الهدف من نهضة عاشوراء(2)
ـ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر
أهمّیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر
واجب المسلمین إزاء المنكرات
عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر
تحدّثنا فی الفصول السابقة عن مواضیع تتعلّق بعاشوراء ونهضة ابی عبداللّه الحسین(علیه السلام)، وحاولنا ان نقدّم أجوبة واضحة لأسئلة تخطر على بال الشباب والیافعین.
ومن جملتها سؤال تعرّضنا له فی الفصل السابق حول مایسمع به الناس من انّ نهضة الامام الحسین(علیه السلام) كانت من أجل إحیاء الإسلام. فهذا عنوان عام، ولیس واضحاً كیف یمكن ان تكون نهضته(علیه السلام) من أجل احیاء الاسلام؟ وهل تحقّق الهدف الذی نهض من أجله أم لا؟ فی الجواب على هذا السؤال تعرّضنا فی الفصل الماضی لوصیّة الامام الحسین(علیه السلام)الى أخیه محمد بن الحنفیّة وحاولنا شرح هذه الفقرة منها:
«انّما خرجت لطلب الاصلاح فی اُمّة جدّی»(1).
الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر:
و یواصل الامام الحسین(علیه السلام) وصیّته لأخیه فیقول:
«و أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وقد طرق أسماعَنا كثیراً تعبیرُ «الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر»، وكذا القول بانّ «نهضة عاشوراء كانت من أجل الأمر بالمعروف». ولكنّه یوجد فی هذا المجال
1. بحار الأنوار، ج 44، ص329، الباب 37، الروایة 2.
ابهام ویُطرح سؤال وهو: ما الفرق بین الأمر بالمعروف الذی سمعنا به كثیراً وقد بحثه العلماء وذكروا له شروطاً خاصّة والأمر بالمعروف الذی بیّنه الامام الحسین(علیه السلام)وعمل به؟ فنحن لم نسمع بمثل هذا الأمر بالمعروف الذی یُضطرّ فیه الانسان لیُمسك بأیدی نسائه وأولاده ویأتی بهم الى صحراء لا ماء فیها ولا عشب لیقاتل مجموعة لم تهتمّ بأمره لها بالمعروف، وتنتهی القضیة بنیله الشهادة مع خیرة أصحابه وأهل بیته. أیّ لون هذا من ألوان الأمر بالمعروف؟
ومن ناحیة اُخرى فقد سمعنا انّ للأمر بالمعروف والنهی عن المنكر شروطاً معیّنة، ویقولون انّ من جملتها هذا الشرط وهو أن لا یخاف الانسان من حصول الضرر له بسبب ذلك. مع انّ الامام الحسین(علیه السلام) قد أقدم على الأمر بالمعروف هنا مع یقینه بحصول الضرر له. فكیف ینسجم فعله(علیه السلام) مع ما نعرفه من أحكام تتعلّق بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر؟
قال البعض انّ هذا اللون من الأمر بالمعروف هو حكم مختصّ بسیّدالشهداء(علیه السلام)نزل من السماء فی حقّه فقط.
وقال البعض انّ لكلّ واحد من الأئمة الطاهرین(علیه السلام) واجباً مختصّاً به قد عُیّن له من قِبل اللّه عزّوجلّ، وهذه الأعمال لیس لها ملاك عامٌّ وهی غیر قابلة للسرایة الى الآخرین.
فهل هذا الجواب صحیح ومقنع؟
وهل هذا اللون من الأمر بالمعروف مختصّ بسیّد الشهداء(علیه السلام) وكان علیه فقط أن یقوم به بهذه الصورة؟ أم لا، فمن الممكن أن یأتی یوم یجب فیه على أفراد آخرین أن یقوموا بنفس هذا العمل؟
انّها أسئلة تُطرح وقد یخطر على البال ـ ابتداءً ـ أجوبة ایجابیّة أو سلبیّة، لكنّه یتحتّم علینا أن نهتمّ بالسؤال أكثر وأن نحاول تقدیم جواب له واضح ومقنع.
وقبل البدء بتوضیح الجواب على هذه الأسئلة یحسن بنا أن نشیر الى أهمیّة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر من وجهة نظر القرآن الكریم وروایات أهل البیت(علیهم السلام).
أهمیّة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر:
من الشائع فی مجتمعنا الاسلامیّ أن یتمّ تعلیم الأطفال ـ فى الوسط العائلیّ والمدرسیّ ـ اصول الدین وفروعه، وتُعتبر هذه من جملة المسائل الأولیّة. والفرع السابع والفرع الثامن من فروع الدین هما الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. وهذا یعنی انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر واجبان مثل الصلاة والصیام تماماً.
