الجلسهَ الثالثهَ: الیقین؛ دعامهَ الایمان الثانیهَ

تاریخ: 
يكشنبه, 4 ارديبهشت, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 24 آب 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الیقین؛ دعامة الإیمان الثانیة

خلاصة ما فات

«وَالیَقِینُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى تَبْصِرَةِ الفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الحِكْمَةِ، وَمَوْعِظَةِ العِبْرَةِ، وَسُنَّةِ الأَوَّلِینَ. فَمَنْ تَبَصَّرَ فِی الفِطْنَةِ تَبَیَّنَتْ لَهُ الحِكْمَةُ، وَمَنْ تَبَیَّنَتْ لَهُ الحِكْمَةُ عَرَفَ العِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ العِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِی الأَوَّلِینَ»1.
یقول أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه): إنّ الإیمان یُدعّم بأربعة عناصر هی الصبر والیقین والعدل والجهاد. وقد ذكر لكلّ واحد من هذه العناصر شُعباً. وقد قلنا سلفاً بأنّ المفاهیم المطروحة فی هذه الروایة من جهة والارتباط بینها من جهة اُخرى بحاجة إلى توضیح. ولقد وضّحنا فی المحاضرة الماضیة اُموراً حول الصبر ویمكننا القول - بقرینة ما طرحه (علیه السلام) من تفسیر له – بأنّ المراد من الصبر فی هذه الروایة هو المقاومة والثبات فی مواجهة العوامل المعیقة.

ارتباط المفاهیم المستعملة فی الروایة

نستطیع القول فی الارتباط بین مفاهیم الروایة: إنّ الصبر والیقین من بین هذه العناصر الأربعة یتّصلان بالاُمور الفردیّة ولا یتوقّفان على الحیاة الاجتماعیّة، فی حین یجری العدل والجهاد فی المسائل الاجتماعیّة. أمّا الوجه فی اختیار الصبر والیقین بعنوان كونهما دعامتین للإیمان فلعلّه نابع من كون الإیمان – خلافاً للإسلام والمفاهیم المشابهة الاُخرى – یقتضی عزم الشخص المؤمن على الالتزام بلوازم ما یعتقد به وترتیب الأثر علیه. إذن فمن أجل حفظ الإیمان الذی یستلزم سلوكاً خاصّاً فإنّنا نحتاج إلى عنصرین یلعبان دوراً أساسیّاً فی جمیع أشكال السلوك الاختیاریّ: الأوّل هو المعرفة والثانی هو الدافع. وبالالتفات إلى التوضیحات التی قدّمناها فی المحاضرة السابقة یمكن القول: إنّ مراد الإمام علیّ (علیه السلام) من الصبر هو العامل المؤثّر فی دافع الإنسان، كما أنّه یُستفاد من لفظة الیقین لأنّها من مقولة المعرفة. وبناءً علیه فإنّ هذین المفهومین یشیران إلى عاملین مؤثّرین وأساسیّین فی أفعال الإنسان الاختیاریّة.

بعض مصطلحات الیقین

إنّ لكلمة: «الیقین» استعمالاتٍ شتّى. فالیقین فی الحوارات العرفیّة یساوی تقریباً العلم القطعیّ، أمّا فی ثقافتنا الدینیّة فإنّه یحظى بمكانة خاصّة وهو مفهوم قیّم للغایة. فقد جاء فی الخبر عنهم (علیهم السلام): «ما قُسِم فی الناس شیء أقلّ من الیقین»2. وبطبیعة الحال فإنّ جمیع المفاهیم المستعملة هنا هی مفاهیم ترتبط بالإیمان بشكل أو بآخر، وإلاّ فإنّ العلم بالاُمور التی لیس لها أدنى علاقة بالمعتقدات والسلوك والعاقبة من قریب أو من بعید لیس له دخل فی دعائم الإیمان أیضاً. وحتّى إذا اتّخذ الیقین مفهوماً عامّاً فإنّه سیختصّ بهذه الموارد أیضاً بقرینة المقام.
كما أنّ من مصطلحات الیقین هو ما یُستخدم فی علم المنطق؛ أی العلم بثبوت المحمول للموضوع، والعلم بأنّ سلب هذا المحمول عن هذا الموضوع محال مهما كانت الظروف. إذ یقال فی المنطق: لابدّ لمقدّمات البرهان من أن تتشكّل من مثل هذه القضایا كی تكون النتیجة متیَقَّنة.

