الأدلة على الفكر التعددی
سؤال: ما هی الأدلة والشواهد التی یقدمها دعاة التعددیة على نظریتهم؟
جوابه: ینبغی فی البدایة معرفة أن القائلین بالتعددیة یقدمون أدلة وشواهد عدیدة لنظریتهم منها العقلی والتاریخی والقرآنی والأدبی... الخ، ولیس مرادنا التطرق إلیها جمیعاً بل نكتفی هنا بإیراد طائفة منها، فالقائلون بالتعددیة یستعینون بثلاث مسائل فی هذا الاتجاة هی:
1 ـ التعددیة فی القضایا السیاسیة والإجتماعیة والإقتصادیة.
2 ـ النسبیة فی القیم.
3 ـ النسبیة فی المعرفة.
وهنا نتطرق لإیضاح كلٍّ من هذه الموارد بإیجاز:
1 ـ أ ـ التعددیة السیاسیة والإجتماعیة: هنالك فی عالم الیوم دول مختلفة تختلف فیها الحكومات، فبعضها نظام ملكی، وبعضها الآخر نظام جمهوری، وبعض رئاسی والآخر برلمانی. وكلّ منها یتصدى لإدارة بلده بطرق مختلفة.
وعندما نسأل ـ على صعید الفلسفة السیاسیة ـ أی نمط من أنظمة الحكم هو الافضل؟ لا یُقدّم جواب قاطع بل یقال لكلٍّ منها مزایاه ومحاسنه، وكذا لكلٍّ منها نواقص وعیوب.
وكذلك فإن الدیمقراطیة الیوم تمثل أمراً مقبولاً ویقال: یجب أن یؤدی الشعب دوره فی ادارة دفة الحكم عن طریق الأحزاب، فإذا ما أحرز احد الاحزاب الأكثریة واستلم الحكم إلى الأبد فذلك لیس مرغوباً فیه ولیس مقبولاً ـ بل لابد من أن تتصادم الآراء وتختلف وجهات النظر ویستلم كل حزب زمام الأمور لفترة معینة. إذن التعددیة الحزبیة أمر مقبول الآن أیضاً.
ب ـ التعددیة الإقتصادیة: إن وجود أقطاب إقتصادیة متعددة على صعید البعد الإقتصادی من شأنه القضاء على الظلم والإجحاف الذی یمارسه أُناس معدودون، وتحقیق التطور والنمو الإقتصادی فی ظل وجود قوى إقتصادیة متعددة فی المجتمع.
من خلال ذكر مثل هذه الأمور ألحق دعاة التعددیة الدین بالسیاسة والإقتصاد والحزب، ویستنتجون من ذلك أن التعددیة مستساغة فی شتى المجالات الإجتماعیة، ولابد من السعی لإقامتها وتنمیتها. ومن خلال التوضیح الذی قدمناه فی الرد على الأسئلة السابقة فیما یتعلق بالتعددیة الدینیة، تبین خطأ هذا القیاس.
2 ـ النسبیة فی القیم: هنالك الكثیر من المسائل والعلوم لا تتحمل الكثرة، أی یتعذر الإعتقاد بصحة نظریتین أو عدة نظریات بشأنها، ومن هذا القبیل المسائل الفیزیاویة والكیمیاویة والریاضیة والهندسیة.
فی ضوء هذا نوجّه السؤال الى أنصار التعددیة: لماذا تشبهون القضایا الدینیة والدین بالإقتصاد والسیاسة؟ ولماذا لا یكون الدین وقضایاه كالمسائل الریاضیة والفیزیاویة فی عدم تحملها لأكثر من إجابة صحیحة واحدة؟ كما فی تساوی أو عدم تساوی زاویة الاشعاع مع انعكاس الأشعة، وحاصل ضرب اثنین فی اثنین أما ان تساوی أربعة أولا، فاذا واجهنا هذا السؤال على الصعید الدینی «هل الله موجود أم لا» فانه لا یتحمل أكثر من إجابة صحیحة واحدة، ولا یمكن القبول بـ «تعدد الأجوبة الصحیحة».
هنا یقدم التعددیون موضوعاً آخر فی معرض الإجابة ویقولون إن المسائل الإنسانیة والقیمیة والثقافیة التی من بینها القضایا الدینیة ـ هی أمور إعتباریة لا وجود لها على أرض الواقع، وعلیه فهی تابعة لذوق الإنسان. تأملوا فی هذا الموضوع على سبیل المثال ـ فانه لا یمكن الجزم والبت فی القول أن اللون الأخضر أو الأصفر هو الأفضل من بین الألوان، أو أن العطر الفلانی هو الافضل، أو أن الطعام الفلانی أطیب الأطعمة، أو أن فلاناً هو الأجمل من غیره، أو أن الماء أو الهواء الفلانی هو الأفضل، أو أن تقالید واعراف الشعب الصینی أو الیابانی أفضل من تقالید البلدان الإفریقیة.
وعلى هذا المنوال تأتی الأمور الدینیة، فلا یمكن ـ مثلاً ـ القول بحزم وبشكل قاطع ما إذا كانت الصلاة باتجاه مكة أفضل أم القدس؟ هل الإسلام أفضل أم المسیحیة؟ التوحید والدین الإلهی أفضل أم التثلیث أو المادیة؟ فهذه الأمور بأجمعها والآلاف من أشباهها تابعة لعادات الناس واذواقهم ولا حقیقة لها سوى اعتبار الناس لها واُنسهم
بها. وبناءً على هذا فهی قابلة للتغییر، وبالوسع القبول باللون الأخضر لفترة معینة وأخرى بالأصفر وتارة باللون البنّی، فالجلوس علامة الإحترام لدى مجتمع ما، والوقوف لدى مجتمع آخر فیما یكون الإنحناء ومن ثم الاستقامة لدى مجتمع ثالث.
3 ـ النسبیة فی المعرفة: الركن والأصل الثالث الذی یُستفاد منه فی ترسیخ التعددیة هو النسبیة فی المعرفة وهو أصل المبدأین المتقدمین وأهم الأمور فی هذه القضیة. إذ یقال لیست المعرفة فی مجال القیم وحدها نسبیة بل هی نسبیة فی كافة المجالات، ولو أردنا التحدث بشكل أكثر شفافیة، فإننا نقول أن المعرفة تستحیل بدون النسبیة، غایة الأمر أنها واضحة وجلیة فی بعض الأمور وخفیة ومحجوبة فی بعضها الآخر، فثمة نسبیة فی العلوم الحقیقیة وكافة العلوم الإنسانیة وإن كافة علومنا تترابط فیما بینها ویؤثر بعضها على بعض، وإن هندسة العلوم البشریة منظمة وتعیش حالة التغییر بتغیر الفروع العلمیة المختلفة.
ونضیف فی الختام، بالاضافة إلى الأمور الآنفة الذكر فان هناك أناساً فی مجتمعنا ممن یتجلببون بظاهر اسلامی ودینی حاولوا إقامة الدلیل والقرینة على هذا المعتقد متوسلین بالمفاهیم الدینیة والنصوص المقدسة، بل وتشبثوا فی بعض الحالات بالنصوص الأدبیة والأشعار من قبیل شعر مولوی وعطار، حیث هنالك موارد عدیدة طالتها الغفلة أو التغافل فی كل واحد من هذه الأدلة والأسانید، وقد جرى نقدها فی محله وتحت الإشارة إلى بعضها فی كتابنا هذا ایضاً.
* * * * *