توضیحاتٌ ضروریّة
لما كنا نستعمل فی حدیثنا هذا بعض التّعبیرات التی تستعمل فی مجالات أخرى بمعان أخرى قد تختلف عن موارد استعمالنا فإنّه یجب الالتفات إلى التّوضیحات التّالیة لئلاّ نقع فی الاشتباه:
أ ـ إنّنا نقصد من (معرفة الذّات) ـ كما أشرنا إلیه ـ معرفة الإنسان من زاویة كونه متوفّراً على استعدادات و طاقات تمهّد له سبیل التكامل الإنسانیّ. و من هنا فإننا لانستغنی عن هذا البحث بمقدار ما یعلمه الواحد منا بنفسه علماً حضوریّاً كما أننا لا نقصد العلم الحضوریّ الكامل الّذی یحصل للإنسان فی أواسط سیره المعنویّ حیث یشاهد الإنسان حقیقته دون أیّ حجاب لأنّ هذه الحالة من نتائج بناء الذّات لا من مقدّماتها. كما أنّنا لا نبحث عن معرفة أجهزة البدن و مكوّناته و كیفیّة عملها ـ كما یبحث ذلك فی علم الفسلجة ـ بل و حتّى معرفة النفس و قواها الداخلیّة بالنّحو الذی یبحثه علم النفس فإنّها لیست غایتنا و إن كنّا قد نستفید من البحوث النفسیّة المقطوع بها كمقدّمات و مبادئ لبحثنا هذا.
ب ـ إنّنا نقصد من (بناء الذّات) و بشكل عامّ دراسة الذّات و الاهتمام بها، منح النّشاطات الحیاتیّة شكلها و جهتها، لا تحدیدها و إیقافها; و بعبارة أُخرى، فإن الغرض من هذا البحث هو أن نعلم بكیفیة تنظیم مساعینا العلمیّة و العملیّة و ما هی الوجهة الصّحیحة التّی یجب توجیهها نحوها لكی یؤثّر ذلك فی وصولنا إلى الكمال الحقیقی؟ و على هذا فإنه لایلزم من هذا البحث أن ننكر الحقائق الموضوعیّة خارج الذّهن أو ننكر قیمة معرفتها أو أیّ اتّجاه مثالیّ غیر إیجابیّ تماماً. كما أن النّزعة البرجماتیة (النفعیّة) القائمة على أصالة (مبدأ العمل المفید للحیاة المادّیة الدنیویة) و التی هی من مظاهر (الأومانیة). هذه الاتّجاهات لایمكنها أن تبیّن حقیقة هذا البحث بل سنرى أنّها تختلف عنها اختلافا كلّیاً، اللهم إلا أن تعطی بعض أنماط هذه الأفكار تفاسیر تتضمن تصوّراً متعالیاً سامیاً و هو ما لم یقصده مؤسّسوا هذه الاتّجاهات و أتباعها.
ج ـ إنّ المقصود من العودة إلى الذّات و التأمّل فی أعماقها و البحث عن أبعادها هنا هو أن یعرف الإنسان هدفه الأصلیّ و كماله النّهائیّ و كذلك مسیرة سعادته و رقیه الحقیقیّ عبر التأمل فی وجوده و استعدادته الداخلیّة و میوله الباطنیّة، و لسنا نقصد قطع الرّوابط الوجودیّة للذّات بالآخرین و عدم أخذها بعین الاعتبار و إنكار الإمكانات التى یهیّئها المجتمع و التعاون الاجتماعیّ لتحقیق التقدّم و التكامل الذاتیّ. فالمقصود إذن من هذه التعبیرات لیس إلاّ جوانبها الإیجابیّة فیجب أن لا نخلط بینها و بین (الفردیّة) و (الباطنیّة السلبیّة) و (الأنانیّة) و (عبادة الذّات) و أمثال ذلك من التعبیرات التی نجدها فی علم النفس أو الأخلاق و غیرها و التی تتضمن معانی سلبیّة.
د ـ هناك ألفاظ أخرى لها معان اصطلاحیّة متعددة و لها استعمالات متفاوتة فی العلوم المختلفة بل و قد یكون لبعضها معان متغایرة یستعمل كل معنى منها مذهب خاصّ فی إطار علم واحد مثل العقل، النفس، الشهود، الحس، الإدراك، الخیال، القوة، الطاقة، الغریزة و... و التقید باصطلاح خاصّ فی مثل هذه الأمور یوقع السامع و المتكلم فی ضیق لاداعی له، و من هنا فإنه لكی نعیّن المقصود من هذه التعبیرات ینبغی أن نعیّن المعنى من خلال سیاق الكلام و على أولئك الذین یأنسون اصطلاحاً علمیّاً و فلسفیّاً خاصّاً أن لا یحصروا أنفسهم فی إطار ذلك الاصطلاح لئلاّ یبتلوا بالخلط و الاشتباه.