الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch5_1.htm

ar_akhlag3-ch5_1.htm

مقدمة

مقدمة

من أوسع المفاهیم فی مجال الأخلاق الاجتماعیة من جهة وأیقن القیم الأخلاقیة الاجتماعیة من جهة ثانیة هو مفهوم وقیمة (العدل) ویقابله مفهوم (الظلم) الذی یمثل قیمة سلبیة ویناظرهما مفهوما (الإصلاح) و(الإفساد)

أصالة العدل وقیمته

لا شك فی اعتبار الموقع المتمیز للعدل وقیمته السامیة لدى بنی الانسان كافة، والسوفسطائیون وحدهم یثیرون الشبهة فی هذا المجال ولا یقرّون بشمولیته. لیست لدینا طبعاً معلومات مضبوطة عن افكار السوفسطائیین، ولكن المستفاد من كتب تأریخ الفلسفة هو أن رؤیتهم عن القیم الأخلاقیة والعدل والتقوى وأمثالها تختلف مع الآخرین، خاصة وان سقراط قد ناقشهم فی هذا المجال وقد نقل افلاطون ذلك فی محاوراته.

وقد ظهرت بین الاوربیین فی القرون الأخیرة میول لأفكار السوفسطائیین، وملخص قولهم هو ان الانسان یحب الالتذاذ ویبذل كل مساعیه لنیل ما یتوخاه ومضاعفة اقتداره واستثماره للمواهب الطبیعیة بنحو أكبر. وبالتالی فانّ التمتع المتزاید للنعم الطبیعیة یمثل رغبة انسانیة، فیرفض كل ما یحدد رغبته الطبیعیة هذه. یعتقد هؤلاء ان الانسان كسائر الحیوانات ذو رغبات طبیعیة یسعى لتحقیقها، ولذا سیكون ما یواجهه من قیود امراً قسریا وغیر طبیعی ویضطر للانصیاع الیها فی بعض الموارد. وفی غیرها یكون الاستثمار الأوسع للمواهب والنعم الطبیعیة حقا طبیعیاً له. على هذا الأساس لو هاجم جیش لبلد ما ـ مثلاً ـ بلداً آخر وتسلط علیه وتصرف فی ثرواته كان مُحقّا فی ذلك لانّه ذو رغبات وله القدرة على تحقیقها ولا یمنعه شیء من الوصول الیها.

جاء فی محاورات افلاطون انّ السوفسطائیین أعطوا الحق لخشایارشاه (ملك فارس) حینما أقبل بجیشه من ایران لیهزم الیونانیین لانّه كان مقتدراً ویودّ استخدام قدرته وهذا أمر طبیعی تماماً، ولو كنا مكانه لفعلنا ذلك ذاته.

لقد وجدت مثل هذه المیول لدى المتأخرین من فلاسفة اوربا، یقول نیتشة مثلاً: (القوة هی المبدأ فی الأخلاق). فعلى الانسان أن یضاعف اقتداره فلا یستساغ كل ما یشیر الى الضعف أو یقتضیه ویقول: انّ المفاهیم من قبیل حسن العدل وقبح الظلم ذریعة بید الاقویاء لترویض الناس، ولا یمكن اعتبار أی أساس آخر لها.

كانت مثل هذه المیول موجودة بشكل أو بآخر فی تأریخ الفلسفة وهی تشكّك فی القیمة المطلقة للعدل. وانكار قیمة العدل یرجع فی الحقیقة الى انكار اصالة الأخلاق، ویعنی ذلك انّ القیم الأخلاقیة لیست مطلقة ولا أصیلة، بل نسبیة وتابعة لرغبات بنی الانسان والمجتمعات الانسانیة.

وباستثناء المنكرین لأصالة القیم الأخلاقیة فانّ مؤیدی النظم الأخلاقیة كافة وجمیع المقرّین بأصالة الأخلاق یعتقدون بقیمة العدل.

یلزم هنا إیضاحاً للقضایا المبحوث عنها فی هذا القسم تبیین الرؤى بشأن أصالة الأخلاق ـ وإنْ ارتبط ذلك بفلسفة الأخلاق أساساً ـ وذلك لمعالجة بعض الشبهات والأمور المبهمة.

إشارة إلى اختلاف المدارس فی فلسفة الأخلاق

وحیال السوفسطائیین منكری أصالة الأخلاق سیّما منكری مبدأ العدل توجد اتجاهات مختلفة بهذا الشأن:

أ ـ تعتقد جماعة بانّ القیم الأخلاقیة أمور واقعیة ویدركها الانسان بعقله بنحو بدیهی، أی كما یدرك الانسان فطریاً البدیهیات فی القضایا النظریة لكونها أموراً ثابتة لا تقبل الشك فانّ العقل یدرك فطریا وتلقائیا الحقائق الثابتة فی القضایا القیمیة والعملیة. قال الحكماء: ان الانسان ذو نوعین من العقل: بالأول یظفر بالادراكات النظریة، وبالثانی یصل الى الادراكات العملیة والقیمیة. وكما توجد فی قسم الادراكات النظریة مجموعة من الادراكات البدیهیة أو الضروریة التی لا تحتاج الى البرهان للتصدیق بها ومجموعة من الادراكات النظریة او الاكتسابیة التی تحتاج الى البرهان لإثباتها فانّ لدینا بدیهیات فی الادراكات العملیة ـ كالادراكات النظریة تماماً ـ یدركها العقل بذاته كحسن العدل وقبح الظلم، ولدینا نظریات یثبتها الانسان بالدلیل والبرهان. لقد اطلقوا (العقل النظری) على النوع الأول و(العقل العملی) على النوع الثانی، واستعمل لفظ (الوجدان = الضمیر) بدلاً عن العقل العملی أحیانا. وقالوا ان وجدان الانسان یدرك هذه الحقائق.

وعلیه فانّ القیم الأخلاقیة فی هذه الرؤیة من الأمور الواقعیة التی تحكی عن الحقائق الثابتة فی نفس الأمر وبوسع الانسان أن یدركها بعقله العملی أو وجدانه.

ب ـ تعتقد مجموعة اُخرى انّ القیم والشؤون الأخلاقیة من قبیل الآراء المحمودة التی تكون مقبولة لدى المجتمع لانّها نافعة فی الحیاة الاجتماعیة، وعلیه فانّها لا تحكی عن حقائق ثابتة فى نفس الأمر لكی تقاس صحتها وسقمها بتطبیقها على تلك الحقائق، ولا طریق للصواب والخطأ فی هذه الشؤون أساسا لانّها اتجاهات توجد فی اعماق الروح الانسانیة فحسب. والمقبول والدائم من هذه الاتجاهات هو ما كان عامّا وشاملاً وشائعاً بین بنی الانسان كافة والمجتمعات، فیمكن الاستناد الیها والاستدلال الجدلی بها، وغیر العام منها یكون معتبراً فی مجالات خاصة. یعتقد مؤیدوا هذه النظریة وفی ضوء رؤیتهم الخاصة بأنه لا یمكن اقامة البرهان لاثبات الأمور الأخلاقیة لتكون النتیجة یقینیة ونقیضها محالاً.

ج ـ المجموعة الثالثة تعتقد بانّ القضایا القیمیة ذات جذور واقعیة ثابتة فى نفس الأمر فیمكن أیضاً الاستدلال لاثبات القضایا القیمیة استناداً الى تلك الجذور الواقعیة. ونظراً لاستناد الاستدلال بالأمور القیمیة على الجذور الواقعیة فانّه یتوقف على درجة استناد هذه الأمور القیمیة الى تلك الواقعیات أیضاً.


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/1300