صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الرابعة والاربعون: سُبُل تعزیز الواحدة بین المذاهب الاسلامیة

تاریخ: 
چهارشنبه, 4 اسفند, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 2 آذار 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الكشف عن عدم أهلیّة الخلفاء فی كلام فاطمة علیها السلام

نبذة عن المباحث السابقة

یدور موضوع بحثنا حول خطبة مولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) المعروفة بالخطبة الفدكیّة. ومن أجل المحافظة على ترابط البحث نعرض هنا موجزاً عمّا أوردناه من المباحث السابقة. فالقصّة باختصار هی أنّ جماعة من المسلمین كانوا قد اجتمعوا بعد رحیل رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وعیّنوا خلیفة له بذریعة أن لا تبقى الاُمّة من دون زعیم. ولم یُصغ أحد حینها لكلام المعارضین لهذه الطریقة فكانت الغلبة للطرف القائل: «الناس أنفسهم هم الذین یجب أن یعیّنوا خلیفة للنبیّ»! وإنّ من جملة الأعمال التی قام بها الجهاز الحكومیّ منذ الیوم الأوّل لتسلّم مقالید الامور هی أنّه قام بغصب عقار كان النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) قد أعطاه للزهراء (سلام الله علیها) فی حیاته بأمر من الله عزّ وجلّ وذلك بزعم أنّ هذه الأموال یجب أن توضع تحت تصرّف الحاكم! وقد اشتكت فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) على هذا التصرّف عند الحاكم فی حینها. وطبقاً لروایاتنا، بل وأحیاناً روایات أهل السنّة أیضاً فإنّ الخلیفة الأوّل قد كتب لها فی إحدى المرّات كتاباً خطّیاً یقرّ فیه لها بأحقّیتها فی ملكیّة العقار، لكنّ أشخاصاً آخرین لم یتحمّلوا ذلك فعمدوا إلى أخذ هذا الصكّ منها وتمزیقه.
الملاحظة التی لا ینبغی أن تغیب عن الأذهان فی هذا المضمار هی أنّ إصرار مولاتنا الزهراء (علیها السلام) على هذا الأمر، وخلافاً لما یظنّه بعض ضیّقی الأفق والسطحیّین فی التفكیر، لم یكن أبداً سعیاً وراء مصالح مادّیة، بل إنّها (علیها السلام) وبعد یأسها من رجوع الخلافة إلى مسیرها الصحیح باتت تشعر أنّ على عاتقها مسؤولیّة جسیمة وهی تبیین مسألتین لاولئك المعاصرین لها ولأجیال المستقبل أیضاً؛ الاُولى هی إفهام الجمیع بأنّ هذا العمل الذی اُنجِز لم یكن بإجماع من المسلمین، والثانیة هی أنّ الاختیار لم یقع على الشخص المناسب وأنّ الذین تسلّموا مقالید الامور لا یتمتّعون بالأهلیّة لذلك.
ولهذا الغرض فقد قصدت الزهراء (سلام الله علیها) المسجد الذی كان مقرّ الحكومة آنذاك عدّة مرّات ودار بینها وبین خلیفة زمانها كلام. فقد اعترضت علیه فی إحدى هذه المرّات بأنّ فدكاً هی مِلك قد أعطانیه أبی نِحْلَةً «نِحلَة أبی»1 وقد كانت تحت تصرّفی فی زمان حیاته (صلّى الله علیه وآله) وحتّى بعد مماته، فبأیّ حقّ تغتصبها الآن منّی؟! فقیل لها: «لابدّ أن تقیمی البیّنة على ما تدّعینه»! وهذا الجواب یخالف اُصول القضاء الإسلامیّ؛ ذلك أنّه عندما یكون عقار تحت تصرّف شخص فإنّه یكون ذا ید علیه كما یُصطلَح علیه فقهیّاً وإذا ادّعاه شخص آخر فلا ینبغی للقاضی أن یطالب ذا الید بالبیّنة، بل إنّ المدّعی هو من یجب علیه أن یأتی بالبیّنة؛ ذلك أنّ: «البیّنة على المُدّعِی»2، لكنّ المتصدّین لإدارة الجهاز الحكومیّ كانوا قد أصرّوا على موقفهم بالقول: «العقار فی أیدینا فی الوقت الحاضر فإن كان لدیك أیّ اعتراض فإنّ علیك إقامة البیّنة»! فقدّمت الزهراء (سلام الله علیها) أمیر المؤمنین (علیه السلام) واُمّ أیمن كشاهدین على مدّعاها. وطبقاً لسنّة النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) فإنّه كان یقبل بشهادة الرجل الواحد بدلاً من الرجلین إذا كان مشهوراً بالصدق ولم یعرف أحد منه الكذب. فقد كان خزیمة بن ثابت من جملة من كان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) یقبل بشهادته وحده عوضاً عن شاهدین حتّى لُقّب بأنّه«ذو الشهادتین». فكان حریّ بالقوم فی هذه القضیّة وقد شهد رجل مثل علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) أن لا یبتغوا شاهداً آخر. لكنّهم لم یقبلوا بتلك الشهادة وفُضّت الجلسة من دون أن یقرّوا لفاطمة (علیها السلام) بما تدّعیه. ثمّ حدث أن جاءت فاطمة مرّة أو مرّتین اُخریین إلى الخلیفة ودار بعض الكلام بینهما حتّى أنّه لم یتمكّن فی إحداهما أن یقدّم جواباً متقناً فكتب لها صكّاً یثبت ملكیّتها للعقار لكنّ هذا الصكّ قد مُزّق.
فعادت الزهراء (علیها السلام) بعد ذلك وذهبت إلى المسجد لتواجههم بأنّكم إذا رفضتم كون فدك نِحلَة لی، فإنّنی ابنة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) الوحیدة وإذا كان النبیّ قد ورَّث شیئاً فإنّه سیصل لی لا محالة، فاعطونی فدكاً بعنوان الإرث إذن. وهذه المسألة كانت فی الواقع تمهیداً لإثبات عدم أهلیّة هؤلاء المتصدّین للحكومة والقضاء بین الناس. فعندما ادّعت (سلام الله علیها) الإرث قالوا لها: «إنّ الأنبیاء لا یورّثون. فقانون الإرث یسری على عامّة الناس فقط، أمّا النبیّ فإنّ أمواله تُصرف بعد فراقه الدنیا فی سبیل الله».

