا، فی الظروف العادیّة، غیر ملتفتین إلى اعتقادهم هذا، لكنّهم یتوجّهون إلى الباری تعالى فی الحالات الاضطراریّة. إذن فأیّ اعتقاد آخر غیر الاعتقاد بالله یمثّل فی الحقیقة شركاً؛ بمعنى أنّهم یقولون بآلهة مجعولة إلى جانب إلههم الفطریّ.

البراغماتیّة؛ انحراف خفیّ

یعتقد البعض أنّ القیمة الحقیقیّة یحدّدها العمل. وهذا هو ما یسمّى بالنزعة العملیّة التی لاقت رواجاً بین فلاسفة الغرب فی القرن الأخیر حیث اعتقدوا أنّ حقّانیة الشیء إنّما تحدّدها فائدته فی مقام العمل. یقول ولیم جیمس، وهو عالم نفس أمریكیّ معروف: إنّ أنجع الطرق لعلاج الأمراض النفسانیّة هی العبادة؛ لكنّ دلیله على ذلك هو فائدة العبادة فی معالجة المصابین بالذُّهان. وهذه النزعة هی نزعة براغماتیّة مفادها أنّ حقّانیة الشیء یتمّ إثباتها من خلال العمل بغضّ النظر عمّا إذا الشیء نفسه حقّاً أم باطلاً. فالبراغماتیّون یقولون: حتّى لو كان الشیء كذباً لكنّه ثبتت فائدته من الناحیة العملیّة فسیكون ذا قیمة حقیقیّة.
وهذا التوجّه ملحوظ عند أغلب الناس لكن مع بعض الشدّة والضعف. ولعلّه یلاحَظ بشدّة بالغة عند بعض الأشخاص المعروفین فی بلدنا، كما أنّ الناس أیضاً یشجّعون على مثل هذه المیول. فأمثال هؤلاء لا یعیرون أیّ أهمّیة لبطلان مبانی عقیدة معیّنة أو نظریّة ما، وجُلّ ما یهتمّون به هو التقدّم على صعید الحیاة المادّیة. المیل إلى هذا التوجّه هو طبیعیّ إلى حدّ ما. فنحن أبناء الطبیعة، وإنّ أوّل ما وقعت أعیننا علیه هو تلك الاُمور الطبیعیّة. فإدراك ما یكون وراء الطبیعة والتعلّق باُمور لیست هی ممّا یُدرَك حسّیاً، هو أمر یتخطّى اُفق المذهب المادّی؛ والحال أنّ المذهب المادّی هو مقتضى طبیعتنا المادّیة. هذه المشكلة كانت قائمة حتّى عند أقوام الأنبیاء الماضین، نذكر من بینها قصّة بنی إسرائیل التی تستحقّ حقّاً وقفة تأمّل واستلهام للعبر. فعندما هاجر بنو إسرائیل من مصر برفقة موسى (علیه السلام) صادفوا منطقة معتدلة الطقس تكسوها الخضرة فیها قوم یعكفون على أصنام لهم یعبدونها، وقد صنعوا لعبادتهم أصناماً جمیلة، وكانت تتخلّل مراسم العبادة دبكة یحدث فیها الاختلاط والاُنس والطرب. فعندما شاهد بنو إسرائیل هذه المنطقة الحسنة الطقس، وتلك الأصنام الجمیلة، والاحتفالات الجذّابة، جاءوا إلى موسى (علیه السلام) قائلین: «یَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ»3.
فالنزوع نحو الطبیعة والمحسوسات أمر عادیّ، وقد تحمّل الأنبیاء أعباء كبیرة فی توجیه أنظار البشر إلى ما وراء الطبیعة وإفهامهم أنّ الله تعالى لیس جسماً. وبطبیعة الحال فإنّ المسائل المعنویّة وقضایا ما وراء الطبیعة لن تفتح أبوابها بسهولة مع وجود هذه الروح وهذا النمط من التفكیر. فإذا قیل لأمثال هؤلاء: إنّ الله سیثیبكم خیراً، فسیظنّون أنّ الثواب هو كثرة الأمطار وزیادة المحصول. فأمثال هؤلاء لا یشغلهم العالم الآخر وجنّة الباری عزّ وجلّ بشكل جدّی. فلو أنّ الإنسان ابتُلی فعلاً بالمحن والفقر والمرض وفقدان الهویّة الاجتماعیّة، وذاق حقّاً مرارة تلك المآسی، فأیّهما سیكون أكبر قیمة بالنسبة له، أنْ یعلم أنّ عاقبة كلّ تلك المصاعب والمشاقّ هی الجنّة التی یصفها الله تعالى بقوله: «لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِیَّةٌ تجَْرِی مِن تَحْتهَِا الأَنْهَارُ»4، أم أنْ یُعطَى أصناف الفاكهة والأطعمة ویُفتَح له حساب مصرفیّ ضخم؟ فالذین هم على استعداد لتحمّل كلّ تلك المحن والمشاقّ طواعیة ولا یطلبون بذلك غیر وجه الله تعالى هم عملة نادرة للغایة.

