الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch8_13.htm

ar_akhlag3-ch8_13.htm

البرنامج التربوی للاسلام

البرنامج التربوی للاسلام

فی القرآن الكریم برنامج تربوی خاص لردع الافراد عن ممارسة هذا الفعل القبیح، فیقول تعالى فی مقام تربیة المؤمنین:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْم عَسى أَنْ یَكُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساء عَسى أَنْ یَكُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْیمانِ وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ)([1]).

فی هذه الآیة یدعو الله تعالى المؤمنین الى الاحتراز الشدید من السخریة بالمؤمنین. ثم یشیر على اساس التحلیل النفسی الى الجذور النفسیة والسبب الرئیسی لهذا العمل القبیح، ویقول بانّ الكثیر من الذین تظنون انهم سیئون وترون النقص فیهم وتسخرون منهم على ذلك هم افضل منكم وأعز عند الله عز وجل.

هذه الآیة الكریمة تذكّر بقضیة اخلاقیة مهمة جداً ذات جانب فردی وجانب اجتماعی، وهی انه لا یحق لأحد أن یعتبر غیره أدنى منه، فان مثل هذا التفكیر یعود بالضرر الشدید على المؤمن وروحه الایمانیة وتربیته الاسلامیة والالهیة. فالمؤمن لكی یكون ذا تكامل روحی ینبغی ان یرى نفسه أدنى ویشعر بالذل فی أعماقه.

ان قولنا: المؤمن عزیز وینبغی اعزاز المؤمن، یعنی ان على الآخرین حفظ عزة المؤمن، ولكن على كل مؤمن ان یرى الحقارة والدناءة فی نفسه ویكون متواضعا ویحس بالذل بین یدی الله تعالى.

یقول الامام السجاد(علیه السلام):(ولا ترفعنی فی الناس درجة الا حططتنی عند نفسی مثلها، ولا تحدث لی عزا ظاهرا الا احدثت لی ذلة باطنه عند نفسی بقدرها) ـ دعاء مكارم الأخلاق.

انه منهج مؤثر جداً لبناء الذات، وذلك بان لا یرى الانسان نفسه افضل من الآخرین أبداً بل یرى نفسه حقیراً وناقصا ویسعى لإصلاح نفسه وبنائها. یدعو الاسلام دائماً الى هذا المنهج فی برنامجه التربوی.

وقد روی ان الله خاطب النبىّ موسى(علیه السلام): اذا أقبلت للمناجاة فی جبل الطور مرة اُخرى فاصطحب معك مخلوقا أدنى منك، فأخذ موسى یبحث عن هذا المخلوق بین الناس، وبعد فحص كثیر لم یجد من هو أدنى منه، اذ لعله ذو مقام رفیع عند الله وعزیز ولكن الآخرین یجهلونه، وانْ كان عاصیا، اذ ان ذلك لا یدل حتماً على انه سیء، فلعله قد تاب الى الله بعیداً عن انظار الناس. ولذا اتّجه الى الحیوانات لعلّه یجد حیوانا هو الاسوء من بینها لیصطحبه معه، الاّ انّه وجدها أیضاً لا تؤذی احدا ولا ذنب لها فكیف یمكن القول انها اسوء؟ مضى حتى وجد كلبا ذارائحة عفنة، فأراد اصطحابه الاّ انّه فكّر بانه أیضاً حیوان برىء فی حین ان بنی الانسان عصاة ویمكن ان یكونوا احط من الكلب بسبب معاصیهم.

واخیرا جاء الى جبل الطور خالی الیدین، فخوطب لماذا لم تعمل بما أمرت به؟ فأجاب: إلهی لم أجد مثل هذا المخلوق، فخوطب: لو كنت أتیت بذلك الكلب لمحوت اسمك من سجل الانبیاء.

هذه القصة تعلّمنا قضیة تربویة مهمة ینبغی ان لا نغفل عنها أبداً. على الانسان ان لا یعتبر أی انسان آخر سیّما المؤمن وان كان عاصی ـ دونه، وان لا یظن انه افضل واعلى من الآخرین أبداً، اذ من الممكن ان یتسافل افراد واُناس طاهرون وذوو مقام رفیع ویصبحوا أحطَّ من اولئك العصاة.

اننا طبعا مأمورون بالظاهر عند أداء الواجبات والتكالیف، فلابدّ أن نحترم المتقین ظاهراً، ونأمر العاصی بالمعروف وننهاه عن المنكر، ولا ینبغی ان نستند الى رؤیة هذه الظواهر ونعتبر الآخرین دوننا ونحن افضل منهم. فی هذا المجال توجد روایات كثیرة تدعو الى الاحتراز من تحقیر أی مؤمن اذ لعله من اولیاء الله وهو مجهول وقد اخفى الله عز وجل اولیاءه بین الناس. إذنْ یجب ان لا ننظر الى أحد بعین الاحتقار. وتترتب آثار تربویة واخلاقیة واجتماعیة مهمة على هذین الارشادین الأخلاقیین المهمین:

الاول اعتبار أنفسنا دون الآخرین والشعور بالحقارة فی أنفسنا، الثانی ان لا نحقّر ای مؤمن آخر إذ لعلّه من اولیاء الله عز وجل. لاننا حینما نعتبر انفسنا أحقر وأدنى نبدأ بالتفكیر فی تطهیر انفسنا وتزكیتها وتعالیها وتكاملها ونضاعف جهودنا وتحركنا فی هذا المجال، وحینما نعتقد بان اولیاء الله مختفون بین الناس فاننا سوف لا نحقّر أی انسان، بل نقوم باحترام الجمیع حتى تترسخ وتقوى علاقاتنا الاجتماعیة ویسود أعضاء المجتمع كافة الشعور بالمودة والمواساة والتعاون.

یترتب على تحقیر وتسقیط شخصیة الآخرین ـ اضافة الى التبعات الأخلاقیة ـ خسائر وأضرار اجتماعیة كبیرة أیضاً ویُهدّد وجود المجتمع وكیانه. وأقل اضرار ذلك هو ظهور العداء وتعكیر الصفاء وزوال التعاطف بین أعضاء المجتمع مما یؤدی الى عدم المواساة والتعاون والتعایش فی المجتمع.

الآیة المذكورة تمنع ـ اضافة الى السخریة ـ من الممارسات الاُخرى التی تؤدی الى تحقیر الآخرین وتحطیم شخصیتهم كاللمز والتسقیط والتخاطب مع الآخرین بأسماء سیئة. ویمكن القول بنحو عام ان الآیة الكریمة وان ذكرت موارد خاصة كـ (لا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب) ولكنه واضح ان هذه الموارد هی مجرد نماذج، والغایة الأساسیة هی ان لا تتعرض شخصیة الآخرین للهجوم من أی طریق. انّ التعرض لشخصیة الآخرین فی المجتمع بأی نحو كان مدان وممنوع ویكون سببا لتبدل ایمان الانسان الى الفسق والسقوط المعنوی، كما یشهد علیه ذیل الآیة (بئس الاسم الفسوق بعد الایمان) حیث یشیر الى انّ المؤمن اذا مارس هذه الافعال یصبح فاسقا ویطلق علیه هذا الاسم القبیح.

بناء على ذلك فانّ التعامل الفظ والمهین مع المؤمنین لسانا وعملا یكون مدانا فی الرؤیة الاسلامیة وله تبعات اجتماعیة مدمّرة. فاذا تواجه شخصان بالشتم والكلام البذیء أو التضارب فلا یمكن ان یتحابّا أو یشتركا فی نشاط اجتماعی.



[1]. الحجرات 11.


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/1331