صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الاربعون: خنجر النفاق فی جسد الامة الاسلامیة

تاریخ: 
چهارشنبه, 22 دى, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

خنجر النفاق فی جسد الاُمّة الإسلامیّة

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 12 كانون الثانی 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

وصلنا فی سردنا للخطبة المباركة لسیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى المقطع الذی توجّه فیه (علیها السلام) خطابها إلى الحاضرین فی المسجد مذكّرة إیّاهم بالخدمات الجلیلة الجمّة التی قدّمها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) إلیهم قائلة لهم: «إنّ الشخص الذی جاهد - طیلة هذه المدّة - أكثر من غیره من أجل رقیّ الإسلام وفی سبیل الدفاع عن المسلمین ومقارعة المشركین كان علیّ ابن أبی طالب (علیه السلام)». وهنا تستخدم الزهراء (علیها السلام) تعابیر هی غایة فی الروعة والبلاغة قد أشرتُ إلیها فی المحاضرة السابقة.

فلنعتبر من التاریخ

تشیر الزهراء (سلام الله علیها) استطراداً فی كلامها إلى وفاة النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) مبیّنة الحوادث التی تلت رحیله. ومن هنا فصاعداً یزداد لحن خطابها (علیها السلام) حدّةً للحاضرین شیئاً فشیئاً.
لقد ذكرت كتب التاریخ كافّة التفاصیل المتعلّقة بتلك الأحداث مع ذكر أسماء الأشخاص وأفعالهم وتأثیر ما اقترفوه فی ذلك الحین على مسیرة الاُمّة الإسلامیّة، مع أنّ فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) لم تنوّه باسم أحد.
وابتداءً من هذا المقطع یبدأ المبحث الأساسیّ لهذه الخطبة المباركة. ویمكن تناول هذا القسم من الخطبة من عدّة جوانب: الجانب الأوّل هو الجانب الأدبیّ الذی یهتمّ بشرح التعابیر والكلمات. والجانب الثانی الذی یتمّ التطرّق فیه إلى المباحث التاریخیّة للخطبة والتعرّف بشكل دقیق على مجریات الأحداث المشار إلیها فیها. أمّا الجانب الثالث فهو التمعّن فی الغایة الأساسیّة من الخطبة، ألا وهی هدایة الناس والوقوف بوجه الانحراف الذی كان على وشك الوقوع بل كان قد وقع فعلاً. أمّا محور هذا البحث فهو خلافة الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) وهو بحث كلامیّ – عقائدیّ. وعلى الرغم من أنّنی لست عدیم الاطّلاع على هذا المبحث غیر أنّ الطابع الغالب على بحوثنا هو الطابع الأخلاقیّ؛ بمعنى أنّ الهدف الذی نرمی إلیه من هذه السلسلة من المحاضرات هو محاولة التفتیش عن قدوة سلوكیّة نقتدی بها فی حیاتنا. ولا أعنی بهذا الكلام - بالطبع - أنّ التطرّق إلى تلك الموضوعات غیر ضروریّ؛ بل هی مواضیع ضروریّة جدّاً ولقد صنّف عظماؤنا وعلماؤنا على مدى أكثر من ألف عام مئات الكتب والكتیّبات فی هذا المجال أحدها هو كتاب «الغدیر». لكنّ ما یستأثر باهتمامنا هنا هو السعی – عبر التمعّن فی تلك المباحث – إلى اكتساب البصیرة فی دیننا لنستعین بذلك على تفسیر حوادث زماننا وتحدید تكلیفنا فی هذا العصر؛ ذلك أنّ هذه الأحداث تشبه تلك، والتاریخ یعید نفسه كما یقال. وحتّى القرآن الكریم فهو یهتمّ بهذا المعنى أیضاً، وهو – من هذا المنطلق – یكرّر سرد تاریخ الأقوام الماضیه، لاسیّما تاریخ بنی إسرائیل، مرّات عدیدة.
إنّ البركات التی حظیت بها الاُمّة الإسلامیّة خلال العقود القلیلة الماضیة، والتی كان من أبرزها انتصار الثورة الإسلامیّة فی إیران، هی بفضل الدروس المستلهمة من التاریخ وببركة مراسم عزاء سیّد الشهداء (علیه السلام) وإحیاء تاریخ كربلاء. فلقد عرفنا الواجب الملقى على عواتقنا فی هذا الزمان، وما الذی ینبغی فعله كی لا نقع فی الفخّ الذی وقع فیه أهل الكوفة فی ذلك العصر. فإنّ عدم إحیائنا لهذه الوقائع والأحداث كان سیترك المجال لغبار التاریخ لیتراكم على وجهها تدریجیّاً فیعمد بعض المرتزقة من كُتّاب التاریخ إلى كتابته كما یحلو لهم ممّا سیؤدّی إلى انحرافنا عن الصراط السویّ. فممّا یدعو إلى الدهشة والعجب أنّه ثمّة أسماء لامعة من العلماء الكبار قد زلّوا فی هذا المضمار وانحرفوا. فهذا الغزالیّ، الذی یُعدّ من كبار ومشاهیر علماء الإسلام وهو صاحب الكتاب المفید والغنیّ فی محتواه «إحیاء علوم الدین»، لكنّه عندما یعرّج على واقعة كربلاء فإنّه یرتكب خطأ فادحاً لا یصدَّق؛ فبعد أن یبدی احترامه لسیّد الشهداء (علیه السلام) یقول ما مضمونه: «لیس لنا أن نلعن یزیداً لاحتمال كونه قد تاب»! ألا یحتمل مثل هذا الاحتمال بالنسبة لكلّ مجرم وظالم؟!

