صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الخمسون: حیل الشیطان ضد فاطمة علیها السلام

تاریخ: 
چهارشنبه, 7 ارديبهشت, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 4 أیار 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا. (50)

حیل الشیطان ضدّ فاطمة (علیها السلام)

نتقدّم بتعازینا الخالصة لصاحب العصر والزمان الإمام المهدیّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وجمیع محبّی أهل البیت (علیهم السلام) بمناسبة ذكرى شهادة الصدّیقة الطاهرة بضعة المصطفى فاطمة بنت رسول الله (سلام الله علیها). لقد انتهى بحثنا فی هذا المحفل الشریف حول الخطبة الفدكیّة المباركة إلى حیث رمت الزهراء (سلام الله علیها) بطرفها – بعد إیراد خطبة طویلة – نحو الأنصار مذكّرة إیّاهم بالمسؤولیّة الملقاة على عاتقهم فی تلك المرحلة الزمنیّة ألا وهی الدفاع عن أهل البیت (علیهم السلام) وحقوقهم، ومنذرة إیّاهم عبر الاستشهاد بآیات من الذكر الحكیم تتضمّن لهجة هی غایة فی الشدّة.
من الممكن أن یتصوّر المرء طبیعة الجوّ الذی ساد المجلس بعد استماع الناس إلى كلمات فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) التی امتازت فی بضعة مواطن بشدّة اللهجة وبإثارة أحاسیس الناس وعواطفهم، ولا ریب أنّ تهدئة الأجواء فی ظروف كهذه تحتاج إلى فنّ ومهارة كبیرین. من هنا فقد انبرى المتصدّی لمقام الخلافة بالكلام باسلوب یمتاز بذكاء خاصّ وبلهجة ملؤها المحبّة والتودّد لأهل البیت (علیهم السلام)، وهی ردّة فعل تدلّ حقیقةً على ما یمتاز به هؤلاء الأشخاص من نبوغ حادّ فی مثل هذه المواقف. فإنّ الاُمور التی طرحها فی جوابه للزهراء (علیها السلام) تحتاج – فی الواقع – إلى إخضاعها لدراسة معمّقة من قبل علماء النفس؛ ذلك أنّه لم یكن بالإمكان التحدّث بأفضل من ذلك من أجل تهدئة الحاضرین. وسأتلو علیكم متابعة لبحثنا كلام المسمّى بالخلیفة الأوّل كی تتعرّفوا على لحن قوله.

منتهى الحیل لإلغاء تأثیر كلام الزهراء (سلام الله علیها)

«فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان وقال: یا بنت رسول الله! لقد كان أبوك بالمؤمنین عطوفاً كریماً رؤوفاً رحیماً وعلى الكافرین عذاباً ألیماً وعقاباً عظیماً» فلقد كانت كنیته أبا بكر واسمه عبد الله بن عثمان. لقد حاول أبو بكر بهذا الاسلوب أن یخمد ما یظهر أنّه فورة غضب الزهراء (علیها السلام) ویقول لها: علیك أن تحذی حذو أبیك فی التعامل معنا برأفة ولا تتفوّهی بالكلمات اللاذعة والقاسیة معنا. «إن عزوناه» إذا فتّشنا فی نسب أبیك «وجدناه أباك دون النساء» أی دون سائر النساء؛ یعنی بما أنّك تنتسبین إلیه فأنت الأَولى فی اتّباعه والتأسّی به منّا، «وأخا إلفك دون الأخلاء» فقد كان أخاً لزوجك من دون باقی الأصدقاء «آثره» آثر علیٌّ أباك «على كلّ حمیم» صدیق «وساعده فی كلّ أمر جسیم». لكن هناك احتمال آخر وهو أن یكون الضمیر راجعاً إلى النبیّ؛ فیكون المعنى أنّ النبیّ هو الذی آثر علیّاً على باقی الأصحاب وكان یقدّم له ید العون باستمرار. «لا یحبّكم إلاّ سعید ولا یبغضكم إلاّ شقیّ بعید» عن رحمة الله «فأنتم عترة رسول الله الطیّبون والخِیَرة المنتَجَبون، على الخیر أدلّتنا وإلى الجنّة مسالكنا».
كانت غایته من هذا الكلام تهدئة ما انتاب الناس من حالة الغلیان والاضطراب، التی تشیر إلى أنّ تعامل الزهراء (علیها السلام) معهم كان تعامل الخصم مع خصمه وأنّهم أعداء أهل البیت (صلوات الله علیهم أجمعین). «وأنتِ یا خیرة النساء وابنة خیر الأنبیاء صادقة فی قولك، سابقة» للآخرین «فی وُفور عقلك» فنحن نعترف بأنّ ما ذكرتیه لا یُعَدّ كلاماً واهیاً «غیر مردودةٍ عن حقّك» لا یحقّ لأحد أن یسلُبكِ حقّكِ «ولا مصدودةٍ عن صدقكِ» ولا أحد یستطیع أن یكذّب أو ینكر قولكِ الحقّ.
كان كلامه إلى هذه العبارة یصبّ فی إطار تلطیف الأجواء كی یشعر الناس بأنّ الجوّ یمتاز بالودّیة، لكنّه عرّج بعد ذلك إلى الموضوع الأساسیّ. فالقضیّة هی أنّ السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) وبعد قصّة انتخاب ما یُدعَى بالخلیفة كانت قد أحاطت – من خلال بعض الكلمات المحكمة واللاذعة وفی أوقات متعدّدة - أداء جهاز الخلافة بدائرة من الشكوك، مُظهِرةً – بذریعة طرح قضیّة غصب فدك – عدم كفاءة المتصدّین للخلافة وأهلیّتهم لهذه المهمّة وهو ما مرّ بیانه فی المحاضرات السابقة.
