صوت و فیلم

صوت:

فهرست مطالب

الجلسة الرابعهَ: لا تحزن من ذم الآخرین

تاریخ: 
شنبه, 15 مرداد, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 6 آب 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

لا تحزن من ذمّ الآخرین

تحدّثنا فی اللیالی الماضیة حول روایة من كتاب تحف العقول عن الإمام الباقر (علیه السلام) یقول فیها لجابر: «یَا جَابِرُ... أُوصِیكَ بِخَمْسٍ: إِنْ ظُلِمْتَ فَلا تَظْلِمْ، وَإِنْ خَانُوكَ فَلا تَخُنْ، وَإِنْ كُذِّبْتَ فَلا تَغْضَبْ، وَإِنْ مُدِحْتَ فَلا تَفْرَحْ»1 وقد قدّمنا بحدود ما وفّقنا الله توضیحاً لهذه الجمل الأربع. أمّا وصیّة الإمام (علیه السلام) الخامسة فهی: «وَإِنْ ذُمِمْتَ فَلا تَجْزَعْ»، وقد وضّح الإمام (سلام الله علیه) الجملة الأخیرة فقال: «وَإِنْ ذُمِمْتَ فَلا تَجْزَعْ، وَفَكِّرْ فِیمَا قِیلَ فِیكَ؛ فَإِنْ عَرَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ مَا قِیلَ فِیكَ فَسُقُوطُكَ مِنْ عَیْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ غَضَبِكَ مِنَ الْحَقِّ أَعْظَمُ عَلَیْكَ مُصِیبَةً مِمَّا خِفْتَ مِنْ سُقُوطِكَ مِنْ أَعْیُنِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى خِلافِ مَا قِیلَ فِیكَ فَثَوَابٌ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَتْعَبَ بَدَنُكَ»، أی: إذا واجهك أحد بسوء الكلام فلا تجزع! وفكّر فیما إذا كان ما قیل فیك حقّاً أم باطلاً؟ فإن كان حقّاً فلا تنزعج؛ لأنّك إذا انزعجت فإنّما تنزعج من أمر هو حقّ، وهذا یُسقطك من عین الله، فانّه لا قیمة عند الله تعالى لمن یستاء وینزعج من الحقّ. وأمّا إذا كان ما قیل فیك باطلاً فاعلم أنّ ثواباً سیُكتب لك فی صحیفة أعمالك إزاء هذا الذمّ بلا جهد ولا تعب، وهذا أیضاً لیس ممّا یدعو إلى الانزعاج.

الوصیّة الخاصّة

نلاحظ أنّ الإمام (علیه السلام) لم یضف على النصائح الأربع السابقة شیئاً لكنّه لم یكتف فی الخامسة بقوله: «وَإِنْ ذُمِمْتَ فَلا تَجْزَعْ» بل أردفها بالتوضیح. فما فرق هذه الجملة عن سابقاتها؟ ولماذا اكتفى فی الجمل الأربع السابقة بذكر النصیحة من دون توضیح؟
وفقاً للظاهر وفیما یتّصل بالمدیح فإنّ المرء لا یتوقّع أن یمتدحه الجمیع، بل ولا یرى لنفسه مثل هذا الحقّ. أمّا بخصوص الذمّ، فهو لا ینتظر أن یذمّه أو یقرّعه أحد. فالمدح بذاته لیس عیباً، خصوصاً إذا كان من أجل التعریف بالحقّ والإعانة على طریق الصواب. فلا یكون مدح امرئ مذموماً إلاّ إذا اتّخذ طابع التملّق والإطراء الزائف. أمّا فیما یتعلّق بالذمّ فالإنسان یرى أنّ من حقّه أن لا یذمّه الآخرون وهو بشكل طبیعیّ یستاء عند التعرّض للملامة. ومن هنا فإنّ إهانة الآخرین، والاستهزاء بهم، ونسبة العیوب الیهم، وغیبتهم، ورمیهم بمختلف التهم حرام. فانزعاج الإنسان من هذا الأمر یرجع إلى شعوره بأنّ حقّاً قد سُلب منه؛ كما هو الحال فیما یتعلّق بسائر الحقوق، فعندما یُغتصب من المرء حقّ فإنّه - بشكل طبیعی - یستاء، وكذا إذا اُسیء إلیه بقول لاسیّما إذا كان ذلك بحضور الآخرین. وبناءً على ذلك تحتاج النصیحة الخامسة إلى مزید من التأكید على أنّه: حذار فی مثل هذه المواطن من أن تغضب وتثور! ومن هذا المنطلق فقد وضّح (علیه السلام) لجابر فی هذا المورد كیفیّة كبح سَورة الغضب بقوله: «إذا ذمّك أحد ففكّر بالأمر وقُل لنفسك: هل إنّ ما یقوله صحیح؟ وهل أنا هكذا حقّاً»؟

