صوت و فیلم

صوت:

فهرست مطالب

الجلسة الثالث عشر: علاج اضطرابات الجسم و الروح

تاریخ: 
دوشنبه, 24 مرداد, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 15 آب 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

علاج اضطرابات الجسم والروح

منزل محفوف بالمكاره

«وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِیضِ، وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَأ»1
یلزم هنا - من أجل إتمام بحث المحاضرة السابقة وتوضیح جملة اُخرى من حدیث الإمام (سلام الله علیه) لجابر الجعفیّ - تقدیم مقدّمة، وهی أنّ حیاة أكثر البشر فی هذه الدنیا محفوفة بالمصاعب والمكاره؛ فالقرآن الكریم یقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِی كَبَدٍ»2؛ أی جعلنا حیاته مقرونة بالمعاناة والمتاعب.
وفقاً للرؤیة المادّیة فإنّه لا یوجد تفسیر واضح لهذه الخصلة الدنیویّة. فالمادّیون یقولون: هذه المصاعب هی من لوازم هذه الدنیا ولا مفرّ منها ولابدّ من تحمّلها. أمّا على أساس الرؤیة التوحیدیّة فإنّ لهذه المكاره تفسیراً عقلانیّاً وهو أنّ هذه الحیاة ومن حیث إنّها مقدّمة للحیاة الاُخرویّة وإنّها الأرضیّة لظهور الطاقات الكامنة لدى البشر وامتحانهم فی كلّ مرحلة من مراحلها فإنّه لابدّ من أن تكون مصحوبة باللذّات والمكاره. ومن هنا یقول القرآن الكریم: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَیْرِ فِتْنَةً»3. فإنّ ماهیّة هذا العالم - حسب الرؤیة التوحیدیّة - هی أنّه دار تربیة وتنمیة وهو یشبه إلى حدّ بعید الحیاة الجنینیّة. فلابدّ للنطفة أثناء الحیاة الجنینیّة أن تبقى فی رحم الاُمّ تسعة أشهر كی تنمو وتُعَدّ للولادة. وفی الحیاة الدنیا تتحوّل هذه الفترة التی تستغرق تسعة أشهر إلى تسعین سنة – مثلاً - مع فارق أنّ النموّ فی المراحل الجنینیّة فی الرحم یكون طبیعیّاً وجبریّاً، أمّا فی عالم الدنیا فالإنسان هو اللاعب الذی ینزل إلى الملعب ویتعیّن علیه أن یهیّئ نفسه للحیاة الأبدیّة. ومن الطبیعیّ أن تكون أجواء الامتحان محفوفة بالخیرات والشرور كی ینكشف جوهر كلّ إنسان ویتبیّن مدى استعداده لتحمّل الشدائد فی سبیل مرضاة الله تعالى وغضّ الطرف عن اللذّات الأخسّ من أجل الوصول إلى كمالات أسمى.

