صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة التاسعة والاربعون: آخر احتجاج

تاریخ: 
چهارشنبه, 31 فروردين, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 27 نیسان 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

آخر احتجاج

ركون الاُمّة إلى الراحة مدعاة لغربة الحقّ

ذكرنا فی المحاضرة الفائتة كیف أنّ مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) التفتت إلى الأنصار مذكّرة إیّاهم فی بادئ الأمر بسابق أفعالهم الحسنة وما كان لهم فی الإسلام من ماضٍ مشرق قائلة: «ألستم الذین نصرتم الإسلام وقاتلتم أعداءه وآویتم الذین شُرّدوا عن دیارهم». ثمّ تقول لهم بنبرة الملامة والتقریع: «ما الذی دهاكم بعد هذا التاریخ المشرق حتّى تخلّیتم عن نصرتنا وتركتمونا؟ ما الذی جعلكم تنسون العهد الذی قطعتموه لنا»؟ ثمّ تقول (علیها السلام) بعد ذلك: «أَلا وَقَدْ أَرَى أَنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إِلَى الْخَفْضِ» أی الراحة، «وَأَبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ» أی أقصیتم من هو أهل لإصلاح الاُمور، ألا وهو أمیر المؤمنین (علیه السلام)، «وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ» فأصبحَتْ دأبكم «وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّیقِ» المعاناة والشدّة «بِالسَّعَة» عبر اللامبالاة وطلب الراحة، «فَمَجَجْتُمْ مَا وَعَیْتُم» أی لفظتم ما ابتلعتم من أفواهكم فكأنّكم تقیّأتموه، «وَدَسَعْتُمُ الَّذِی تَسَوَّغْتُم» واستفرغتم ما شربتم من سائغ الشراب. ثمّ تقتبس (سلام الله علیها) الآیة الثامنة من سورة إبراهیم مستشهدة بها حینما تقول: «فَـ «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِی الأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ».
نلاحظ أنّ فاطمة (علیها السلام) توجّه من خلال كلامها إنذارات شدیدة اللهجة للحاضرین، وتستشهد بالآیات المتعلّقة بالكفّار والمشركین، وهی ترید أن تُلفِت من خلال ذلك إلى هذه النقطة وهی أنّ عاقبة أمركم ونهایة الطریق التی تسلكون هی الكفر والشرك، واعلموا أنّكم إن كفرتم أنتم ومن فی الأرض جمیعاً فإنّ الله غنیّ عنكم ولن ینال ذلك من كبریائه عزّ وجلّ قید أنملة. فلا تظنّوا أنّ عملكم هذا سیُلحِق الضرر بالله وأولیائه، بل إنّكم أنتم الذین سیحیق بهم الضرر والخسران.