اذن وجوب هذین الأمرین واضح للجمیع، والكلّ یعلم انّه من ضروریّات الدین، ولا مجال لهذه الشبهة وهی ان یدّعی أحد انّ له «قراءة» اخرى بالنسبة لهذین العنوانین تقول بعدم وجوبهما فی الاسلام. وحتّى من لم یتعلّم فی المدارس فانّه یعلم انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هما من ضروریّات الدین الاسلامیّ.
وهناك آیات كثیرة ومتنوّعة تتحدّث عن الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر بحیث لا تدَع أیّ مجال للشبهة والإبهام فی هذا المضمار. والروایات أیضاً متضافرة فی هذا المجال. وأنقل هنا بعض الروایات الشریفة ـ كنموذج فقط ـ لمعرفة الثقافة المسیطرة على أذهان المسلمین والمتدیّنین فیما یتعلّق بهذین الأمرین.
یروی الشیخ الطوسی(قدس سره) فی كتاب التهذیب والمرحوم الكلینی فی اصول الكافی:
«... عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: یكون فی آخر الزمان قوم یُتّبع فیه قوم مراؤون، یتقرّؤون ویتنسّكون، حدثاء سفهاء، لا یوجبون أمراً بمعروف ولا نهیاً عن منكر إلاّ اذا أمنوا الضرر یطلبون لأنفسهم الرُخص والمعاذیر...»(1)
1. تهذیب الاصول، ج 6، ص 180، الباب 22، الروایة 21; اصول الكافی، ج 5، ص 55، الروایة 1.
یتحدّث الامام الباقر(علیه السلام) لجابر فی هذه الروایة الشریفة عن قوم فی آخر الزمان سوف یتّبعون فئة معیّنة فی أقوالهم وأفعالهم (و تلك الفئة التی هی مورد اعتماد الناس لابدّ أنها من العلماء والوجهاء المسموعة كلمتهم). وتذكر الروایة الشریفة بعض الصفات لهؤلاء المتبوعین منها أنّهم «یتقرّؤون ویتنسّكون». یتقرّؤون مأخوذة من مادّة القراءة. ففی صدر الاسلام كان یتولّى أكبر العلماء ـ وهم العارفون جیّداً بالقرآن والعلوم القرآنیة ـ تعلیم الآخرین هذه العلوم. ویُطلق علیهم اسم «القرّاء». فاذا أرادوا ارسال مبلّغ لمدینة أو دولة أو مجموعة حدیثة الاسلام فانّهم یختارون من بین هؤلاء «القرّاء» من یرسلونه لیقرأ لهم القرآن ویفسّره ویعلّمهم أحكامه لیهتدوا به. ومن هنا فقد اشتهر «القرّاء» بعنوان كونهم أكبر العلماء فی صدر الاسلام. لكنّه كان هناك أیضاً من یرتدی زیّ هؤلاء القراء، والواقع انه لا یتمتّع بالأهلیّة للقیام بهذه المهمّة ولكنّه یتظاهر بذلك. فالامام الباقر(علیه السلام)یقول بان الناس فی آخر الزمان سوف یتّبعون المتظاهرین بأنّهم من علماء الدین ومن «القرّاء».
ثمّ یذكر(علیه السلام) صفة ثانیة لهؤلاء وهی انّهم «یتنسّكون» من مادّة «النُسك» أی العبادة وهم المتظاهرون بالتعبّد. وهم فی الحقیقة لیسوا من أهل العبادة ولكنّهم یتظاهرون أمام الناس بما یوحی لهم انّهم متعبّدون.
ویصفهم الامام(علیه السلام) بانّهم «حدثاء سفهاء» بمعنى أنّهم حدیثوا العهد بالجوّ الدینیّ وهم سطحیّون لا یتمیّزون بالعمق: «لایوجبون أمراً بمعروف ولا نهیاً عن منكر إلاّ اذا أمنوا الضرر»، بمعنى انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر اذا كانا یؤدّیان الى مشكلة بالنسبة لهم فانّهم یُفتون بعدم وجوبهما ویعفون أنفسهم والناس من القیام بهما.
«یطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذیر»، انّ هؤلاء المتظاهرین بالتقوى یبحثون عن الذرائع لیفرّوا من التكلیف الشرعی، لانّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر یستتبعان ـ شئنا أم أبینا ـ بعض التبعات والصعوبات، فالذین یُنهَون عن المنكر ـ
مثلاً ـ لا یروق لهم ذلك فلایحبّون من ینهاهم عنه ویحجبون عنه احترامهم ودعمهم المادی ویتفرّقون عنه. فاذا اعترض الخائف من اللّه سبحانه على قیام الناس ببعض المنكرات كأن ینهاهم عن معاملة ربویّة أو عن اقامة لون خاص من حفلات الزواج أو عن الحضور فی مجالس اللهو والطرب أو مجالس الرقص والمعصیة وماشابه ذلك من منكرات فانّهم سوف یتفرّقون عنه.