أمّا الطرف المقابل فقد ابتدأ بعد هذه العبارات بسوق بعض الاستدلالات التی تُظهر أنّ عمله كان صائباً. یقول: «والله ما عدوتُ رأی رسول الله ولا عملتُ إلاّ بإذنه». فعندما هدأت الأجواء وأراد أن یثبت - بتصوّره - حقّانیته أقسم بالله أنّه لم یُخالف رأی النبیّ، ولم یُقدم على أیّ عمل من دون إذنه! «والرائدُ لا یَكذِبُ أهْلَه» وهو مثل عربیّ مفاده: أنّ دلیل القافلة لا یكذب على أصحابها. أمّا مراده فهو: أنّنی الآن دلیل هذه الاُمّة وقائدها، وأنا لا أكذب علیكم، وقد أقسم أیضاً بأنّ ما یقوله هو عین الصدق. «وإنّی اُشهد الله وكفى به شهیداً أنّی سمعت رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یقول: نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث ذهباً ولا فضّة ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة وما كان لنا من طعمة فلوَلِیّ الأمر بعدنا أن یحكم فیه بحكمه‏» فنحن لا نورّث مالاً، وإن تركنا مالاً فإنّ لِـمَن یتولّى ولایة الأمر من بعدنا صلاحیّة التصرّف فیه كما یرى. «وقد جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فی الكُراع والسلاح یقاتل بها المسلمون ویجاهدون الكفّار ویجالدون المرَدَة الفجّار» أی: لقد كرّسنا ما ذكرته (مزرعة فدك) لیُصرَف فی إعداد الخیل والسلاح لیستفید منها المسلمون فی قتالهم مع كفّار الخارج ونزالهم مع مَرَدة الداخل. «وذلك بإجماع من المسلمین، لم أنفرد به» بهذا الحكم «وحدی ولم أستبدّ بما كان الرأی عندی» ولم أكن مستبدّاً فی اتّخاذه.
لحدّ هذه المرحلة من النقاش قد تمّ لعب دورین؛ دور تهدئة الناس، ودور طرح هذا الموضوع وهو: أنّ عملی هذا كان منسجماً مع ما رأیتُ من تكلیفی الشرعیّ، ثمّ إنّنی لم أنفرد أو استبدّ فی رأیی بل كان ذلك بإجماع المسلمین وموافقتهم أیضاً. أمّا النقطة الثالثة التی طرحها فهی: إنّنی لو أردت غصب حقّك لأنفقتُ ما أخذته على نفسی، لكنّنی قد وضعته فی متناول المسلمین. بل إنّه قد تعدّى ذلك بالقول: إنّنی أضع أموالی الخاصّة تحت تصرّفك تفعلین بها ما تشائین. ففدك هی مال المسلمین، أمّا أموالی الخاصّة فهی متعلّقة بی أنا: «وهذه حالی ومالی هی لكِ وبین یدیكِ لا تُزوَى عنكِ ولا ندّخر دونك» فلیس أحد یحول بینك وبینها ونحن لا ندّخرها لأنفسنا أیضاً، «وأنتِ سیّدة اُمّة أبیكِ والشجرة الطیّبة لبنیكِ، لا ندفع ما لك من فضلك، ولا یوضع فی فرعك وأصلكِ، حكمك نافذ فیما ملكَتْ یدایَ» فنحن لا نمنعك ممّا جُعل وخُصّص لك، ولا نُنْقِص ما كان فی أصلك ولا ما كان فی فروع هذه الشجرة. وإنّ حكمك نافذ فیما هو تحت تصرّفی الشخصیّ من الأموال. «فهل ترین أن اُخالف فی ذاك أباكِ» أی: هل تظنّین أنّنی – الذی جعلتُ أموالی الخاصّة تحت تصرّفك – سأحول بینك وبین ما جعله أبوك لك؟! فإنّه یتعیّن علیّ، طبقاً للحدیث الذی سمعته من أبیك، أن اُنفق ما تتحدّثین عنه فی مصالح المسلمین!