مفهوم «الیقین» فی هذه الروایة

یحاول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی هذه الروایة بیان العوامل المقویّة للإیمان. ولهذا فإنّ مراده من الیقین هنا هو العلم المرتبط بتصرّفاتنا التی یحبّها الله عزّ وجلّ والذی یختلف عن سائر ما یُستخدم فیه العلم من مصطلحات. لقد أشار القرآن الكریم بصراحة فی مواطن عدیدة إلى العلم، ولیس المراد من هذا العلم هو ما یكون منشأ للأثر، بل قد یُراد منه أحیاناً العلم الیقینیّ المقترن مع الإنكار، كالعلم الذی ینسبه نبیّ الله موسى (علیه السلام) لفرعون عندما یقول له: «لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـٰؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»3. أمّا فی الروایة محطّ البحث فلا یراد هذا اللون من العلم، بل إنّ المراد من «الیقین» فی الروایات غالباً هو العلم الذی یكون منشأ للأثر العملیّ. فنحن نعلم باُمور كثیرة بصورة كلّیة، لكنّنا عندما نرجع إلى أنفسنا نرى أنّ هذه العلوم لا تولّد فی أنفسنا أثراً كبیراً. لكن عندما تتجسّد لنا هذه العلوم عبر حقائق عینیّة ویتحقّق نموذج ولو بسیط منها نلاحظ أنّ لها أثراً خاصّاً. فعندما أمضى موسى (على نبیّنا وآله وعلیه السلام) أربعین یوماً فی ضیافة الله تعالى فی جبل الطور أخبره ربّه هناك بأنّ قومك فی الأیّام العشرة الأخیرة قد عكفوا على عبادة العجل. ولم یشكّ موسى (علیه السلام) لحظة بأنّ كلام الله هذا هو عین الحقیقة، بید أنّ حاله لم یتغیّر لدى سماعه لهذا الخبر. لكنّه عندما رجع إلى قومه ورأى باُمّ عینیه كیف أنّهم قد صاروا عبدة للعجل ثار غضبه إلى درجة أنّه رمى الألواح التی كانت قد نزلت علیه من ربّه وأمسك بتلابیب أخیه هارون قائلاً: «لماذا تركتهم یعبدون العجل»؟ فی حین أنّ إخبار الله سبحانه وتعالى له لم یثر فیه مثل هذا الغضب. فلقد خُلق الإنسان بصورة بحیث إنّ المفاهیم والقواعد العامّة لا تؤثّر فی نفسه كثیراً. لكنّه إذا شاهد نموذجاً عینیّاً لها فسیكون ذا أثر كبیر فی نفسه.
فجمیعنا یعتقد بأنّ أهل البیت (صلوات الله علیهم أجمعین) هم - بفضل الله وإذنه - أصحاب كرامات ویستطیعون أن یأتوا – بإذن الله - بما یشبه معجزات عیسى (علیه السلام) بل وبما هو أوسع نطاقاً منها بكثیر. لكنّ هذا العلم الإجمالیّ – فی الغالب - لا یولّد فینا ذلك الأثر الذی یمكن أن یتولّد إذا رأینا بأعیننا أنّهم قد شفوا مریضاً. فإن مشاهدة نموذج عینیّ واحد من شأنها أن تولّد أثراً یفوق مائة برهان. بل وقد یكون لسماع قصّة حقیقیّة من شخص موثوق به بحیث یُعلم من قوله أنّها فی أیّ زمان وقعت وفی أیّ مكان ومع مَن – قد یكون لها من الأثر ما یفوق أثر الأدلّة الكلّیة، ذلك أنّها قضیّة خاصّة وعینیّة.

شفاء شخص لا عین له على ید الإمام الرضا (علیه السلام)!

