الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی
الموقع الإعلامی لآثار سماحة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > نعمة الثورة الإسلامية وواجباتنا

نعمة الثورة الإسلامية وواجباتنا

في لقاء سماحته بأهالي مدينة مشهد المقدسة؛ التاريخ: الأربعاء، 19 شباط 2020م
سخنرانی

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.

اللهُمّ كُن لوليّكَ الحجة بنِ الحسن، صلواتُك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعةِ وفي كلِّ ساعة، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعَينًا، حتى تُسكِنه أرضَك طَوعًا وتُمتِّعه فيها طويلًا.

أشكر الله تعالى إذ منَّ عليَّ بالتوفيق لزيارة مرقد ثامن الحُجَج الإمام علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين) وتقبيل أعتابه لأحظى، ببركة هذا الإمام الرؤوف، بشرف المشاركة في هذا المحفل الشريف النوراني.

إنّ أقل واجب يسعني أداءه هنا هو أن أتقدم بالشكر الجزيل لإخواني الأعزة والمخلصين الذين أقدَموا بنوايا طاهرة على إقامة هذه النشاطات الاجتماعية والسياسية، أداءً لدَينهم تجاه الإسلام والثورة وشهدائنا الأبرار والإمام الخميني (رضوان الله عليه). وإنه لحسن ظن من الإخوان أن منحوني فرصة الحضور في هذا المحفل، وهو ما يدُل على أن الله تبارك وتعالى يستر عيوب عباده فيَظهر منهم ما يشاء هو. نسأل الله أن يستُر عيوبنا ويقدّر ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وليوفّقنا للمساهمة في هذا الجهاد المقدس وأداء واجباتنا إن كنا نحن أيضًا أهلًا لذلك.

نِعَم الله الخاصة على المسلمين 

يبدو لي أن أهم ما ينبغي لنا نحن الإيرانيين الالتفات إليه في عصرنا الراهن هو أنه بعد أن أنعم الله تعالى بنِعَمه العامة على المخلوقات والناس جميعًا وعلى المسلمين قاطبة وأسبغ، طوال 1400 عام، نِعمه الخاصة على من عرفوا أهل البيت (عليهم السلام) معرفة صحيحة وعزَموا على السير على نهجهم، فعُرفوا بأتباع أهل البيت (عليهم السلام) أو الشيعة، وهو توفيق كان منذ ظهور نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله) إلى يوم الناس هذا من نصيب الملايين من البشر، ونصيبنا نحن أيضًا – بعد هذا كله نرى أن السلطة على رقاب الأمم المسلمة، في أغلب الأزمنة طوال هذه الـ1400 عام، وفي معظم البقاع والبلدان الإسلامية، كانت وما تزال بيد حكام وسلاطين مختلفين ليسوا أهلًا للحكم. وتلاحظون كيف أن الأرض التي هي مَهبط الوحي ومهد ولادة الإسلام يحكمها اليوم أرذل الناس وأجهلهم وأشدهم دناءة وانعدامَ شخصية. ولقد كان هذا الواقع ماثلًا على مر التاريخ في مختلف البلدان، كما كان - بشكل أو بآخر - في بلدنا أيضًا في حقبة من الحقب، فتذبذَب صعودًا وهبوطًا، ولا حاجة إلى التذكير به.

الثورة الإسلامية في إيران انعطافة مفصلية في تاريخ الإسلام

وإننا لا نجد في تاريخ الإسلام والمسلمين، على حد ما تُسعفنا الذاكرة، انعطافةً مفصلية كتلك التي حصلَت على يد سماحة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) المباركة في هذا البلد، انعطافةً كشفَت حقيقة الإسلام لأهل العالم، وأحيَت – على يد سماحته المباركة - جوانبَ عظيمة من معارف الإسلام كانت مُهمَلة، فسماحة الإمام الراحل نفسه كان يقول: الجزء الأكبر من فقهنا، وهو المتعلّق بالمسائل الاجتماعية والسياسية، كان مهمَلًا.

فإننا لا نجد على طول تاريخ البشرية مثيلًا لهذا المشهد، وهو أن يوجَد شخص في قمة سلطة دولةٍ ما يكونُ عالـمًا بالدين، وغير متعلّق بالدنيا، ولا يملك قومًا وعشيرة، أو جُندًا، أو مالًا وثروةً، أو أيًّا من أسباب القوة والسلطة المادية في هذا العالم، ومع ذلك ينجح في إذلال أكبر قوى العالم! النطق بهذه الجملة من شأنه أن يدفعنا للتفكير أطول في عظمة هذه النعمة، حتى نكون مصداقًا للآية الكريمة: (لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم).[1]

 الثورة الإسلامية في إيران المصداق البارز لتحقق الوعد الإلهي

جميعنا يعلم أنه في مواجهة الإرادة الإلهية التي أبلَغها الأنبياء للناس يقف عدوٌ قويٌّ نسبيًا، قد أقسم على أن يُضلَّ جميع البشر عن سواء السبيل، وبذَل كل جهده - عبر حزبه وعُصُباته التي شكّلها، وبواسطة أولئك الذين خدعهم بأساليب شتّى، مستفيدًا من تجاربه الممتدة لآلاف السنين – وهو على استعداد للحيلولة دون تحقق هذه النعمة الإلهية الفريدة. فإن الشيطان يسعى لعرقلة قيام الحكم الإسلامي الشيعي في هذا البلد الإسلامي، ثم انتقاله إلى سائر الدول، وأخيرًا تمهيد الطريق لظهور صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرَجه الشريف)، الذي هو إرادة الله تعالى. وكما تلاحظون فقد استخدموا كل أنواع المكائد والأدوات والمؤامرات، وجنَّدوا أعدادًا كبيرة من جماعات مختلفة، لربما لا يحمل بعضهم نية سيئة، لكنه - بسبب الغفلة وسوء الفهم - انجرف في مسارات ملتوية ليفعل ما فيه خدمة لمخططات العدو.