أما بعض ضعفاء الایمان فانّهم یحاولون أن لا یطرحوا مثل هذه المواضیع حتّى لا یفقدوا مكانتهم الاجتماعیّة، وهم یبحثون عن بعض الذرائع لیفرّوا من واجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وینسجموا مع الناس ویحافظوا على تأییدهم لهم.
هؤلاء المتظاهرون بالعلم والتقوى لا یتمتّعون بالأهلیة لقیادة الناس وهدایتهم إلاّ انّهم یحاولون إبعاد العلماء الحقیقیّین عن الساحة الاجتماعیّة لیحلّوا محلّهم. كیف یبعدون العلماء الواقعیّین عن ساحتهم؟ لابدّ ان یقوموا بعمل یسقطهم من عیون الناس، ولهذا فانّهم یحاولون أن یُلصقوا بهم اُموراً وأن یجدوا فیهم نقاط ضعف. وأبسط مایمكن أن یقوم به هؤلاء هو أن یضعوا أصابعهم على أخطاء فی كلام أو سلوك العلماء الحقیقیّین ثمّ یقومون بتضخیمها وتعظیمها. ومن الواضح انّ العلماء الواقعیّین لیسوا معصومین ولهذا فقد یرتكبون خطأ، كأن ینقلوا احصائیّة بشكل خاطئ أو یقرأوا آیة شریفة بصورة خاطئة أو یخطئوا فی جملة اثناء خطاباتهم، فیمسك بها المغرضون قائلین انّ هذا لا یعرف كیف یقرأ القرآن أو لا یعرف الخطابة. ولكنّ هؤلاء لوجرّبوا الخطابة لمدّة عشر دقائق فقط لعرفوا الصعوبات التی تعترض الخطیب.
وعلى أیّ حال فالمتظاهرون بالعلم یبحثون عن نقاط الضعف فی الآخرین لیجعلوها تحت المجهر ویشهّروا بصاحبها. ومن المعروف انّ العالم مهما كان ضلیعاً فی العلم ورفیع الدرجة فی التقوى فانّ له بعضَ نقاط الضعف، وعلى أقلّ تقدیر فانّه یخطئ لانّه غیر معصوم عن الخطأ، فقد یصدر منه عمل غیر لائق، أو قدیقوم بعمل
یتصوّر انّه واجب علیه ثمّ یكتشف انّه غیر واجب وقد كان مخطئاً فی ذلك. اذن من الممكن ان توجد بعض نقاط الضعف حتّى فی أفضل العلماء وأهمّ الشخصیّات. ویجلس المتظاهرون بالعلم منتظرین لمثل هذه النقاط من الضعف. فاذا صدرت من العلماء الحقیقیّین فانّهم یكبّرونها أضعافاً مضاعفة ویبذلون قصارى جهدهم لیسقطوا العلماء الحقیقیّین فی أعین الناس، أی انّهم یغتالون شخصیّاتهم لیتفرّق الناس من حولهم ویتحلّقوا حول اولئك المتظاهرین بالعلم.
ولیس هذا كلامی وانّما هو مضمون الروایة الشریفة التی یخاطب فیها الامام الباقر(علیه السلام) واحداً من أصحاب سرّه وهو جابر فیقول(علیه السلام):
«یتبعون زلاّت العلماء وفساد علمهم».
ویواصل(علیه السلام) فیقول: «یُقبلون على الصلاة والصیام وما لا یكلمهم فی نفس ولا مال»، فهم حریصون على القیام بما لایسبّب لهم ضرراً على أنفسهم وأموالهم. بینما الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر یعود بالضرر على نفس الانسان وماله، فعلى أقلّ التقادیر تنقطع عن الآمر بالمعروف المساعدات التی تصله من الآخرین. انّ أصحاب الأموال وأصحاب القدرة هم المؤهّلون أكثر لارتكاب المعاصی بسبب ما عندهم من قدرة وثروة، فلو حاول المتظاهرون بالعلم القیامَ بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر لاصطدموا بأصحاب القوّة والثروة، والاصطدام بهؤلاء یؤدّی الى الحاق الضرر بمصالحهم، ولهذا فانّهم یتّجهون الى عبادة وعمل «لا یكلمهم فی نفس ولا مال».