رماد فی مهبّ الریح

یجعل القرآن الكریم الأصالة للإیمان ولا یعطی أیّ قیمة للعمل الذی یخلو من الإیمان. لكنّه یصعب علینا جدّا التصدیق بذلك، وقد سعى القرآن الكریم من جانبه جاهداً لإفهامنا هذا المعنى. فالقرآن یبالغ فی إضفاء الطابع الحسّی على مسألة الكفر والشرك، ویبیّنها لنا بأمثلة مبسّطة كی نستوعبها بشكل جیّد. فهو یقول فی سورة إبراهیم: «مَثَلُ الَّذِینَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عَاصِفٍ لا یَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَیْءٍ»5؛ ویقصد بالأعمال تلك التی یعتقدون أنّها مدعاةٌ لسعادتهم فهی كذرّات الرماد فی یوم عاصف تنثرها الریاح ولا تبقی منها أثراً، ولن تكون لدیهم القدرة على جمعها ثانیة والاحتفاظ بها. لماذا؟ ذلك أنّ أعمالهم لم تكن مبنیّة على اُسس إیمانیّة بل كانت نابعة من الكفر مرتكزة علیه. ویقول فی موضع آخر: «أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِی بَحْرٍ لُّجِّیٍ‏ّ یَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَكَدْ یَرَاهَا وَمَن لَّمْ یجَْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ»6؛ أی إنّ مَثَلهم فی ذلك مثل الغریق فی بحر هذه صفته. فأیّ ظلمة ابتُلی بها هذا الشخص؟ كلّ هذه الظلمات إنّما تنشأ من انعدام الإیمان ومن الكفر والضلالة، فمهما أنجز من أفعال الخیر فانّه لن ینفعه بشیء.
فالقرآن یلحّ فی تكرار هذه الأمثلة لیقول لنا: القضیّة لیست كما تظنّون من أنّ مجرّد كون العمل حسناً فهو محقّق للسعادة. فالعمل الذی یقودكم نحو السعادة هو ذلك العمل الذی یربطكم بالله عزّ وجلّ. وفی المقابل فإنّ العمل الذی تقومون به إرضاء لأنفسكم، أو جلباً لثناء الآخرین، أو استمالةً لأصوات الناس فی الانتخابات لن یعود علیكم بالنفع قطّ. لكنّ العمل المنجَز من منطلق الإیمان بالله تعالى والمتّصل بالعالم الذی لا یفنى سوف یبقى إلى الأبد وهو الذی یمتلك القدرة على حلّ مشاكلكم: «مَا عِندَكُمْ یَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ»7.
یقول الله تبارك وتعالى: إذا كان العمل لمرضاتی فسأمنحه من البركة والقیمة ما یجعله باقیا إلى الأبد وینمو یوماً بعد یوم، ویزداد روعة وجمالاً. وعندما یأتی دور الإثابة فإنّنی لن أنظر إلى صغائر أعمالكم، بل أجعل أفضل أعمالكم هو المقیاس فی الإثابة: «وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِی كَانُواْ یَعْمَلُونَ»8. فأنا اُثیب على الأعمال الصغیرة بعشرة أمثالها حیناً، وبسبعمائة ضعف حیناً آخر، ولا یمثّل هذا أعلى سقف فی الإثابة: «مَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِی كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ یُضَاعِفُ لِمَن یَشَاء»9. أمّا إذا لم یرتبط العمل بالله، بل انحصر فی نطاق أنفسكم ومریدیكم وجماعتكم وحزبكم، فسیبقى فی هذا النطاق. وعلى الرغم من احتمال ترتّب الأثر علیه فی الدنیا، لكنّه سیقال لكم یوم القیامة: «أَذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِكُمْ فِی حَیَاتِكُمُ الدُّنْیَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا»10، فقد أنجزتم عملكم فی سبیل الدنیا، وجنیتم ربحه وتقاضیتم أجركم فیها.

