صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الاحدی و الاربعون: القرآن معیار الحق و مصدر القانون

تاریخ: 
چهارشنبه, 29 دى, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

القرآن معیار الحقّ ومصدر القانون

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 19 كانون الثانی 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

إنّ من الطرق التربویّة التی ینتهجها القرآن الكریم هو لفت انتباه الناس إلى قصص الماضین، وإلى ملاحظات معیّنة فی كلّ قصّة منها، وإنّ من جملة الأهداف المتوخّاة من طرح خطبة الزهراء (سلام الله علیها) هو التأسّی بهذه الطریقة القرآنیّة. علاوة على ذلك فإنّ بإمكاننا - بالنظر إلى تأكیدات قائد الثورة المعظّم (حفظه الله) المتكرّرة بخصوص كسب البصیرة – الإفادة من هذه الخطبة فی مجال التحلّی بالبصیرة.

البصیرة هی التمعّن فی أعماق الامور والتفكیر بعواقبها

لا زالت هناك إبهامات لدى البعض حول حقیقة البصیرة وطرق اكتسابها. وأقول هنا من باب المقدّمة: إنّ المقصود من التحلّی بالبصیرة هو أوّلاً: أن لا ینظر الإنسان إلى الظواهر التاریخیّة والاجتماعیّة نظرة سطحیّة، بل أن یفكّر وینظر إلى أعماق هذه الظواهر وما تخبّئه خلف الكوالیس. ثانیاً: أن لا یكتفی بنتائجها المحدودة والعابرة، بل أن یتأمّل فی هذه الحوادث لیتنبّأ بما ستؤول إلیه من عواقب فیما إذا استمرّت. فهاتان الخصیصتان تمیّزان الإنسان المتبصّر. بطبیعة الحال إنّ التوصیة بالتمعّن فی الامور والتفكیر بعواقبها هی توصیة عامّة وكلّیة، إذ یبقى السؤال مطروحاً وهو: ما الذی یتعیّن علینا فعله كی نكون من الذین یفكّرون بأعماق الحوادث وبعواقب الاُمور؟ إنّ من أفضل السبل لاكتساب البصیرة هی مطالعة ما مضى من حوادث التاریخ وإمعان النظر فی سلوكِ مختلفِ الأشخاص فی ذلك الزمن وكیفیّة تعاملهم مع الأحداث؛ فمَن من هؤلاء كان قد تعامل مع الأحداث بسطحیّة وما كانت نتیجة سطحیّته هذه؟ ومَنْ مِنْهم قد أطال التأمّل فیها وفكّر بعواقبها وما كان مآل أمره نتیجة هذه الرؤیة المتعمّقة؟
إنّ من العنایات الإلهیّة التی شملت شعبنا، والتی لم یحظَ، ولا یحظى، ولن یحظى قوم فی العالم بهذا المقدار منها هی التوفیق للإفادة من واقعة عاشوراء. فإنّ قول الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه): «إنّ كلّ ما لدینا هو من محرّمَ وصَفَر» لم یكن مجرّد شعار جافّ غیر مدروس، بل إنّه (رحمه الله) قد قال قوله هذا عن نظرة واقعیّة وعن تحقیق. إنّ سبب إفادتنا من حادثة عاشوراء یرجع إلى أنّنا - طیلة ألف وأربعمائة عام - طالما مررنا من أمام هذه الحادثة وأطلنا التفكیر فیها. إنّنا قد أحیینا هذه الحادثة وأكثرنا من الدراسة والتمحیص فی سلوك مختلف شخصیّاتها ونتائج أعمالهم. ولقد كان انتصار الثورة الإسلامیّة أحد أضخم معطیات هذا التفكّر المتعمّق.