ویستمرّ الامام(علیه السلام) فی تصویره لهذا الجوّ فیقول:
«ولو أضرّت الصلاة بسائر مایعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمَّ الفرائض وأشرفها»(1)
1. وقد جاء النصّ فی الكافی بانّه «أسمى الفرائض».
لانّ ملاكهم فی ترك الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هو الضرر، فهم یخافون من إلحاق الضرر بأموالهم وأنفسهم ولهذا یتخیّلون عن الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. فاذا أصبحت الصلاة مؤدّیة الى إلحاق الضرر بأموالهم وانفسهم فانّهم یتركونها بحسب نفس ذلك الملاك: «كما رفضوا أتمّ الفرائض وأشرفها»، انّهم على استعداد لترك أیّ شیء یؤدّی الى الإضرار بمصالحهم.
فهو(علیه السلام) یعتبر الأمر بالمعروف «أتمّ الفرائض وأشرفها» فهو أرفع حتّى من الصلاة: «انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فریضة عظیمة» لیست هیّنة «بها تُقام الفرائض»، فاذا اُهمل الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فانّ سائر الواجبات لن تبقى حیّة فی المجتمع. اذن بقاء الدین وأحكامه متوقّف على الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، فإن لم یتمّ العمل بهذین الواجبین فانّ سائر الواجبات سوف تُترك.
اذن من أهمّ میزات المتظاهرین بالعلم والتعبّد أنّهم لا یهتمّون بفریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر إلاّ فی الموارد التی لا تستبتع أیّ ضرر بالنسبة الیهم.
ثمّ یستنتج(علیه السلام) عاقبة هذا الوضع فیقول:
«هنالك یتمّ غضب اللّه علیهم فیعمّهم بعقابه، ویهلك الابرار فی دار الفجّار، والصغار فی دار الكبار».
اذا اتّبع الناس مثل هؤلاء المتظاهرین بالعلم والعبادة فانّ العقاب الالهی سوف یعمّ الجمیع، المستقیم والمنحرف، الأخضر والیابس، الصغار والكبار. یومئذ سوف ینزل بلاء عامٌّ لا یُستثنى منه أحد.
ویعود الامام(علیه السلام) مرّة اخرى لیذكّر بأهمّیّة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فیقول:
«انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر سبیل الأنبیاء» فمن أراد أن یسلك سبیل الأنبیاء فلیعمل بهما، وأمّا من أهملهما فهو غیر سالك سبیل الأنبیاء، «و منهاج
الصالحین، فریضة عظیمة بها تُقام الفرائض وتأمن المذاهب» أی بواسطتها تؤمّن الطرق، «و تحلّ المكاسب» فاذا أحبّ الناس أن تصبح تجارتهم وكسبهم حلالاً فلابدّ ان یبذلوا جهدهم فی اقامة هذه الفریضة، وإلاّ شاع الربا تدریجیّاً، فإن لم ینه الناس عنه اختلط الحلال بالحرام وتعذّر علیهم التمییز بینهما. «و تُردّ المظالم» فان أضاع شخص حقّاً لشخص آخر فانّ انتشار الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فی المجتمع یؤدّی الى عودة الحقّ الى صاحبه. «و تعمر الأرض» فاذا اتّسع نطاق الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فسوف یقف فی وجه النفعیّین لیمنعهم من تخریب البیئة الحیویّة من أجل الحصول على قدرة أكبر أو ربح أكثر. مثلاً أصحاب المصانع الذین لایهتمّون بالشؤون الصحیّة فیلوّثون البیئة الحیویّة، لماذا یُلاحظ فیهم هذا الأمر؟ لانّهم یبحثون عن ربح أكبر. اذن بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر یُحال دون هذه الممارسات فتصبح الأرض عامرة والبیئة سلیمة.
«و یُنتصف من الأعداء»، أی اذا شاع الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فی مجتمع بحیث شمل أصحاب القدرة فیه فانّ الأعداء لا یجرؤون على الاعتداء علیه. لا أن تقتصر هذه الحالة على شخص أو أفراد قلائل یقومون بهذا الواجب المقدّس بهدف إتمام الحجّة على الناس.
«و یستقیم الأمر» وهذا هو الاصلاح حیث تُرفع المفاسد.
فالامام(علیه السلام) یحذّر من انّه فی آخر الزمان سوف یتهاون الناس فی واجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر إلاّ فی الحالات التی لا ضرر فیها علیهم، اذا حدث هذا فلیحذروا من عذاب اللّه النازل علیهم حیث یحرق الأخضر والیابس ویطال الصغیر والكبیر. ثمّ یوصی الامام الباقر(علیه السلام) أتباعه بالاستماع الى نصائحه حتّى لا یُبتلوا بتلك النتائج المرّة.