الفارق بین وصفة الأنبیاء ووصفة المادیّین للراحة والطمأنینة

إنّ التفات الإنسان العمیق إلى مخاطر الدنیا وشدائدها من شأنه أن یملأ حیاته بالتعاسة والمرارة؛ ذلك أنّه سیحتمل وقوع المصیبة أو الشدّة فی كلّ لحظة. فالذین تشغل هذه الامور أذهانهم كثیراً مّا یصابون بشكل من أشكال التبعثر النفسیّ. وعلى أیّة حال فإنّ حیاة كهذه تكون محفوفة بألوان الاضطراب والقلق إلى حدّ ذهاب الوجودیّین4 إلى القول: «إنّ الاضطراب یقوّم إنسانیّة الإنسان، وإنّ الذی لا یشعر بالاضطراب لیس بإنسان». ومن هذا المنطلق فإنّ علماء النفس یقترحون على المرء من أجل الفرار من المآسی والأمراض النفسیّة الركون إلى التغافل وعدم التفكیر بتلك الاُمور والانشغال باللذّات والكلام والضحك والتسلیة! هذه حصیلة الوصفة التی یصفها علماء النفس من أجل راحة الإنسان. أمّا أنبیاء الله (علیهم السلام) فهم یقدّمون وصفة اُخرى. إنّهم یقولون: «من أجل طرد ما لیس فی محلّه من القلق والاضطراب علیك أن تعرف ماهیّة هذا العالم. علیك أن تعلم أنّ هذا العالم لیس هو إلاّ معبراً مؤقّتاً وهو یشبه المختبر. فمصائب الدنیا وصعابها هی مقدّمة لراحة أبدیّة ولذائذ لا نهایة لها یمكنك الظفر بها. فإن استطعت السیطرة على هذه المصاعب وتوظیفها على النحو الصحیح فستستطیع نیل السعادة الأبدیّة. فنسبة عالم الدنیا إلى عالم الآخرة هو أقلّ من نسبة لمح البصر إلى تعمیر مائة عام. أفیقلق الشخص الذی یعمّر مائة عام كیف ستمرّ علیه لحظة أو مقدار رمشة العین؟! فإن عرف المرء ماهیّة هذا العالم وأمّل نیل السعادة الأبدیّة فی العالم الأبدیّ عبر أداء ما علیه من تكلیف وكیف أنّه سیذهب إلى حیث لا وجود لأیّ شكل من أشكال النَّصَب والمعاناة؛ حیث: «لا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبٌ وَلا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبٌ»5 فسوف یعدّ نفسه لتحمّل الصعوبات العابرة. فلو علم العامل أنّه إذا اجتهد فی عمله من الصباح حتّى المساء فسیحصل على أضعاف الأجرة المتعارفة التی یحصل علیها العمّال، فإن أحبّ الظفر بهذه الاُجرة فستتحوّل صعوبة العمل ومعاناته عنده إلى حلاوة. فهذا أوّل الطریق الذی یرسمه الأنبیاء لدفع اضطراب الإنسان وقلقه. بالطبع إنّ هذا الحلّ لا یمثّل دواء فحسب بل هو بیان لحقیقة. فمن جملة الطرق التی یتّبعها الأنبیاء لعلاج أمراض البشر هی «العلاج بالحقیقة»؛ أی عندما یدرك مخاطبهم الحقیقة فإنّه لا یعود بحاجة إلى الدواء. والآن فلنضمّ المباحث المطروحة فی المحاضرة الماضیة إلى هذه المسألة؛ أی: بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله تعالى یخصّ اُولئك الذین یفیدون من هدایته فی حیاتهم بسمات خاصّة حتّى فی الحیاة الدنیا.

التفویض هو أنجع وصفة للراحة

إنّ أنجع وصفة فی هذا الباب هی وصفة «التفویض». وهذا ما تبیّنه الجملة الرائعة التی یبتدئ بها كتاب شرح الأمثلة من كتاب «جامع المقدّمات» حیث یقول: «أوّل العلم معرفة الجبّار وآخر العلم تفویض الأمر إلیه»، وهذه أرقى نتیجة یمكن أن یحظى بها الإنسان من معرفة الله. فإذا بلغ المرء هذا المقام فسیكون أكبر همّه هو أداء ما علیه من تكلیف وهو یؤمن بأنّ هناك من یرتّب على ذلك أفضل النتائج ویختار له أحسن الطرق. فهو یعلم عندما یفوّض إلیه أمره أنّه إذا كان المرض أصلح له فسیمرضه وإذا كانت السلامة أفضل له فهو لا یدعه یمرض أو یبقى على مرضه.

