صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثلاثون: الآمر بالمعروف مصلحة شاملة

تاریخ: 
چهارشنبه, 14 مهر, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 6 تشرین الأول 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الأمر بالمعروف مصلحة شاملة

«...وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ»1
وصلنا فی بحثنا فی خطبة سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى العبارة التی تقول فیها: «وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ»؛ أی إنّ الله قد أوجب الأمر بالمعروف من أجل صلاح العباد كافّة.
لقد تحدّثنا فی ما مضى حول هذا الموضوع ضمن عدّة محاضرات طُبعت فیما بعد تحت عنوان «أعظم الفرائض»2. ولهذا فسنوجز البحث هنا فی شرح هذه العبارة بحسب ما یقتضیه المقام.

مقدّمات القرب من الله هی المصلحة الحقیقیّة

كثیراً ما نستخدم كلمة «المصلحة» فی محاوراتنا العرفیّة، فتارة یكون استعمالها صحیحاً وتارة اخرى یکون خاطئاً ومنحرفاً. فالبعض مثلاً یعبّر عن كلّ كذب یجنی منه بعض الفائدة انّه كذب للمصلحة. لكنّ السؤال هو: ما معنى المصلحة أساساً؟
یقال فی علم الکلام والعقاید للشیعة إنّ أحكام الواجب والحرام تُشرَّع فی شریعتنا وفقاً للمصالح والمفاسد؛ بحیث إنّه اُوجب كلّ ما فیه مصلحة وحُرّم كلّ ما فیه مفسدة. وهذا هو أشهر استعمال لكلمة «المصلحة» فی ثقافتنا الدینیّة.
وعندما نقول: إنّه یتعیّن تأمین المصلحة واجتناب المفسدة فلابدّ لنا من مقدّمة وهی أنّ البشر وفقاً لمقتضیات ما جُبلوا علیه من الفطرة یسعون وراء الهدف الذی من شأنه أن یؤمّن ما یصبون إلیه من سعادة وكمال نهائیّین. فحبّ أیّ امرئ لشیء معیّن ینبع من أنّ هذا الشیء سیؤمّن له كمالاً، أو لذّةً، أو منفعة. لكنّ البشر یختلفون كثیراً فی اختیار الهدف الذی یسعون وراءه، وأصل الاختلاف یكمن بین المتدیّنین والملحدین. فالمتدیّنون یقبلون بأصل المعاد ویعتقدون بأنّ على المرء أن یثابر ویكدح فی هذا العالم كی ینال السعادة الأبدیّة. فنحن وإن كنّا نبحث بالفطرة عن الرفاهیة والسعادة، لكنّنا لا نرید الرفاهیة والسعادة المحدودتین والمؤقّتتین، بل نصبوا إلى السعادة الثابتة الدائمیّة. وهذه هی عین الحقیقة التی یُطلق علیها السعادة. إذ یقول القرآن الكریم: «فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُواْ فَفِی النَّارِ... * ... * وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُواْ فَفِی الْجَنَّةِ»3، وهذا یعنی أنّنا نفتّش عن السعادة الثابتة والأبدیّة. إذ لیست السعادة المؤقّتة والمشوبة بالأمراض المزمنة والآلام المتواصلة سعادة، كما هو الحال فی الإدمان على المخدّرات. فلقد أثبتت البحوث العقلیّة أنّ سعادة الإنسان الحقیقیّة هی التی تكون مقرونة بكماله النهائیّ؛ أی إنّ الحقیقة الموجِبة للسعادة الأبدیّة هی تلك التی تؤدّی إلى الكمال النهائیّ للإنسان وما لم یصل الإنسان إلى الكمال النهائیّ فهو لم ینل السعادة الأبدیّة.
