پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی
منتشره شده در پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch5_3.htm

ar_akhlag3-ch5_3.htm

نطاق احكام العقل القیمیة

نطاق احكام العقل القیمیة

السؤال الآخر الذی ینبغی الاجابة عنه هو: هل تختص الاحكام القیمیة للعقل بدائرة المصالح الشخصیة أم انها أوسع وتشمل المصالح الاجتماعیة أیضاً؟ لقد طرحت عدة نظریات فی الاجابة عن هذا السؤال نذكر بعضها:

یقول البعض: انّ العقل الانسانی یقیس علاقة العمل الذی یؤدیه مع مصالح حیاته الشخصیة فیحكم بضرورة القیام بالأعمال النافعة له سواء أكانت المنفعة تعود على جسمه وتوفّر مصالحه المادیة والدنیویة أم تعود على روحه وكمالاته النفسیة، وعلى كل حال فانّ كل انسان یلاحظ بعقله مصالحه الشخصیة فقط. ویقول بعض أصحاب الرأی: یرغب الانسان غریزیا فی التصرف فی كل شیء حتى فی الآخرین من بنی الانسان واستثمارهم لصالحه. ویقال أحیانا ان للانسان غریزة الاستخدام فهو یستخدم حتى الآخرین من بنی الانسان لصالحه.

والعقل یحكم بضرورة القیام بالأعمال التی تقتضیها الغریزة أیضاً. ان حكم العقل طبعاً یكون فی الموارد التی لا یتعارض فیها تحقیق هذه الرغبة مع رغبات الانسان وغرائزه الاُخرى، كأن یشكّل استخدام شخص آخر خطراً على نفس المستخدم أو تصحبه أضرار جسیمة اُخرى.

من هنا یكون عقل أفراد الانسان سببا للاختلاف بینهم، لان كل فرد منهم سیتابع مصالحه الشخصیة بحكم العقل الذی یدعم غریزة الاستخدام فیه فیحدث التزاحم نظراً للقیود الموجودة ویؤدی الى الاختلاف والنزاع. كان الذین عاشوا فی الغابة من بنی الانسان یتنازعون على الانتفاع بشجرة مثمرة أو اصطیاد حیوان لان كل فرد منهم یرى ان حق الانتفاع منه مختصّاً به بحكم العقل. فاستنتجوا انّ العقل ذاته منشأ للاختلاف بین بنی الانسان ولیس بوسعه طرحُ قِیم تحول دون وقوع الاختلاف. فی هذه النظریة یمكن لبنی الانسان ترك الاختلاف والنزاع فی حالة واحدة وهی فی حالة تقییمهم ان ضرر ذلك أكبر من نفعه، وادراكهم ان الاختلاف یستدعی الحرب والقتل والدمار ویقضی على مصالحهم الاُخرى ویهدّد أمنهم وحیاتهم ویقضی على مصادرهم الحیویة. فیتوصلون هنا الى الوفاق مضطرین.

فی هذه الرؤیة یكون المبدأ هو الاختلاف والنزاع، ویكون الانصیاع للقیود والقرارات والضوابط والقیم الاجتماعیة والركون الى التعایش السلمی أمراً اضطراریا وقهریا. فلولا الاضطرار فان العقل فی ذاته لا یقتضی الخضوع للقانون والقرارات والتعایش السلمی.

نقد وبحث

لا نروم هنا نقد هذه النظریة ومبانیها والبحث بشأنها، ولكننا نشیر بسرعة الى عدة ملاحظات:

أولاً: من الصعب اثبات وجود غریزة مستقلة باسم غریزة الاستخدام منفصلة عن سائر الغرائز. وما یمكن قوله هو ان الانسان یمارس اعمالاً مختلفة تعینه فی تلبیة متطلباته، ومنها استخدام الآخرین من بنی الانسان والانتفاع بهم.

إذنْ لا یمثل استخدام الانسان للموجودات الاُخرى غریزة مستقلة. وما یرومه الانسان أصالة وابتداءاً وبمقتضى الغریزة هو الأشیاء التی ترفع حاجاته، فمثلاً اذا كانت حوائجنا تُرفع بتناول النباتات فقط لم یكن لدینا دافع لذبح الحیوانات وتناول لحومها. اذن حینما نذبحها ونتناول لحومها فهو بسبب ما فینا من میل طبیعی لتناول لحوم الحیوانات. واستخدامنا لها لحمل الاثقال هو لاننا نرید تناول اشیاء نحتاجها الاّ انّها بعیدة عنا، ولانّها ثقیلة نستخدم الحیوانات وأیة وسیلة اُخرى لتعیننا فی نقلها الى منطقتنا التی نسكن فیها وذلك فی ضوء الفكر الذی وهبه الله لنا.

إذنْ غریزة الانسان الأصیلة هی میله الى الراحة والرفاهیة. ولا تقتضی وضعه الحمل على ظهر الحیوان، بل التفت من خلال التجربة الى ان بالامكان الانتفاع من الحیوان بهذا النحو، ثم أمره العقل باستخدامه كواسطة للحمل والنقل. وعلیه لا یمكن القول بوجود غریزة مستقلة فی الانسان باسم غریزة الاستخدام الى جانب الغرائز الاُخرى.