حادثة غریبة

لكن من الأحداث التی لم نُعمِل فیها – مع شدید الأسف – ما یلزم من التأمّل والتعمّق هی قصّة مولاتنا فاطمة الزهراء (علیها السلام). لقد استمرّ عمرها الشریف (سلام الله علیها) بعد رحیل أبیها ما یقارب ثلاثة أشهر، وقد حدثت فی هذه الفترة القصیرة أحداث ضخمة. كان اُسلوب تعاطی فاطمة الزهراء (علیها السلام) خلال هذه المدّة مع مختلف الاُمور اُسلوباً خاصّاً یختلف عن أسالیب الآخرین. لكنّنا لم نتوخّ الدقّة فی دراسة هذا الأمر ولم نسأل أنفسنا: لماذا انتهجت فاطمة (علیها السلام) هذا الاُسلوب فی التعاطی مع الحدث، ولماذا كان موقفها تجاه تلك الأحداث یختلف عن مواقف الآخرین؟ أمّا بعض المؤرّخین فقد تعاطى مع هذه المسألة بقصور نظر شدید فزعم بتوهّمٍ هو غایةٌ فی السذاجة: «لم تكن هذه المسألة ذات أهمّیة تُذكر، فهی لم تَعْدُ كونها خلافاً على مزرعة أرادت الحكومة الإسلامیّة فی حینها إنفاقها على مصالح الدولة الإسلامیّة، لكنّ أهل بیت النبیّ (صلّى الله علیه وآله) اعترضوا بالقول: كلاّ، لقد وهب النبیّ هذه المزرعة لنا ونحن من یجب أن ینتفع منها»! إنّ تفسیر هذه الواقعة  بهذه الصورة یُعدّ – فی نظری – أشدّ ظلم یمكن أن یقع على السیّدة الزهراء (سلام الله علیها)؛ ذلك أنّ تفسیراً كهذا یصوّر أنّها (علیها السلام) قد أثارت بین المسلمین خلافات ومجاذبات لیس لسببٍ سوى السعی وراء مال الدنیا! إذن فإنّ من جملة ما یقع على عواتقنا نحن طلبة العلوم الدینیّة هو أن نطیل التفكیر ونُمعِن النظر فی مثل هذه المسائل وأن لا نمرّ من أمامها مرور الكرام أو مروراً ینمّ عن سذاجة وسطحیّة. ومن هذا المنطلق قمنا بطرح الخطبة الفدكیّة لسیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) كی نولیها بعض البحث والتحقیق وننظر ما هو العامل الأساسیّ الذی یقف وراء تلك الواقعة.

الرؤیة المختلفة لفاطمة (علیها السلام)

وصلنا فی مطالعتنا للخطبة المباركة إلى حیث خاطبت الزهراء (سلام الله علیها) الحضور فی المسجد بلحن حادّ قائلةً: «لقد اُصبتم بالغفلة والرسول لـمّا یُقبَر. فلقد أطلَع الشیطان رأسه من وكره لینظر ما أنتم علیه من حال ویرى إن كانت الظروف مواتیة لإضلالكم أم لا؟ فرأى أنّ الأرضیّة مُعَدّة تماماً وأنّكم قابلون للانجراف بكلّ سهولة إلى حیث یحبّ، فقرّر أن ینفّذ خطّته عن طریقكم. لقد وسوس لكم الشیطان فتصوّرتم أنّ علیكم – من أجل نزع فتیل الفتنة بین المسلمین – الاستعجال فی تعیین خلیفة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) قبل أن یُدفن! غیر ملتفتین إلى أنّ عملكم هذا هو عین إشعال الفتنة، «أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحیطَةٌ بِالْكَافِرِینَ»1.
نفهم من هذه التعابیر أنّه كان لفاطمة الزهراء (علیها السلام) رؤیة تختلف كلّ الاختلاف عن رؤیة سائر المسلمین فی عصر صدر الإسلام ومعظم المسلمین فی عصرنا الحاضر. فما حصل هو أنّ مسلمی صدر الإسلام، وبذریعة منع حصول الاضطراب والاختلاف فی الاُمّة الإسلامیّة، كانوا قد اجتمعوا ونصّبوا خلیفة لرسول الله (صلّى الله علیه وآله). إذ لم یكن هؤلاء یرون فی خلافة النبیّ أكثر من الرئاسة والحكومة، ولم یكن یدور فی عقولهم سوى أنّه: «قد كان لدینا رئیس وقد رحل عن هذه الدنیا، وعلینا الآن السعی لتعیین رئیس من طائفتنا وقبیلتنا»! كانت هذه مجرّد رؤیة سطحیّة. أمّا رؤیة مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) فقد كانت تختلف كلّ الاختلاف عن هذه النظرة السطحیّة الساذجة.
وفقاً لظاهر الأمر فإنّ فكرة أن یكون الرئیس والحاكم منّا لیست ممّا یجرّ إلى الكفر. فبعیداً عن التشبیه، فإنّه إذا مات رئیس جمهوریّة وانبرى أحد الأحزاب أو إحدى الفئات بالقول: «نحن مَن یعیّن رئیس الجمهوریّة»، فلن یتّهمهم أحد بالكفر! كلّ ما فی الأمر أنّ الناس سیصفونهم بأنّهم طلاب دنیا وهو إشكال أخلاقیّ لیس غیر. لكنّ الزهراء (علیها السلام) تقول فی القوم: «إنّ السبیل التی تسلكونها سوف تؤدّی بكم إلى الكفر، بل إنّ جهنّم محیطة بكم الآن»! إذن هناك بون شاسع بین هذه الرؤیة وبین النظرة السطحیّة التی كانت لسائر المسلمین حینذاك.
ثمّ تواصل الزهراء (سلام الله علیها) خطبتها بلحن أكثر حدّة فتقول: «فَهَیْهَاتَ مِنْكُمْ وَكَیْفَ بِكُمْ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»؛ وكأنّها تصیح فی الناس بأعلى صوتها: «أیّها الناس! إلى أین یأخذونكم؟! فهذا الطریق ینتهی إلى جهنّم»! فبعد بضعة أیّام من وفاة الرسول (صلّى الله علیه وآله) لیس أكثر تأتی ابنة الرسول، تلك المرأة التی لم تكن قبل ذلك الحین ممّن یخطب فی الرجال، لتخطب فی الناس منادیة فیهم: «أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَكِتَابُ اللهِ بَیْنَ أَظْهُرِكُم»؛ هل تعون أیّ طریق یسلكون بكم؟! إنّهم یفرّقون بینكم وبین الحقّ، والقرآن فی أیدیكم»! فلم یكن هؤلاء یتصوّرون بأنّ علیهم الاستناد إلى كلام الله فی أمرهم هذا. فهل یفكّر أحد فی زماننا یا ترى بأنّ علیه من أجل تعیین رئیس للجمهوریّة أن یرجع إلى القرآن فینظر ما الذی یقوله فی هذا الصدد؟! فالناس فی صدر الإسلام قد تعاطوا مع الخلافة بهذه الصورة، فكانت كلّ طائفة من طوائف المسلمین فی ذلك الزمن تحاول أن تجرّ النار إلى قرصها وتجعل زعیم الاُمّة المعیَّن من رجالها. لكنّ فئة مكوّنة من بضعة أشخاص وقفت فی وجه هذا التحرّك ولم توافق علیه. والمراد من كلامنا هذا هو تحلیل كیفیّة تعامل مختلف الأشخاص مع مجریات الأحداث.