فنحن نبذل الجهود من أجل الوصول إلى تلك السعادة الأبدیّة، وإنّ هدفنا من كلّ ما نقوم به من أعمال هو الوصول إلیها. إذن فكلّ ما یوجب - حقیقةً - بلوغ السعادة ینطوی على مصلحة؛ أی إنّ ذلك الفعل یستحقّ منّا إنجازه كی نصل إلى ذلك الهدف. فالمصلحة الحقیقیّة للإنسان هی الحقیقة التی تمثّل الوسیلة لبلوغ السعادة الأبدیّة. لكنّ البشر لا یعتقدون جمیعا بالمعاد، بل حتّى الذین یعتقدون به فإنّ هذا الأمر لا یخطر دوماً فی أذهانهم وهم لا یقومون بكلّ أعمالهم من أجل الوصول إلى السعادة الأبدیّة؛ بمعنى أنّ أهداف الناس عموماً هی أهداف مادّیة ودنیویّة. وحتّى القرآن الكریم یقول: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَیَوٰةَ الدُّنْیَا»4. ومن هنا فإنّ للمصلحة فی عرف غیر المتشرّعة من الناس مدلولاً أكثر عمومیّة. ووفقاً لهذه الرؤیة فإنّ المصلحة هی كلّ أمر یكون وسیلة للوصول إلى الهدف، سواء أكان هذا الهدف هو السعادة الحقیقیّة أو أیّ شکل من أشكال السعادة الدنیویّة.
فالناس عادة یفتّشون عن السعادة فی هذه الحیاة الدنیا ویعتبرون كلّ ما یجلب السعادة الدنیویّة مصلحة. ونتیجة للاختلاف فی الأهداف فقد یكون الأمر ذا مصلحة فی نظر أحدهم ولیس ذا مصلحة فی نظر الآخر. إذن فإنّ لدینا مصلحة حقیقیّة وهی ما یوصل الإنسان إلى السعادة الأبدیّة (القرب من الله)، ومصلحة أعمّ وهی المصطلحة عرفاً؛ ذلك أنّ للناس عادة أهدافاً دنیویّة، وإنّ كلّ ما یلزمهم لبلوغ أهدافهم تلك سیصبح مصلحة بالنسبة لهم. فعلى سبیل المثال، فإنّ الكذب بالنسبة لمن دأبه التحایل على الآخرین سیشكّل مصلحة له!
كما أنّ لبعض الأفعال أیضاً مصلحةً متوسّطةً؛ فالذی یسافر ویتغرّب مثلاً من أجل الزیادة فی طلب العلم یُعدّ سفره هذا ذا مصلحة متوسّطة له؛ ففی هذه الحالة إذا اتّخذ من صیرورته عالماً مقدّمة للوصول إلى السعادة الأبدیّة وكان هدفه مرضاة الله سبحانه وتعالى فسیكون باستطاعته بلوغ المصلحة الحقیقیّة، وإلا لو كان هدفه من طلب العلم هو الدنیا فسیكون مصداقاً لقوله تعالى: «خَسِرَ الدُّنْیَا وَالآخِرَةَ»5.
أمّا الاستعمال الآخر لمصطلح المصلحة فهو عندما تتزاحم مقدّمتان ویكون – أحیاناً – لإحداهما نفع وضرر وللاخرى نفع وضرر كذلك. فی هذه الحالة یقوم مَن هم أهل لتقییم المصلحة بالمقارنة بین المقدّمتین للوصول إلى أكثرهما نفعاً وأسرعهما إیصالاً إلى الهدف، ویُستخدم فی مثل هذه الحالات مصطلح «تشخیص المصلحة».

فریضة ذات مصلحة شاملة

المصلحة تكون تارة فردیّة وطوراً اجتماعیّة. فمن بین التشریعات الإلهیّة توجد تشریعات تشكّل مصلحة لعامّة الناس. وإنّ ما یحظى بأهمّیة وبروز أكبر من بین تلك التشریعات هی فریضة «الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر». وهذه حقیقة تقتضیها الفطرة البشریّة من ناحیة، وتؤكّد علیها كافّة الأدیان من ناحیة اخرى. وإنّ التأكید الذی ورد فی القرآن الكریم والأحادیث على هذه القضیّة قد بلغ حدّاً یذهل العقول. ففی الآیة التی نزلت لتعلن أوّل تشریع للجهاد الدفاعیّ یقول عزّ من قائل: « أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ *...* الَّذِینَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِی الارْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الامُورِ»6.