واجب المسلمین إزاء المنكرات:
«فأنكروا بقلوبكم» هذه هی الخطوة الاولى فی القیام بهذا الواجب، فاذا لاحظتم حدوث منكر فی المجتمع فلابدّ من الشعور بالاشمئزاز والنفور منه فی القلب. اذا وجدتم معصیة تُرتكب فی المجتمع فلاتقولوا: صحیح انّها معصیته ولكنّها شیء بسیط وأمر هیّن. نعم انّهم یقیمون مراكز ثقافیّة الیوم ولكنّ الأطفال یتسلّون بها! ویتعلّمون شیئاً من الرقص! وشیئاً من الألحان اللطیفة! لانّه فی هذا العصر لا یمكن تربیة الأطفال من دون اللجوء الى «الفن»! وما شابه ذلك من تبریرات.
كلاّ، انّ هذه المواقف الانهزامیّة لا تعالج الانحراف، بل لابدّ من التصدّی للانحراف، وأوّل خطوة فی هذا المجال هی الشعور بالغضب من الذنب فی أعماق القلب. ومن لم یشعر فی قلبه بالغضب على حدوث المعصیة فانّ هذه هی المرحلة الاولى من النفاق، أی انّه غیر راض بتطبیق حكم اللّه ولهذا یفرج قلبه بحدوث المعصیة.
لماذا تقوم امرأة بحركات موزونة ـ كما یقولون ـ لمدّة ساعة بالقرب من مصلّى مدینة قم المقدّسة، المركز العالمی للاسلام ومدینة العلم والثورة؟ ألم یكن هناك رجل لیقوم بهذا العرض؟! ألم یكن هناك فنّ آخر؟ هل انحصر الأمر فی أن تقوم امرأة بالرقص وأن یجلس المؤمنون یتفرّجون ولا ینطق أحد منهم حتّى بكلمة؟! ولعلّ البعض یقول فی نفسه: نحن لم نشاهد هذا من قبلُ فهذه فرصة لتجربة ما لم نعرفه سابقا!
أو ان یقف البعض فی دور طویل على دور السینما التی تعرض أفلاماً لا ینبغی للمؤمنین أن یحضروها!
إذنْ أوّل فعل ینبغی القیام به اذا شاهدنا المعصیة هو «الانكار بالقلب» ای أن نشعر بالألم والنفور فی قلوبنا على حدوث الانحراف.
وفی المرحلة الثانیة «و الفظوا بألسنتكم» أی قوموا بالاعتراض القولیّ. ولعلّ
القول اللیّن الذی یؤدّى بحنان وشفقة هو الأفضل فی البدایة، ولكنّه اذا لم ینفع ذلك فی الهدایة وواجه المذنبُ الناصحَ باللامبالاة قائلاً: أنا حرّ فیما أفعل! وقلبی یمیل الى هذا الفعل!
فلامجال حینئذ للطف واللیونة، بل لابدّ من موقف آخر حیث یقول الامام(علیه السلام): «وصكّوا بهاجباههم» أی تكلّموا معهم بقوّة، صارحوا مرتكب المعصیة قائلین: أنا أقصدك بالكلام، لماذا تفعل الذنب؟!
ومن الواضح انّ مثل هذا الموقف قد یستبتع خطورة على الآمر بالمعروف ولاسیّما فی ظلّ ثقافة التساهل والتسامح التی اُشیعت فی مجتمعنا خلال الفترة الأخیرة، تبدأ من الاتّهام للآمر بالمعروف بانّه من أصحاب العنف! وبعید عن التحضّر! ثمّ تمتدّ الى الایذاء والضرب وتنتهی بالقتل كما حدث فی بعض المدن!
وبعض الناس عندما یرى مثل هذه المواقف مع الآمرین بالمعروف الناهین عن المنكر المرخّصین رسمیّاً للقیام بهذه المهمّة من قبل الأجهزة القضائیّة فانّه یستولی علیه الخوف من القیام بهذا الواجب الشرعیّ.
لكنّ الامام(علیه السلام) یقول اذا واجهتم اللوم على اعتراضكم واتّهموكم بالعنف حتّى من قِبل بعض أصدقائكم فلیس أمامكم إلاّ الصمود على الموقف الحقّ «و لا تخافوا فی اللّه لومة لائم» لئلاّ یأتی الیوم الذی ینزل فیه البلاء علیكم فیحرق الأخضر والیابس.