القرآن هو مصدر سنّ القوانین فی الإسلام

تنادی الزهراء (سلام الله علیها) بأعلى صوتها: «عیلكم بالقرآن الكریم، فانظروا ماذا یقول». إذن فرؤیة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) كانت تتلخّص فی أنّه قد تمّ التفكیر بمرحلة ما بعد وفاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) والإعداد لها قبل وفاته بسبعین یوماً؛ لیس من قِبل الناس، بل إنّ الله هو الذی قد بتّ فی هذه المسألة بقوله تعالى: «یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»2. فكأنّ القوم كانوا قد نسوا أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله)، قبل سبعین یوماً فقط، قد جمع الناس وسط الصحراء فی منتصف الظهیرة فی جوّ لاهب فأخذ منهم البیعة لأمیر المؤمنین علیٍّ (علیه السلام). والعجیب أنّ التاریخ لم ینقل أنّ أحداً من الحضور قد ذكر كلام النبیّ (صلّى الله علیه وآله). فعندما تكون الأرضیّة مُعدّة للشیطان فإنّه یجرّ الناس إلى الغفلة عن أصل الموضوع بهذه الكیفیّة. وهذا بالضبط ما حصل أیضاً فی أحداث فتنة عام 2009م. فقد ظنّ البعض أنّ القضیّة لا تعدو كونها اختلافاً بین مرشّحین، غافلِین عن ماهیّة الید التی كانت تحرّك تلك الأحداث من خلف الستار وما هی مآربها. فهؤلاء الذین اصیبوا بسطحیّة النظر وضیق الاُفق لم یتمعّنوا فی الأمر ولم یسألوا أنفسهم: لماذا التحامل على الإسلام فی الشعارات المرفوعة؟ وما الداعی إلى مهاجمة المشاركین فی عزاء سیّد الشهداء (علیه السلام)؟ ولماذا یُرفَع شعار «الجمهوریّة الإیرانیّة» بدلاً عن «الجمهوریّة الإسلامیّة»؟ ولماذا بادرت أمریكا بكلّ وَلَه وشغف إلى دعم هؤلاء؟ ولماذا تتعامل إسرائیل معهم بمنتهى الودّیة؟ وجواباً على هذه الأسئلة یقول هؤلاء السذّج: «هذه هی الانتخابات، فأمثال هذه الاُمور تحصل فی الانتخابات»! وعین هذه الرؤیة كانت سائدة فی صدر الإسلام أیضاً. فالبعض كان یقول: «لابدّ أن  یكون خلیفة النبیّ من قبیلتنا»! والبعض الآخر یقول: «إنّ قبیلتنا أولى منكم بالخلافة»! أمّا المهاجرون فقد قالوا: «نحن أرحام النبیّ وإنّنا أولى بالخلافة من غیرنا»! وقد أماط أمیر المؤمنین علیّ ٌ(علیه السلام) اللثام عن هذا الانحراف فی الیوم الذی جاءوه لاقتیاده عنوةً لانتزاع البیعة منه حین قال لهم: «ألَستُم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلّى الله علیه وآله) فأعطوكم المقادة وسلّموا لكم الإمارة؟! وأنا أحتجّ علیكم بمثل ما احتججتم على الأنصار؛ أنا أولى برسول الله...»3، فهل من بین أرحام رسول الله من هو أقرب منّی إلیه؟! إذن فأنا أقول بنفس المنطق الذی غلبتم به الأنصار: أنا الأولى بالخلافة. لكن لم یكن أحد لیصغی أو یكترث لكلام علیّ (علیه السلام)، فقد أجابه أحد هؤلاء النفر بتعبیر قبیح: «ولكنّك حَدَث السنّ، فاترك الأمر لمشایخ القوم فهم أحْمَل لثقله، فإن عَمَّرك الله لَسَلّموا هذا الأمر إلیك»!