الأمر بالمعروف مهمّش، لماذا؟

یتبادر إلى أذهان الكثیر منّا سؤال لا نجد جواباً شافیاً علیه وهو: ما سبب كون فریضة الأمر بالمعروف فی مجتمعنا مهمّشة على الرغم من كلّ هذا التأكید فی القرآن الكریم علیها؟ فكم مرّة نأمر بالمعروف خلال الیوم الواحد وكم نشاهد من الأشخاص الذین یقومون بهذه الفریضة؟ ألسنا نوافق على أنّ هذه الفریضة هی من ضروریّات الدین؟ لماذا یستنكر الناس على من یحاول العمل بهذه الفریضة؟ ألسنا مسلمین؟ ألم نقرأ القرآن؟
القضیّة هی أنّ السلوكیّات الاجتماعیّة تتبع الثقافة الحاكمة والمهیمنة على المجتمع. فلیست المسألة أنّ المرء باستطاعته دوماً وفی أیّ وقت وضمن أیّ مجتمع أن یعمل بكلّ ما یراه صواباً. فالممتازون من الناس فقط هم الذین یستطیعون أن یسبحوا ضدّ التیار أو أن یتكلّموا، أو یكتبوا، أو یتحرّکوا بما یخالف الذوق السائد والثقافة المسیطرة على المجتمع. وأمثال هؤلاء غالباً ما یُتّهمون بالجنون وأمثاله. بل إنّ جمیع الأنبیاء (علیهم السلام) كانوا یعانون من هذه الظاهرة أیضاً. فالقیام بما یخالف الذوق العامّ یحتاج إلى إرادة صلبة جدّاً، ومن هنا یقال: إنّ أفراد المجتمع یتأثّرون بالثقافة المهیمنة على ذلك المجتمع. وحتّى حالاتنا النفسانیّة فهی تتأثّر، بشكل طبیعیّ، بالمنظومة القیمیّة المهیمنة على المجتمع الذی نعیش فیه.

