آراء الفلاسفة حول كمال الإنسان
و بملاحظة الاختلافات الموجودة بین الفلاسفة و المفكّرین فی النظرة الكونیة فإنّ من الطبیعی أن توجد مواقف و أنظار مختلفة حول الإنسان. و لكن دراسة كل تلك المواقف و الآراء و علاقاتها بالمذاهب المختلفة لیست بذات فائدة مهمّة و لهذا فإنّا سنكتفی بذكر بعض الآراء الأساسیّة فیها:
1ـ إنّ الكمال الإنسانیّ یكمن فی أكبر تمتّع من اللذائذ المادیّة، و للوصول إلى ذلك تجب الاستفادة من العلم و التكنیك لاستثمار المنابع و الثروات الطبیعیّة لتحقیق حیاة أكثر رفاهاً و لذةً و هذا الرأی مبنیّ على أصالة المادّة و اللذّة و أصالة الفرد.
2ـ إنّ الكمال الإنسانیّ هو فی حصوله الاجتماعی على المواهب الطبیعیّة و للوصول إلیه یجب السعی فی تحقیقى رفاه كل الطبقات الاجتماعیّة. و فرق هذا عن سابقه یكمن فی أنّه یبتنی على أصالة المجتمع.
3ـ إنّ الكمال الإنسانیّ یكمن فى رقیه المعنوی و الروحی و الذی یحصل بالارتیاض و النضال ضدّ اللذائذ المادّیّة. و هذا الرأی یقف فی قبال الرأیین السابقین تماماً.
4ـ إنّ الكمال الإنسانی فی رقیه العقلیّ الذی یحصل عن طریق العلم و الفلسفة.
5ـ إنّ الكمال الإنسانیّ یمكن فی رقیة العقلی و الأخلاقی و الذی یحصل عن طریق تحصیل العلوم و كسب الملكات الفاضلة.
و الرأیان الأخیران كالرأی الثالث یتنافیان مع أصالة المادّة فى حین یفترق الثالث بأنّه ینظر للبدن كعدوّ و تجب مكافحته و بالانتصار علیه یحصل الكمال الإنسانیّ أمّا فی الرأیین الأخیرین فإنه ینظر للبدن كوسیلة یستفاد منها للوصول إلى الكمال.
و الفرق بین الرأی الرابع و الخامس واضح و إن كان الرأی الخامس قد یطرح كتفسیر للرابع.
و من الواضح أنّ هذه الآراء و الآراء الأخرى التی لم نذكرها كلّها مبتنیة على أصول فلسفّیة خاصّة ینبغی أن تدرس بشكل مسبق و متابعتها تحتاج إلى بحوث فلسفیّة عمیقة لاتنسجم مع هذا البحث لأنّنا أشرنا فی المقدّمة إلى أنّ أسلوبنا هو الاستفادة من المقدّمات الواضحة الوجدانیة و ترك الاستدلالات المعقّدة التی تحتاج إلى مقدّمات كثیرة; لتكون الفائدة أكبر أی لیستفید منه الأفراد الذین لایملكون اطلاعا على المسائل الفلسفیّة و الاستدلالات النقلیّة، و لكی لا نواجه تعصبات من قبل المخالفین.
و من هنا فلكی نعرف الكمال الحقیقیّ للإنسان نسعى لئلا نعتمد فی أدلّتنا على الأسس الفلسفیّة المعیّنة التی یقبلها بعض المذاهب دون غیرها أو الآراء الكلامیّة المعیّنة التی یؤمن بها البعض دون غیرهم.
بل نشرع بالبحث من أوضح المعلومات و أبسطها حول الإنسان. و بدیهیّ أنّ هذا الشروع لایعنی أن لا نعارض أیّة نظریّة فلسفیّة ـ خلاف سیرتنا الاستنتاجیة ـ و أن تكون نتیجة البحث مقبولة من قبل كلّ المذاهب و الآراء.
فإنّ مثل هذا الانتصار لیس إلاّ فى حكم انتظار توافق النقیضین و هو محال بالضّرورة.