الفصل الاول/ ولایة الفقیه
سؤال: ما هو ابسط واوضح دلیل عقلی على ولایة الفقیه؟
جوابه: اصل التنزل التدریجی
بالامكان اثبات ولایة الفقیه بالاستناد الى اصل عقلائی وهو: لو كان هنالك أمرٌ ینشده العقلاء ولكن اصبح من الصعب أو المتعذر تحققه لاسباب معینة، فانهم لا یتخلون عنه كلیاً، بل یبادرون الى ما هو ادنى منه مرتبة، وبعبارة اخرى انهم یتخلون عن الاهم ویبادرون الى المهم ویراعون الترتیب حتى فی القضایا الهامّة. بل ان ترتیب الامور على اهمیتها انما جاء لغرض استبدال الأمر الذی هو فی المرتبة الثانیة واحلاله محل الذی یأتی فی المرتبة الاولى إن تعذَّر أو استعصى لظروف معینة، ونحن نطلق على هذا المبدأ العقلائی «التنزل التدریجی» وهو ما قبِلَه الاسلام أیضاً، ولدینا موارد كثیرة فی الفقه طُبق فیها هذا الاصل، ونكتفی هنا بمثالین لإیضاح الامر:
1ـ افترضوا ان شخصاً نوى الصلاة، والمطلوب ان تؤدى الصلاة فی حالة الوقوف ولكن اذا لم یكن الشخص قادراً على اداء الصلاة من وقوف بسبب المرض، فهل یتركها یا تُرى؟ یقول الفقهاء باجمعهم: یصلی ما استطاع من الصلاة واقفاً وما لم یقدر علیه یصلیه جالساً، وفی المرتبة اللاحقة إن لم یقدر على أداء الصلاة واقفاً فان الحكم الفقهی یتمثل فی ان یؤدیها جالساً، وان لم یستطع من جلوس فلیؤدها مستلقیاً.
2ـ لو أوقفَ امرؤ شیئاً لغایة معینة كأن یوقف عوائد البستان لاضاءة شموع مرقد الامام المعصوم(علیه السلام)، وحیث لا وجود للشمع فی الوقت الحاضر فماذا یفعلون بتلك العوائد؟ هل یصحّ القول بترك هذا المال الموقوف لانتفاء مورد الانفاق الأولی؟ من المؤكد لیس كذلك، فلابد من انفاقه فی اقرب الموارد للانارة من قبیل ان ننفق موارد ذلك البستان لمیزانیة الكهرباء، لان الكهرباء هی اقرب الموارد للشمع، وهذا ما نسمیه «التنزل التدریجی» وهو ما یُصطلح علیه مراعاة «الاهم فالمهمّ» أیضاً.
الفقیه العادل أقرب الناس للامام المعصوم
فی ضوء النظام العقائدی فی الاسلام تكون الحاكمیة لله. وهو تعالى لا یتدخل بشكل مباشر فی ادارة الشؤون الاجتماعیة للبشر وانما خوّل أمر الحكم للانبیاء والائمة المعصومین، فما العمل یا تُرى فی حالة عدم حاكمیة المعصوم المنصوب من قبل الله على شؤون المجتمع؟ أَیُمكن القول بان نتخلى عن الحكومة فی مثل هذه الحالة؟! مثل هذا الكلام لیس مقبولا فلقد ثبت فی محلّه ضرورة اصل الحكومة فی كل مجتمع، ومن هنا نرى ضرورة ولایة الفقیه استناداً لاصل «التنزل التدریجی» لان الفقیه الحائز على الشروط هو الذی یحلّ محل الامام المعصوم(علیه السلام)ویلیه فی المرتبة، وبطبیعة الحال شتّان ما بین المعصوم والفقیه العادل لكنه اقرب الناس وأشبههم به على صعید الحكومة الظاهریة على الناس.
والنتیجة هی ان الله تعالى هو الحاكم بالدرجة الاولى ویلیه رسول الله(صلى الله علیه وآله) ومن ثم الائمة المعصومون(علیهم السلام) حكاماً شرعیین، فهل هنالك مرتبة رابعة فی الحكم؟
ینبغی القول: فی ضوء ما یؤمن به الشیعة، یكون الولی الفقیه هو الذی یتبوء المرتبة الرابعة من الحكم فی زمان غیبة الامام المعصوم وذلك لأن الفقیه الجامع للشروط هو الاقرب للامام المعصوم. ذلك لان الحاكم الاسلامی یتعین علیه احراز مواصفات من قبیل الاحاطة بالقوانین والاحكام الاسلامیة، والالمام بالمصالح الاجتماعیة، والمؤهّلات الاخلاقیة التی تكفل الامانة ومراعاة المصلحة العامة، وهذه الشروط باكملها متوفرة لدى المعصوم، لانه لا یرتكب أیّ مخالفة للقانون وذلك لعصمته، وهو العارف تماماً بالقوانین الشرعیة ومصالح المجتمع لما یتمتع به من علم غیبی، وعلى الفقیه الجامع للشرائط التوفر على هذه المواصفات بدرجة أدنى كی تكتسب حكومته الشرعیة، أی یجب ان یتمتع بملكة الفقاهة والاجتهاد لیتمیز على الاخرین بمعرفة احكام الاسلام لاسیما فی مجال القضایا السیاسیة والاجتماعیة، ویجب ان یتحلى كذلك بملكة التقوى والعدالة لئلا یضحی بمصالح المجتمع من اجل المصلحة الشخصیة والفئویة، وكذلك یجب ان یكون محیطاً بالاوضاع السیاسیة والاجتماعیة والدولیة لئلا یُفلح الشیاطین فی خداعه وحرفه عن جادة العدل والقسط.
* * * * *