تأثیر تهتّك الثقافة الغربیّة

والسؤال هنا: لماذا وصلت المنظومة القیمیّة لمجتمعنا إلى هذا المستوى؟ لماذا لا یستسیغ الناس الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر؟ والجواب هو: إنّ ثقافتنا باتت متأثّرة بالثقافة الغربیّة الملحدة ولم تعد ثقافتنا ثقافة إسلامیّة محضة. ففی العالم الغربیّ المعاصر وُضعت جمیع القیم فی دائرة التشكیك والسؤال، وبدأت تظهر للوجود مدارس فی فلسفة الأخلاق والقیم یدعو الاطّلاع علیها للتعجّب والدهشة. فقد ذهب فلاسفة معروفون إلى الاعتقاد بأنّ «الامور التی نعدّها حسنة، كالإنصاف والرأفة وما إلى ذلك، إنّما تُصنَّف ضمن لائحة أخلاق الضعف؛ وإنّ اُصول القیم تكمن فی القوّة. فكلّما أمعنّا فی ممارسة التعسّف كان أفضل. فمَن قال إنّ على الإنسان أن یكون رؤوفا ورحیماً ویقدّم الخدمة للآخرین؟!». بل إنّ إحدى المدارس الأخلاقیّة المعروفة تعتقد: «أنّ جمیع القیم اعتباریّة. فإذا اتّفق أفراد المجتمع فیما بینهم فی عصر من العصور على أنّ الأمر الفلانیّ حسَن، فقد تأتی ظروف مختلفة فی زمان آخر تجعل من نفس هذا الأمر قبیحاً. فلا یوجد میزان ثابت للحُسن والقبح، وإنّما هو أمر اعتباریّ یتغیّر بمرور الزمان. وبناء علیه فلا ینبغی أن نتقیّد كثیراً بالقول: لابدّ من ترك ما یراه الناس قبیحاً وإلى الأبد، إذ قد یصبح نفس هذا الشیء موضَة فی المستقبل»!
فالقیمة التی یقبلها الیوم العالم الغربیّ ویقرّها أكثر من أیّ شیء آخر هی «الحرّیة». فهم یقولون: «الحرّیة هی أن یصنع كلّ امرئ ما یشاء. وهذه هی أرقى أنواع القیم، ولا یقیّدها شیء سوى استثناء واحد وهو عدم التجاوز على حرّیات الآخرین، لیس غیر»! وعلى هذا الأساس فقد اُسّست فلسفات أخلاقیّة وسیاسیّة واجتماعیّة جمعت حولها الكثیر من المؤیّدین وأصبحت تُدرَّس فی الجامعات الغربیّة. ومن هذا المنطلق فقد تمّ صیاغة فلسفة سیاسیّة وظیفتها تحدید واجبات الحكومة فی هذا الصدد مفادها: «أنّ واجب الحكومة هو الوقوف أمام التجاوزات وانتهاك الأمن ولیس لها أیّ وظیفة اخرى، كما أنّه لیس لجهاز الشرطة التدخّل إلا عندما تتعرّض حیاة الناس وممتلكاتهم للخطر، وما سوى ذلك فإنّ الناس أحرار فی أن یصنعوا ما یشاءون أمام الملأ خاصّة فی الأعیاد والحفلات»!
وشیئاً فشیئاً بدأت أمواج هذه الثقافات تصلنا عبر قنوات الرادیو، والتلفزیون، والفضائیّات، والصحف، والمقالات، والسینما، وغیرها، وأمست تؤثّر فینا تدریجیّاً سواء شئنا أم أبینا حتّى وصل الأمر إلى أنّ ما نعتبره نحن أمراً بالمعروف ومن أرقى القیم بات یُعدّ من أقبح الأعمال، حتّى إنّه لَیُقال لمن یحاول أداء هذه الفریضة: «إنّ الحرّیة هی أسمى القیم. أترید التدخّل فی حرّیات الآخرین»؟! وهذه هی الثقافة المهیمنة على العالم الغربیّ. فإذا سرت إلینا وإلى مجتمعاتنا بشتّى الوسائل فإنّها ستدخل إلى الكتب المدرسیّة أیضاً، وتُدَرّس فی الجامعات، وتُبرَّر من قبل الأساتذة، فهل تنتظرون - والحال هذه - أن تكون النتیجة غیر ما هی علیه الآن؟ بالطبع نحن نحمد الله على أنّنا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد؛ لكنّ دخان هذه الثقافة بات یخیّم على أجواء مجتمعنا، فلم یعد من السهل أن یعمد المرء إلى نهی الناس عن فعل شیء أو تحریضهم علیه.

ما هو التكلیف إذن؟

السؤال الآخر هو: ما تكلیف المسلمین فی هذه الحالة إذن؟ هل فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هی من وظائف فئة خاصّة من الناس أم هو واجب عامّ؟ كلّنا یعلم أنّ هذه الفریضة هی وظیفة عامّة حالها حال الصلاة والصوم؛ لكنّه فی الموارد التی یُخاف من انجرار العمل بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فیها إلى المواجهة والإخلال بالأمن فإنّها تُترك للحاكم الشرعیّ. ففی قدیم الزمان كانت تعیّن جماعة خاصّة لهذا الغرض ویجعل لأفرادها زیّ خاصّ یُعرفون به، وكان یقال لهم: انّهم محتسبون، وكان یطلق على هذا النمط من الأعمال «الحسبة». ثمّ آلت الامور فی عصرنا المتحضّر إلى طرح مسألة قوّات حفظ الأمن وجهاز الشرطة فی جمیع البلدان وحُدّدت لهم مهمّات وواجبات خاصّة.

