الفصل الثالث/ ولایة الفقیه
سؤال: ما المقصود من الحكومة الدینیة؟
جوابه: ربما یراد من الحكومة الدینیة ثلاثة معان على أقل تقدیر هی:
1ـ الحكومة التی تقوم كافة أركانها على أساس دینی.
2ـ الحكومة التی یُلتزم فیها بالتعالیم الدینیة.
3ـ حكومة المجتمع المتدین الملتزم.
وبوسعنا توضیح هذه المعانی الثلاثة والفوارق بینها بما یلی:
فالحكومة بموجب المعنى الأول تعنی تلك التی تُستمد قوانینها من تعالیم الدین فحسب، والقائمون علیها منصوبون من قبل الله تعالى أیضاً، سواءً بالنص أو بالتنصیب العام من قبل المعصومین، ومثل هذه الحكومة تعدّ مثالیة وهی غایة المطلوب; لأنها بهذه المزایا تحظى بإسناد الحكم الإلهی، وتقوم على أساس الإرادة التشریعیة للخالق جلّ وعلا.
وعلیه فإن حكومة رسول الله(صلى الله علیه وآله) والإمام المعصوم(علیه السلام) وكذا حاكمیة أمثال مالك الاشتر فی عصر المعصوم، أو الولی الفقیه الجامع للشرائط فی عصر الغیبة; إنما هی من هذا القبیل.
وبمقتضى المعنى الثانی فلا ضرورة لأن یكون الحاكم منصوباً من قبل الله سبحانه، سواءً بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، وفی مثل هذه الحالة لا یتمتع القائم على هذه الحكومة بالإسناد الإلهی، ودینیة الحكومة إنما تتجسد بمراعاة التعالیم الدینیة فی ظلّها، كما لا یلزم بموجب هذا المعنى أن تكون جمیع قوانین الحكومة مستمدة من التعالیم والأحكام الشرعیة، بل یكفی أن تُراعى فیها الأحكام والقیم الدینیة الى حدٍّ ما. ویأتی هذا النوع من الحكم فی المرتبة الثانیة بعد الحكومة الدینیة بالمعنى الاول.
أما على أساس المعنى الثالث فلا یلزم قطعاً تحكیم القوانین الإسلامیة أو مراعاتها، بل یكفی تعلّق الحكومة بمجتمع یتصف أفراده بالتدین، فإنها تعتبر دینیة مجازاً بناءً على تدین المواطنین. وهذا التعبیر یشابه ما یُطلق على «الفلسفة الإسلامیة» التی یفسّرها البعض على أنها «فلسفة المسلمین» أی الفلسفة السائدة فی أوساط المسلمین، وإن لم تنسجم مع الفكر الإسلامی.
من هنا لیس ثمة ضرورة ـ بناءً على التفسیر الثالث ـ بأن یلتزم الحاكم بتطبیق أحكام وتعالیم الشرع، وفی ضوء ذلك فإن كافة الحكومات والدول التی قامت منذ صدر الإسلام الأول وحتى یومنا هذا فی مختلف بقاع العالم الإسلامی یطلق علیها حكومات دینیة.
لا شك فی أن المعنى الثالث للحكومة الدینیة لا یعدّ تفسیراً صائباً، طبقاً للمعاییر والموازین العقائدیة، ولا مجال للقبول به. فالحكومة الدینیة التی یدعو لها الإسلام إنما هی التی تصطبغ جمیع أركانها بالدین، أی أنها تكون دینیة وفقاً للمعنى الأول، أما المعنى الثانی فهو فی واقع الأمر یمثّل «بدیلا اضطراریاً» للحكومة الدینیة المنشودة، لا أنه یمثّل الحكومة الدینیة الواقعیة، أی لو تعذّر إقامة الحكومة بمعناها الأول; فلیس لنا مناصٌ إلاّ السعی لإقامة الحكومة بمعناها الثانی.
وللإیضاح نقول: عندما تكون الظروف بحیث یتعذر تشكیل الحكومة بمعناها الأول; حینها یُلجأ ـ على نحو الاضطرار ـ الى النوع الثانی، ولغرض توضیح معنى الاضطرار نورد المثال التالی:
إن أكل لحم المیتة حرام فی الفقه الإسلامی، ولكن إذا ما تعرّض المسلم الى ظروف یشرف معها على الموت نتیجة الجوع، وكانت لدیه كمیة من لحم المیتة، هنا یُفتی الفقهاء ـ استناداً للادلة الشرعیة ـ بجواز أكل لحم المیتة، بالمقدار الذی یؤدی الى إنقاذه من الموت. وفی مثل هذه الحالة یقال بأن مثل هذا الشخص مضطرّ لأكل لحم المیتة.
وفیما یتصل بهذا البحث، ففی الظروف التی یتعذر معها إقامة الحكومة الدینیة بشكلها الحقیقی; یضطر المسلمون لتشكیل حكومة، وفقاً للتصنیف الثانی. إذن من غیر الممكن اللجوء الى حكومة من النوع الثانی فی جمیع الاحوال، مثلما لا یجوز أكل لحم المیتة فی جمیع الأحوال، فإذا ما اضطر الناس كان بإمكانهم الاكتفاء بالحكومة بنوعها الثانی لغرض تطبیق الأحكام الإلهیة لحدٍّ ما فی ظلّها، وبهذا القدر تعتبر أفضل حالا من تلك التی تهمل التعالیم الإلهیة بشكل مطلق.
* * * * *