صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثانیة والاربعون: فتنة السقیفة علی لسان فاطمة

تاریخ: 
چهارشنبه, 6 بهمن, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

احتجاجات فاطمة (علیها السلام) على عدم أهلیّة الخلفاء

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 2 شباط 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

مقدّمة

نتقدّم لصاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) ونائبه الصالح بالحقّ قائد الثورة المعظّم وكلّ محبّی أهل البیت (علیهم السلام) بالتعازی الحارّة بمناسبة رحیل النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله). ونسأل الله العلیّ القدیر أن لا یفرّق بیننا وبین أهل هذا البیت الطاهر طرفة عین فی الدنیا والآخرة. إنّ وفاة النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) تُعدّ - من وجه من الوجوه - أعظم مصیبة حلّت فی العالم. فالمصیبة هی الحرمان من نعمة أو رحمة، وكلّما عظمت النعمة المحروم منها كبُرت المصیبة بالتَّبَع، ولیس فی عالم الوجود من نعمة للبشر هی أعظم من الوجود المقدّس للنبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله)، فقد أسماه الله تعالى «رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ»1؛ إذن فإنّ فقدان هذا الرجل العظیم هی أعظم مصیبة تعرّضت لها البشریّة.

لمحة عن مظلومیّة رسول الله (صلّى الله علیه وآله)

نحن ندرك أیّ حال یكون علیه الناس عندما یفقدون شخصیّة عظیمة مفعمة بالبركة برحیلها عن الدنیا. لكنّ السؤال الذی یتبادر إلى الأذهان هنا هو: هل إنّ البشر بعد رحیل أعظم رحمة إلهیّة من بین ظهرانیهم قد أدّوا حقّ هذه الشخصیّة كما یجب؟ فالتاریخ یخبرنا - مع شدید الأسف - أنّ هذا التوقّع لم یتحقّق. ولابدّ لهذا النمط من سوء المعاملة أن یُدرس ویُناقَش من الناحیة التاریخیّة ویُطرح على طاولة التحلیل أیضاً.
إنّ من الأسباب التی أدّت إلى هذا الأمر هی أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كان قد أمر قبل وفاته، وبأمر من الله عزّ وجلّ، بتشكیل جیش وقد أمَّر علیه اُسامة وأصرّ على خروج الناس من المدینة تحت إمرته، وقد كان هذا الأمر تمهیداً قد أعدّه الله تبارك وتعالى من أجل أن لا تقع الفتنة بعد رحیل رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وذلك من أجل تثبیت خلافة أمیر المؤمنین (علیه السلام). لكنّ نفراً من القوم كانوا على اتّصال مستمرّ مع المركز وقد خطّطوا للعودة إلى المدینة بمجرّد وفاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وقد نفّذوا ما خطّطوا له فعلاً. وجریاً على القاعدة فإنّه كان لابدّ لمن بقی فی المدینة - عند مشاهدتهم أنّ حالة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) لیست على ما یرام وأنّها قد تكون اللحظات الأخیرة من عمره الشریف - أن یجتمعوا وأن تطغى علیهم حالة من الحزن والبكاء، كما حصل أیّام استشهاد أمیر المؤمنین (سلام الله علیه). لكنّ السؤال الكبیر الذی یُطرح هنا هو: لماذا لم یحصل ذلك؟!
لقد قُدّمت لذلك تفاسیر مختلفة، فقال البعض على سبیل المثال: «لقد خشی المسلمون من وقوع الاختلاف بعد رحیل النبیّ وأن یؤدّی الفراغ الحاصل فی منصب قیادة الامّة إلى ضعف المسلمین. ومن هنا فقد اجتمعوا واستعجلوا فی تعیین خلیفة رسول الله كی ینقذوا المجتمع من تبعات هذا الفراغ القیادیّ»! وهذا هو من أكثر التفاسیر المطروحة فی حسن الظنّ؛ لكنّه من المستبعَد أن یحظى بالقبول؛ إذ لم یكن هناك – فی الحقیقة – فراغ قیادیّ أساساً. فمنذ سبعین یوماً فقط كان النبیّ قد رفع ید علیّ (علیه السلام) قائلاً: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهٰذَا عَلِیٌّ مَوْلاه»2؛ فأین الفراغ القیادیّ؟! إذن لم یكن فی هذه المسألة أیّ إبهام أو لبس. لكنّ هؤلاء إمّا أن یكونوا قد نسوا ذلك، أو كانت لدیهم دوافع ونیّات اُخرى ولسنا هنا فی صدد إصدار الحكم على سلوكهم، بل نرید أن نذكر ما وقع فی ذلك الحین إجمالاً. فما حصل هو الآتی: لقد اجتمع نفر فی سقیفة بنی ساعدة وبایعوا أحد المهاجرین بالخلافة فی حین أنّ جنازة النبیّ لا زالت ملقاة على الأرض بلا غسل ولا دفن!