وَضْعُ حدیث بما یخالف القرآن

وكان قدومها إلى المسجد من أجل إلقاء الخطبة الفدكیّة بعد إعلام مُسبَق قد تلا تلك الأحداث. وقد نُصب فی المسجد دونها ستار فقامت (علیها السلام) خلف الستار منشئة هذه الخطبة.
أمّا مقطع الخطبة الذی أودّ سرده الیوم فی هذا المجلس فهو الذی اشتمل على استدلال السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) على بطلان المدّعى القائل بأنّ الأنبیاء لا یورّثون، فقد أرادت (علیها السلام) بهذه الكلمات أن تثبت أنّ هذا الزعم یخالف صریح القرآن الكریم ونصّه، وذلك عندما وجّهت خطابها للخلیفة نفسه قائلة: «وَأَنْتُمُ الآنَ تَزْعُمُونَ أَنْ لا إِرْثَ لَنَا»3؛ بأیّ دلیل تدّعون أنّنی لا أرِث أبی؟! فالزهراء البتول (علیها السلام) تذكر هنا عدّة وجوه لهذا المدّعى ممّا یحكی عمّا تتمتّع به هذه الشخصیّة العظیمة والمعصومة من قوّة الاستدلال وعمق الرؤیة. فإذا أمعنّا النظر بدقّة فی عبارات هذه الخطبة الشریفة فستتجلّى لنا ما تنطوی علیه من قوّة البیان وعمق المعانی. تقول بضعة المصطفى (سلام الله علیها): «وَأَنْتُمُ الآنَ تَزْعُمُونَ أَنْ لا إِرْثَ لَنَا»؛ یعنی: لو افترضنا جدلاً أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) لم یهبنی فدكاً، إذن فقد كانت من أمواله وأنا التی ینبغی أن أرثه بعد موته، فلماذا تظنّون أن لا إرْث لنا؟! ثمّ تتابع: «أَفَحُكْمَ الجاهِلِیَّةِ تَبْغُونَ‏»؛ أفتریدون أن تحكموا كما كان یحكم أهل الجاهلیّة وتقولون: إنّ البنت لا ترث أباها؟ «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ»، وهذه العبارات مقتبسة من القرآن الكریم4، وهو اُسلوب قد اتّبعته (علیها السلام) فی مقاطع مختلفة من هذه الخطبة وقد اتّصفت معظم هذه الاقتباسات بكونها لاذعة وعمیقة المغزى والمضمون. فالزهراء (سلام الله علیها) ترید أن تقول هنا: «إذا كنتم تزعمون أنّنی لا أرث أبی لكونی اُنثى، فاعلموا أنّ هذا الحكم هو حكم عصر الجاهلیّة وأنّ الإسلام قد نسخه».
«أَفَلا تَعْلَمُونَ؟! بَلَى قَد تَجَلَّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِیَةِ أَنِّی ابْنَتُهُ»5. فقد تزعمون وتقولون: «نحن لا نعلم إن كُنتِ ابنة الرسول حقّاً»! فهل أنتم لا تعلمون ذلك حقّاً؟! كلاّ بل هی واضحة لكم كالشمس فی رابعة النهار أنّنی ابنة النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله). إذن فهذا الاحتمال أیضاً لا أساس له من الصحّة.
«أَفَعَلَى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتَابَ اللهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُم». لقد ورد فی الكتب الروائیّة لأهل السنّة وكذا فی كتب التاریخ أنّ الخلیفة قال لها: إنّی سمعت رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یقول: «إنّا معاشر الأنبیاء لا نورّث، ما تركناه صدقة»6. ولعلّ الزهراء (سلام الله علیها) تشیر فی هذا المقطع من الخطبة إلى هذا الادّعاء، فهی تقول: هذه الروایة على خلاف القرآن الكریم. أیمكن أن یتفوّه النبیّ (صلّى الله علیه وآله) بشیء مخالف للقرآن؟! فلقد نبذتم بقولكم هذا كتابَ الله وراء ظهوركم وتریدون أن تحكموا بما یخالف صریح القرآن «إِذْ یَقُولُ: «وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ»7». أولَم یكن داوود نبیّاً؟! فكیف تقول: إنّ الأنبیاء لا یورّثون؟! «وَقَالَ فِیمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ یَحْیَى بْنِ زَكَرِیّا إِذْ قَالَ: «فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیّاً یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوب»8»؛ فهذا زكریّا (علیه السلام) أیضاً یسأل الله ولداً یرثه ویرث آل یعقوب (علیه السلام). أولم یكن زكریّا نبیّاً أیضاً؟!
