سؤال: هل یُمكن إحالة مسؤولیات الخبراء الى الأُمة؟
جوابه: بالرغم من عدم تصریح الدستور بان ولایة الفقیه تقوم على اساس نظریة التنصیب بید ان ثمة قرائن تدلل على القبول بهذه النظریة، ولقد كان مفاد المادة السابعة بعد المائة «اذا ما عُرف أحد الفقهاء الحائزین على الشروط المذكورة فی المادة الخامسة من هذا القانون وبویع للمرجعیة والقیادة من قبل الاغلبیة الساحقة من الشعب...» فقد حُدد هنا أن اذا ما بایع الشعب باغلبیته المرجع والقائد اضحت قیادته شرعیة ومقبولة ولم تعد هنالك من حاجة الى ذوی الخبرة والاختصاص وذاك ما حصل بالنسبة للامام(قدس سره).
هذا الافتراض نادر الحصول على صعید القضایا الاجتماعیة، فلابد من قیام ثورة لها من الجهود والتاریخ والمقدمات ما یمتد ثلاثین عاماً كی یتسنى للامة اختیار القائد الاصلح، فمن الیسیر افتراض هذا الامر فی مثل هذه الحالات، لكنه لیس سهلا على الدوام. ومن الطبیعی ان عدد المرشحین الذین یتم انتخابهم لمنصب القیادة سیزید على الواحد فی الظروف والاوضاع الطبیعیة ولا مناص من القیام بعملیة مفاضلة بینهم وتتولى جهة رسمیة الاعلان عن هذه المفاضلة.
فاذا ما خولنا الامة القیام بهذه المفاضلة فان عملها لا یفرز الیقین إن هی بادرت الى اختیار شخص ما نظراً للاختلاف بینها أی فقدانها الیقین، ولربما ـ بالطبع ـ تشخص الامة احیاناً بنفسها وبصورة مباشرة أو غیر رسمیة شخصاً ما وتتفق كلمة الامة باجمعها أو غالبیتها بشأنه، غیر ان قیمة الرجوع الى رأی الامة فی غیر هذه الحالات اقل شأناً بكثیر عن رأی الخبراء لأن محل هذا العمل كالسؤال من عابری السبیل والمتجولین فی الاسواق لمعرفة الطبیب الماهر والاصلح، ومن ثم نبادر للعمل بما تقوله الاغلبیة من الناس، فهل هذا هو الطریق الافضل الذی یوصلنا الى الحقیقة أم اذا ما رجعنا الى الاسرة الطبیة (نقابة الأطباء) وسألناهم أن یشخصوا لنا أَمهر الاطباء؟ من المسلَّم به ان الرجوع الى المتخصصین والاطباء هو السبیل الانجع. فاذا ما اعتبرنا انتخاب القائد وولی الأمر شأناً دینیاً فلابد ان نمتلك أقوى الادلة امام الله سبحانه وتعالى.
نظریة التنصیب ودور الامة فی انتخاب القائد
لو أردنا تحدید دور الامة وفقاً لنظریة التنصیب وقلنا بحلول الامة بدلا عن الخبراء فی التصدی لهذا الدور، فهل هذا العمل هو الاصح یا تُرى؟
یبدو ان هذا العمل بعید عن الواقع; اذ یرى العقلاء أن اذا ما شخّصنا المهرة والامناء من الاطباء فی البدایة ومن ثم بادر هؤلاء لانتخاب الاصلح من بینهم فذلك مما یبعث على الثقة وهو الاكثر تعقلا، فنحن نعلم ان فی البلد من الاطباء مَنْ عرفنا صدقهم وصلاحهم خلال معاشرتنا لهم، ومن السهل على الشعب القیام بمهمة انتخاب مثل هؤلاء الاطباء لیقوموا بدورهم بانتخاب الافضل والاكثر مهارة من بینهم، واذا ما حصل مثل هذا الانتخاب یكون مبعث اطمئنان بالنسبة للناس.
مثل هذا الانتخاب من قبل الشعب ـ انتخاب المتخصصین الملتزمین ـ لیس بالامر الصعب، بید ان انتخاب الاصلح والاعلم من بین حشود ذوی الخبرة والاختصاص وبغالبیة الاصوات لهو أمر دقیق وتخصصی.
لو طبِّق مثل هذا النمط فی انتخابات رئاسة الجمهوریة وسائر الانتخابات ایضاً فهو الاسلم بنظرنا، ومن المناسب كثیراً اذا ما استطعنا اتباع نظام انتخابی یتم بموجبه تشخیص ذوی الاختصاص تدریجیاً وانتخاب الاصلح من بینهم، فبمقدورنا القیام بذلك فی كافة المجالات وهو یسیرٌ حتى على صعید انتخاب رئیس الجمهوریة والوزراء والقضاة وكافة مسؤولی البلاد، غیر انه من الصعوبة بمكان تغییر نمط الانتخابات فی ظل الظروف والاوضاع التی نعیشها ـ لاسیما وقد تفشّت الثقافة الغربیة فی مجتمعنا ـ.
ان فی بلادنا عیناً باصرةً ثاقبةً یقظة تعلو رئاسة الجمهوریة وسائر المؤسسات وهی التی نعوِّل علیها كثیراً بعلاج الاشكالات الناجمة عن الانتخابات بنمطها الغربی الى حدٍّ كبیر; أی اذا ما حصلت أخطاء فی المناصب الدنیا فهی مما لا یعتد بها بسبب اشراف تلك الجهة العلیا.
لكنّ الاسلم فی ضوء المبادئ الاسلامیة ان تكون انتخابات سائر المناصب متعددة المراحل أیضاً على ان یدلی كل شخص بشهادته فی المجال الذی له الاهلیة على التشخیص فیه ویكف عن الادلاء بشهادته ورأیه فی الموضوع الذی لا اهلیة ولا تخصص له فیه، ومن المسلّم به ان مصالح المجتمع ستُضمن على افضل وجه فی مثل هذه الحالة وهو أمر عقلائی بكافة ابعاده واكثر انسجاماً مع الموازین الشرعیة، غیر انه صعبٌ نوعاً ما ولیس لدى مجتمعنا الاستعداد لتطبیقه فی الوقت الحاضر.
* * * * *