اذن فی مجال الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر لابدّ ان نلجأ فی البدایة الى الكلام اللطیف والموعظة الحسنة للطرف المقابل، فان لاحظنا انّ هذا اللون من التعامل لم ینفع معه ولم یؤثّر فیه اضطررنا الى الكلام العنیف والاسلوب الخشن وأن لانهاب أحداً حتّى لو عرّضنا أنفسنا للخطر. فان وجدنا انّ هذا أیضاً لم ینفع فما العمل حینئذ؟ لو كان الأمر فی البدایة كما فی أوائل وفاة النبی(صلى الله علیه وآله) حیث كان الناس لا یزالون یحتفظون بقوّة ایمانهم وثوریّتهم، فانّه لو تمّ الوقوف فی وجه الخطر لكان
الأمر سهلاً. ولكنّه قد تطرأ ظروف لا یكون الوضع فیها سهلاً وانّما یقف المذنبُ أمام الآمر بالمعروف بكلّ وقاحة ویمطره بكلمات ملؤها التحدّی والتهدید فما هو الموقف عندئذ؟
عندما یقوم المؤمن بواجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فانّ ردّ فعل الشخص المذنب إزاء ذلك لا یخلو من احدى حالتین: فهو إمّا أن یتأثّر بهذا الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر ویقلع عمّا فعل، وإمّا أن یظهر العناد ویتحدّى الآمر بالمعروف ویوجّه الیه كلمات مهینة وقد تتعدّى الاهانة لتشمل المقدّسات الدینیّة. فان تأثّر بالأمر بالمعروف وأقلع عن عمله السّی وعاد الى الطریق المستقیم فلا حجّة لنا علیه بل لابدّ من التلطّف معه والشفقة علیه: «فان اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبیل علیهم» لان المطلوب قد حصل، یقول اللّه تعالى:
«إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَى الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النّاسَ وَ یَبْغُونَ فِی الأَْرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ»(1)
وامّا اذا لم یتأثّر بالأمر بالمعروف وأصرّ على ظلمه وانحرافه فسوف یتغیّر التكلیف الشرعی ویتعدّى حدود الكلام واللوم والغضب «هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم». انّ هؤلاء الذین تمرّدوا على أحكام الاسلام علناً وتعدّوا على مقدّساته لابدّ ان نشعر بالنفور منهم فی أعماق قلوبنا ویجب علینا مقاومتهم والنضال ضدّهم. لا أن نقول انّ الاسلام دین المحبّة والرأفة! فاتركوا حبل هؤلاء على غاربهم یفعلون مایشاؤون.
نعم انّه دین الرأفة والرحمة ولكن فی محلّها وهو أیضاً دین یأمر بالعنف والخشونة حینما یقتضی الموقف ذلك.
1. سورة الشورى، الآیة 42.
«ابغضوهم بقلوبكم» وكونوا حذرین جدّاً فحینما تقرّرون النضال ضدّ هؤلاء الأشخاص فانّه یتعیّن علیكم ان تستبطنوا نیّاتكم وأن تتأكّدوا من سلامتها، لانّ الشیطان مترصّد للمؤمن ولاسیّما فی مثل هذه الحالات. فالشیطان لا یتصدّی لتارك الصلاة حتّى یرغّبه فی الریاء، لانّ هذا الانسان لا صلاة له حتّى یرائی فیها. امّا اذا دخل المؤمن فی الصلاة ولاسیّما اذا كان فی المسجد وأمام الناس فانّ الشیطان یوسوس له حتّى یزید فی مدّ قوله تعالى «و لا الضالّین» لیثیر اعجاب الناس بقراءته! وكذا الأمر بالنسبة لمن لا یشارك فی حضور مجالس العزاء وانّما یذهب الى دور السینما والمسرح وغیرها فالشیطان لا غرض له معه حالیّاً لانّه بنفسه سالك سبیل الباطل وسائر نحو جهنّم. امّا اذا جاء الى مجلس العزاء فالشیطان یوسوس له بان یتظاهر بالبكاء حتّى یخیّل للآخرین انّه حزین ومخلص، ولیعجب الناس به على أساس انّه من أهل الولایة!
انّ الشیطان یتحرّك نحو الانسان حینما یكون سائراً فی طریق الحقّ.
مادام الانسان غیر منتسب الى أهل الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فانّ الشیطان لا غرض له فی الوسوسة له لانّه رفیقه فهو شیطان آخر. لكنّه عند ما ینوی القیام بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فانّ طریقه قد انفصل عن طریق الشیطان ولهذا یتّجه الشیطان للوسوسة له. كالشخص الذی یذهب للقتال فی سبیل اللّه فالشیطان یوسوس له بان یمهّد لنفسه حتّى یظفر بالقدرة فینال غداً منصباً. انّه یحدّث نفسه: الى متى أنا باق فی النشاطات الجهادیّة! وحینما أعود الى الحیاة الاجتماعیّة أجد الأفراد الذین لا أهلیّة لهم قد احتلّوا المناصب المهمّة فأبقى دائماً الى الوراء. مادامت القضیّة أدواراً فلیكن الدور فی هذه المرّة لی. هناك الكثیر من الناس قام بعملیّات التهریب للسلع الممنوعة! وحصلوا على أرباح طائلة! فلأجرّب هذا الطریق أیّاماً لعلّ وضعی المعاشی یتحسّن!