«وقال: «وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِی كِتَابِ اللهِ»9». فالاحتمال الآخر أنّكم قد تزعمون: «إنّ الأنبیاء یورّثون لكنّ الوارثین ینقسمون إلى طبقات، وما دامت الطبقة الاُولى موجودة فإنّ الطبقات التالیة لا ترث». فلو كان الأمر كذلك، فمن هو أقرب للنبیّ منّی؟ «وقال: «یُوصِیكُمُ اللهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَیَیْنِ»10، وقال: «إِنْ تَرَكَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِینَ»11»، فقبل أن یُبلَّغ قانون الإرث كان قد اُوصی بأن یوصی الناس لأولادهم، ثمّ اُبلغ قانون الإرث بصورة إلزامیّة بعد ذلك. وترید (علیها السلام) أن تقول هنا: «لیس ثمّة مَن هو أقرب منّی إلى النبیّ كی یشكّل مانعاً من أن أرِثَه ».
«وَزَعَمْتُمْ أَلاّ حُظْوَةَ لِی وَلا أَرِثُ إرْثَ مِنْ أَبِی وَلا رَحِمَ بَیْنَنَا، أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآیَةٍ أَخْرَجَ أَبِی مِنْهَا»؟! فإن قلتم: «صحیح أنّ الأنبیاء فی نظر القرآن یورّثون ولم یرد لهذا الحكم ناسخ، لكنّكِ أنتِ بالذات لا ترثین أباك»! بمعنى: أنّ آیات الإرث قد اختصّت بكم وهی لا تشمل أبی! فی حین أنّ أیّاً من الآیات المذكورة آنفاً لم تستثن سیّد المرسلین (صلّى الله علیه وآله). فالأحكام الحقوقیّة سواء فیما یتّصل بالنبیّ وبسائر الناس اللهمّ إلاّ فی أحكام استثنائیّة صرّح القرآن الكریم بأنّها خاصّة بالنبیّ (صلّى الله علیه وآله)، لكنّه یشترك مع الرعیّة فی مقابل أحكام الله الاخرى.
«أَمْ هَلْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ مِلَّتَیْنِ لا یَتَوَارَثَانِ؟ أَوَلَسْتُ أَنَا وَأَبِی مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ»؟ فقد تزعمون أیضاً: «أنّ الوارث لا یرث إلاّ إذا كان على دین مورّثه». أولستُ أنا على دین أبی؟! أم تقولون: «لا یرثُ مَن یدین بدین معیّن الذی یدین بدین آخر أساساً؛ أی إذا كان المورّث مسلماً مثلاً ووارثه مرتدّاً قد دخل الكفر فإنّه لا یرثه». فهل یعنی هذا أنّنی قد خرجت عن ملّة الإسلام؟! ألم أكن وأبی من أهل دین واحد؟! إذن فهذا الاحتمال لا وجه له أیضاً.
«أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِی وَابْنِ عَمِّی». إذن لا یبقى إلاّ احتمال واحد وهو أن تدّعوا: «إنّ للآیات المذكورة معانی اخرى وإنّ قراءتكم لها تختلف عن قراءتنا! وإنّكم تفهمون عموم القرآن وخصوصه أفضل من أبی (صلّى الله علیه وآله) وزوجی علیّ (علیه السلام)». وقد جاء فی بعض النسخ أنّها (علیها السلام) ألحقت كلامها هذا بالقول: «فَدُونَكَهَا مَخْطُومَةً مَزمُومَةً مَرْحُولَةً تَلْقَاكَ یَوْمَ حَشْرِكَ». فكانت العرب إذا أرادت ترویض الناقة وضعت شیئاً فی أنفها وربطت به لجامها. فكان یقال للشیء الموضوع فی أنف الناقة «خطاماً»، وللناقة الموضوعِ فی أنفها ذلك الشیء «مخطومةً»، كما أنّ العرب تقول للناقة المـُعَدّة للركوب والرحیل «مرحولةً» وتقول للجامها «زماماً»، كما ویقال لتلك الـمُعَدّ زمامها والمربوطة به «مزمومة». إذن فالزهراء (علیها السلام) تخاطب الخلیفة الأوّل بالقول: «خذ ناقة الخلافة هذه فهی مُعَدّة للركوب ولیس من مزاحم لك علیها إطلاقاً، فجهازها مُعَدّ وزمامها فی یدك، فخذها وانطلق بها حتّى یأتی الیوم الذی یأخذ الله تعالى فیه حقّی منك».