إتمام فاطمة للحجّة على الناس

وصولاً إلى هذا المقطع تكون الزهراء (علیها السلام) – فی الحقیقیة – قد أتمّت ما كان فی نیّتها من موعظة للناس، أمّا فی المقطع التالی فإنّها تبیّن هدفها من كلّ هذه المواعظ والتذكیر فتقول: «لا تظنّوا أنّنی قد قلت ما قلت غیر عارفة بكم أو أنّنی أتوقّع منكم ما لا ینبغی توقّعه؛ بل إنّنی على معرفة جیّدة بحالكم وأعلم جیّداً ما هو داؤكم، وأنّ كلماتی لا تؤثّر فیكم؛ لكنّنی أردت أن أكشف عمّا یعتلج فی صدری من سخط علیكم من ناحیة، وأن اُتمّ علیكم الحجّة من ناحیة اًخرى».
«أَلا وَقَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنِّی بِالْخَذْلَةِ الَّتِی خَامَرَتْكُمْ» أی على معرفة بأنّ خذلاننا وعدم الاكتراث بنا یخامر الآن وجودكم ویمتزج بكیانكم، «وَالْغَدْرَةِ الَّتِی اسْتَشْعَرَتْهَا قُلُوبُكُمْ» وأنّ قلوبكم مضمرة للمكر والحیلة بحقّنا، «وَلَكِنَّهَا فَیْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَیْظِ، وَخَوْرُ الْقَنَاةِ، وَبَثَّةُ الصَّدْرِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ» لكنّ ما قلتُه كان ممّا فاض به الصدر المكروب من الآلام والمآسی، وهو انفجار لما اعتلج فیه من الغضب والقلق، وإتمام للحجّة علیكم كی لا تقولوا یوماً: «لم نكن نعلم»! أو: «كنّا نظنّ أنّ هذا الأمر قد تمّ برضاك»!
«فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، بَاقِیَةَ الْعَارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنَارِ الأَبَد»؛ فهذه ناقة الخلافة، وهذا أنتم. فاركبوها! لكن اعلموا أنّ ظهر هذه الناقة ملیء بالجروح وأقدامها مفعمة بالقروح ولا تستطیع أن توصلكم إلى مقصدكم، وستبقى وصمة عار هذا العمل تلاحقكم إلى الأبد. «مَوْصُولَةً بِنَارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ «الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ»1» وسیؤدّی بكم هذا العمل إلى نار الله الموقدة التی تطّلع على القلوب والسرائر. وهنا أیضاً تشیر السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) إلى آیة قد نزلت بشأن الكفّار والمشركین. «فَبِعَیْنِ اللهِ مَا تَفْعَلُونَ» فأعمالكم هی أمام عین الله تعالى «وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ»2. «وَأَنَا ابْنَةُ نَذِیرٍ «لَكُمْ بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ»3» فأنا ابنة ذلك الرجل الذی كان ینذركم من العذاب الإلهیّ الشدید. «فَاعْمَلُوا «إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ»4»؛ فافعلوا ما یروق لكم ونحن أیضاً سنفعل ما نرید، وانتظروا ونحن أیضاً منتظرون.
وهنا تختتم مولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) كلامها. لكن هناك من یردّ علیها وهی بدورها تجیب على هذا الردّ، ولعلّنا سنتطرّق إلى هذا المقطع فی المحاضرة القادمة إن وفّقنا الله إلى ذلك. لكن ثمّة بضع ملاحظات یمكن أن تُستفاد من الجُمَل الأخیرة التی ساقتها البتول (علیها السلام) فلنقف عندها:

عاقبة الزیغ عن الحقّ

الملاحظة الاُولى هی الاقتباسات القرآنیّة التی استشهدت بها الزهراء (سلام الله علیها) والتی تشیر إلى الكفر والشرك وهی تنطوی على تحذیر للمسلمین مفاده: لا تظنّوا أنّ الذی آمن، وأقام الصلاة، وجاهد، وآتى الزكاة، وجاء بغیر ذلك فقد ضُمنت سعادته، فقد تكون عاقبة المرء - كائناً من كان ومهما طالت المسافة التی قطعها فی جادة الصواب - عاقبة خطیرة وینتهی إلى الكفر. وإنّ ما من شأنه أن یجرّ الإنسان إلى الكفر والشرك هو الخروج عن تلك الجادّة والانحراف عنها. فشخص كهذا لا یلتفت فی بادئ الأمر إلى عِظم خطئه بسبب قربه من جادّة الحقّ؛ لكنّه كلّما أوغل فی مسیره ابتعد أكثر عن جادّة الصواب حتّى یضیّع الطریق ولا یتمكّن من الإیاب والعودة. فهذا هو أعظم خطر یهدّد حتّى المؤمنین والصالحین. فلا نظنّن أنّنا إذا قضینا عمراً فی دراسة العلوم الدینیّة، والدعوة إلى الله، والعبادة، والجهاد، وما إلى ذلك فإنّه لا ضیر علینا إذا ارتكبنا بعض الذنوب والمعاصی! فعلینا أن نحذر كلّ الحذر؛ فلعلّ نفس هذه المعصیة هی التی ستفتح لنا باب الزیغ عن طریق الحقّ وعندها سیبتعد الإنسان العاصی عن الله عزّ وجلّ مع كلّ خطوة یخطوها فی هذا السبیل إلى أن یتوغّل فی وادی الكفر والضلال فلا یرى إلى جانبه من كانوا یحفّون به من الرفاق المؤمنین، بل سوف لا یجد فی نفسه المیل إلى معاشرتهم أساساً، وعلى العكس فإنّه سیجد نفسه واقفاً فی خطّ المواجهة مع المؤمنین وأهل الحقّ. فهذا الخطر یتهدّد كلّ إنسان، اللهمّ إلا من لجأ إلى الله سبحانه وتعالى واستعاذ به فحفظه الله وأولیاؤه ومدّوا له ید العون نتیجة هذا اللجأ والاستعاذة.