لكن الله سبحانه وتعالى قد وعد بأن ينصر الحق: (يُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)،[2] (وَيُبطِلَ الباطِلَ)،[3] ووعد بأن يُمكّنَ المؤمنين العاملين صالحًا والمتّبعين لنهج الأنبياء من سيادة الأرض وحُكم الأمة: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)[4]. فسيأتي يومٌ تُحبَط فيه كل مؤامرات الأعداء، ولا يبقى في قلوب المسلمين أدنى شعور بالخوف أو الرعب أو انعدام الأمان: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا). نأمل أن يكون تحقق هذا الوعد الإلهي قريبًا جدًا: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا)[5]؛ فالأعداء يرون هذا الوعد بعيد المنال، لكنّ أَتباع الحق يرونه قريبًا، ويوقنون بأن إرادة الله تعالى لتحقيقه قطعية لا ريب فيها.

شكر النعمة العظمى المتمثلة بالثورة الإسلامية

فإن أردنا المضي في هذا الطريق أحسن المضي والتعجيل في ظهور صاحب العصر (عجل الله فرَجه الشريف)، فلا بد أن نُثَمّن النعم التي منَّ الله تعالى بها علينا إلى الآن ونؤدي شكرها: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[6]. لكن للأسف تُوجَد أيادٍ تعمل على جَعل الكثير من السُذَّج في غفلة عن أهمية هذه النعمة، فيظنونها مجرّد تقلّبات للدهر لا تستحق الاهتمام، على قاعدة "يوم لك ويوم عليك"، وأنه لا تكليف علينا تجاهها! وهذا من سوء الفهم الذي كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) أبرز من حاربَه. 

ولله الحمد، فقد أعدَّ الله جل وعلا في خزائن لطفه ورحمته، بعد انتقال سماحة الإمام الخميني إلى الرفيق الأعلى، خلَفًا يؤدِّي دورَه على أحسن ما يكون، ويهيّئ على نحو أفضل لتحقق النعمة الكاملة بظهور الحق وزهوق الباطل. لذا يجب أن نعرف هذه النعم أفضل، فنشكرها أولًا بالقول، ثم بالعمل عبر طاعة الإمام وخلَفِه، والـمُعيَّنين من قِبَله، ثم نسعى لاستمرار هذه النعمة ونموّها وانتشارها إلى سائر البلدان، وحمايتها من مؤامرات الأعداء.

واجبنا تجاه نعمة الثورة

واجبنا هو أن نبيِّن هذه الحقائق للغافلين عنها ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. فهذه هي الخطوة الأولى، بالضبط كما كانت خطوة الأنبياء الأولى، وهي بيان الحق وإتمام الحجة. وبعد أن يُبدي آخرون الاستعداد للمشاركة في هذه النشاطات الجهادية نسعى إلى توسيعها لكي تسري بالكامل إلى الجماعات الأخرى جميعًا في داخل البلد من ناحية، ثم لتنتشر إلى الدول الأخرى، بل إلى العالم بأسره وتسود عليه من ناحية أخرى.

من خلال تجربتي الممتدة لأربعين عامًا بعد الثورة، وسفري إلى نحو ٤٠ بلد، وحضوري في محافلهم العامة، من جامعات وكنائس ومعابد، شعرتُ باستعداد كبير لقبول الإسلام ودعوة الإمام، والنهضة لإقامة نظامِ حق عادل على الأرض. وإني لأرجو أن يتزايد هذا التوجّه عالميًا باطّراد، وأن نُدرك نحن نعم الله أكثر، ونُحسن شكرها، ونجتهد في نشرها، وليكن توكّلُنا في ذلك على الله عز وجل، وتوسّلُنا بالأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، خاصة ثامن الحُجج (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين)، فإن رجاءنا الكامل هو في لطف الله تعالى ورعاية أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) والسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، لا حرَمَنا الله تبارك وتعالى من هذه الشخصيات العظمى.

توسُّل الشهيد الحاج قاسم سليماني بالسيدة الزهراء (عليها السلام)

ومن بين مَن عرف هذه الحقائق بشكل أفضل وأدرك مقام السيدة الزهراء (سلام الله عليها) ولم يغفل عن التوسّل بها في جميع أحواله لم أجد في بلدنا مؤخّرًا مثل الشهيد الحاج قاسم سليماني! وإني لأستحي أمام قائد عسكري مثله إذ أجده على هذا المستوى من التوسل بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والتوجه إليها في جميع شؤون حياته، بينما نغفل نحن - الذين اشتد عَظمُنا ونبَت لحمنا من أموال أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) وبركاتهم – عن ذلك فنُحرَم من نعمة التوسل بهم! 

رزقَنا الله تعالى نحن أيضًا المزيد من هذه المعرفة، ووفَّقنا للانتفاع من وجود أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولا سيما السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


[1]. إبراهيم: الآية7.

[2]. يونس: الآية82.

[3]. الأنفال: الآية8.

[4]. النور: الآية55.

[5]. المعارج: الآيتان6-7.

[6]. إبراهيم: الآية٧.

 


Source URL: https://mesbahyazdi.ir/node/8841