موعدنا یوم القیامة

عندما تصل الزهراء (سلام الله علیها) بكلامها إلى هذا المقطع تقول: «فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ»؛ فأنا اُحَكِّم الله بینی وبینك. «وَالزَّعِیمُ مُحَمَّدٌ»، وأَجعلُ من أبی كفیلاً لی فی هذه القضیّة لیدافع ویقیم الدعوى عنّی، «وَالْمَوْعِدُ الْقِیَامَةُ»؛ وسَاُرجِئ جلسة القضاء إلى یوم القیامة، «وَعِنْدَ السَّاعَةِ «یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ»12»؛ وهنا أیضاً تقتبس كلامها من كلام الله عزّ وجلّ حینما تقول: إنّ الذین یختارون سبیل الباطل سوف یخسرون یوم القیامة. «وَلا یَنْفَعُكُمْ إِذْ تَنْدَمُونَ» فإنّكم ستندمون حینئذ حیث لا ینفعكم الندم شیئاً. «وَ«لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ»13 «مَنْ یَأْتِیهِ عَذَابٌ یُخْزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیْهِ عَذَابٌ مُقِیمٌ»14»؛ وهنا اقتباس آخر من آی الذكر الحكیم، تقول فیه: ستعلمون عن قریب من الذی سیُفتَضَح أمره ویحیق به عذاب أبدیّ. فهی تهدّدهم بكونهم مشمولین بهذه الآیة الكریمة وأنّ الله تعالى سیصدر یوم القیامة حكمه ضدّكم وعندها ستتورّطون بعذاب أبدیّ.