وكنموذج للقضایا الخاصّة والعینیّة هی تلك التی یرویها السیّد إسحٰق الحسینیّ، وهو من أساتذة الحوزة والجامعة الفضلاء، حول معجزة حصلت على ید الإمام الرضا (علیه السلام).
یقول الحسینیّ: «ذات مرّة شددتُ الرحال إلى مدینة مشهد المقدّسة أملاً فی مشاهدة معجزة من الإمام الرضا (علیه السلام). وفی لیلة من اللیالی هناك جلستُ حتّى الصباح وسط المرضى الذین لجأوا إلى الإمام طلباً للشفاء. فأمسیت اُراقب شخصاً ضریراً قد فقد كرة عینه (ولیس بصره فحسب). فطلبت من الإمام (علیه السلام) فی قلبی أن یشفی هذا الرجل كی أرى منه معجزة عظیمة بعینی. فما كدنا نقترب من انبلاج الصبح حتّى رأیت باُمّ عینی وكأنّ أحدا یرسم للرجل ملامح وجهه؛ شاهدتُ شقّاً بدأ ینفتح فی محلّ مقلة العین وبدأت عینٌ تظهر للعیان شیئاً فشیئاً! فما كان منّی إلاّ أن صرخت صرخة وسقطتُ مغشیّاً علیّ».
فإنّ أثر مشاهدة هذا المنظر، أو حتّى سماع قصّته یفوق بكثیر أثر قولی لكم بشكل عامّ: إنّ الإمام الرضا (علیه السلام) قد شفى إلى الآن العشرات من العمیان. فالیقین كمصطلح خاصّ هو ذلك العلم الذی یحصل فی نفس الإنسان لدى احتكاكه بالحقیقة العینیّة ویكون منشأ للأثر فیه. فمثل هذا العلم یبعث على تقویة الإیمان. فنحن نعلم بشكل إجمالیّ أنّ الله رازق وأنّه «یَرْزُقُ مَن یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ»4، لكنّنا إذا شاهدنا مرّة أنّ الله قد رزق امرأً بلا وسائل ظاهریّة كما رزق السیّدة مریم (سلام الله علیها) فإنّه سیترك فی وجودنا أثراً آخر مختلفاً.

الإفادة من تجارب الآخرین

إنّ حصول العلم الیقینیّ الناشئ عن تجربة شخصیّة، ولیس عن تحلیلات عقلیّة وشرعیّة عامّة، هو محدود للغایة. لكنّ باستطاعة الإنسان أن یفید من تجارب الآخرین أیضاً. فالقضایا الیقینیّة من هذا النوع تكون بالغة الأثر حتّى إذا نقلها الآخرون للمرء نقلاً من غیر حضور.

قصّة عن الشیخ حسن علی النخودكیّ

كان آیة الله العظمى المرحوم الشیخ الآراكیّ (رضوان الله تعالى علیه) یؤمّ المصلّین فی المدرسة الفیضیّة كلّ لیلة. وقد كان ملتزماً كلّما خرج من المدرسة بقراءة سورة الفاتحة على أحد القبور فی باحتها. ذات مرّة سأله أحد الأصدقاء عن سبب التزامه هذا، فقال فی جوابه: «إنّ لهذا الرجل حقّاً عظیماً علَیّ. فقد روى فی مجلس آیة الله السیّد محمّد تقی الخوانساریّ (رضوان الله تعالى علیه) قصّة كانت سبباً فی ازدیاد إیمانی. ولذا فإنّنی أرى من واجبی أن أقرأ له الفاتحة كلّ لیلة. فقد حكى هذا الرجل فی ذلك المجلس أنّ المرحوم الشیخ حسن علی النخودكیّ، وقد كان یعیش فی مدینة مشهد، سمع ذات یوم أنّ أخاه قد فارق الحیاة. فتأثّر لهذا الخبر كثیراً. ولـمّا كان لأخیه حقٌّ كبیر علیه فقد قرّر أن یسدی له خدمة. یقول الشیخ: فخطر ببالی أن أطلب من الإمام الرضا (صلوات الله علیه) أن یتفضّل بالذهاب هذه اللیلة إلى مدینة قمّ المقدّسة ویوصی أخته فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) بأخیه المدفون بقمّ. فذهبتُ إلى حرم الرضا (علیه السلام) وطلبت منه هذه الحاجة. فجاء فی الصباح شخص وقال: لقد رأیتُ رؤیاً، ألا تنبّئنی بتفسیرها؟ رأیتُ فیما یرى النائم أنّنی كنت أهمّ بدخول حرم الإمام الرضا (صلوات الله علیه) لزیارته فقالوا لی: لقد ذهب الإمام إلى قمّ لیوصی فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) بأخ الشیخ حسن علیّ. فبكى الشیخ عندما علم أنّ الحاجة التی طلبها من الإمام قد قُضیت».
فلعلّ الحكمة من قصّ الله عزّ وجلّ للكثیر من القصص فی القرآن الكریم مع ذكر الاسماء والتفاصیل هی أن یكون لها أثر أكبر على روح المتلقّی. فهو جلّ وعلا - مثلاً - ینقل لنا قصّة أصحاب الكهف بكلّ هذه التفاصیل وكم عاماً استمرّ نومهم وأین وكیف نام كلبهم: «وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَیْهِ بِالْوَصِیدِ»5، و...الخ.