الإیمان الحقیقیّ

الملاحظة الاخرى التی تستحقّ الاهتمام هی المعانی والمصطلحات المختلفة للكفر والشرك. فعندما یقال: إنّ إصرار الإنسان على المعصیة یجرّه إلى الكفر فهذا لا یعنی أنّه سینكر الله ورسوله والمعاد؛ مع أنّ الأمر – بالطبع - قد یتطوّر إلى هذا الحدّ أحیاناً؛ كما قد شاهدنا فی زماننا كیف أنّ اُناساً كانوا من أهل العبادة والتقوى فآلت بهم الاُمور إلى التشكیك بكلّ شیء، بل لقد صرّحوا أیضاً بأنّه لا یتوفّر فی أیدینا أیّ دلیل عقلیّ على وجود الله تعالى. لكنّه لیس من لوازم كلّ شكل من أشكال الكفر أن ینكر المرء وجود الله والنبیّ والدین بشكل صریح، بل إنّ للكفر معنیَین مهمّین لابدّ أن نضعهما فی الحسبان باستمرار. فأحد معانی الكفر هو المعنى الفقهیّ وهو الكفر فی مقابل الإسلام. فكلّ مَن نطق بالشهادتین فهو مسلم وإنّ ذلك كافٍ لصیانة نفسه وماله. فالإسلام الفقهیّ الظاهریّ یثبت بنطق الشهادتین الذی من لوازمه إجراء أحكام الإسلام على الشخص فی الظاهر؛ فبدنه - على سبیل المثال - یكون طاهراً، والزواج منه جائزاً، وما إلى ذلك. لأنّ الكفر الموجب لنجاسة المرء هو إنكار الشهادتین أو كلّ ما یوجب إنكارهما؛ أی إنكار الضروریّات التی یعلم المنكِر أنّ إنكارها یقود إلى إنكار الرسالة.
أمّا المعنى الثانی فهو الكفر فی مقابل الإیمان. وطبقاً لهذا المعنى فإنّ كلاًّ من الكفر والإیمان هو شأن قلبیّ، وإنّ نتیجة هذا الإیمان هی النجاة فی الآخرة. فإذا آمن المسلم أنّ ما جاء به النبیّ من قِبل الله هو حقّ ولم یساوره شكّ فی أیّ واحد من أحكام الله، فهو مؤمن حقیقیّ. لكنّه إذا لم یقبل فی قرارة قلبه بحكم من أحكام الله عزّ وجلّ فسیكون مصداقاً لقوله تعالى: «یَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ»5؛ أی نؤمن ببعض الاُمور ونكفر ببعضها، والقرآن الكریم یقول بحقّ هؤلاء: «أُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً»6. فالإیمان القلبیّ هو أن یؤمن المرء بما یقوله الله من أعماق قلبه سواء أعَلِم بحكم الله تفصیلاً أم لم یعلم به. فمن الممكن أن لا یعلم الإنسان حكم الله على نحو تفصیلیّ لكنّه یعتقد بأنّ كلّ ما یقوله الله تعالى فهو حقّ. وإنّه فی مثل هذه الموارد یُخفق البعض ولا یستطیعون أن یقبلوا قلبیّاً ببعض الأحكام. فأمثال هؤلاء هم فی الحقیقة كفّار فی الباطن؛ ذلك أنّهم لا یقبلون ببعض أحكام الله سبحانه. فالإیمان الحقیقیّ یكمن فی القبول والإذعان أمام كلّ ما أنزله الله جلّت آلاؤه. فعندما تقول الزهراء (سلام الله علیها): «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِی الأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ»7 فلابدّ أن نفهم أوّلاً أنّها (علیها السلام) لا تستشهد بآیة من دون مناسبة، بل إنّ قصدها من هذا الاستشهاد هو: «إنّنی أستشعر خطر الكفر یهدّدكم». وهذا الكفر هو الذی یكون فی مقابل الإیمان؛ أی إنّكم بإصراركم على هذا الفعل لن تكونوا من أهل النجاة فی الآخرة وإن كنتم فی ظاهر الأمر فی عداد المسلمین وكانت أرواحكم وأموالكم مصونة، وهكذا كان یعامَل المنافقون فی صدر الإسلام. فالقرآن الكریم یصرّح فی الكثیر من الآیات بالقول: إنّ المنافقین لا إیمان لهم وهم یدّعون الإیمان مجرّد ادّعاء: «وَاللهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»8، لكن لم یذكر التاریخ أبداً أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كان قد أخرجهم من المدینة، ذلك أنّ الإسلام الظاهریّ هو غیر الكفر الباطنیّ.
وفیما یتعلّق بالاُمور المستحبّة فإنّه إذا علم الشخص أنّ العمل الفلانیّ أمر مستحبّ لكنّه لم یأت به قطّ، فلا یضرّ ذلك بإیمانه؛ لكنّه إذا قال: «أنا لا أقبل بهذا العمل المستحبّ»! فإنّ ذلك یشكّل كفراً باطنیّاً. فإذا كان إنكار عمل مستحبّ یؤدّی إلى الكفر، فما بالكم بإنكار أمر قد أخذ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) البیعة علیه بحضور جمیع المسلمین؟ ألا یوجب إنكاره الكفر؟! فإنّ ما ترمی إلیه الزهراء (سلام الله علیها) هو هذا النمط من الكفر.