لایزال الشیطان حیّاً

إذن نحن فی صدد استلهام الدروس والعبر من التاریخ وأحداث صدر الإسلام للإفادة منها فیما سیحدث فی المستقبل؛ فنحن نعلم أنّ هذه الأحداث تتكرّر من حیث الماهیّة وإنْ تغیّرت فی الألوان والتفاصیل وهی ستحدث إنْ عاجلاً أم آجلاً. فقد جاء فی الحدیث النبویّ الشریف فیما یخصّ تكرّر تاریخ بنی إسرائیل فی الاُمّة الإسلامیّة: «لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبّ لدخلتموه»1. فاحتمال وقوع فتنة اُخرى هو احتمال قویّ جدّاً ووارد؛ ذلك أنّ الشیطان لا یزال حیّاً وهو لم یتراجع عن قسمه فی إبادة بنی آدم، ولیس فی نیّته الحنث بهذه الیمین. ومن جانب آخر فقد أصبح لدیه رصید ضخم من التجارب المتراكمة. فهو إن فَشِل فی هذه الفتنة ولم تجر الامور فیها كما یشتهی فسوف یعمد إلى دراسة مواطن الضعف وتحلیل مواضع الإشكال كی یتلافاها فی المرّة القادمة ویتوَّج مشروعه بالنجاح.
وحیث إنّ مرادنا من مطالعة هذه الخطبة هو الاستبصار من حوادث التاریخ، فإنّه لیس من الضروریّ ذكر الأسماء. فما یهمّنا هنا هو أن نفهم من لحن كلام سیّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) ما هی الروح التی كان یمتلكها الناس وما هی الأجواء التی كانت مخیّمة على المجتمع فی ذلك العصر. فناهیك عن الشواهد التاریخیّة التی هی قیّمة بحدّ ذاتها، فإنّ المرء یستطیع أن یفهم من لحن هذا الكلام إلى أیّ درجة یمكن أن یتغیّر ابن آدم، وأیّ مخاطر تتربّص له فی مسیرة حیاته. فنحن غیر مصونین عن ذلك، بل من الممكن أن یأتی علینا یوم نرتكب فیه نفس هذه الأخطاء. إذن یتحتّم علینا التعرّف على جذور مثل هذه الأخطاء، فإن اكتشفنا أمثالها فی أنفسنا فإنّه یتحتّم أن نعمد إلى اقتلاعها فوراً. هذا هو مبتغانا الأساسیّ من تحلیل هذه الخطبة.