عمق الرؤیة والتحلیل هما شرطان لتأثیر التجارب

على أیّة حال فنحن بحاجة لمثل هذا الیقین لتقویة إیماننا. وهذا الیقین إمّا أن یحصل من خلال ما نجمعه من تجارب شخصیّة عبر الأحداث المختلفة، أو من سماع قصص الماضین. لكنّ مقدار تأثیر التجارب والقصص على النفوس یتفاوت من شخص لآخر. فنحن لا نستطیع أن نجنی من القصّة فائدة معنویّة مالم نُخضعها لتحلیل دقیق. والتحلیل الدقیق یحتاج إلى نظرة معمّقة والتجرّد من حالة السطحیّة فی النظر إلى الاُمور. إذن فالقضیّة الأهمّ هی أن نتحلّى بنظرة ثاقبة وفطنة. فالذین ینظرون لجمیع الأشیاء نظرة عابرة وكلّیة یعیشون فی حیرة من أمرهم ولا یستطیعون استلهام العبر والدروس من قصص الدهر. فمن الواجب علینا دراسة الأحداث بشكل ذكیّ ودقیق ومعمّق؛ وذلك بأن نعرف - فی بدایة الأمر - تركیبة القصّة على نحو جیّد وصحیح كی نتمكّن من تحلیلها بدقّة؛ بالضبط كما یحصل فی الأحداث السیاسیّة حیث لابدّ - بادئ ذی بدء - من جمع المعلومات عنها بغیة التمكّن من تحلیلها والإفادة من النتائج الحاصلة من ذلك. إذن فمضافاً إلى النظرة المتفحّصة والثاقبة علینا أیضاً أن نمتلك القدرة على التحلیل كی یتسنّى لنا تفسیر الحدث وفقاً للمبادئ والقواعد المعمول بها. وعند ذلك فقط نستطیع استلهام العبرة من هذا الحدث؛ بمعنى أن نتقصّى نقاط الضعف فیه لتجنّبها، ونفتّش عن نقاط القوّة فیه لتعلّمها. یعنی أنّ سیر عملیّة استلهام العبرة من الأحداث یبدأ من النظرة الثاقبة والذكیّة للحدث، مروراً بالتحلیل الدقیق لمجریاته. فعلى غرار التحلیل المرکّز على الحدث یتعیّن استخراج النقاط الملهِمة للدروس والعِبَر منه. ومن أجل توسیع نطاق معلوماتنا وعِبَرنا یمكننا أیضاً الإفادة من تجارب الآخرین، بما فی ذلك تاریخ الأسلاف. فإذا ألحقنا مجریات تاریخ السلف بمعلوماتنا فسیزداد خزین تجاربنا بحیث نكون وكأنّنا قد عمّرنا ألف سنة أو آلاف السنین. یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی الرسالة الحادیة والثلاثین من نهج البلاغة التی یوصی بها ابنه الحسن (علیه السلام): «أیْ بُنَیّ! إنّی وإنْ لم أكن عُمِّرتُ عمر مَن كان قبلی فقد نظرتُ فی أعمالهم وفكّرتُ فی أخبارهم وسِرتُ فی آثارهم حتّى عُدتُ كأحدهم بل كأنّی بما انتهى إلیّ من اُمورهم قد عُمِّرتُ مع أوّلهم إلى آخرهم»6 وأنا الآن اُرید أن أنقل هذه التجارب إلیك! نفهم من ذلك أنّنا إذا اطّلعنا اطّلاعاً كاملاً على تاریخ الماضین فسیكون لأقسامه - التی یمكن أن تُستلهَم منها العِبَر – أثرٌ على سلوكیّاتنا، وإنّ هذه لغنیمة ما أعظمها من غنیمة.