نبذة عن مظلومیّة علیّ وفاطمة (علیهما السلام)

ولنفترض أنّهم فعلوا ذلك عن حسن نیّة أو جرّاء نسیانهم، لكنّ الخبر عندما بلغ أمیر المؤمنین سأل (علیه السلام) عن سبب انتهاج القوم هذه الطریقة فی تعیین خلیفة رسول الله، فكان الردّ: «یقولون: إنّنا من أرحام النبیّ»! فكان ردّه (علیه السلام) أنّه لا یوجد من هو أقرب منّی إلى رسول الله؟ فكیف یمكن أن لا یُطرح اسمی على الإطلاق؟! وقد تلت هذه الواقعة أحداثٌ لابدّ أنّها طرقت مسامعكم مراراً؛ فقد اجتمع الناس أمام باب أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقادوه بالإكراه إلى المسجد لانتزاع البیعة منه، وغیر ذلك من الأحداث التی إن صحّ ما تناقلته كتب التاریخ عنها – وهو ما یبدو أنّه صحیح – فإنّها كانت حوادث شدیدة ومریعة للغایة ولم یكن من المتوقّع على الإطلاق أن یقابِل المسلمون أهلَ بیت النبیّ (صلوات الله علیهم أجمعین) بهذه الكیفیّة.
فی خضمّ هذه الأحداث كان أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد أتمّ الحجّة على الناس فی المسجد، ولم یكتف بذلك بل أخذ یطَرْق أبوابهم فرداً فرداً لیذكّرهم بوصایا النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وبالبیعة التی بایعوه بها. لكنّ الأمر قد انتهى إلى تثبیت خلافة الخلیفة الأوّل. أمّا أهل بیت الرسول (صلوات الله علیهم)، فما عدا الاحتجاجات التی اتمّوا بها الحجّة على الناس، فإنّهم لم یُقدِموا على أیّ عمل آخر ولم یُشهروا سیفاً تفادیاً لشقّ عصى المسلمین وتجنّباً لسوء استغلال الأعداء للوضع. فلو أقدم أهل البیت (علیهم السلام) فی ذلك الحین على خطوات عملیّة لكان قد انتهى الأمر ولم تكن لتمضی فترة طویلة حتّى یُمحى الإسلام ولا یبقى له أثر قطّ.

قصّة غصب فدك

بعد تثبیت الخلافة توجّه الجهاز الحكومیّ إلى الشؤون الحكومیّة. ووفقاً لبعض الأخبار فقد ابتدأوا بمجیئهم إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقالوا له (لنقل من باب المشورة): «الخلافة قد ثُبّتت؛ لكن كیف ینبغی التصرّف بالأموال التی كانت فی ید النبیّ إلى حین وفاته»؟! فأجابهم (علیه السلام) بإنّه ینبغی أن یُتصرّف بها كما كان النبیّ یتصرّف بها فی حال حیاته. قالوا: «فماذا عن أموال خیبر»؟ وكان السؤال عن هذه الأموال یمتاز بمزیّة خاصّة؛ إذ إنّ من جملة أحكام الإسلام أنّه إذا استسلم العدوّ فی مقابل الحاكم الإسلامیّ تاركاً أمواله أو مسلّماً إیّاها له فإنّ تلك الأموال لا تُقَسّم بین المسلمین، بل إنّها تعود إلى شخص الحاكم أی النبیّ (صلّى الله علیه وآله) خاصّة وإنّ له الخیار فی أن یتصرّف فیها بما یرى فیه المصلحة. یقول الله تبارك وتعالى فی الآیة السادسة من سورة الحشر: «فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلٰكِنَّ اللهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَنْ یَشَاءُ»؛ فهناك أموال قد أعادها الله إلیكم من دون أن تجیّشوا فی سبیل إعادتها جیشاً أو تدخلوا حرباً بل لقد سلّمها أصحابها إلیكم طواعیة. فمثل هذه الأموال تعود إلى الله وإلى رسوله ولیس لسائر الناس فیها من حقّ. وإن شأن نزول هذه الآیة هی قلاع خیبر والقرى المحیطة بها التی من جملتها قریة فدك.
إذن عندما جاء الخلیفتان الأوّل والثانی إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) قائلین: «ما هو حكم هذه الأموال»؟ أجابهما (علیه السلام) بأنّه ینبغی أن تحكما فیها بما كان رسول الله (صلّى الله علیه وآله) سیحكم فیها أثناء حیاته. قالا: «فماذا عن فدك»، وكانت فدك من جملة هذه الأموال التی وهبها النبیّ للزهراء (سلام الله علیها) وجمیع الناس كانوا یعلمون بهذا الأمر وحتّى بعد وفاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كان عامل الزهراء (علیها السلام) ووكیلها هو الذی یشتغل فی رعایة شؤون هذه الأرض. أجابهما أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّ النبیّ هو الذی وهبها للزهراء وهی لها. قالا: «كلا، إنّها لبیت المال ولابدّ من إرجاعها إلیه»! فذهبا وأخرجا عامل الزهراء (سلام الله علیها) من الأرض وتمّ الاستیلاء علیها. أمّا إخواننا من أهل السنّة فإنّهم یبرّرون هذه القضیّة بأنّ هذین كانا یعلمان بمصلحة الإسلام فی هذا الأمر، أو أنّهما كانا یعتقدان بأنّ تصرّفات النبیّ كانت معتبَرة فی زمان حیاته، أمّا بعد وفاته فإنّ لـمَن یخلفه - كائناً من كان - حق ّالتصرّف بأیّ صورة یرى فیها المصلحة.

