الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch5_9.htm

ar_akhlag3-ch5_9.htm

الرؤى المهمة

الرؤى المهمة

فی هذا المجال توجد عدة رؤى اساسیة ومتضادة بصورة عامة:

أ ـ نظریة الحقوق الطبیعیة

تعتقد فئة ـ وفی اوساطها اختلافات بسیطة ـ انّ الطبیعة تعیّن حق كل موجود، وقد اشتهرت هذه النظریة باسم (نظریة الحقوق الطبیعیة)، ونحن لا نتناول هنا جذور وأسباب ظهور هذه النظریة والتی ترتبط بتاریخ فلسفة الحقوق ولكن نشیر الیها كنظریة.

لبیان كیفیة تعیین الطبیعة حق كل موجود نقول: افترضوا طبیعة النبات فانها تقتضی الانتفاع بالهواء والضوء والمواد المعدنیة فی الارض، ولولا توفیر ما یحتاجه النبات فان طبیعة النبات لا تتحقق فی الخارج ولا یوجد نبات. إذنْ بملاحظة طبیعة النبات یمكن القول انّ الحق الطبیعی للنبات هو ان ینتفع بالاشیاء المذكورة وتلبیة متطلباته (انّ ذكر هنا المثال هو لتقریب المضمون الى الاذهان ولا نرید القول بانّ النبات ذو حقوق طبیعیة).

الحیوانات أیضاً لها طبائع مختلفة فبعضها نباتی وبعضها یأكل الحب، وبعضها یأكل اللحوم. فالتی تأكل النبات یكون من حقها الطبیعی أن تنتفع بالنبات، والتی تتناول الحب ان تنتفع بالحب، والتی تأكل اللحوم ولها جهاز هضمی خاص لأكل اللحوم من حقّها ان تنتفع بلحوم الحیوانات الاُخرى.

والانسان كذلك فهو كسائر الحیوانات له متطلبات طبیعیة اذا لم تلبَّ هُدّدت حیاته ولا یمكن ان یواصل حیاته. إذنْ الحق الطبیعی للانسان هو أن ینتفع بالهواء والغذاء والضوء والنباتات والحیوانات لكی یواصل حیاته. وبعبارة واحدة: ان انتفاع الموجود بكل ما یؤمّن حوائجه الطبیعیة هو حق طبیعی له ولا ینبغی لأحد أن یمنعه من هذا الانتفاع.

وقد طرح بعض مؤیدی الحقوق الطبیعیة نظریات مثیرة للجدل متشعبة من هذه النظریة العامة، فمثلاً قالوا: ان طبائع بنی الانسان متفاوتة وبعضهم ذوو مزایا طبیعیة، وقد كان بعض قدماء الیونان یعتقدون بانّ العنصر الیونانی هو الأرقى وسائر الناس وحوش وبربر. فالمدنیة إذنْ من حق الیونانیین، وعلى الآخرین الخضوع لسلطتهم.

وفی القرن الماضی أیضاً قال بعض العنصریین: ان عنصر الجرمان ارقى العناصر فتجب هیمنته على العالم بأسره. وقد كان فكر الحزب النازی الهیتلری یتابع هذه الفكرة، وتقدَّم الى حد إشعاله نار الحرب العالمیة الثانیة وخلّف ذلك الحجم الهائل من القتلى والخسائر فی العالم. مثل هذه المیول لازالت موجودة وتُنشر كل یوم تقاریرُ واخبار عن النشاط العنصری فی مختلف بقاع العالم.

نقد نظریة الحقوق الطبیعیة

أشكل البعض على نظریة الحقوق الطبیعیة بالقول بان هذا المبدأ غیر عملی، فمثلاً فی مجال الحیوان اذا رغب كل من الحیوانین فی ان ینتفع بلحم الآخر فهل یمكن القول ان لكل منهما الحق فی ذلك؟

أو اذا شاء بعض الناس فی جعل اُناس آخرین عبیداً لهم واعتبروا التسلط علیهم من حقهم لما لدیهم من امتیازات وذكاء وعلم وتفوُّق فى الاقتدار الجسمی فهل یمكن القول ان من الحق الطبیعی لهذا العنصر لما یمتلكه من امتیازات ان یتسلط على الآخرین ویستعبدهم؟

یرى المعترضون على نظریة الحقوق الطبیعیة ان هذا اللون من التفكیر ناشئ من الاحساس بالتفوّق، أی ان أنانیة الانسان قد دفعته لأن یرى نفسه فوق الموجودات الاُخرى ویعتقد بانها یجب ان تكون فی خدمته ومن حقه الطبیعی ان یسخّر جمیع الموجودات الاُخرى لصالحه، الاان هذه المقولة لا أساس لها اذ لعل الموجود الآخر هو اشرف من الانسان!