صولة النفاق

ذكرنا أنّنا وصلنا فی شرح الخطبة الشریفة إلى سرد الزهراء (علیها السلام) لوقائع ما بعد رحیل النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله)، إذ تقول (سلام الله علیها): «فَلَمَّا اخْتَارَ اللهُ لِنَبِیِّهِ دَارَ أَنْبِیَائِهِ، وَمَأْوَى أَصْفِیَائِهِ، ظَهَرَ فِیكُمْ حَسِیكَةُ النِّفَاق»2. ولا ریب أنّها (علیها السلام) تقصد بهذا الكلام أشخاصاً بعینهم، لكن – كما قد أشرت سابقاً – لیس من الضروریّ هنا أن نعیّن المصادیق. تقول مولاتنا (سلام الله علیها): «عندما اختار الله عزّ وجلّ لنبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله) دار أنبیائه ومأوى أصفیائه ورحل عن هذه الدنیا ظهرت فیكم شوكة النفاق، وبرزت منكم عروقه كما تبرز الشوكة»؛ وهی تعابیر عجیبة للغایة!
ثمّ تقول: «وَسَمَلَ جِلْبَابُ الدِّین»؛ والجلباب هو ما یُلبَس فوق الثیاب؛ أی قد كان للدین جلباب جدید لكنّه اندرس وصار بالیاً برحیل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) عن الدنیا. «وَنَطَقَ كَاظِمُ الْغَاوِینَ، وَنَبَغَ خَامِلُ الأَقَلِّین الآفِلینَ»؛ فلقد كان فیكم ضالّون قد أخفوا ضلالهم ولم ینبسوا ببنت شفة عندما كان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) على قید الحیاة، لكنّهم – عندما رحل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) - انبروا بالكلام. ولم یكن هؤلاء سوى حفنة من الأذلّة الذین لا یُحسب لهم أیّ حساب. «وَهَدَرَ فَنِیقُ الْمُبْطِلِین»؛ والمبطلون هم الذین یتفوّهون بالكلام الفارغ أو الذین یتّصفون بالسلوك الخاطئ. تقول الزهراء (سلام الله علیها): «لقد كان لأهل الباطل فیكم زعیم لم یكن یتفوّه بكلمة فی حیاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) لكنّه بمجرّد وفاة النبیّ فقد انبرى یهدُر ویعربد كالجمل السكران. تخیّلوا الأجواء! هذا الخطاب إنّما یوجَّه لاولئك الذین كانوا إلى فترة وجیزة یصلّون خلف النبیّ (صلّى الله علیه وآله) ویُعَدّون تلامذته وأصحابه!
«فَخَطَرَ فِی عَرَصَاتِكُم»؛ والفعل: «خَطَرَ» یقال لمن یُفْرِط فی إظهار السلطة. تقول الزهراء (سلام الله علیها): «هذا الرجل المجهول، العدیم الاعتبار، الذی هو من أهل النفاق والباطل صار یصول ویجول فی میدانكم بعد رحیل رسول الله (صلّى الله علیه وآله)». بالطبع هذا الكلام لا یعنی أنّهم جمیعاً كانوا هكذا، بل إنّ المقصود هو بعضهم. «وَأَطْلَعَ الشَّیْطَانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرَزِه»؛ فالشیطان الذی كان یختبئ فیما مضى فی مكمنه قد أخرج رأسه منه الآن عندما رأى ما أنتم علیه كی یمتحنكم ویرى إن كانت الأرضیّة مناسبة لممارسة نشاطه أم لا! «هَاتِفاً بِكُم»؛ منادیاً إیّاكم. «فَأَلْفَاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجِیبِین» ولاتّباعه مستعدّین. «وَلِلْغِرَّةِ فِیهِ مُلاحِظِین»؛ فبمجرّد أن ناداكم أدرتم عیونكم ذات الیمین وذات الشمال مفتّشین عن المنادی ومتسائلین عمّا یقول. «ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ» دعاكم إلى التحرّك والنهوض عندما توسّم فیكم الاستعداد «فَوَجَدَكُمْ خِفَافاً» مستعدّین للحركة «وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفَاكُمْ غِضَاباً»؛ أحبّ أن یرى إلى أیّ مدى یمكنه أن یحرّضكم؛ ففعل ما یثیر فیكم بعض المشاعر. أی أحبّ أن یرى هل ستغضبون لمجرّد إثارته إیّاكم، وتضعون عقولكم جانباً وتتّبعون أحاسیسكم؟ فأیّ تعابیر تلك التی ساقتها الزهراء (علیها السلام) لتفهّمهم سوء الحال الذی هم علیه.
ثمّ تقول (علیها السلام): «فَوَسَمْتُمْ غَیْرَ إِبِلِكُم» فأنتم بدلاً من أن تَسِموا إبلكم (حیث كانت عادة العرب أن تَسِم كلّ قبیلة إبلها بأن تكویها بعلامة خاصّة كی تمیّزها عن إبل غیرها من القبائل) فقد وَسَمتم إبل غیركم، «وَأَوْرَدْتُمْ غَیْرَ شِرْبِكُم»؛ أی عندما استثاركم الشیطان واستنهضكم قمتم بإرواء إبلكم من غیر المشرب المخصّص لها» وقد كان لكلّ قبیلة مكان خاصّ تشرب منه قطعانها الماء. فذلك هو ما أبدیتم من ردود أفعال فی غیر محلّها فی مقابل الشیطان. «هَذَا وَالْعَهْدُ قَرِیب» فلم یكن ردّ فعل كهذا متوَقَّعاً منكم؛ إذ لم یمض على وفاة الرسول (صلّى الله علیه وآله) زمن طویل. فلازال العهد الذی قطعتموه مع النبیّ (صلّى الله علیه وآله) جدیداً ولم تمض على واقعة الغدیر أكثر من سبعین یوماً ونیّف! «وَالْكَلْمُ رَحِیبٌ، وَالْجُرْحُ» الذی أصابنا برحیل النبیّ «لَمَّا یَنْدَمِل» لم یلتئم بعدُ، «وَالرَّسُولُ لَمَّا یُقْبَر»، فقد خدعكم الشیطان وأثاركم فأصغیتم لما یقول والنبیّ (صلّى الله علیه وآله) لم یُدفَن بعد.

