الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch7_7.htm

ar_akhlag3-ch7_7.htm

نقض العهد فی القرآن

نقض العهد فی القرآن

من اعم الالفاظ المستعملة فی القرآن فی مورد نقض العهد هو لفظ (النقض) و(النكث). كما استعمل لفظ (التبدیل) أو (الإخلاف) فی بعض الموارد أیضاً، فمثلاً یقول تعالى فی وصف الاوفیاء بعهدهم مع الله عز وجل:

(مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً)([1]).

انهم لا یبدلون عهدهم ولا یغیرونه، المراد هو انهم لا ینقضون العهد. یقول القرآن فی ذم المنافقین والناقضین للعهد:

(وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِینَ * فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلى یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا یَكْذِبُونَ)([2]).

فی هذه الآیة استعمل تعبیر (اخلفوا الله ما وعدوه) فی تبیان نقض العهد لدى المنافقین، أی استعمل لفظ (الوعد) فی مورد العهد ولفظ (الإخلاف) فی مورد نقض العهد.

وإطلاق النفاق والمنافق فی القرآن الكریم لا ینحصر فی الذین لا إیمان لهم أساسا فقط بل اطلق أیضاً على ذوی الإیمان الضعیف ومن لم یملكوا الایمان الراسخ والقوی، أی للنفاق درجات ومراتب أی انه (قضیة مشككة). من هنا یطلق المنافق فی الآیة المذكورة على الذین عاهدوا الله من قبل بان ینفقوا انْ انعم الله علیهم من فضله ووسّع علیهم من رزقه وان یكونوا صالحین ومتقین شكراً على هذه النعمة الالهیة، ولكنهم حینما نالوا الثروة والقوة بخلوا وعملوا بنحو كأنهم لم یبرموا هذا العهد مع الله اصلاً، ونقض العهد هذا ادّى الى نفاقهم.

أجل ان نقض العهد له هذا الاثر، ومن یعاهد الله ثم ینقض العهد فانه سیفقد ایمانه بسبب نقضه للعهد وإخلافه للوعد مع الله سبحانه والكذب الذی ارتكبه فیظهر النفاق فی قلبه.

اما المؤمنون الحقیقیون الذین عاهدوا الله بأن یصمدوا فی سبیل الله حتى الموت، ویدافعوا عن رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)وقد صمدوا فی وفائهم لهذا العهد وقاوموا حتى الموت والشهادة فقد نالوا ثناء الله الخاص وسیجزیهم على صدقهم. من هنا یقول تعالى فی حق المؤمنین الذین صدقوا فی عهدهم مع الله وصمدوا:

(لِیَجْزِیَ اللّهُ الصّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ)([3]).

وقال تعالى بشأن المنافقین الذین كذبوا ونقضوا العهد:

(وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ)([4]).

فی بعض الآیات یأمر الله بصورة عامة بان علیهم احترام عهد الله والوفاء به كقوله تعالى:

(وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ)([5]).

وقال سبحانه فی موضع آخر:

(وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِیلاً إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * ما عِنْدَكُمْ یَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باق وَ لَنَجْزِیَنَّ الَّذِینَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا یَعْمَلُونَ)([6]).

أی حینما تلاحظون نفعا آنیاً فی نقض العهد فلا تخلفوا العهد، فاذا رجحتم نفعكم على العهد فقد بعتم عهد الله بثمن بخس فی الواقع.

وقد جاء فی آیة اُخرى:

(وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الأَْدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُلاً)([7]).

ان الآیة وان كان موردها العهد الذی ابرمه بعض المنافقین مع الله الاّ انّ الجملة الاخیرة قد ذكرت كعبارة عامة وهی أعم من ذلك المورد الخاص وتدل على ان أی عهد تعقدونه مع الله فسوف تُسألون عنه، واذا عاهدتم الله فانه سوف یسألكم عن هذا العهد یوم القیامة:

قال تعالى فی آیة اُخرى مخاطبا بنی اسرائیل:

(وَ أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِیّایَ فَارْهَبُونِ)([8]).