الاحتجاج الأوّل لفاطمة (سلام الله علیها)

لم تستمرّ حیاة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) بعد رحیل النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) أكثر من 75 أو 95 یوماً. وطبقاً لما نقلته كتب التاریخ – التی لعلّ شرح ابن أبی الحدید لنهج البلاغة هو أكثرها جامعیّة فی هذا المجال – فقد أقدمت (علیها السلام) على عدد من الخطوات. ففی مجلس ضمّ الخلیفة الأوّل ومَن كان من المقرّر أن یكون الخلیفة الثانی من بعده جاءت الزهراء (سلام الله علیها) وشكته بحضور جمع من الناس مستنكرة علیه إخراج عاملها من فدك فأجابها: «إنّها لبیت المال ونرید إنفاقها فی مصالح المسلمین»! فأجابته بإنّك تعلم أنّ رسول الله جعلها لی نحلة ولیس للآخرین حقّ فیها. فقالا لها: «كلا، إنّها من المال العامّ المتعلّق ببیت المال ونحن نرى أنّ من المصلحة أن تُصرف فی مصالح الاُمّة الإسلامیّة. فإن ادّعیتِ أنّ هذه المزرعة لك فأتِ بشاهد على ذلك»! فكان ردّ الزهراء (علیها السلام) أنّه لو كان مال فی ید مسلم وادّعیتُه أنا فهل ستطالبنی أنا بالبیّنة أم ستطالب ذلك المسلم؟ فأنا ذات یدٍ وإنّ المدّعی على ذی یدٍ هو الذی ینبغی أن یُقدّم الشهود على مدّعاه. فقانون القضاء الإسلامیّ (بل قانون القضاء فی جمیع أنحاء العالم) ینصّ على أنّه إذا ادّعى شخص مالاً وهو فی ید غیره وجب علیه تقدیم البیّنة على ما یدّعیه. ولم تكتف (سلام الله علیها) بذلك بل إنّها، ومن أجل إتمام الحجّة، جاءت بعلیّ (علیه السلام) واُمّ أیمن كشاهدین. لكنّهما قالا: «علیّ شاهد واحد أمّا اُمّ أیمن فهی امرأة ولا تكفی امرأة واحدة للشهادة»! وهنا أیضاً لابدّ أن نذكّر بأنّ من قواعد القضاء أنّه إذا كان أحد الشاهدین امرأة فإنّه یتعیّن علیها أن تحلف الیمین عوضاً عن الشاهد الآخر. لكنّهما ردّا علیها بكلام غیر مناسب.