فعندما تنادی فاطمة (سلام الله علیها) قائلة: «إلى أین تذهبون؟! لماذا نبذتم القرآن وراء ظهوركم؟» فهی لا تعنی: لابدّ أن یغلب الأوسُ الخزرجَ أو الخزرجُ الأوسَ، فلیس فی ذلك مخالفة للقرآن الكریم، وإنمّا مخالفة القرآن هی عندما یُعمَل بخلاف ما یقول. فخشیة فاطمة (علیها السلام) كانت من أن یُنبذ القرآن الكریم ولا یُعمَل به، وإنّ الداعی لندائها كان أنّه إذا استمرّ هذا النهج، وطوى النسیان - شیئاً فشیئاً - ما یقوله القرآن، وصِیغت لسلوكیّات الناس اُسس غیر اُسسه، واستُلهمت القیم من غیر القرآن الكریم فإنّ أثر الإسلام سیُمحى ولن یبقى من الإسلام شیء. كانت (علیها السلام) تشاهد زیغاً بدأ یلوح فی الاُفق وروحه الكفر، وباطنُه إنكارُ «ما أنزل الله». ولقد ذكرتُ فی المحاضرة السابقة أنّ هذا الكفر لیس هو الكفر الفقهیّ الذی یكون فی مقابل الإسلام، بل هو الكفر الإیمانیّ، أی ما یقابل الإیمان؛ وهو أنّ شخصاً كهذا لا یعتقد ببعض أوامر الله من صمیم قلبه. فهذا النمط من الكفر یورث الشقاء فی الآخرة، لكنّه لا یوجب الكفر الدنیویّ بمعنى النجاسة والارتداد الفقهیّ وما إلى ذلك.
تقول مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «كِتَابُ اللهِ بَیْنَ أَظْهُرِكُم» فی أیدیكم، «أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ، وَأَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ بَاهِرَةٌ، وَزَوَاجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأَوَامِرُهُ وَاضِحَة» فقد بیّن أوامره بوضوح كامل، «قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُم، أَرَغْبَةً عَنْهُ تُرِیدُون‏» هل تریدون الإعراض عنه؟ والمعنى: إنّ سلوكیّات مجتمعٍ مّا إمّا أن تكون على أساس تعالیم القرآن الكریم وأوامره أو ترتكز على اُسس اخرى. فأمّا الإسلام فهو یرى أنّ القرآن الكریم هو مصدر أعمالنا وأساسها وأنّه یتعیّن علینا أن نعمل وفقاً لما یقوله، وإنّ وضْع مصدر آخر إلى جانبه یُعدّ شركاً. فإذا اعتمدنا أصوات الشعب، أو میثاق الاُمم المتّحدة، أو أیّ شیء آخر بعنوان كونه مصدراً إلى جوار القرآن نكون قد ارتكبنا شركاً فی التشریع. فقد قال الناس فی ذلك الزمان: «سنحاول أن ننتخب بأنفسنا الشخصَ الذی نراه الأصلح والأنفع لنا» وأهملوا كتاب الله، وهذه كانت بدایة الزیغ والانحراف عن القرآن الكریم. تقول (علیها السلام): «أَرَغْبَةً عَنْهُ تُرِیدُونَ، أَمْ بِغَیْرِهِ تَحْكُمُون»؛ فهل تریدون – حقّاً – الإعراض عن القرآن؟ أم إنّكم تریدون أن تُحَكّموا غیر القرآن علیكم؟! «بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً»4 فإنّكم بذلك تظلمون أنفسكم وتختارون سبیلاً یجافی الحقّ وإنّ الذی یغیّر موقع شیء ویأتی بشیء آخر مكانه بصورة ظالمة فبئس ما اختاره من بدیل وعوض.