ب ـ نظریة العقد الاجتماعی

یعتقد انصار نظریة العقد الاجتماعی بانّ أصل الحقوق یرجح إلى العقد الاجتماعی، والطبیعة لا تعطی حقا لأحد،لكن بما انّ الانسان انانی فهو یهدف دائماً لتحقیق مصالحه ویرید التسلط على جمیع الموجودات ویسخّر الآخرین من بنی الانسان حسب رغبته ویستغلّهم وینفذ ذلك قدر امكانه بدافع غریزی، ولكن بما ان الانسان موجود عاقل أیضاً فهو یدرك ان استخدام الآخرین والتسلط علیهم یستتبع عواقب وخیمة، لان الآخرین سوف لا یستسلمون له وستطاله نفسه وغیره نار الحرب وسفك الدماء والفساد فلا تكون له حیاة مریحة أبداً.

ولذا یحصل اتفاق بینهم بان تكون رغباتهم منسجمة ومتوازنة، أی یتنازل كل طرف عن بعض رغباته من أجل الآخرین كی یحظى الجمیع بحیاة سلیمة مقرونة بالاستقرار والراحة ویصل كل انسان الى اكثر رغباته فی ظل الاستقرار والحیاة الجماعیة.

بناء على ذلك فانّ الحقوق إنّما توجد جذوره فی العقد الاجتماعی ولیس لها أیة جذور طبیعیة وتكوینیة. انّ العقد هو الأساس لحیاة الانسان الجماعیة وتكون الحقوق من لوازمها، فهی تتشكّل من خلال العقد الاجتماعی ولیس لها قبل ذلك أیُّ مبنى عقلانی.

یعتقد انصار هذه النظریة ان لا وجود لایة حقوق أو مبادئ اخلاقیة سابقة تحكم العقد الاجتماعی والحقوق المنبثقة منه، فمثلاً اذا اتفق أعضاء المجتمع على تسلیم ثرواتهم وحصیلة أتعابهم الى الآخرین أو وافق عنصر ما على ان یكون عبداً لعنصر آخر وجب علیه الوفاء بذلك لان هذا هو مضمون العقد الاجتماعی وحقوق المجتمع، وعلى العكس اذا لم یخضع اعضاء مجتمع للذل ولم یتفقوا بشأنه بل استطاعوا تحصیل حقوق مساویة لحقوق الآخرین ففی هذه الحالة تكون حقوقهم هی تلك الحقوق المتساویة ویتمتع جمیع الافراد والعناصر بحقوق متساویة. وعلیه فانّ الحقوق تكون أمراً نسبیاً ومتغیرا حسب العقود وقدرة الافراد وضعفهم ولا یوجد فی التاریخ كله مبدأ عامٌّ حاكم على كلّ الحیاة البشریة ویكون مطابقا للقیم الأخلاقیة الثابتة.

ان نظریة العقد الاجتماعی تمثل الأساس للحقوق الوضعیة والمذهب التاریخی للحقوق، ویستنتج من ذلك ان ما رضیه بنو الانسان لأنفسهم واتفقوا علیه یكون بمثابه الحقوق الحاكمة على المجتمع.

ج ـ نظریة الحقوق الالهیة

یعتقد المفكرون الالهیون، ونخصّ بالذكر الاسلامیین منهم، بان الله سبحانه هو المنشأ والأساس لحقوق الانسان، ولا خلاف بینهم فی التصدیق بان لله الحق فی تعیین حقوق الناس، أو اذا عیّنها فعلیهم الالتزام بها. ولهؤلاء المفكرین نظریات مختلفة فی تفسیر الحقوق الالهیة وبیانها الفلسفی نشیر هنا الى بعضها:

1 ـ نظریة الأشاعرة

یعتقد الأشاعرة بانّ الحق هو ما یقرره الله سبحانه ولا یوجد له معیار آخر غیر الامر الالهی، والله هو الذی یعین ما یشاء بالنسبه لكل احد ولا یحق لنا بان نقول: هذا صحیح أو غیر صحیح، لعدم وجود ملاك آخر غیر الامر الالهی لتحدید صحة الحقوق وخطئها.