تكلیف جهاز الشرطة المسلم

والسؤال الـمُلِحّ هنا هو: هل وظائف جهاز الشرطة فی النظام الإسلامیّ تشبه ما حدّدوه له من وظائف فی الأنظمة الكافرة، أم أنّها تختلف؟ یقول البعض فی هذا الصدد: «لا ینبغی لجهاز الشرطة أن یتدخّل إلا لمواجهة الجریمة المنظّمة أو القضایا التی تؤدّی إلى الإخلال بالأمن. أمّا فی المسائل الفردیّة فلابدّ من العمل الثقافیّ ولیس لقوّات الشرطة التدخّل فی هذه الامور»! ووجهة النظر هذه تتناغم مع رؤیة الثقافة الغربیّة القائلة: «إنّ واجب قوّات الشرطة لا یتعدّى المحافظة على الأمن ولا ینبغی للشرطة التدخّل فیما لا علاقة له بالجانب الأمنیّ»! بمعنى أنّه یتعیّن المحافظة على أعلى مستوى ممكن من الحرّیة الفردیّة.
ولابدّ من القول هنا إنّ غیر المسلمین أو الغربیّین - بالطبع - لا ینكرون مسألة الأمر بالمعروف تماماً، فإنّهم یمارسون شكلاً من أشكال الأمر بالمعروف الخاصّ بهم. فهم یتقیّدون ببعض الامور بشدّة كنظافة الشوارع، ومراعاة قوانین المرور، وغیرها. لكنّ الفارق بین جهازی الشرطة الإسلامیّ والغربیّ هو أنّه وفقاً لرؤیة جهاز الشرطة الإسلامیّ فإنّ مصالح ومفاسد المجتمع الإسلامیّ لا تنحصر فی الأمن والمادّیات، فالمصالح المعنویّة بالنسبة لنا أهمّ من المصالح المادّیة.
فعندما تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «وَالامْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ» فهی لا تعنی تلك المصلحة التی یقول بها الغربیّون، لأنّهم لا یرون المصلحة إلا فی المادّیات. بل إنّ أهمّ مصلحة هی الحفاظ على القیم الإسلامیّة وتطبیق أحكام الإسلام. فالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر من أجل محاربة المعاصی والانحرافات الفكریّة والعقائدیّة هو أوجب بكثیر من الأمر بالمعروف لإصلاح الشؤون المادّیة؛ ذلك أنّ الانحرافات تهدّد السعادة الأبدیّة للإنسان. فإن أراد امرؤ فعل شیء من شأنه أن یدخله النار الى الأبد ألا ینبغی لنا أن تحترق قلوبنا شفقة علیه؟! إذن فإنّ أهمّ أشكال المصلحة المأخوذة فی تشریع الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هی حفظ المصالح المعنویّة والدینیّة للمجتمع. ومن هنا یتحتّم على أجهزة الشرطة أن تحارب أیّ شكل من أشكال الفسق. إذ لا ینبغی أن یتجاهر الفُسّاق بفسقهم فی المجتمع الإسلامیّ. بالطبع إذا أذنب أحدهم فی الخفاء فانّه لا یجوز أن یُتَجسّس علیه ولیس لأحد التدخّل فی شؤونه الخاصّة؛ لكنّ ارتكاب الفسق فی العلن وإفساد أفراد المجتمع یُعدّ من أكبر المفاسد ویتعیّن محاربته. وفی مثل هذه الامور إذا كانت المفسدة ضمن الحدود التی تكون معها قابلة للحلّ بالطرق العادیّة المتعارفة فإنّ جمیع أفراد المجتمع مكلّفون بمحاربتها، وحیثما تطلّب الأمر التعامل بالضرب والجرح وما إلى ذلك فلابدّ من تعیین أشخاص معینین لهذه المهمّة وهم الذین یُصطلح علیهم فی مجتمعاتنا المعاصرة بالشرطة.

وفّقنا الله وإیّاكم


1. بحار الأنوار، ج29، ص223.

2. اسم الكتاب بالفارسیة هو: «بزرگترین فریضه».

3. سورة هود، الآیات 106-108.

4. سورة الأعلى، الآیة 16.

5. سورة الحج، الآیة 11.

6. سورة الحج، الآیات 39-41.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...