الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch6_6.htm

ar_akhlag3-ch6_6.htm

معالم وشروط المجتمع الصالح

معالم وشروط المجتمع الصالح

یمكن تقسیم علامات وشروط المجتمع الصالح الى عدة مجموعات:

الشرط الاول: هو أن یواصل أعضاء المجتمع وابناؤه حیاتهم بدون قلق واضطراب ولا تُهدّد حیاتهم ولا سلامتهم وتأمن نفوسهم، فالمجتمع الذی یفقد أعضاؤه الأمن على انفسهم مجتمع فاسد بلا شك.

انّ التهدیدات والاخطار التی تتجّه الى حیاة أعضاء المجتمع تتخذ أشكالا مختلفة. فالاوضاع الاجتماعیة تكون تارة بنحو یقوم فیه المجرمون بتهدید ارواح أعضاء المجتمع وافراده ویرتكبون القتل منتهكین حرمة القانون. وتارة اُخرى لا تُهدَّد ارواح الافراد من قِبل هؤلاء بل تكون القوانین الحاكمة على المجتمع بنحو تُهدّد فیه نفوس البعض بدون حق. هناك فی الظاهر سلطة قضائیة ومحكمة تتابع الدعاوی وتفتح ملفّاً للمتنازعین والمتخاصمین وتحكم على اساس القانون، ورغم ذلك فانّ الحكم الصادر من المحكمة لا یكون حقا ویُقتل اشخاص أبریاء على اساس حكم هذه المحاكم، ویفقدون ارواحهم بدون حق وتراق دماؤهم الطاهرة على الارض كما لاحظنا نماذج منه فی النظام البائد.

وفی درجة ادنى تُهدّد صحة الافراد تارة ویصبحون ذوی نقص وعاهة وتقطّع أیدیهم ویتعرضون للعمى أو یعرّض الافراد للمرض أو تلقى السموم فی المواد الغذائیة أو یُساق الافراد نحو الإدمان على المخدرات التی تهدّد صحتهم وتبدّلهم الى أعضاء عاطلین ومرضى وطفیلیین، أو یلوّث الجو بالغازات السامّة والمواد الكیمیائیة لیستنشقها الناس، وتارة تمس هذه السموم والادویة الضارة صحة الانسان بأذى مباشر بل تجعله عقیما أو یولد طفله مریضا وذا عاهة وتخلف عقلی.

الشرط الثانی هو أن یحظى أعضاء المجتمع بالأمن على اموالهم. فاذا تعرضت اموال الناس الى الابادة فی المجتمع والقیت القنابل ودمّرت منازلهم واحرقت مزارعهم أو أصیبت بساتینهم ومزارعهم بآفة ما لكی لا تؤتی ثمارها بنحو كامل، أو أصیب أعضاء المجتمع باضرار مالیة بأی نحو آخر كان ذلك نوعا من الفساد الاجتماعی، ومن یرتكب هذه الخیانة ویمارس هذه الاعمال یكون مفسدا. ان الآیة الكریمة (وَ یُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ)([1]) ناظرة الى هذه الموارد كلها.

وتارة یسرق «المفسدون» الأموال من مالكها القانونی أو یستولون علیها غصبا وعنوة أو یقومون بالاختلاس وعند المحاسبة ینظّمون وثائق حسابیة مزوَّرة، أو یستولون على اموال العاجزین عن الدفاع عن حقوقهم ویصادرونها، أو یقومون بمعاملات ومعاوضات غیر عادلة ولا عقلائیة، وفی هذه الحالة فانّ الطرف الآخر من المعاملة وان كان راضیا الاّ انّ هذا الرضا غیر عقلائی ولا یكون دلیلا على صحة المعاملة والمعاوضة كالقمار واخذ الرشوة والمعاملات الاُخرى الباطلة شرعا، وقد أشار القرآن الكریم الى هذه المعاملات بعبارة (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ)([2])، هذه كلها مظاهر من الفساد المالی والاجتماعی، واصلاح هذا الفساد یساهم فی تشیید نظام مالی واقتصادی صالح نزیه عن السرقة والتعامل بالرشوة وامثالهما.