فاطمة (علیها السلام) معیار رضا الله وغضبه

أمّا الملاحظة الاخرى فتكمن فی الالتفات إلى المبحث الذی نوّهتْ به بضعة المصطفى (علیها السلام) فی ختام الخطبة. تقول (سلام الله علیها): «على الرغم من أنّنی أعلم أنّ كلامی هذا لن یؤثّر فیكم، لكنّنی أقول ما أقول نتیجة ما ضاق به صدری من فوران الغضب وما طفح فیه من المآسی والآلام». لكن لماذا تقول الزهراء ذلك؟ یظنّ البعض أنّ مراد الزهراء هو: «إنّنی، وبسبب ما اعتلج فی صدری من عظیم الألم والكرب، قد فقدتُّ السیطرة على نفسی فتفوّهت بما تفوّهت به تنفیساً لكربتی وتخفیفاً عن قلبی». لكنّنا نعتقد أنّ الزهراء (علیها السلام) هی أصلب بكثیر من أن تقع تحت تأثیر أحاسیسها وغمّها وهمّها فتفقد السیطرة على نفسها. إذن فالداعی من وراء قولها هذا هو أنّ المسلمین كانوا قد سمعوا من لسان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) مراراً وتكراراً قوله: «إنّ الله عزّ وجلّ یغضب لغضب فاطمة ویرضى لرضاها»9. فمولاتنا الزهراء (علیها السلام) ترید أن تقول هنا بصراحة: «إنّنی غاضبة علیكم، وإنّ غضبی هذا هو مؤشّر على غضب الله تعالى»، ومن أجل ذلك فقد أتْبَعت كلامها هذا بالقول: «إنّ عملكم هذا سیقودكم إلى جهنّم»، ذلك أنّ الذی یحلّ علیه غضب الله لا یكون له سبیل للنجاة من نار جهنّم. إذن فإنّ بیان هذا المعنى إنّما یصبّ فی وادی إتمام الحجّة أیضاً. فكلامها هذا كان بمثابة السهم الأخیر الذی أطلقته (سلام الله علیها) من أجل هدایة هؤلاء القوم. فكلّ ذلك كان من دافع المحبّة التی تكنّها الزهراء تجاه الناس ورغبتها فی نجاتهم، حتّى وإن لم تكن النتیجة غیر إنقاذ شخص واحد فقط. ومن هنا فهی تقول فی نهایة المطاف: «وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ»؛ أی لم یكن ما قلته إلاّ من أجل إقامة الحجّة وإتمامها علیكم.

