مقدمة
قلنا سابقاً، ان الأخلاق الاجتماعیة تقوم على أساس المصالح والمفاسد للمجتمع، ویتم تصنیف الشؤون الأخلاقیة الاجتماعیة وفق العلاقات الاجتماعیة المختلفة بین بنی الانسان.
من العلاقات المهمة بین بنی الانسان هو تبادل المعلومات، الذی یرتبط بنحو أشد بالخصائص الانسانیة والبعد العقلانی للانسان. من هنا یمكن القول: انه ذو أهمیة اكبر بالقیاس الى العلاقات الاجتماعیة الاُخرى، لان ما یرتبط بالمتطلبات المادیة والجسمیة للانسان تكون مشتركة فی الغالب بینه وبین الحیوانات الاُخرى، أما ما یتعلق بوعیه ومعرفته ومتطلباته العقلانیة فانها تمثّل جزءً من خصائص الانسان وبُعده الانسانی الخاص، وبهذا اللحاظ تكون المنافع المتبادلة بین بنی الانسان فی هذا المجال اكبر من المنافع الاُخرى، وتكون العلاقات بهذا الشأن أرفع من العلاقات الاُخرى، ویكمن أحد اكبر المصالح الاجتماعیة للحیاة الانسانیة فی هذه المنافع العلمیة والمعرفیة، وأهمُّ الوسائل لتبادلها هی علاقة الحوار ولذا نبحث عنها فی قسمین منفصلین:
قسم الكلام وقسم الاستماع:
أ ـ الأخلاق الاسلامیة فی الكلام
ان أول وأهم وسیلة لتبادل المعلومات بین بنی الانسان هو الكلام، وعلیه فانّ الكلام ظاهرة اجتماعیة، فلو كان الانسان یعیش وحده لم یحتج الى الكلام، ولا یدفعه دافع للتكلّم، ولعله لم یكن فی هذه الحالة قادراً علیه، لان الكلام على احتمال كبیر ظاهرة اجتماعیة وجدت إثر حاجة الانسان الى تبادل المعلومات. وصحیح انّ اهلیة الانسان وقدرته على التكلم أمر إلهی أودعه الله فیه عند خلقه، ولكن فعلیته وتبلوره الى صور مختلفة وظهور اللغات المتعدّده یكون على نحو الاعتبار والتعاقد، وقد وضع بنو الانسان ـ لدى شعورهم بهذا الاحتیاج ـ الفاظاً معینة لمعان خاصة لنقل مقاصدهم الى الآخرین عبر هذه الوسیلة، وللاطلاع على الافكار والخطط والارادة فیما بینهم. إذنْ بما ان هذه القریحة قد منحها الله للانسان فانها أمر تكوینی فردی، وان كانت فلسفتها الوجودیة هی المتطلبات الاجتماعیة للانسان فی تبادل المعلومات، واما اللغات المختلفة فی الكلام فانها أمر تعاقدی واعتباری وظاهرة اجتماعیة محضة.