ضرورة التفكّر للوقوف على عیوب النفس

یتّصف الإنسان - بشكل طبیعیّ - بحبّ الذات ولا یرغب فی أن یرى فی نفسه نقصاً، أو عیباً، أو ذنباً. وحتّى عندما یرتكب المعصیة فی العلن فهو یختلق لنفسه المبرّرات ویحاول إقناعها بأنّه یمتلك الحقّ فی هذا التصرّف، أو عندما یكون غیر مطّلع على أمر وقد سُئل عنه فهو یحاول الإجابة بشكل لا یَشعر معه المقابلُ بجهله، كی لا یقول صراحة: لا أعلم! وهذا السلوك یدلّ على أنّ الإنسان بطبیعته شدید الحبّ لنفسه، ولا یودّ أن یقف على عیوبه. ولذا فعندما یعیبه أحدٌ مّا فإنّ أوّل ما یتبادر إلى ذهنه هو أنّ هذا الشخص یكذب وأنّنی بریء من هذا العیب. فكثیراً ما توجد فی المرء عیوب تكون غائبة عن باله؛ لأنّ من جملة حیل النفس – التی تُعدّ موجوداً عجیباً إلى أبعد الحدود - هی سترها لعیوب الإنسان ونقائصه حتّى عن نفسه، فهی أحیاناً تجعل الأمر مشتبهاً على الإنسان نفسه فتُظهر نفسه له بشكل لا یصدّق معه أنّه إنسان سیّئ. ومن هنا یقول أبو جعفر الباقر (علیه السلام): «فَكِّرْ فِیمَا قِیلَ فِیكَ»؛ أی إنّ وجود هذا العیب فیك أو عدمه مبهم بعض الشیء حتّى بالنسبة لك وقد لا تصدّق بوجوده من دون تفكیر وتأمّل. فإنّ الكثیر من الرذائل كالحسد، والتكبّر، والأنانیة موجودة، وإن كانت بمراتب ضعیفة، عند كثیر من الناس لكنّهم غیر مصدّقین بذلك.

لا تجزع من الحقّ!