والآن، وانطلاقاً ممّا قدّمناه من توضیح، نعود إلى الحكمة الحادیة والثلاثین من نهج البلاغة. یقول الإمام علیّ (علیه السلام) فی هذه الحكمة: ««وَالیَقِینُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ» أی إنّ الدعامة الثانیة للإیمان، التی هی الیقین، لها أربع شعب: «عَلَى تَبْصِرَةِ الفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الحِكْمَةِ، وَمَوْعِظَةِ العِبْرَةِ، وَسُنَّةِ الأَوَّلِینَ». و«الفطنة» تعنی حدّة الذكاء. فالإنسان الحادّ الذكاء والفطن ینظر إلى القضایا المختلفة برؤیة عمیقة وبصیرة ثاقبة ولا ینظر إلیها نظرة عابرة وسطحیّة. وإنّ هذه الرؤیة والبصیرة تمثّلان عنصراً ینهض بدور فی حصول الیقین؛ بمعنى أنّ الذین یظفرون بهذا النوع من الیقین هم اُولئك الذین یتمتّعون بمثل هذا الذكاء والرؤیة: «تبصرة الفطنة». وبعد أن تكون لهذا الشخص مثل هذه الرؤیة لمجریات الدهر علیه أن یعمد إلى تفسیرها أیضاً. فإنّنا نقول عادةً فی أكثر نُقولنا: «لقد شاهدتُ الشیء الفلانیّ أو سمعتُ به»، لكنّنا فی الواقع لا نكون قد رأینا هذا الشیء ولا سمعناه، بل إنّنا ننقل تفسیرنا لتلك الحادثة أو الشیء. إذن فتفسیر المرئیّات هو غیر المرئیّات نفسها. ولقد ذكروا فی علم النفس مراحل لحصول هذا التفسیر.
إذن علینا بعد النظر إلى الحادثة نظرة متفحّصة أن نقدّم تحلیلاً دقیقاً وصائباً لها؛ وهو ما یعبّر عنه أمیر المؤمنین (علیه السلام) بعبارة: «تَأَوُّل الحِكمَة»؛ أی التفسیر والتحلیل النابعان من الحكمة والاُصول الصحیحة العقلائیّة، ولیس التفسیر الناشئ عن الهوى. ثمّ أنْ نسعى بعد ذلك إلى تقصّی نقاط الضعف والقوّة فی هذا الحدث واستلهام العبرة والموعظة منه وهو ما یتطلّب استعداداً خاصّاً: «موعظة العِبرة». ومن بعد الاتّعاظ والاعتبار یتحتّم علینا الإفادة من تجارب الآخرین كما نستفید من تجاربنا بالضبط: «وسُنَّة الأوَّلین». فإنّ لدینا مصدراً لا ینضب من تجارب الآخرین یمكننا الانتفاع منه ألا وهو عاقبة الماضین. فإن ضُمّت تلك الاُمور الأربعة إلى بعضها البعض فسیمتلك المرء یقیناً یكون له أثر على سلوكه وهو ما سیؤدّی إلى تعزیز إیمانه وصیانته.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. نهج البلاغة، الحكمة 31.

2. بحار الأنوار، ج67، ص136.

3. سورة الإسراء، الآیة 102.

4. سورة البقرة، الآیة 212.

5. سورة الكهف، الآیة 18.

6. نهج البلاغة، الرسالة 31.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...