القیمة الأخلاقیة والاجتماعیة للأمانة
من المصادیق الواضحة للعهد والتی اكد الله تعالى علیها وذكرها الى جانب العهد فی بعض الآیات هو أداء الامانة. ان رعایة العهد وأداء الامانة محترم لدى جمیع العقلاء مهما كان دینهم ومذهبهم. من هنا قال علماء الأصول: انّ الحكم بلزوم رعایه العهد وأداء الامانة من المستقلات العقلیة، أی انّ العقل یدرك ذلك بدون اعانة من الوحی.
ان الالتزام بالعهد أحد المصادیق البارزة للصلاح والمعروف والعدل، كما ان نقض العهد والخیانة فی الامانة من المصادیق البارزة للظلم والمنكر والفساد. لقد أولى القرآن الكریم اهتمامه بالامانة فی آیات كثیرة. فی بعض هذه الآیات ورد التأكید بشكل مطلق على رعایة الامانة قال تعالى:
(وَ الَّذِینَ هُمْ لأَِماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ)([1]).
وفی بعض آخر تأكید على امانات خاصة كقوله تعالى:
(إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَْماناتِ إِلى أَهْلِها)([2]).
المراد من هذه الامانات هی الامانات الاعتیادیة والمالیة الشائعة بین الناس قطعا وان امكن تعمیم حكم هذه الآیة على الامانات الالهیة والامانات العمومیة أیضا، كأن یضع الناس زمام امور المجتمع بید القائد حیث یكون له حكم الامانة ولا تجوز الخیانة فیه وبعض الروایات تؤیّد هذا التعمیم، وعلیه یمكن القول ان حقوق الناس فی الرؤیة الاسلامیة امانة إلهیة بید ولیّ الامر ومسؤولی المجتمع، فعلیهم رعایة امانة الناس هذه بنحو كامل. وبعبارة أوضح انّ الحاكمیة فی الرؤیة الاسلامیة لله أصالة، وكل حكومة محقة تشكّل فی مجتمع اسلامی یجب ان تكون من قبل الله سبحانه. وهذه الحاكمیة امّا أن تُمنح بصورة مباشرة من قبل الله سبحانه كحكومة وولایة النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) والائمة المعصومین(علیهم السلام) واما بالواسطة كنائب الامام، وهو اما منصوب خاص أو عام من قبله.
ان نفوس الناس واموالهم وأعراضهم إذنْ أمانات جعلها الله سبحانه بید الحاكم الشرعی بواسطة أو بغیر واسطة. فاذا قصّر فی حفظ هذه الامانات لم یكن مؤدیا للامانة. وبعبارة اُخرى یمكن القول انّ الناس حینما یبایعون شخصا فانهم فی الحقیقة یجعلون نفوسهم واموالهم بیده ویخضعون لحكومته، الاّ انّ البیان الأوّل اكثر انسجاما مع مبادئ الاسلام.
وفی مقابل أداء الامانة ورعایتها تذكر الخیانة فی الامانة والتی ذمتهابشدة آیات كثیرة([3]). فی هذه الآیات استعمل مفهوم الخیانة بعبارات مختلفة، ولكن فی مورد واحد استعمل لفظ (غلّ) بدلا عن لفظ (خیانة) حیث یقول:
(وَ ما كانَ لِنَبِیّ أَنْ یَغُلَّ وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ)([4]).
[1]. المعارج 32; المؤمنون 8.
[2]. النساء 58.
[3]. كقوله تعالى:
(وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِینَ خَصِیماً) النساء 105 / (وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِینَ یَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِیماً)النساء 107 / (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الانفال 27/ (لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ) الانفال 58 / (إِنَّ اللّهَ یُدافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ كُلَّ خَوّان كَفُور) الحج / 38.
[4]. آل عمران 161.