الاحتجاج الثانی لفاطمة (علیها السلام)

وقد حصل حوار آخر أیضاً بین شخص الخلیفة الأوّل ومولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) على انفراد إذ تحدّثت معه بشكل خاصّ وبدلاً من أن تتناول قضیّة أنّها ذات یدٍ ولیس من الضروریّ أن تأتی ببیّنة وأنّها - مع ذلك - جاءت بعلیّ (علیه السلام) كشاهد، فقد طرحت فی هذه المرّة مسألة أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كان أحیاناً یقبل بشهادة واحد من الصحابة الذین یثق بهم كثیراً عوضاً عن شهادتین، فكیف بی وقد جئتُك بعلیّ واُمّ أیمن ولم تقبل بهما كشاهدین! فتأثّر الخلیفة فی مقابل هذا المنطق وكتب لها كتاباً یثبت تعلّق المِلْك بها. لكنّ شخصاً صادفها فی الطریق وأخذ منها الكتاب ومزّقه وتجاسر علیها أیضاً. وقد مضى هذا الحدث أیضاً ولم یتمّ الوصول فیه إلى نتیجة حاله فی ذلك حال مسألة الخلافة.

فدك ذریعة لتوضیح الاُمور

لقد تصوّر البعض أنّ قلق الزهراء (سلام الله علیها) كان مقتصراً على حرمانها من موارد فدك المادّیة! وإنه لمنتهى الجفاء بحقّ الزهراء (علیها السلام) أن نفكّر بهذه الطریقة، فجمیع أموال العالم تساوی قبضة من الرماد فی نظر الزهراء (علیها السلام). إذن هذا لم یكن أصل الموضوع قطعاً، وإنّ ما كان یحزّ فی نفوس أهل بیت الرسول (علیهم السلام) ویؤلمهم هو أنّ تلك التصرّفات كانت سبباً فی سحق أحكام الإسلام التی صرّح بها القرآن الكریم، بالضبط كما نسی الناس البیعةَ التی أخذها منهم رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لأمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) حتّى كأنّ شیئاً لم یكن. فقد جاء فی الخبر أنّه عندما نزلت الآیة الشریفة: «وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ»3 أعطى النبیّ (صلّى الله علیه وآله) هذا المال لفاطمة (علیها السلام)، لكنّ سلوك القوم بعد ذلك كان بشكل یخالف أمر الرسول الأعظم ونصّ القرآن الكریم. مضافاً إلى ذلك فإنّ قوانین القضاء الإسلامیّ باتت فی معرض الزوال شیئاً فشیئاً. فإلى أین ستؤول الاُمور إذا استمرّ الوضع على هذا المنوال؟ فإن لم یواجَه هذا النهج الذی ابتدأ الآن فسوف یؤدّی إلى الكفر وحینذاك لن یبقى من الإسلام سوى أثر بعد عین. إذن فإنّ آل الرسول (علیهم السلام) كانوا قلقین من هذه الاُمور تحدیداً. فهذا أمیر المؤمنین (علیه السلام) یشیر إلى نفس هذه النقطة فی رسالة كتبها إلى عثمان بن حُنَیف یقول فیها: «كانت فی أیدینا فدك من كلّ ما أظلّته السماء فشحّت علیها نفوس قوم وسَخَت عنها نفوس قوم آخرین» إلى أن یقول: «وما أصنع بفدك وغیر فدك»4؟! فالقضیّة كانت تتلخّص فی مواجهة هذا التیّار السیاسیّ الحاكم، وإتمام الحجّة على الناس كی یفهموا بأنّ هؤلاء غیر مؤهّلین للحكم، وإنّ المنصب الإلهیّ للخلافة لابدّ أن یكون من نصیب المعصوم (علیه السلام).