التفویض هو أداء التكلیف والاعتماد على الله فی النتیجة

هل تفویض المرء أمره إلى الله یعنی أن یخلی كاهله من أیّ مسؤولیّة ویصبح جلیس داره؟ كلا، فكما قد أشرنا فی المحاضرة السابقة فإنّ لدینا نظامین؛ أحدهما هو النظام التكوینیّ (الحقائق الخارجیّة) وهو النظام الذی ینبغی علینا تفویضه إلى الله تعالى. والنظام الآخر هو نظام التشریع الذی عیّن الله فیه ما علینا من واجبات. فمثلاً إذا رأى الله عزّ وجلّ صلاح امرئ فی مرضه، فهذه حقیقة تكوینیّة ولابدّ لهذا الشخص أن یفوّض أمره فیها إلى الله ویرضى بذلك. لكنّ هذا التفویض لا یتنافى مع أداء التكلیف المتمثّل بالذهاب إلى الطبیب والتداوی، والحاصل أنّه ینبغی أن یكون الأمر بالنسبة له سیّان شُفی أم لم یَشف. فإذا كان نبیّ الله إبراهیم (علیه السلام) قد وصف الله تعالى فی ردّه على النمرود بهذا الوصف: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفینِ»6 (ولم یقل: إذا أمرضنی الله، تأدّباً بأدب العبودیّة) فلا یعنی كلامه هذا أنّ إبراهیم (علیه السلام) لم یكن یذهب إلى الطبیب أو یتناول الدواء أو یعمل بأسباب الاستشفاء، بل كان یرى فی كلّ مكان یداً تدیر الأسباب فجاء لیهدی الناس إلى هذا الاتّجاه. فإذا عثر المرء على هذا المصباح فلن یعود للضجر والحزن معنىً عنده: «أَلا إِنَّ أَوْلِیَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ»7. فإنسان كهذا حتّى وإن بلغ الثمانین فسیكون كشابّ ینعم بكامل الحیویّة والراحة والطمأنینة ولا یعتریه أیّ همّ أو غمّ. والمصداق البارز لهذا العبد هو المرحوم آیة الله السیّد بهاء الدینیّ (رضوان الله تعالى علیه). فهذا الرجل لم یصبه أیّ اضطراب أو ارتباك فی خضمّ الحوادث العصیبة التی وقعت من أمثال انتفاضة الخامس عشر من خرداد8 واعتقال الإمام الراحل (رحمة الله علیه) وما إلى ذلك. وعلى الرغم من حبّه العظیم للإمام الراحل (رحمة الله علیه) غیر أنّه لم یفقد توازنه فی هذه الوقائع. كان یشعر بالاطمئنان والهدوء، وهذا نابع من اعتماده على الله تعالى وعلمه بأنّ الله عزّ وجلّ یحبّ الإمام الخمینیّ أكثر من حبّه هو له ألف مرّة وأنّه لن یدعه وحیداً. وحتّى إذا توسّل بعض الشیء فهو من باب التكلیف لیس إلاّ. فالهمّ الوحید لاولئك الذین أوكلوا امورهم إلى الله هو أداء تكلیفهم على أتمّ وجه. ففی أثناء رحلة الإمام الخمینیّ (قدّس سرّه) من باریس إلى إیران سأله أحدهم: «ما هو شعوركم الآن»؟ فكان ردّ الإمام: «لیس لدیّ شعور خاصّ»! ومعنى كلامه هذا هو: أنّنی عبد یؤدّی ما علیه من تكلیف، أمّا النتیجة! فستكون كما یرید الله سبحانه. فإن وصل المرء إلى هذه الدرجة من الإیمان وفوّض أمره إلى الله بهذه الصورة فسیكون مرتاح البال قریر العین.
یقول الإمام الباقر (علیه السلام) هنا: «وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِیضِ»؛ أی إن أردت أن تكون مرتاح البال ومطمئنّاً تماماً ففوّض أمورك إلى الله! كما أنّه (علیه السلام) لم یقل: «تخلّص إلى راحة النفس بالتفویض» بل قال: «بِصِحَّةِ التَّفوِیضِ». ولعلّ ما أراد (علیه السلام) التنویه إلیه هنا هو أنّ الإنسان قد یخدع نفسه أحیاناً فلا یفوّض الأمر إلى الله حقیقة، بل یقول من باب التقاعس: لقد فوّضت الأمر إلى الله. وهذا لیس بالتفویض الصحیح، بل هو تقاعس وعدم لیاقة. فالتفویض الصحیح هو أن یكون المرء قادراً على إنجاز العمل وینجزه فعلاً بدافع التكلیف لكنّه – مع ذلك – یعتمد على الله تعالى ولا تكون النتیجة مهمّة بالنسبة إلیه مهما كانت.
یروى أنّ نبیّ الله موسى (علیه السلام) مرض ذات یوم وعرض مرضه على الله فی مناجاته، فجاءه الخطاب من الله: اذهب إلى الطبیب الفلانی وسیصف لك الدواء الكذائی فتناوله وستشفى. لكنّ موسى (علیه السلام) قام بتحضیر الدواء بنفسه وتناوله فلم یشف. وعندما استفسر من ربّه عن علّة ذلك قال له الباری عزّ وجلّ: ألم آمرك أن تذهب إلى الطبیب الفلانی حتّى یصف لك هذا الدواء بنفسه؟! فإنّك لم تصغ إلى كلامی كما ینبغی. فتنظیم هذه الأسباب والعلل ینطوی على مصالح قد تعجز عقولنا عن إدراكها. فنحن موظّفون بالذهاب إلى الطبیب إذا مرضنا، أمّا الشفاء فهو بید الله جلّ وعلا: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفینِ».
بالطبع إنّ التفویض هو سبیل لتهدئة الروح وإزالة ما لیس فی محلّه من الاضطرابات والضجر والخوف. وهو لیس بالأمر السهل طبعاً. فشخص مثل جابر والذی اجتاز مراحل جمّة على طریق الكمال هو الذی یمكنه تفویض أمره إلى الله. إذن فالمقصود من «صحّة التفویض» هو التفویض الذی ینبع – حقیقة - من الاعتقاد بالتوحید، ولیس ذلك الذی ینشأ عن التقاعس وعدم اللیاقة.