ویتابع (علیه السلام) فیقول: «إذا وصلت بتفكیرك إلى نتیجة تقول إنّ هذا العیب موجود فیك فعلاً، لكنّك كنت تخفیه ولا تحبّ أن یُعلن على الملأ، فإنّ ما فعله هذا الشخص – بغضّ النظر عن كونه قد ارتكب محرّماً وسیعاقَب علیه – قد بیّن لك حقیقةً. فهل علیك - یا ترى - أن تضجر وتغضب من اكتشافك للحقیقة؟! فإن أنت فعلت ذلك كان فعلك أسوأ من سابقه؛ لأنّه إذا علم الإنسان بعیبه فأنكره، كان إنكاره هذا عن عمد وسیؤدّی إلى سقوطه من عین الله أكثر من ذی قبل، وسوف لن ینظر الله إلیه نظرة لطف ورحمة. فلماذا تخاف من الذمّ إذن؟ هل تخاف أن یسیء الناس الظنّ بك، فتسقط من أعینهم وتفقد سمعتك ووجاهتك بینهم؟ هل تخشى من أن تشكّل هذه الإساءة مانعاً من استمرارك فی أعمال الخیر فلا تستطیع بعدئذ أن تقدّم ما كنت تقدّم من خدمات للعباد؟ أم إنّك تخاف من أن تُحرم من خدمة الناس ومساعدتهم لك؟ لكن أیّهما أسوأ: أن تسقط من أعین الناس أو تسقط من عین الله عزّ وجلّ؟ فمَن هم الناس فی مقابل الله تعالى كی یعیرهم الإنسان كلّ هذه الأهمّیة؟ فالمهمّ هو أن لا یسقط المرء من عین الباری عزّ وجلّ. فإنّك إن غضبت فی هذا المقام فستسقط من عین الله تعالى وستُبتلى بأسوأ ممّا خفت منه.

الثواب المجّانی

أمّا إذا قادك تفكیرك إلى أنّه لا أساس لكلّ هذه الإساءات، سواء أكان المسیء مخطئاً فی الفهم، أو تعمّد الإساءة كذباً، فإنّه سیُكتب لك فی صحیفة أعمالك ثوابٌ فی كلتا الحالتین. ولیس فی ذلك ما یثیر الاستیاء والانزعاج. بل إنْ ذمّوك بما هو لیس فیك فعلیك أن تفرح لظفرك بثواب من غیر تعب ولا نصَب، بل إنّ ذلك ممّا یوجب الشكر أیضاً.

القرآن هو میزان الحسنات والسیّئات

ثمّ یرفع الإمام (علیه السلام) وتیرة كلامه متابعاً بالقول: «وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لا تَكُونُ لَنَا وَلِیّاً حَتَّى لَوِ اجْتَمَعَ عَلَیْكَ أَهْلُ مِصْرِكَ وَقَالُوا إِنَّكَ رَجُلُ سَوْءٍ لَمْ یَحْزُنْكَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ یَسُرَّكَ ذَلِكَ».
كان جابر من خواصّ أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) وكان شدید الرغبة فی الانخراط فی زمرة أولیاء أهل البیت (علیهم السلام) وأصحاب المقام الرفیع المتمثّل بالولایة. یقول الإمام (علیه السلام) فی هذا الصدد: «إنّ هذا المقام الذی تطلبه وتنشده لا یُنال بسهولة ویُسر؛ بل إنّ له شروطاً وإنّ علیك الاستعداد لبلوغه. فاعلم أنّك لن تنال ولایتنا أهل البیت ما لم تتزیّن بهذه السجیّة وهی أنّه لو اجتمع جمیع أهل مدینتك الذین عشت معهم وترعرعت بینهم وقابلوك ببذیء الكلام ورفعوا ضدّك الشعارات فلا ینبغی حتّى أن تحزن لذلك، وعلى العكس فلو اجتمع جمیع أهالی تلك المدینة یوماً من الأیّام وصاروا یهتفون باسم جابر وبحیاته وشهدوا جمیعاً على أنّك رجل فی قمّة الصلاح والتقوى فلا ینبغی أن تفرح لذلك؛ أی لابدّ أن یكون وضعك الروحیّ والنفسیّ ثابتاً، سواء شَتَمَك جمیع أهل مِصرك أم امتدحوك؛ فلا تحزن لذاك ولا تفرح لهذا.
فما هو التكلیف إذن؟ یجیب الإمام (علیه السلام): «وَلَكِنِ اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى مَا فِی كِتَابِ اللهِ؛ فَإِنْ كُنْتَ سَالِكاً سَبِیلَهُ، زَاهِداً فِی تَزْهِیدِهِ، رَاغِباً فِی تَرْغِیبِهِ، خَائِفاً مِنْ تَخْوِیفِهِ فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ لا یَضُرُّكَ مَا قِیلَ فِیكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُبَایِناً لِلْقُرْآنِ فَمَاذَا الَّذِی یَغُرُّكَ مِنْ نَفْسِكَ»؛ فاعرض نفسك على محتوى القرآن! وانظر فیما إذا كنت كما یرید القرآن أم لا من دون الاكتراث لإهانات الناس وإطرائهم فإذا كنت كما یرید القرآن الكریم فاشكر الله على ذلك! وإن لم تكن كذلك فاسعَ فی إصلاح نفسك وإزالة عیوبها! فإن رغبت فی أن تكون من أهل ولایتنا أهل البیت فتحلَّ بهذه السجایا.