الشرط الثالث هو رعایة كرامة افراد المجتمع وحیثیتهم، فان أعضاء المجتمع یهمّهم صیانة أعراضهم وكرامتهم وشخصیاتهم وحرمتهم فی المجتمع. فالمجتمع الذی لا تصان فیه حیثیة افراده سوف تنتهك حیثیة البعض فیه بلا حق ویُتّهم الابریاء وتُهدّد كرامتهم، ان مجتمعا كهذا یكون ملوّثاً بنوع من الفساد.

الشرط الرابع: سیادة الوحدة والتعاطف والتوادد المتبادل بین ابناء المجتمع. ففی المجتمع الصالح ینبغی وجود علاقات سلیمة بین افراده وفئاته كما هو الحال فی الحیاة الاُسریة بین الزوج والزوجة، والاب والولد، والأم والولد، والاخ والاخت، و...انّ العلاقات العاطفیة كما ذكر سابقاً لها دور بالغ فی تلاحم أعضاء المجتمع ویمكن ان تصبح عاملا مهما لتحقیق المصالح الاجتماعیة.

من هنا یعتبر الذین یثیرون الاختلاف بین الزوج والزوجة، والاب وابنائه، والام والابناء و... أو یعملون على توتّر العلاقات بین العامل ومدیر الاعمال القائمة على اساس صحیح وقانونی ومشروع، أو یثیرون الخصام بین الفئات والطبقات الاجتماعیة ویؤلّبون بعضا ضد بعض ـ یعتبر هؤلاء فی عداد المفسدین فی المجتمع، ویكون مثل هذا المجتمع فاسداً ولا یمكن العیش فیه بسلام.

جاء فی القرآن الكریم:

(فَیَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما یُفَرِّقُونَ بِهِ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ)([3])

تتحدث هذه الآیة عن قصة هاروت وماروت وتذكر أن بنی اسرائیل كانوا یتعلمون منهما السحر للتفریق بین الزوج وزوجته.

إذنْ وبصورة عامة یعتبر كل عمل یوهن العلاقات العاطفیة بین أعضاء المجتمع فساداً أو مفسدة اجتماعیة، وعلى العكس یعتبر كل عمل ینمىّ العواطف بین أعضاء المجتمع ویخلق أجواء الحب والمودة بینهم اصلاحا أو مصلحة اجتماعیة.

الشرط الخامس: رعایة الحیثیة المعنویة لاعضاء المجتمع. وللحیثیة المعنویة طبعا مفهوم واسع، فیمكن اعتبار الشخصیة والعِرض والكرامة حیثیة معنویة أیضاً، الاّ انّ مقصودنا من الحیثیة المعنویة هنا هو الابعاد ذات العلاقة بعقل الانسان ونفسه كالعقائد والآراء ذات العلاقة بالقضایا العقلیة والنظریة والأخلاق التی ترتبط بالشؤون النفسیة.

انّ المجتمع الذی لا یمتلك أعضاؤه معتقدات صحیحة ولم یؤهِّل جهاز التعلیم والتربیة والثقافة فی المجتمع الافرادَ لامتلاك عقائد صحیحة، أو على العكس اذا وجدت عوامل تسلب العقائد الصحیحة من الناس وتعمل على انحرافهم فكریا وعقائدیا فان مثل هذا المجتمع فاسد أیضا، ویكون الفساد الاعتقادی والفساد الأخلاقی من الابعاد بالغة التأثیر فی الفساد الاجتماعی.

وهكذا اذا وجدت فی المجتمع عوامل الانحراف الأخلاقی واشاعة الفاحشة بین الافراد یعدّ ذلك نوعاً آخر من الفساد الاجتماعی الذی یرتبط بالبعد الثقافی للمجتمع. وعلیه یصدق الصلاح والفساد والإصلاح والافساد الاجتماعی فی القضایا الأخلاقیة والاعتقادیة أیضا.



[1]. البقرة 205.

[2]. البقرة 188.

[3]. البقرة 102.


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/1316