لتحدید قیمة الأفعال ذات الصلة بالحیاة الاجتماعیة وقیمة الملكات التی تحصل من هذه الأفعال لابد من الأخذ بعین الاعتبار مبادئ تستنبط على أساس الرؤیة العقلانیة وملاحظة واقع الحیاة الاجتماعیة، نلاحظ هنا أهمها وهی:
أ ـ مبدأ العدل
انّ الحاجة الى المجتمع لتوفیر المتطلبات المادیة والمعنویة هی حاجة عامة، ولا تنحصر فی أفراد معیّنین. فالحیاة الاجتماعیة تتشكّل من أجل وصول جمیع الأفراد الى مصالحهم المادیة والمعنویة وكمالهم النهائی. وعلى هذا الأساس ینبغی أن یكون سلوك ابناء المجتمع مؤثراً فی تحقیق هذا الهدف العام لا أن تذهب جماعة ضحیة لجماعة اُخرى. إذنْ یكون السلوك الاجتماعی للافراد صحیحا وقیّماً فیما لو أدى الى تحقیق المصلحة العامة للمجتمع، ولا ینبغی أبداً من أجل تحقیق مصلحة فرد أو أفراد حرمان جماعة اُخرى من مواهب الحیاة وامتیازاتها وفقدانها كل شیء.
اذ لا تشعر شریحة المحرومین فی هذه الحالة بأی اندفاع للمساهمة فی الحیاة الاجتماعیة، لأنّها ترى أتعابها فی سبیل المجتمع تذهب هدراً، بل ان جماعة اُخرى تصادر حصیلة أعمالها، فما الداعی إذنْ للاهتمام بالمجتمع والدفاع والتضحیة فی سبیله؟
انّ الفرد یستعد لحمل العبء وانجاز عمل فی الحیاة الاجتماعیة فیما لو كان ذا حصة فی الثمار المترتبة علیه. ویقتضی حكم العقل انتفاع كل فرد بثمار الحیاة الاجتماعیة حسب درجة تأثیره فیها وتحقیق مصالحها. فالعقل یأمر الفرد بممارسة اعمال تعود بفائدتها على المجتمع فیثبت حقه على ذمة ذلك المجتمع ازاء هذا التكلیف. من هنا یطرح التوازن بین الحق والتكلیف: التوازن بین التكلیف الموجّه الى الفرد ازاء المجتمع وبین الحق الذی یثبت للفرد فی ذمة الآخرین، وهذا هو العدل والقسط فی المفهوم الاجتماعی والأخلاق الاسلامیة.
وعلیه فانّ العدل والقسط هو أن ینهض الأفراد بعبء الآخرین بمقدار ما ینهض به الآخرون من عبئهم، وینتفعون من المجتمع بمقدار ما یفیدونه.
إشكال وردّ
فی ما یتعلق بهذا المبدأ ینبغی الالتفات الى هذه الملاحظة الدقیقة وهی: انّ العمل الذی یؤدیه الانسان للمجتمع اذا كان مساویا تماماً للمنفعة التی یكسبها من المجتمع أمكن القول إن الانسان لا یمتلك دافعاً لخدمة المجتمع، وأمكن القول مثلاً انی لا أقوم بعمل یعادل مائة تومان للمجتمع ولا أطالبه بمنفعة تعادل مائة تومان.
ان الالتفات الى ملاحظتین یعیننا لحل هذه القضیة ویدعم دافع الأفراد لخدمة المجتمع.
أولاً: انّ المنفعة التی ینالها الفرد من المجتمع تكون أغلى من العمل الذی یؤدیه للمجتمع لانّه یعجز عن تحصیلها لوحده، وعلیه فانّه اذا نال من المجتمع ما یعادل عمله حقاً فانّه ینال معادلا یعجز عن توفیره بنفسه.
ثانیا: انّ النتائج التی تترتب على العمل الجماعی تفوق الجهود التی یبذلها كل عضو من أعضاء المجتمع، أی ان نتائج الحیاة الاجتماعیة لا تساوی المجموع العددی لجهود الأفراد، فمثلاً اذا قدّم كل فرد خدمة للمجتمع بمقدار مائة تومان فانّ حصیلة عمل عشرة أفراد هی ألف تومان، ولكن حینما یعمل عشرة اشخاص سویة فی المجتمع فانّ العائد علیه یفوق الألف تومان فی الحقیقة، أی یعود على المجتمع أضعاف حصیلة العمل الفردی.
ومن البدیهی أن ما یزید على الجهود الفردیة یرجع الى مشاركة الأفراد وكون العمل جماعیا.
ولكی یتضح كون نتائج العمل الجماعی أضعاف نتائج العمل الفردی نضرب مثلاً: حینما یدرّس الاستاذ طالباً واحداً فانّ الطاقة التی یصرفها تعادل الطاقة التی یحتاجها للتدریس فی صف یضم مائة طالب، وبنحو أدق نقول: انه لا یتفاوت عنه كثیراً، ولكن حصیلة عمل الاستاذ تكون مضاعفة مائة مرة فی إطار جهود جماعیة فی الحیاة الاجتماعیة.
ان حسن الحیاة الاجتماعیة یكمن فی أن حصیلة جهود الأفراد وأعضاء المجتمع لا تعادل المجموع العددی للجهود الفردیة، بل تتضاعف الفائدة العائدة على المجتمع بصورة متوالیة هندسیة. إذنْ لا یصح القول بانّ تمتُّع الفرد بالامتیازات الاجتماعیة هو بمقدار الطاقة التی یبذلها تماماً، بل یقسّم مجموع المكاسب على أعضاء المجتمع بنسبة جهودهم، فمثلاً إذا قدم عشرة اشخاص خدمة للمجتمع، كل شخص بمقدار مائة تومان فان مجموع الخدمات الجماعیة للمجتمع یبلغ ألفی تومان فلابدّ أن ینتفع كل فرد بنسبة العشر من هذا المبلغ، أی بمقدار مائتی تومان وإنْ لم یتجاوز عمله الفردی المائة تومان. وهذا هو معنى العدالة الاجتماعیة، أو توازن الحق والتكلیف.
لقد لوحظ البعد الاقتصادی فی المثال المذكور وینبغی الالتفات الى انّ المنفعة والمصلحة المادیة والمعنویة لا یتیسّر قیاسها وفق ملاكات كمیة وریاضیة، ومن الصعب جداً تحدید النسبة بین الخدمة الفردیه والكسب الاجتماعی، وهذا بذاته خیر دلیل على حاجة الانسان الى الشریعة المقدسة والوحی الإلهی. فلو أراد الانسان تحدید ذلك استناداً الى عقله فانّ هذه المسیرة سوف تختل الى یوم یبعثون. فمن الضروری وجود ضوابط بالغة التعقید لتحدید جمیع المصالح المادیة والمعنویة بدقة، وتشخیص ملاكات العدل والاحسان المختلفة والمبادئ الاُخرى، وهذه تقدیرات لا تتیسّر للانسان العادی وبأی طریق من طرق الادراك الاعتیادیة،، ولذا یضطر الانسان أخیراً للّجوء الى الشریعة فی المشكلات الاجتماعیة أیضاً.
وعلیه فانّ المبدأ الأول الذی ینبغی الالتفات الیه فی تقییم السلوك الاجتماعی هو مبدأ العدل والقسط، وقد طرح بعض أصحاب الرأی نظریات فی الفرق بین هذین المفهومین، ولكن لا یلاحظ وجود فرق كبیر بینهما، ولذا لا نستند هنا الى الفرق بین مفهومی العدل والقسط.