اذا أمر الله بان یتسلط بنو الانسان على الحیوانات كان ذلك هو الصحیح، واذا أمر بالعكس بان تتسلط الحیوانات على بنی الانسان وعلى ان یكون الانسان مطیعا للحیوان فی هذه الحالة تكون المقولة الثانیة هی الصحیحة بدلا عن الاُولى. وبتعبیر فنی تكون القیم تابعة للارادة الالهیة.

بناء على هذه النظریة تكون الحقوق اعتباریة بمعنى عدم وجود منشأ عقلانی لها. وبعبارة اُخرى لایوجد حسن أو قبح عقلی بل كل ما اعتبره الله (حسنا) فهو حسن وكل ما اعتبره (قبیحا) فهو قبیح، ودلیل حسنه وقبحه هو ما یقوله الله سبحانه. فحتى لو قال الله حیناً انّ الشیء الفلانی حسن وقال حیناً اخر انه قبیح تغیر حكم ذلك الشیء واقعا، لان الحسن والقبح لیس لهما منشأ ذاتی.

2ـ نظریة الحسن والقبح العقلیین

وتعتقد جماعة اُخرى بانّ الحسن والقبح فی الاحكام الحقوقیة ذات ملاكات واقعیة ویقرر الله عز وجل الاحكام والحقوق على اساس المصالح الواقعیة. ان الارادة الالهیة التشریعیة لیست بلا دلیل بل لها دعامة واساس تكوینی. هذه الجماعة ترى ان جمیع الاحكام ثبوتاً مبتنیة على المصالح والمفاسد الواقعیة، ولكن هناك اختلاف فی آرائها اثباتا وتنقسم الى فئتین:

1 ـ انصار الطریق الانحصاری للاثبات فی الوحی

یعتقد هؤلاء بان الله سبحانه وانْ كان یعیّن الاحكام على اساس المصالح الواقعیة ولكن بما اننا عاجزون عن ادراك الكثیر من المصالح والمفاسد الواقعیة عن طریق ادراكاتنا الاعتیادیة فالمبدأ هو انّ الحقوق من الأمور التعبدیة ولابدّ ان تتلقى عن طریق الوحی الالهی فقط، الاّ انّ هذا الكلام لا یعنی ان یكون اساس الحكم هو الارادة الجزافیة الفاقدة للدلیل.

على اساس نظریة الاشاعرة المذكورة لا یوجد حق ـ مع غض النظر عن الارادة الالهیة التشریعیة ـ وتتعین حقوق الافراد بالامر والنهی الالهی التشریعی فقط، ولكن حسب مقتضى هذه النظریة یكون للحق ثبوت وواقعیة وجذور فی عالم الخلق والتكوین الاّ انّ اثباته یتوقف على الوحی. وببیان اوضح ان الارادة الالهیة لیست جزافیة وفاقدة للدلیل بل تنشأ على اساس المصالح والمفاسد الموجودة فی عالم التكوین وطبیعة الاشیاء وینحصر طریق اثبات ذلك فی الوحی.

2 ـ انصار الطریق الاثبات بالوحی الى جانب العقل

الفئة الثالثة من المفكرین المسلمین كالفئة الثانیة تؤید نظریة الحسن والقبح العقلیین وتعتقد بان للحقوق جذوراً واقعیة الاّ انّها لا تحصر طریق الاثبات للحقوق فی الوحی، بل تعتقد بان الانسان قادر غالبا على ادراكها عن طریق ادراكه العادی والعقلانی، وتكون حجة بمقدار ادراكه لها، ویمكن ان یستدل بها وان یعتبرها السند لصحة اعماله او سقمها. طبعا فی بعض الموارد یكون العقل الانسانی القاصر عاجزا عن ادراك المصالح والمفاسد الواقعیة، وفی هذه الموارد یتحقق ادراكه لها عن طریق الوحی فقط وباتباع الاحكام التی تُتلقى عن طریق الوحی. ولا یعنی التعبّد غیر ذلك، حیث یتفضل الله ببیانها لنا عن طریق الوحی لقصور عقولنا عن ادراكها.


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/1310