المهمّ هو العمل

یقول الإمام الباقر (صلوات الله علیه) فی حدیث آخر حول الموضوع ذاته: «یَا جَابِرُ! لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ یَقُولَ أُحِبُّ عَلِیّاً وَأَتَوَلاّهُ ثُمَّ لا یَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً»2؛ فإذا ظنّ الرجل أنّه یكون من موالینا أهل البیت بإظهاره الحبّ لأمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) فسنبادر إلى سؤاله: هل انّ مقام علیّ (علیه السلام) عند الله أعلى أم مقام محمّد (صلّى الله علیه وآله)؟ فمن الواضح أنّ مقام رسول الله (صلّى الله علیه وآله) أعلى من مقام علیّ (علیه السلام): «فَلَوْ قَالَ: إِنِّی أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ، فَرَسُولُ اللهِ (صلّى الله علیه وآله) خَیْرٌ مِنْ عَلِیٍّ (علیه السلام)» لكنّ أصحاب الفریق الآخر یقولون: إنّنا نحبّ محمّداً (صلّى الله علیه وآله)؛ إذن لابدّ أن یُقَدَّم هؤلاء علیكم لأنّهم یحبّون مَن هو مقامه أرفع من مقام علیّ (علیه السلام). إذن فمن أراد أن یكون من أهل الولایة فانّه یتعیّن علیه أن یكون تابعاً للإمام (علیه السلام) بالقول والفعل، أی ینبغی أن تكون محبّة الإمام فی قلوبكم وآثار هذه المحبّة ظاهرة فی سلوككم، فمجرّد الكلام والادّعاء لا یجدی نفعاً.
إذن، فماذا نصنع؟ یجیب (سلام الله علیه): «مَنْ كَانَ للهِ مُطِیعاً فَهُوَ لَنَا وَلِیٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِیاً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ»3. فالذین یعصون الله عزّ وجلّ فهم إنّما یعادوننا أهل البیت ولیسوا من أولیائنا. فإن كانوا أولیاءنا فینبغی أن تماثل سیرتُهم سیرتَنا وأن یتّبعونا.
وبطبیعة الحال فإنّ للولایة مراتبَ وإنّ هذه المرتبة التی یذكرها الإمام الباقر (سلام الله علیه) وهی «اتّباعنا حذو النعل بالنعل» هی المرتبة العلیا من مراتب الولایة وهی المرتبة التی كان یسعى لنیلها مَن هم من أمثال جابر. فإنّه لمثل هذا الرجل - الذی علّمه الإمام (علیه السلام) خمسین ألف حدیث لا یحقّ له نقل واحدٍ منها – یُقال: «إذا أحببت أن تنال ولایتنا فلیكن القرآن میزان عملك، لا كلام الناس».
اللهمّ إنّا نقسم علیك بحقّ محمّد وآل محمّد (صلواتك علیهم أجمعین) أن تمنّ علینا بحقیقة الولایة وأن توفّقنا للسیر على نهج أهل بیت نبیّك (صلوات الله علیهم أجمعین) بالقول والعمل.


1. تحف العقول، ص284.

2. الكافی، ج2، ص74. 

3. نفس المصدر السابق.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...