المناط هو حال الأشخاص فی الوقت الحاضر

وهناك ملاحظة اُخرى تسترعی اهتمامنا أیضاً ألا وهی أنّه على الرغم من أنّ الأنصار كانوا أوّل من نقض المیثاق مع رسول الله وهرع لتعیین الخلیفة من بعده، لكنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) تقول عندما توجّه الخطاب لهم: «إنّكم أنتم الذین نصرتم الإسلام، وبسیوفكم انتصر دین الحقّ». ثمّ تقول بعد ذلك: «فما الذی دهاكم الیوم لتنكصوا على أعقابكم وتسمحوا بانحراف الإسلام والسلاح بأیدیكم وإنّ بوسعكم النهوض حاملین السلاح لتقویم هذا الاعوجاج»؟! بمعنى أنّها (علیها السلام) فی الوقت الذی توبّخ الأنصار قائلة: «إنّ عملكم هذا سیجرّكم إلى الكفر وشقاء الدنیا والآخرة» فإنّها لا تنكر صفاتهم الحسنة وماضیهم الوضّاء. وهذا یعنی أنّه: لا عملكم القبیح هذا یدعو إلى نسیان سوابق فضائلكم، ولا ماضیكم المشرق ذاك یشكّل عذراً لما اقترفتم الآن من شنیع فعالكم. فالمرء یكون ممدوحاً ومحطّ ثناء إذا أتى بفعل خیر فی أیّ مرحلة من عمره، لكنّه إذا ارتكب الخطیئة فی مرحلة اُخرى منه فسیكون محطّ توبیخ وتقریع، فلا یشكّل ماضیه عذراً لأخطائه فی المستقبل، ولا توجب خطایاه المستقبلیّة إنكار سابق فعاله الحسنة. فإن اُثنی على شخص فی زمنٍ مّا فلا یعنی ذلك أنّه أصبح ولیّاً من أولیاء الله ولن یصیبه عیب أو نقص إلى أبد الآبدین، بل علینا نحن أیضاً أن نثنی على الشخص ونمتدحه ما دام سائراً على النهج القویم، فإن زاغ عن هذا النهج وأضحى عاملاً لتضعیف القیم الأصیلة للإسلام والثورة عمدنا إلى تنحیته جانباً. فلا ینبغی أن نتصوّر أنّ ماضی الأشخاص یشكّل عاملاً لضمان مستقبلهم. وكذا إذا كان امرؤ عاصیاً فی مرحلة من عمره ثمّ تاب وآب إلى جادّة الصواب فلا ینبغی أن نرفضه ونحذفه. إذن فالمیزان فی الثناء على الأشخاص أو تقریعهم، أو فی اختیارهم لمسؤولیّة معیّنة أو تنحیتهم عن هذا المنصب هو حالهم وضعهم فی الوقت الحاضر.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. سورة الهمزة، الآیة 7.

2. سورة الشعراء، الآیة 227.

3. سورة سبأ، الآیة 46.

4. سورة هود، الآیتان 121 و122.

5. سورة النساء، الآیة 150.

6. سورة النساء، الآیة 151.

7. سورة إبراهیم، الآیة 8.

8. سورة التوبة، الآیة 107.

9. عیون أخبار الرضا، ج2، ص26. 

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...