شرود الذهن أحد عوامل معاناة البدن

الحدیث إلى هذا المقطع كان قد تناول راحة النفس. لكنّ بعض أنواع المعاناة وعدم الراحة ترتبط بالبدن بشكل أو بآخر. بالطبع إنّ كلّ ما یكون له طابعٌ إدراكیٌ فهو مرتبط بالروح؛ فحتّى فی عملیّة «الإبصار» فإنّ الروح – فی الحقیقة - هی التی تبصر وتدرك. فمن حیث إنّ العین هی عضو مادّی فلیس لها إدراك، ولا یحصل فیها إلاّ تصوّرٌ عن الشیء، أمّا الإدراك فهو من فعل الروح. فإدراك الراحة، واللذّة، والمعاناة، والألم، وما إلى ذلك هی من وظائف الروح؛ فالروح هی التی تلتذّ أو تتأذّى. أمّا بعض الأمراض فإنّها تحمل صبغةً نفسیّة جسمیّة (سیكوسوماتیا)9، أی تشترك فیها الروح والبدن معاً. لكنّها أحیاناً تبدأ بالروح ثمّ تنعكس على الجسم، أو على العكس أحیاناً اُخرى. فهناك علاقة وطیدة بین الروح والبدن. فعندما یقلق المرء من المستقبل لا یكون لهذا القلق علاقة مباشرة بالجسم ولا تظهر فی أعضائه؛ ولكن هناك أنواع من الخوف والقلق لها علاقة مباشرة بجسم الإنسان. ویقال فی الفرق بین هذین النوعین من القلق والاضطراب: أحدهما معاناة وإرهاق بدنیّ والآخر تعب واضطراب روحیّ. ولعلّ هذا هو السبب الذی دعى الإمام (علیه السلام) إلى القول: «وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِیضِ» ثمّ أتبعه بالقول: «وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ». فالاضطرابات التی لها تأثیر مباشر على الجسم سرعان ما یظهر تأثیرها؛ كأن یودّ المرء – على سبیل المثال – قول شیء لكنّه یخطئ فی قوله. فإنّ لأمثال هذه الاضطرابات والاختلالات التی تظهر على البدن عواملَ هی بأیدینا ونستطیع أن نتلافاها. وإنّ من أهمّ آثار هذه الاضطرابات هو شرود الذهن وانعدام التركیز؛ فإذا أراد المطالعة تنقّل ذهنه إلى مائة مكان، وإذا وقف للصلاة تجوّل فكره فی كلّ الوجود. إنّ هذه الحالة المعروفة بشرود الذهن أو تشتّت القلب لهی مصیبة كبرى، لكنّ تعوُّدَنا علیها یجعلنا لا نشعر بمدى الضرر الذی تلحقه بنا. بالطبع هذه الحالة لا تسبّب مشكلة إذا كانت ضمن الحدّ المتعارف؛ لأنّ للإنسان شؤوناً شتّى وله علاقة وارتباط بأشخاص مختلفین. لكنّها أحیاناً تخرج عن الحدّ المتعارف. یقول الإمام (علیه السلام) فی هذا الصدد: «إذا أردت راحة بدنك فحاول أن تركّز جیّداً وتكون حاضر الذهن».