قصّة سقیفة بنی ساعدة

لقد وردت فی التاریخ فی هذا الباب قصص لن أتناول تفاصیلها. لكنّ مجمل ما حدث والذی نقله كلّ المؤرّخین تقریباً هو أنّه بعد رحیل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وبینما كان علیّ (علیه السلام) منشغلاً بتغسیل جنازته وتجهیزه اجتمع حشد من الأنصار من قبیلة الخزرج فی سقیفة بنی ساعدة كی یجعلوا خلافة النبیّ فی قبیلتهم. فعندما علمَتْ قبیلة الأوس بهذا الخبر أقبلوا إلى السقیفة أیضاً، ثمّ وصل الخبر إلى المهاجرین والتحق نفر منهم بجمع الأنصار، حتّى بلغ الأمر حدّ التضارب والعراك واستُلَّت السیوف، وكانت النتیجة هی غلبة المهاجرین ومبایعة الأنصار لهم لِما كان بین قبیلتی الأوس والخزرج من تنافس وخلاف فلم تذعن أیّ واحدة منهما للاخرى. ما نودّ أن نعرفه هنا أنّه لماذا وصل الأمر بأصحاب النبیّ إلى نسیان المیثاق الذی قطعوه على أنفسهم معه (صلّى الله علیه وآله)؟! وهل من الممكن - یا ترى - أن نتعرّض نحن الیوم إلى حادثة مشابهة؟