الهدف الأساسیّ لفاطمة (سلام الله علیها)

واُؤكّد هنا من جدید على أنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) كانت ترمی من كلّ ذلك إلى أن تُثْبِت للناس أنّ هؤلاء لیسوا جدیرین بهذا المنصب لأنّهم لا یستطیعون حتّى أن یقضوا فی خصومة بسیطة وفقاً لموازین القرآن الكریم وقواعده. فأنّى لهم أن یتولّوا منصب خلافة رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وهم لا یدرون من أیّ طرف من طرفَی الخصومة ینبغی المطالبة بالبیّنة؟! فإن كان ولابدّ أن تختاروا أحداً لمنصب الخلافة فیتعیّن – على أقلّ تقدیر – أن یتمتّع من تختارونه بالأهلیّة لذلك.
إذن فالهدف الأساسیّ من كلّ ما أظهرته (علیها السلام) من شفقة والغایة الجوهریّة من كلّ تلك المحاجّات هی أنّها (علیها السلام) أرادت أن ترسم لمن سیأتی بعد 1400 سنة على تلك الحادثة سبیلاً إلى تشخیص الحقّ لیفهم ویدرك إنْ كان هذا الانتخاب انتخاباً صائباً أم لا؛ وإلاّ فإنّ تلاًّ من الذهب لا یعادل فی نظر المعصومین (علیهم السلام) كومةً من الرماد، ولیس لمال الدنیا فی أعینهم أیّ قیمة.

لا ینبغی قطع طریق الحقّ

إنّنا فی الوقت الذی ندرك فیه تكلیفنا بأنّه ینبغی أن یكون تعاملنا مع إخواننا من أهل السنّة تعاملاً ودّیاً وحمیماً وأنّ نطلب الخیر لهم باستمرار، فإنّنا غیر غافلین عن مسألة أنّه من جملة الخیر الذی نطلبه لجمیع إخواننا من المسلمین هو أنّه یتعیّن علینا السعی وبذل الجهود من أجل المحافظة على طریق الحقّ سالكةً مفتوحةً دوماً، وإذا صادف وجود أیّ اختلاف فی الرأی فلابدّ - من أجل حلّه - من الرجوع إلى الوثائق والأسناد ذات العلاقة. فلابدّ من توفّر أجواء سلیمة للبحث والمناقشة كی یتمكّن كلّ طالبٍ للحقّ من تشخیصه. فإنّ أشخاصاً من آل بیت الرسول (صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین) كانوا معارضین لهذا النمط من السلوكیّات والتصرّفات التی حصلت فی ذلك الحین. فإن رغب أحد فی معرفة أنّه: مع مَن كان الحقّ؟ فلابدّ له من الرجوع إلى الوثائق والأسناد المتوفّرة من أجل دراستها ومناقشتها. فلو قمنا نحن بحجب تلك الوثائق عن الناس ولم ندع تلك الامور تطرق أسماع الآخرین كی یجیلوها فی أذهانهم ویفكّروا بها ملیّاً فإنّنا - فی الواقع - نكون قد قطعنا طریق تشخیص الحقّ على الآخرین وإنّه سیأتی الیوم الذی سیشتكی فیه علینا نفس إخواننا السنّة عند ربّهم قائلین: «لو أنّكم كنتم قد بیّنتم لنا تلك الحقائق لما كنّا بقینا على ضلالتنا».
إذن فواجبنا الدینیّ یحتّم علینا أنّه فی الوقت الذی نسعى فیه للحفاظ على مودّتنا واُخوّتنا مع جمیع طوائف المسلمین وأن نطلب لهم الخیر، وفی ذات الوقت الذی نسعى فیه للحیلولة دون إیجاد التوتّرات والعداوات والبغضاء بین المسلمین، فإنّه یجب علینا أن ندع باب البحث والتحقیق مفتوحاً على مصراعیه.

نسأل الله العلیّ القدیر أن یوفّقنا جمیعاً لمعرفة الحقّ.


 1. الاحتجاج، ج1، ص107.

2. الكافی، ج7، ص361.

3. بحار الأنوار، ج29، ص235.

4. سورة المائدة، الآیة 50.

5. الاحتجاج، ج1، ص102.

6. صحیح البخاری، ج4، ص42 (طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزیع / سنة 1401 هـ، 1981م)؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلیّ، ج16، ص239 (طبعة دار إحیاء الكتب العربیّة / سنة 1962م).

7. سورة النمل، الآیة 16.

8. سورة مریم، الآیتان 5 و 6.

9. سورة الأنفال، الآیة 75.

10. سورة النساء، الآیة 11.

11. سورة البقرة، الآیة 180.

12. سورة الجاثیة، الآیة 27.

13. سورة الأنعام، الآیة 67.

14. سورة هود، الآیة 39؛ وسورة الزمر، الآیة 40.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...