اذن عندما نعقد العزم على النضال لابدّ لنا من اخلاص النیّة وان لا نفكّر بالحصول على القدرة، وان لا ننوی الحصول على الثروة والمنصب من خلال الجهاد، وكذا الأمر فی الحصول على الشهرة عند الناس، وإلاّ فانّنا فقدنا أرواحنا ولم نكسب الثواب والأجر، لانّنا قد قمنا بأعمالنا بدوافع نفسانیّة وشیطانیّة ولا ثواب لمثل هذا العمل.
والعبادة تصبح ذات قیمة اذا كانت خالصة للّه تعالى، لذا قال(علیه السلام) «وابغضوهم بقلوبكم غیرَ طالبین سلطاناً ولا باغین مالاً ولا مریدین بالظلم ظفراً» فالظفر والنصر أمر مطلوب ولكنّه اذا كان عن طریق صحیح ومشروع، لا أن یتمّ الحصول علیه من أیّ طریق كان.
وفی الأجواء السیاسیّة لا مجال لمثل هذه التأمّلات، لانّ الغایة تبرّر الوسیلة، والهدف هو أن ینتصر حزبنا ولیكن مایكون، المهمّ هو ان ننتصر فی الانتخابات ولیحدث مایحدث.
أمّا فی الاسلام فعندنا یوجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر الى حدّ المخاطرة بالروح فانّه یوصینا أیضاً بالحذر من الشیطان حتّى نحمی أنفسنا من وسوسته، وحتّى لا نندفع للحصول على النصر وان كان من طریق غیر مشروع. بل لابدّ لنا فی كلّ الأحوال من المحافظة على الأحكام الالهیّة وحدودها بدقّة وان نهتمّ كثیراً باخلاص النیّة حتى نأمر بالمعروف من أجل اللّه تعالى.
وهنا نتساءل: ما هو الهدف من وراء الجهاد مع أفراد یعارضون الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر؟
یقول(علیه السلام) قوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر واذا انجّر الأمر الى القتال فجاهدوهم «حتّى یفیئوا الى أمر اللّه» أی حتّى یكفّوا عن طاعة الشیطان ویعودوا الى أحكام اللّه «و یمضوا على طاعته». لا یطیعون خطط الشیطان الأكبر
ولا ینفّذون مؤامراته، وانّما یتحرّكون على أساس طاعة اللّه تعالى ومرضاته.
عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر:
وفی آخر هذه الروایة الشریفة یُتحفنا الامام الباقر(علیه السلام) بموعظة اخرى حتّى لا نتهاون فی القیام بهذا الواجب المهمّ ولیكون لنا دافعاً للنهوض بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فینقل لنا(علیه السلام) قصة:
«قال ابوجعفر(علیه السلام) أوحى اللّه الى شعیب النبی(علیه السلام): انّی لمعذّب من قومك مائة الف، أربعین ألفاً من شرارهم وستّین ألفاً من خیارهم. فقال: یا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخیار؟» انّ الاشرار مستحقّون للعذاب، فلماذا تعذّب الأخیار؟ «فأوحى اللّه عزّ وجلّ الیه: انّهم داهَنوا أهل المعاصی ولم یغضبوا لغضبی». ما هو معنى المداهنة؟ انّها مأخوذة من مادّة «الدهن»، فهناك ـ مثلاً ـ قِطع فی السیارة تُطلى بالدهن حتّى لا یحدث بینها احتكاك. وكذا الأمر فی العلاقات الاجتماعیّة، فلكی لا یحدث احتكاك بین الأفراد المتنازعة فانّهم یداهنون أی یكفّون عن نقد بعضهم البعض ولا یقول كلّ طرف إلاّ مایرضی الطرف الآخر، ولا یهمّهم ان ترتكب الأطراف المختلفة الذنوب والمعاصی.