الأَیمَان الكاذبة، أوّل حیل إبلیس

بالنظر إلى النقاط الثلاث التی وردت فی الردّ على كلام الزهراء البتول (سلام الله علیها) نرى من المناسب أن نلفت انتباه الحضور إلى بضع نقاط لا تخلو من فائدة فی حیاتنا أیضاً.
لقد زعم المتحدّث فی القسم الأوّل من الجواب: أنّنی مطیع ومحبّ لك، ومعارض لكلّ من عارضك. وقد أشهد الله على نفسه أنّه لا یستطبن أیّ عداوة تجاهها (علیها السلام) وأنّ ما فعله لا یخرج عن إطار العمل بالتكلیف. وبغضّ النظر عن من هو الشخص الذی قال ذلك وفی أیّ ظرف قاله، فثمّة سؤال یُطرح هنا من باب كونه مبحثاً كلّیاً وعامّاً وهو: لو أنّ أحدهم، وفی أثناء حدث اجتماعیّ معیّن، بیّن لنا طریقاً واتّخذ من القَسَم – من أجل جلب انتباهنا - سبیلاً لإثبات مدّعاه فما هو تكلیفنا تجاهه؟ ومن أجل التفتیش عن جواب لذلك لابدّ أن نفهم أنّ المؤسّس لهذه الحیلة هو إبلیس. فلقد قال لآدم وحواء (علیهما السلام): «أنا أنصحكما أن تأكلا من الشجرة التی مُنعتما منها. ولا أقول ذلك إلاّ طلباً لخیركما وحرصاً علیكما». ومن أجل إقناعهما بما قال فقد أقسم على قوله: «وَقَاسَمَهُمَا إِنِّی لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِینَ»1 فكان قسَم إبلیس هذا مدعاة لاستمالة آدم وحواء إلى الأكل من الشجرة ووقع ما وقع. كانت هذه هی الحیلة الاولى التی استخدمها إبلیس لإضلال البشر. وهذه القصّة لن تنتهی حیث إنّ تلامذة إبلیس وأولیاءه قد تعلّموا منه الدرس على أتمّ وجه. وقد استُخدم الاُسلوب فی زمان رسول الله (صلّى الله علیه وآله) أیضاً، حیث یخاطب القرآن الكریم الرسول الأكرم بالقول: «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَكَاذِبُونَ»2؛ أی عندما یأتیك المنافقون ویقولون: نشهد إنّك رسول الله، ویقسمون على أنّهم یؤمنون بك حقّاً، فلا تصدّقهم! فإنّهم یكذبون. ویُعلَم من ذلك أنّ المنافقین عندما علموا أنّهم سیُنبَذون من المجتمع إذا أظهروا المعارضة للنبیّ وسیُفتضَح أمرهم أكثر، فإنّهم قد عمدوا إلى التظاهر بالإیمان. یقول الباری عزّ وجلّ ردّاً علیهم: أجل، فالله یعلم إنّك رسول الله، لكنّه یشهد أیضاً إنّ هؤلاء كاذبون. ثمّ یقول بعد ذلك: «اتَّخَذُواْ أَیْمَانَهُمْ جُنَّةً»3 فهؤلاء اتّخذوا من أیمانهم درعاً تقیهم من معارضتكم وهجماتكم. وهذا هو ذات الدرس الذی علّمه إبلیس لأولیائه. فهل استمرّ استخدام أمثال هذه الحیل بعد ذلك التاریخ أیضاً؟ لقد شاهدنا فی عصرنا مراراً كیف أنّ البعض یدّعی: »نحن سائرون على نهج الإمام الراحل (قدّس سرّه)، ولیس لنا من نهج غیر هذا النهج، ولا نتفوّه بكلام یخالف كلامه. وإنّنا نقبل بولایة الفقیه، وسنبقى متمسّكین بهذا النهج حتّى النهایة«. لكنّه تبیّن بعد حین أنّهم كاذبون؛ فلا هم یعترفون بخطّ الإمام الراحل (قدّس سرّه) ولا هم یقرّون بولایة الفقیه، ولم تكن مزاعمهم إلا حیلة علّمهم الشیطان إیّاها وقد أجادوا تعلّمها واتّخذوها وسیلة لخداع شعبهم، لیصدّقهم النجباء والطیبّون من أبناء الشعب فیما یقولون. لكنّ أبناء شعبنا الیوم یمتازون بالذكاء والفطنة مضافاً إلى الطیبة والطهارة، فمن خلال ما تراكم لدیهم من تجارب لم یعودوا یصدّقون ما یقوله هؤلاء بهذه البساطة. لكن ما زال ثمّة بعض البسطاء والسذّج من الناس ممّن ینطلی علیهم كلام أمثال هؤلاء. یقول القرآن الكریم فی هذا المجال: »هؤلاء یتّخذون من أَیمانهم هذه درعاً تقیهم من هجماتكم. فاحذروا أن تنطلی علیكم حیلهم. فلو كانوا صادقین فیما یقولون لبانت مزاعمهم على أرض الواقع، فلو كانوا سائرین على نهج الإمام ونهجه حقّاً لتبیّنوا ما یقوله خلیفته من بعده وعملوا بأوامره. ولو كانوا متّبعین لخطّ الإمام كما یدّعون إذن فلماذا یخالف سلوكُهم سلوكَه؟! ولو كانوا یقبلون بمبدأ ولایة الفقیه فلماذا لا یعملون بأوامر الولیّ الفقیه ونواهیه؟!
إذن یتعیّن علینا أن نستلهم هذا الدرس من هذه القصّة، وأن لا ننخدع بالأَیمان المغلّظة والادّعاءات الواهیة لبعض من تبدو علیهم أمارات الصلاح، فلا نصدّق ادّعاءاتهم إلا إذا تُوّجت أقوالهم بالأفعال. بالطبع من الممكن للمرء فی إطار القضایا الشخصیّة أن یتغاضى عن حقّه، لكن عندما یتعلّق الأمر بالدین، وبحقوق المجتمع، وبمصالح البلاد فلا ینبغی التغاضی والتسامح ببساطة. فی مثل هذه الامور ینبغی على المرء أن یتیقّن وأن لا ینخدع بمجرّد الادّعاء والقَسَم وحسن الظاهر. لكن علینا أن لا ننسى أیضاً فنتورّط باتّهام كلّ من ادّعى الصلاح وفعل الخیر بالكذب؛ فما دامت هناك أمارات عملیّة تؤیّد مدّعاه فیتعیّن علینا أن ندعمه ونقف إلى جانبه، وبمجرّد أن نكتشف فیه علامات الانحراف نتوقّف عن دعمه. هذا هو درس عامّ یعلّمنا أن لا نتعاطى مع الامور بسذاجة، فالتسامح لیس محبّذاً خصوصاً فی المسائل الاجتماعیّة والامور الدینیّة، إذ لابدّ أن تكون للمرء فی كلّ خطوة یخطوها فی حیاته حجّةٌ أمام الله تعالى.