علاج شرود الذهن بترك الذنوب

ثمّ یقول (علیه السلام): «وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَأ». وإذا صحّت هذه النسخة فإنّ ما أفهمه من قوله: «قلّة الخطأ» هو «قلّة العصیان»؛ أی إذا شئت أن تكون حاضر الذهن وتمتلك التركیز المتعارف فاسع لأن تقلّل من معاصیك. فإنّ لدینا طرقاً شرعیّة ومعقولة من أجل تلبیة وتأمین حاجاتنا. أمّا إذا انحرف الإنسان عن جادّة الصواب فسیواجه آلاف المنعطفات والمطبّات. فهناك مثلاً حلّ فطریّ لإشباع الغریزة الجنسیّة ألا وهو الزواج. لكنّه عندما یزیغ المرء عن المسیر الصحیح فإنّه سیبتغی سبلاً اُخرى لتلبیة هذه الغریزة: «وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ... * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْعَادُونَ»10 وإن إنساناً كهذا سیُبتلى بمختلف أشكال الاضطراب والقلق وتشتّت الذهن. فإنّ نظرة واحدة من حرام قد تشغل الذهن لیوم كامل؛ فلا یلتفت المرء إلى صلاته ولا إلى سائر أعماله. أمّا إذا صان نظره فإنّه لا یُبتلى بكلّ هذا الشرود والتشتّت فی الذهن. فهذا التشتّت سببه الخروج عن الجادّة السویّة للفطرة والشرع. فإذا استطاع المرء صیانة نفسه من الوقوع فی الأخطاء وارتكاب المعاصی – ولیس للسعادة الحقیقیّة غیر هذا السبیل – فسیكتشف أنّه سیحظى بالمزید من الراحة والطمأنینة والتركیز وحضور الذهن، وإنّه إذا وقع یوماً فی حبائل الشیطان فسوف یرى أنّه سیُبتلى بكثیر من الشرود والتشتّت فی الذهن إلى درجة أنّه لا یستطیع حتّى إنجاز أعماله العادیّة. فالعبثیّة فی استخدام البصر واللسان والسمع تؤدّی بالإنسان إلى تشتّت ذهنه وإهدار قواه بل وقد تتسبّب فی الإضرار به أیضاً. ومن هنا یقول الإمام الباقر (علیه السلام): «إذا أردت أن تریح بدنك فاسع أن تكون حاضر الذهن ومركّزاً، وإذا شئت أن تكون حاضر الذهن وتتمتّع بالتركیز فحاول أن تقلّل من أخطائك».

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص286.

2. سورة البلد، الآیة 4.

3. سورة الأنبیاء، الآیة 35. 

4. الوجودیّون: هم المنادون بالفلسفة الوجودیّة (existentialism) وهی فلسفة معاصرة تؤكّد على حرّیة الفرد ومسؤولیّته.

5. سورة فاطر، الآیة 35.

6. سورة الشعراء، الآیة 80.

7. سورة یونس، الآیة 62.

8. هی انتفاضة «الخامس عشر من خرداد» (الخامس من حزیران) عام 1963 التی راح ضحیّتها زهاء 15 ألفاً من أفراد الشعب الإیرانی والتی تعدّ نقطة تحوّل وبدایة لاتّقاد جذوة كفاح هذا الشعب وانطلاقة ثورته الإسلامیّة.

9. Psychosomatic.

10. سورة «المؤمنون»، الآیات 5-7؛ وسورة المعارج، الآیات 29-31.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...