أقسام الكفر

تقول سیّدتنا الزهراء (علیها السلام) تعلیلاً لما جرى: «ابْتِدَاراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَة»؛ أی إنّ التبریر الذی سقتموه لفعلتكم العجولة هذه هو: «لقد خشینا اشتعال الفتنة بین المسلمین بعد رحیل النبیّ فهرعنا إلى تعیین خلیفة له تجنّباً للفتنة»! وهنا تقتبس (سلام الله علیها) آیة قرآنیّة عمیقة المغزى للغایة فتقول: «أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِین»3؛ وهذه الآیة تتناول قضیّة بعض المنافقین ممّن اتّخذوا الفرار من الفتنة ذریعةً لأفعالهم، فكان جواب الله عزّ وجلّ لهم: «إنّكم أنتم الذین سقطتم فی الفتنة». إذن فاطمة (علیها السلام) تقول لهم فی مقطع سابق: «ظَهَرَ فِیكُمْ حَسِیكَةُ النِّفَاق»، ثمّ تقول لهم الآن: «إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِین».
وهنا لابدّ أن نعلم بأنّ الكفر لا یعنی دائماً إنكار وجود الله وإنكار نبوّة النبیّ، فقد استُخدم مصطلح الكفر فی القرآن الكریم بمعانی مختلفة. وقد جاء فی الخبر أیضاً أنّ للكفر خمسة أنواع. فهناك تعدّد فی معنى «الكفر» بحسب بُعدِه الفقهیّ، أو الكلامیّ، أو الأخلاقیّ. فمن مصادیق الكافر هو ذلك الذی ینكر كلّ ضروریّات الإسلام أو بعضها. وهذا الكفر هو الذی یكون فی مقابل الإسلام. لكنّ الذی نطق بالشهادتین وأقرّ بأنّ كلّ ما جاء به نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله) وما قاله هو حقّ فهو مسلم تنطبق علیه جمیع أحكام الإسلام. فالإسلام الظاهریّ یتمثّل بالنطق بالشهادتین والتسلیم للحكومة الإسلامیّة. لكن من الممكن أن یكون لبعضهم هذا النوع من الإسلام وفی الوقت ذاته ینطبق علیهم قوله تعالى: «وَلَمَّا یَدْخُلِ الإِیمَانُ فِی‏ قُلُوبِكُم»4. فهذا الكفر هو فی مقابل الإیمان ولیس فی مقابل الإسلام. فالشخص الذی یسلّم بجمیع ضروریّات الإسلام ثمّ ینكر حكماً من أحكام الإسلام مع علمه بأنّ الله هو الذی شرعّ هذا الحكم، فهو مسلم بالمعنى الأوّل ولا یقدح ذلك بطهارته، لكنّ اعتقاده هذا یمثّل كفراً فی مقابل الإیمان، حتّى وإن أضمر هذا الاعتقاد فی قلبه ولم یظهره على لسانه؛ فالله جلّ وعلا یقول فی حقّ هؤلاء: «أُوْلـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً»5. وإنّ أثر هذا الكفر یظهر فی الآخرة لا فی الدنیا. فنصاب الإیمان الذی من شأنه أن ینجی من عذاب الآخرة هو القبول بكلّ ما أنزله الله تبارك وتعالى، وإنّ إنكار بعضٍ منه هو بمثابة إنكار جمیعه: «وَیَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ... * أُوْلـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً»6. إذن فصریح القرآن الكریم یقول: «إذا قال أحدهم: إنّنی أقبل بعض الإسلام ولا أقبل بعضه الآخر، فهو كافر»؛ وذلك لأنّ المناط فیما قبلناه وآمنّا به هو أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) قد جاء به عن الله سبحانه وتعالى ولـمّا كان هذا المناط متوفّراً فی كلّ ما أنزله الله تعالى، فإنّ إنكار المرء لأمر من هذه الاُمور یدلّ على أنّ قبوله ببقیّة الاُمور إنّما هو نابع من اتّباعه لهوى نفسه. ومن هذا المنطلق یقول القرآن الكریم: «أُوْلـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً». فهذا الكفر هو غیر الكفر الذی یكون فی مقابل الإسلام، فهو فی مقابل الإیمان، وهذا الإیمان هو الذی یقود إلى النجاة فی الآخرة. وللأسف فإنّه یحصل الخلط أحیاناً بین هذین المصطلحین، وهما یمثّلان معنیَین من خمسة معانی ذكرَتها الروایات للكفر.
ترید فاطمة الزهراء (علیها السلام) أن تُحدث - عبر هذا الكلام - هِزّةً فی نفوس الناس كی یلتفتوا إلى أعماق قلوبهم فیسألوا أنفسهم: هل إنّهم یقرّون بكلّ ما قاله الله وما یعلمون بأنّ الله قد قاله، أم أنّ هناك بعضاً ممّا یعلمون أنّ الله قد قاله لكنّهم لا یرغبون بالقبول به، ولیعلموا بأنّهم إن كانت هذه حقیقتهم فإنّهم كافرون فی واقع الأمر.

أعاذنا الله وإیّاكم


1. بحار الأنوار، ج21، ص257.

2. بحار الأنوار، ج29، ص225.

3. سورة التوبة، الآیة 49.

4. سورة الحجرات، الآیة 14.

5. سورة النساء، الآیة 151.

6. سورة النساء، الآیتان 150 و 151.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...