اذن ذنب الستّین ألفاً الذین عرّضهم اللّه سبحانه للعذاب هو أنّهم داهنوا أهل المعصیة ولم یأمروهم بالمعروف ولم ینهوهم عن المنكر «ولم یغضبوا لغضبی»، فالغضب واجب أیضاً، واذا لم یغضب الانسان فی بعض الموارد فانّ اللّه سوف یعذّبه. لماذا؟ ألیس الاسلام دین المحبّة والرأفة والرحمة؟
أجل انّه كذلك ولكنّه مع ذلك یقول: انّ اللّه یعذّب ستّین ألفاً لانّهم لم یغضبوا لغضب اللّه. ویُعلم من هذا انّه لابدّ ان نغضب فی بعض الموارد، لا أن نتعامل دائماً بالمجاملات والابتسامات. ففی بعض الأحیان لابدّ من العنف «صكّوا بها جباههم»
تكلّموا معهم بقوّة. واللین لیس دائماً هو الحلّ الأمثل.
وهناك روایة اخرى منقولة عن الامام الصادق(علیه السلام) تتحدّث عن هذا الموضوع نفسه:
«عن ابی عبداللّه(علیه السلام) قال: قال أمیرالمؤمنین(علیه السلام): أدنى الانكار أن یُلقى أهل المعاصی بوجوه مكفهرّة»(1).
اذا لم یستطع المؤمن القیام بأیّ عمل فی مجال النهی عن المنكر فعلى أقلّ تقدیر یستطیع ان یعبس فی وجه المذنب، فهذا الواجب لیس ساقطاً عن أیّ أحد، إلاّ ان یستخدم الرأفة والتودّد وسیلة لهدایة المعاصی. فمع انّه یعلم بكونه قد عصى اللّه تعالى لكنّه یأمل فیه الهدایة والتوبة، ولهذا فهو یدعوه الى بیته ویتلطّف به، ولعلّه یقدّم له مساعدة مالیّة. اذا كان الأمر بهذا الهدف فانّ له حساباً خاصاً.
اذن لابدّ من اللجوء الى العنف فی الكلام مع من یقدم على المعصیة متجرّئاً ویقول بكلّ وقاحة: أنا حرّ أفعل ما أشاء، وهذا الأمر یتعلّق بی ولا علاقة لأیّ شخص آخر به!
وتوجد روایة اخرى عن الامام الصادق(علیه السلام) نختم بها هذا الفصل: «عن ابی عبداللّه(علیه السلام) انّ اللّه عزّ وجلّ بعث ملكین الى أهل مدینة لیقلباها على أهلها، فلمّا انتهیا الى المدینة وجدا رجلاً یدعو اللّه ویتضرّع، فقال أحد الملكین لصاحبه: أما ترى هذا الداعی؟ فقال قد رأیته ولكن امضی لما أمر به ربّی. فقال: لا، ولكن لا احدث شیئاً حتّى اراجع ربّی، فعاد الى اللّه تبارك وتعالى فقال: یا رب انّی انتهیت الى المدینة فوجدت عبدك فلاناً یدعوك ویتضرّع الیك. فقال: امضِ بما أمرتك به فإنّ ذا رجل لم یتمعّر وجهه غیظاً لی قطّ».(2)
1. تهذیب الاصول، ج 6، ص 176، الباب 22، الروایة 5.
2. اصول الكافی، ج 5، ص 58، الروایة 8.
لقد أرسل اللّه هذین الملكین لیقلبا هذه المدینة على أهلها لانّ أهلها مصرّون على معصیة اللّه ومتجاهرون بالفسق، ولیس هناك قرنیة تشیر الى انّهم مستعدّون للتوبة. وعندما دخلا الى المدینة ووجدوا ذلك العابد المتضرّع قال أحد الملكین: أنا لا أجرؤ على أن اعذّب هذا العابد، فلنرجع ولنسأل اللّه مرّةً اخرى. فقال الملك الآخر علینا ان ننفّذ أمر ربّنا. فالملك الأوّل احتمل تغیّر الأمر الالهیّ، فلعلّ الأمر الالهیّ قد صدر حینما لم یكن هذا العابد قد أظهر توبته بعد، فكان الأمر بانزال العذاب على هذه المدینة، أمّا بعد توبته فقد یكون الأمر الالهیّ قد تغیّر فلابدّ من الرجوع الى اللّه وسؤاله من جدید. ولمّا عاد وسأل أجابه اللّه سبحانه بانّ التكلیف السابق باق على حالته. ویبیّن اللّه تعالى السبب فی ذلك فیقول: صحیح انّ هذا الشخص یعبد ویدعو ولكنّه لم یغضب من أجل اللّه، فهو قد شاهد أهل هذه المدینة یذنبون ویعصون ولكنّه لم یتغیّر لون وجهه غضباً على المعصیّة، ومادام لم یغضب فانّه یُضمّ الى سائر الأفراد العاصین لیشملهم العذاب جمیعاً.