ثانیا: ان دفع العقل الانسانی الانسانَ لتحقیق مصلحته هو حكم عقلی فی دائرة توفیر المكاسب الشخصیة، أی انّ العقل فی هذه الموارد خادم لرغباتنا الغریزیة، ولا یقتصر حكم العقل على دائرة رغباتنا الشخصیة، بل انّ العقل قوة مدركة وبوسعه تجاوز رغباتنا والتأمل فی المتطلبات الاجتماعیة، أی كل فرد منا نحن البشر الذین نعیش فی المجتمع ونمثل أعضاءه یمكن أن ننعم بنضج ادراكی فنلاحظ مصالح المجتمع كله ونسعى لتحقیقها بدلاً عن مصلحتنا الشخصیة.

رغم اننا من أعضاء المجتمع الاّ انّ بوسعنا ملاحظة المجتمع كله، ونفكر بانّ لافراد الانسان الذین یعیشون فی مجتمع واحد كمالات وقد خلقهم الله لهدف. وبنو الانسان الذین یعیشون معاً مخلوقات لله ولا یتلخص الهدف من خلقها فی وجود أو تحقیق مصالح شخص أو عدة أشخاص، بل یتعلق الهدف الإلهی بجمیع الأشخاص، والمشیئة الإلهیة هی أن یبلغ جمیع الأفراد الى الكمال.

إذنْ یجب تحقیق هذا الهدف الالهی. وأنا من أفراد هذا المجتمع أیضاً ویجب ان أصل الى هدفی، ولكن لیس من الصحیح أن یذهب أفراد آخرون ضحیة من أجلی. ان ذلك لا ینسجم مع الهدف العامّ للخلق، والله سبحانه لم یخلق بنی الانسان لأجلی، إذنْ لا یصح استخدام بنی الانسان لمصالحی.

لقد أراد الله سبحانه ان ینفع بنو الانسان بعضهم بعضا وبناء اسس الحیاة الجماعیة على التعاون. إذنْ لی الحق فی ان انتفع بالآخرین لصالحی، وللآخرین الحق للانتفاع بی لصالحهم أیضاً، الاّ انّ هذا غیر غریزة الاستخدام، لانی بنسبة اعتبار الحق لنفسی فی الانتفاع بالآخرین أعطی الحق لهم للانتفاع بی، فی حین لا یتصور فی غریزة الاستخدام سوى المنفعة الشخصیة ولیس بوسع الانسان ان یهتمّ بالآخرین.

الخلاصة ان مثل هذه الغریزة (الاستخدام) لا وجود لها فی الانسان ولا ینحصر حكم العقل فی مصالحه الشخصیة. یحكم العقل طبعاً باهتمام الانسان فی تحقیق مصالحه الشخصیة الاّ انّ هذا لا یعنی انّ العقل لیس له حكم آخر. نحن قادرون على استخدام العقل لاشباع غرائزنا الاّ انّ العقل لا یكون دائماً فی خدمة اهوائنا النفسیة وغرائزنا الشخصیة، بل ان الادراك العقلی اوسع بكثیر من دائرة الغرائز والمصالح الفردیة، فنحن بامكاننا الانتفاع بالعقل لتحقیق مصالحنا، ولا ینبغی الظن بانّ العقل عاجز عن ادراك امور اُخرى خارج نطاق المصالح الشخصیة، اذ انّ العقل قادر على معرفة الله والغایة الالهیة من الخلق وان على بنی الانسان طیَّ مسیرة الكمال، أو ان لهم الحق فی الانتفاع المتبادل فیما بینهم. أجل انّ العقل قادر على ادراك هذه والكثیر من الحقائق العامة الاُخرى.

إذنْ لو تحرر العقل من الاهواء والرغبات الشخصیة لكان مدى ادراكه اوسع من حیاته ورغباته الشخصیة واستطاع أن یلاحظ نظام الكون والخلق. فهذا العقل قادر على ان یحكم على بنی الانسان بان یذعنوا لبعض التحدیدات ویتعاملوا بنحو یستدعی تكاملهم بنحو متبادل، وهذا العقل ـ رغم ما یقال من انه منشأ الاختلاف ـ یمكن ان یكون منشأ للوحدة والتماسك الاجتماعی.

وعلیه یكون التسلیم للقوانین والضوابط الاجتماعیة واجتناب الاختلاف والتفرقة وانتهاك القانون وضرورة رعایة الوحدة والتضامن من حكم العقل أیضاً، ولیس أن یكون العقل مثیراً للاختلاف دائما ولم یكن لدیه حكم فی رفع هذا الاختلاف.

على أی حال فانّ العقل حینما یحكم بحسن العدل فانه یتجاوز حدود الحیاة الفردیة ویمتلك رؤیة أوسع. وهذا هو مقتضى طبیعة العقل ولیس شیئا اجنبیاً عنه وعارضاً علیه، إذنْ یمكن القول ان عمل العقل هو ادراك القضایا العامة. فاذا حصرناه فی حیاتنا الشخصیة واعتبرناه خادماً لرغباتنا الشخصیة فلا ینبغی ان نعتبر ذلك مقتضى الطبیعة الاولیة للعقل.


نشانی منبع: https://mesbahyazdi.ir/node/1304