نقد وتحلیل لحدیث أبی بكر

النقطة الثانیة هی ادّعاؤه بأنّه سمع هذا الحدیث عن رسول الله (صلّى الله علیه وآله). وهنا نواجه هذا السؤال: ما هو تكلیفنا تجاه من یدّعی مثل هذا الادّعاء؟ یقول القرآن الكریم فی هذا الصدد: «إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا»4، ومن هنا فإنّه إذا لم یكن للخبر سند معتبر فلا قیمة له على الإطلاق. لكن على فرض أنّ الراوی هو محطّ ثقّة لكنّ مضمون حدیثه لا ینسجم مع السیاق القرآنیّ فماذا سنفعل عندئذ؟
یقول نبیّنا الكریم (صلّى الله علیه وآله) فی هذا المجال: «قد كثُرت علَیّ الكَذَّابة وستكثر... فإذا أتاكم الحدیث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتی فما وافق كتاب الله وسنّتی فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنّتی فلا تأخذوا به»5. إذن فهو (صلّى الله علیه وآله) یضع فی أیدینا مقیاساً لكشف صحّة الحدیث. فهذا حدیث قد رواه أحدهم لنا، ولنفترض أنّ الراوی صادق، لكن تعالوا ننظر ماذا یقول القرآن الكریم فی الآیة السادسة عشرة من سورة النمل: «وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ» وكذا فی الآیتین الخامسة والسادسة من سورة مریم: «فَهَبْ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیّاً * یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ ءَالِ یَعْقُوبَ»، أمّا هذا الراوی فیقول: «لقد سمعت النبیّ یقول: ما من نبیّ قد ترك إرثاً فالأنبیاء لا یورّثون غیر العلم». لكن هذا یخالف صریح القرآن الكریم من ناحیة ویعارض التاریخ القطعیّ من ناحیة اخرى.
وعلى فرض أنّ سند الحدیث ومضمونه صحیحان فإنّه لا یُوصل إلى مراد الراوی أیضاً؛ ذلك أنّ الحدیث یقول: «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث». إذ أن المعنى الصحیح للحدیث بالرجوع إلى آیات القرآن الكریم یكون هكذا: نحن معاشر الأنبیاء بما أنّنا أنبیاء فإنّنا نورّث العلم والحكمة؛ إذن فهذه العلوم هی إرثنا فقدّروها حقّ قدرها. وبعبارة اخرى إنّ لكلّ شخص إرثاً بلحاظ شخصیّته الحقیقیّة، وإرثاً من نوع آخر بلحاظ شخصیّته الحقوقیّة. فالشخصیّة الحقوقیّة للأنبیاء (أی مقام النبوّة) لا تترك للاُمّة إرثاً سوى العلم والحكمة، أمّا الشخصیّة الحقیقیّة للنبیّ – حالها فی ذلك حال سایر الناس – فهی تورّث المال للزوج والأولاد.
وحتّى لو فرضنا جدلاً أنّ الروایة مرویّة عن النبیّ حقّاً وأنّ قصده (صلّى الله علیه وآله) من هذا القول هو أنّ المال الذی یتركه الأنبیاء (علیهم السلام) لا یندرج تحت حكم الإرث، فإنّها أیضاً لا تحقّق الهدف الذی رمى الراوی إلیه، ذلك أنّ الحدیث یقول: لا یملك أحد صلاحیّة التصرّف بالأموال التی یتركها النبیّ إلا ولیّ الأمر من بعده، وإنّ ولیّ الأمر هو ذلك الشخص الذی عیّنه النبیّ بنفسه. فقد قال (صلّى الله علیه وآله) قبل سبعین یوماً فقط من هذه الحادثة: «مَن كنتُ مولاه فهذا علیّ مولاه»6؛ إذن فإنّ أموال رسول الله (صلّى الله علیه وآله) طبقاً لهذا الحدیث تكون تحت تصرّف أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام).
إذن فإنّ جمیع مساعی الزهراء (سلام الله علیها) كانت تصبّ فی إفهام الطرف المقابل أنّ ما تفعلونه خطأ فادح وأنّكم بعملكم هذا تحرفون مسیرة الحكومة الإسلامیّة عن وجهتها الحقیقیّة.

والسلام علیكم ورحمة الله


1. سورة الأعراف، الآیة 21. 

2. سورة «المنافقون»، الآیة 1.

3. سورة «المنافقون»، الآیة2 .

4. سورة الحجرات، الآیة 6.

5. بحار الأنوار، ج2، ص225.

6. بحار الأنوار، ج37، ص115؛ وإقبال الأعمال، ص456؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلیّ (طبعة مكتبة آیة الله المرعشیّ النجفیّ فی قمّ المقدّسة، سنة 1404 هـ . ق)، ج2، ص289.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...