واضح ان هذا العهد كان ذا طرفین، أی ان الله قد وعد بنی اسرائیل عن طریق انبیائه بانهم انْ قاموا بالدفاع عن انبیاء الله واطاعوا أوامرهم فانه سوف یعزُّهم فی الدنیا وینزل البركات علیهم. لقد كان ذلك عهداً أبرمه الله مع بنی اسرائیل. من هنا تقول الآیة: اوفوا بالعهد الذی عاهدتمونی به لكی أوفی بالعهد الذی عاهدتكم به.

فی آیة اُخرى یأمر الله سبحانه:

(وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا)([9]).

وهو مطلق یشمل كل عهد.

فی مجموعة اُخرى من الآیات اشار تعالى الى التبعات السیئة لنقض العهد وذم الناقضین للعهود:

(الَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ وَ یَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَ یُفْسِدُونَ فِی الأَْرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)([10]).

وقال فی آیة اُخرى عن هؤلاء أنفسهم:

(أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ)([11]).

وقال سبحانه فی موضع آخر:

(إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الآْخِرَةِ وَ لا یُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَكِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ)([12]).

یلزم التذكیر بانّ البحث الأساسی وان كان بشأن العهد الاجتماعی ولكن كان من اللازم ذكر هذه الآیات التی تتحدث عن العهد مع الله سبحانه لجهات ثلاث:

الاُولى لتكمیل بحث العهد، والثانیة انّ العهد مع الله عز وجل فی أحد معانیه هو عقد مع الآخرین فی الواقع ویشمل العهود الاجتماعیة أیضاً، لان العهد مع الغیر والعهد الاجتماعی بدوره یعود بصورة ما الى العهد مع الله. كما ذكرنا سابقاً بانّ البیعة مع النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) بمثابة البیعة مع الله سبحانه، واستفدنا ذلك من العبارة: (یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ)وقلنا عن العبارة: (وَ أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) ان هذا عهد ذوطرفین، أحد طرفیه هو نبی الله والطرف الآخر بنواسرائیل، وفی الوقت ذاته اعتبره الله عهده بعبارة (اوفوا بعهدی).

الثالثة انّ العهد مع الله عز وجل یمكن اعتباره عهداً ذا طرفین، اذ ان احد الطرفین هو الله الذی انشأ العهد وطرفه الآخر هم الآخرون الذین یتقبلون ذلك فیتحقق العهد ذو الطرفین، فمثلاً یقول تعالى:

(إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ یَنْصُرْكُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)([13]).

هذا الكلام الالهی هو انشاء نوع من العهد من قبل الله مع الناس. فمن ینصر الله ودینه فقد قبل هذا العهد.

المثال الآخر هو قوله تعالى:

(إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)([14]).

هنا أیضاً قد أنشىء هذا لعهد والعقد من قبل الله، أی تم الایجاب من قبل الله عز وجل فاذا قبل الطرف المقابل تمت المعاملة وتحقق العهد ذو الطرفین. فاذا جاهد شخص بنفسه وماله فی سبیل الله ولتثبیت دین الله فقد قبل ذلك العقد أو الایجاب الالهی. فی هذه الحالة تحقق طرفا الایجاب والقبول وكمل العقد والعهد ذو الطرفین فیجب الوفاء به.



[1]. الاحزاب 23.

[2]. التوبة 75 ـ 77.

[3]. الاحزاب 24.

[4]. الاحزاب 24.

[5]. النحل 91.

[6]. النحل 95 و 96.

[7]. الاحزاب 15.

[8]. البقرة 40.

[9]. الانعام 152.

[10]. البقرة 27.

[11]. الرعد 25.

[12]. آل عمران 77.

[13]. محمد(صلى الله علیه وآله وسلم) 7.

[14]. التوبة 111.


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/1324