القومیّة؛ رجوع إلى الجاهلیّة

من الانحرافات الفكریّة فی عصرنا الحاضر التی تُعدّ من جملة صنائع أیادی إبلیس الماهرة هی إشاعة فكرة أنّ القیمة لا تكون إلاّ فی السلوك، والقومیّة، والآباء، والأجداد، ولا ینبغی الحدیث بعد الآن عن الله والإسلام وما إلى ذلك. والعجیب هو أنّه فی مجتمع إسلامیّ ثوریّ، لم تسقط كلمة الإسلام یوماً من لسان وكلمات إمامه (قدّس سرّه)، یوجد من یقول تحت شعار السیر على خُطى الإمام الراحل: «لقد ولّى زمن الترویج للإسلام ولابدّ الیوم من الترویج للقیم الإنسانیّة العامّة»! لكنّ القیم الإنسانیّة العامّة توجد حتّى بین عبدة الأوثان وغیرهم من الطوائف؛ إذن فأین محلّ الإیمان من الإعراب؟ ذلك الإیمان الذی هو أصل جمیع القیم والذی تكتسب جمیع الأشیاء الاخرى القیمة فی ظلّه. هؤلاء یقولون: «نحن الیوم قد تخطّینا هذه المرحلة». لكنّه فی الحقیقةـ ینبغی القول لهؤلاء: إنّكم تتخبّطون فی أوهامكم وخیالاتكم. إذ لابدّ أن نسأل الذین یروّجون للقومیّة ویفتخرون باﻟ«الإیرانیّة»: أأنتم الذین اخترتم هذا البلد لیكون مسقط رأسكم؟ هل یُعدّ هذا فخرا؟ ما الذی یرسم حدود إیران؟ وما الذی یحدّد هذه القیمة؟ ما الذی نلتَه أنت من فضل أبیك إذا كان أبوك فاضلاً؟ فكلّ شخص مسؤول عن عمله وتصرّفاته هو. فعلیك أن تنظر ماذا قدّمت أنت؟ وبمن تؤمن؟ وبمن یتعلّق قلبك؟ وأیّ القیم تدعم؟
لقد قال الإمام الخمینیّ الراحل (رضوان الله تعالى علیه): «نحن لا نقیم وزناً لإیران والتبعیّة لإیران، ولابدّ لجهودنا أن تنصبّ فی طریق نشر الإسلام». وقد صرّح رئیس وزراء الحكومة المؤقّتة فی حینها: «الفارق بینی وبین الإمام الخمینیّ هو أنّه یرید أن تكون إیران للإسلام، وأنا أرید أن یكون الإسلام لإیران»! ولقد كان محقّاً فیما قال إذ لم یكن محتالاً ومخادعاً مثل غیره. فنقطة الخلاف الأساسیّة بین مدرسة الإمام الراحل (رحمه الله) ومدرسة القومیّین تكمن فی هذا الفارق؛ وهو هل یتعیّن أن نسعى لحذف الإسلام ونقول: إیران فحسب؟ هل نسمّی هذه عبودیّة لله وطاعة للدین؟ هل نعد ذلك خطوة نحو صیانة قیم الجمهوریّة الإسلامیّة، أم تقهقراً نحو الجاهلیّة الاُولَى؟ فإلى أین نحن ذاهبون یا ترى؟!
إنّ أساس هذه الأفكار هی تلك النزعة العملیّة (البراغماتیّة)، وإنّك إذا نبّهت هؤلاء إلى أنّ القیمة الإسلامیّة الفلانیّة آیلة إلى الاضمحلال والاُفول، أجابوك بالقول: دعوه یفعل فعله! فالنزعة العملیّة تسوق الإنسان إلى حیث لا یرى غیر الآثار المادّیة ویحسب كلّ ما سواها ضرباً من الشكلیّات. ومن هنا ندرك السبب الذی دفع الصدّیقة الطاهرة (سلام الله علیها)، عندما أرادت أن تبیّن محتوى الإسلام الحنیف، إلى الاستهلال بهذه العبارة: «فَجَعَلَ اللهُ الإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْك» والختام بهذه الكلمات: «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة»؛ ذلك أنّ الدین یبدأ بهذا ویُختَم به ولیس باقی الاًمور سوى آثار وبركات تترتّب علیه بإذن الله تعالى؛ فلا یمكن بحال من الأحوال عدّ هذه فی مقابل تلك.
اللهمّ إنّا نقسم علیك بحقیقة الزهراء البتول (سلام الله علیها) أن تنوّر قلوبنا بنور الإیمان، وتحمینا من فتن آخر الزمان.


1. سورة الحجرات، الآیة 14.

2. سورة لقمان، الآیة 25؛ وسورة الزمر، الآیة 38.

3. سورة الأعراف، الآیة 138.

4. سورة الزمر، الآیة 20.

5. سورة إبراهیم، الآیة 18.

6. سورة النور، الآیة 40.

7. سورة النحل، الآیة 96.

8. سورة العنكبوت، الآیة 7. 

9. سورة البقرة، الآیة 261.

10. سورة الأحقاف، الآیة 20.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...