السقیفة أداة لجرّ العالم الإسلامیّ إلى العلمانیّة

لو أردنا أن نفسّر واقعة السقیفة بلغتنا المعاصرة وعبر المفردات المستخدمة فی زماننا فلابدّ أن نقول: إنّ أوّل خطوة فی العالم الإسلامیّ اتُّخذت باتّجاه تحویل المجتمع الإسلامیّ إلى العلمانیّة كانت فی السقیفة؛ فالسقیفة كانت مشروعاً لفصل الدین عن السیاسة. فالقوم ما كانوا یأبون أن یبادروا أحیاناً إلى سؤال علیّ ابن أبی طالب (علیه السلام) حول مسألة شرعیّة، بل لقد فعلوا ذلك فعلاً فی عهد الخلفاء. كما أنّهم ما كانوا یأبون القول: «نحن لا نعلم حكم الإسلام، وعلینا أخذه منك»! لكنّهم كانوا یأبون أن یتسلّم آل بیت الرسول (صلوات الله علیهم أجمعین) مقالید السلطة ویصدّرون الأحكام. فما معنى هذا التفكیك الذی یحصر الحكم والحكومة فی نفر من الناس ویجعل تبیین أحكام الدین على عاتق نفر آخر منهم؟! فهذا لَعمری هو عین العلمانیّة وأساسها.
وحتّى فی یومنا هذا فإنّه یوجد من یحمل نفس هذه الرؤیة بالنسبة لتسلّم المناصب فی هذا النظام القائم فی هذه الجمهوریّة الإسلامیّة. فأمثال هؤلاء إمّا أنّهم لا یقبلون بأصل ولایة الفقیه، أو أنّهم یتعاملون مع هذا المنصب كمنصب شكلیّ ولا یرون وجوب تنفیذ أحكام صاحبه وأوامره. فهم یزعمون أنّ فهمهم للاُمور یفوق فهمه بكثیر، وأنّه هو الذی یجب علیه طاعتهم! فینبغی أن لا نعجَب من تعامل المسلمین مع ابنة الرسول (صلّى الله علیه وآله)، إذ لو رجعنا بذاكرتنا سنتین إلى الوراء لشاهدنا وقائع من هذا الصنف؛ ولشاهدنا كیف تصرّف البعض مع المشتركین فی عزاء سیّد الشهداء (علیه السلام) فی یوم عاشوراء، ومن الذین أصدروا الأوامر بذلك، ومن كان الراضی عن هذا الفعل، ومن الذین یأبون إلى الآن أن یتبرّأوا ممّن قاموا بهذا العمل الشنیع ویدینوهم. بطبیعة الحال لابدّ أن نقرّ لشعبنا الیوم بأنّه أكثر فهماً وإدراكاً للامور من أهل ذلك العصر الذین غیّروا مسیرة التاریخ عبر بعض المغالطات الجزئیّة، وانخدعوا بحدیثٍ موضوعٍ مفاده: «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث، ما تركناه صدقة»5.

الاحتجاج الثالث لفاطمة (علیها السلام)

إذن فقد وصل الأمر فی نهایة المطاف بقضیّة فدك إلى نسیان أنّها نحلة وأنّها هبة وهبها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لفاطمة (سلام الله علیها) وطُوی سجلّها كما طُوی سجلّ قضیّة الخلافة من قبل. كانت الزهراء (علیها السلام) تعلم أنّها لن تبقى فی هذه الدنیا أكثر من أیّام قلائل، وكانت تحاول فی غضون هذه البرهة القصیرة من الزمن أن تقوم بما من شأنه أن یقوّی دعائم الإسلام ویثبّتها أكثر. ومن هنا فقد سعت إلى طرح القضیّة من باب آخر وهو أنّه: «إذا لم توافق على كون فدك هبة من رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، فلا شكّ أنّك تقرّ بأنّها كانت ملكاً للنبیّ أساساً، فذلك ما صرّح به القرآن الكریم ولا یسعك إنكاره. فإن كان الأمر كذلك فإنّنی ابنة النبیّ ووریثته. وبناء علیه فإنّه یجب أن تنتقل فدك إلى ملكیّتی».
وهنا قد وقع الكثیرون فی إشكال فقالوا: «لقد التبس علینا الأمر حقّاً! فلم نفهم ماذا كانت فاطمة الزهراء (علیها السلام) تدّعی حول فدك هل كانت نِحلَة، أم إرثاً»؟ والجواب على ذلك هو أنّها (علیها السلام) ومن أجل مواجهة هذا النظام الذی لا یصلح للخلافة فقد انتهجت سبیلین؛ فهی قد طرحت - أوّلاً - مسألة كون فدك نِحلَة لتوضّح للناس أنّ هؤلاء إمّا أنّهم غیر عارفین بأحكام الله، الأمر الذی یجعلهم غیر صالحین لخلافة رسول الله أساساً، وإمّا أنّهم یخالفون حكم الله متعمّدین، وعندها فمن الأولى أن یثبت عدم أهلیّتهم للخلافة. فإذا طُویت صفحة كونها نِحلة فقد سلكت (سلام الله علیها) سبیلاً آخر للوصل إلى مبتغاها فادّعت كونها تركة یمكن أن تورّث.
وإذا منّ الله علینا بالتوفیق فسنكمل تتمّة هذا المبحث فی المحاضرة القادمة إن شاء الله.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. سورة الأنبیاء، الآیة 107.

2. الكافی، ج1، ص420.

3. سورة الإسراء، الآیة 26.

4. نهج البلاغة، الرسالة 45.

5. عمدة القاری (للعینی)، ج14، ص163؛ وتفسیر الرازی، ج9، ص21؛ وفتح القدیر (للشوكانی)، ج3ـ ص322.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...