الولایة معیار الإیمان

ولعلّ فی عبارة: «أَمْ بِغَیْرِهِ تَحْكُمُون» تلمیحاً إلى الآیة الشریفة التی تقول: «فَلا وَرَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُواْ فِی أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُواْ تَسْلِیماً»5 وهی من أعجب آیات القرآن الكریم. فالله عزّ وجلّ یقسم فیها لنبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله) قائلاً: «قسماً بربّك إنّه ما من حقیقة غیر هذه وهی أنّ المسلمین لن یؤمنوا إیماناً حقیقیّاً حتّى یرجعوا إلیك ویحكّموك فیما شجر بینهم ثمّ یسلّموا لما تقول من أعماق وجودهم وصمیم قلوبهم، بل وأن لا یستشعروا حتّى فی قلوبهم أیّ حرج أو انزعاج». إذ من النادر أن تُصدر المحكمة حكماً على شخص من دون أن یجزع وینزعج أو یقول: «الحمد لله الذی أظهر الحقّ»! فالقرآن الكریم یُتْبِع القسم بقوله: «لیس المؤمنون سوى اُولئك الذین یرجعون إلیك فی منازعاتهم، ویقبلون بحكمك أیّاً كان، بل ولا یستشعرون ضجراً أو تبرّماً منه حتّى فی أعماق قلوبهم». فالإیمان الحقیقیّ هو أنّ یسلّم المرء فی مقابل الله عزّ وجلّ ورسوله (صلّى الله علیه وآله) تسلیماً محضاً: «وَیُسَلِّمُواْ تَسْلِیماً».
إنّ الذین یقبلون الیوم بولایة الفقیه بهذه الصورة هم نادرون للغایة. فالمدّعون كثیرون أمّا فی مقام العمل فإنّ الذین یمتثلون لكلّ ما یقوله الولیّ الفقیه هم قلیلون. فعندما یُصدر الولیّ الفقیه حكماً یقول بعضهم: «فلنذهب ونتحدّث إلیه علّه یرجع عن رأیه»! لكنك إذا كنت تقبل بولایته فستمتثل لكلّ ما یقوله من دون أدنى تلكّؤ أو تردّد. فولایة الفقیه تعنی أنّ الفقیه هو خلیفة النبیّ والإمام المعصوم، ویتعیّن علینا أن نسلّم تسلیماً محضاً لكلّ ما یحكم به ونعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ هذا الأمر كأنّه صادر من الإمام المعصوم (علیه السلام). ومن هذا المنطلق جاء فی الخبر: «فإذا حكَم بحُكمٍ ولم یقبله منه فإنّما بحكم الله استخفّ وعلینا ردّ والرادُّ علینا كالرادِّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله»6. وبطبیعة الحال فإنّ البحث فی الولایة المطلقة للفقیه یأتی فی حقل المسائل الحكومیّة وإنّ المسائل الشخصیّة لیست مجالاً لمناقشة الولایة.
ثمّ تقول الزهراء (سلام الله علیها): «وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِین»7. أمّا علاقة هذه الآیة بما قبلها من أقسام الخطبة فهی أنّه إذا اتّخذ المرء لفعله أساساً غیر كلام الله تعالى وكلام نبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله) فقد خرج عن جادّة الإیمان وإنّ مآله لا محالة سیكون إلى الكفر. فالشیطان أحیاناً قد یأتی الإنسانَ بمظهر المؤمن. إذن لابدّ أن نتوخّى الحذر الشدید، وأن نعرف معیار الحقّ والباطل وأن لا ننخدع بهذه المظاهر.

أعاذنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. سورة التوبة، الآیة 49.

2. سورة المائدة، الآیة 67.

3. بحار الأنوار، ج28، ص185.

4. سورة الكهف، الآیة 50.

5. سورة النساء، الآیة 65.

6. بحار الأنوار، ج101، ص262.

7. سورة آل عمران، الآیة 85.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...