العلاقة بين الدين والفن

في اختتامية مؤتمر مسؤولي جمعيات الفنون في منظمة بسيج الفنانين في إيران؛ التاريخ: الاثنين، 11 آذار 2019م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

اللهُمّ كُن لوليّكَ الحجة بنِ الحسن، صلواتُك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعةِ وفي كلِّ ساعة، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعَينًا، حتى تُسكِنه أرضَك طَوعًا وتُمتِّعه فيها طويلًا.

مقدمة

بصفتي خادمًا في هذه المؤسسة المزينة بالاسم المبارك للإمام الخميني (رضوان الله عليه) أرحب بالأعزة من السادة والأعلام والفنانين الموقرين وأسأل الله تعالى أن يزيد في توفيقاتكم أجمعين، ويجعل نصيبكم خير الدنيا والآخرة ويمن عليكم بالمزيد من التوفيق لأداء الرسالة التي تحملون أعباءها، كما أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لخدمة أمثالكم.

ضرورة بيان العلاقة بين الدين والفن

لا بد أن اللطف الذي أولانا إياه السادة الحضور فزادونا فخرًا بقدومهم المبارك ينطلق من فكرة أن مجتمعنا الإسلامي والثوري بحاجة اليوم إلى الأعمال الفنية، وعلى هذه القاعدة لا بد من تبيين العلاقة التي تربط الأنشطة الفنية بالقضايا الدينية والإسلامية والثورية، لكي يكون لدى المعنيّين حافز أكبر للنهوض بأعباء هذه المسؤولية وإنجازها وإيصالها إلى نتائجها. وإن هذه لجهود مباركة جدًّا، ذلك أن الكثير من شؤون حياتنا الاجتماعية يلُفّها غموض مما يبعث على الوساوس وسوء الظن وانحرافات سلوكية وتربوية، قد يكون أكثر من تسعين بالمئة منها ليس عن سوء قصد؛ إذ ربما يتبنّى البعض، على خلفية التسامح وقلة المعرفة وانعدام الوعي، سلوكيات وأعمال تقود إلى نتائج غير محبَّذة من دون أن يلتفتوا إلى ذلك، في حين أنهم لو أدّوا هذه الأعمال والسلوكيات نفسها على نحو آخر لكانت مثارًا لعظيم البركات، بل لربما تحوّلَت كل خطوة لهم فيها إلى عبادة، ودرَّت عليهم الأجر والثواب. فلربما يقوم المرء بسلوك يتطلب حركة جسدية خاصة في عالم الواقع، لكنّ إدخال قليل من التباين على هذا السلوك يجعل اختلاف قيمته عن سابقه ما بين السماء والأرض. الالتفات إلى هذه القضية مفيد لنا، ولعل بالإمكان تقريبه إلى الذهن بمثال توضيحي.

علاقة الهدف بقيمة العمل

نعلم جميعًا أن بقاء النوع البشري هو رهن بالتزاوج ولو امتنع الرجل والمرأة من الزواج فسينقرض النوع البشري، ولن يمر وقت طويل حتى يفنى. كما أن الزواج يحتاج إلى فعل طبيعي لكي يؤدي إلى ولادة الذرية، وإن اقترنَت ممارسة هذا الفعل الطبيعي بإجراء عقد بين الطرفين، وقولِ عباراتِ "أنحكتُ وقبلتُ"، فسيكون عبادة، بل ستتحول نظرة الزوجين أحدهما إلى الآخر إلى عبادة تدُر عليهما الثواب. لكن لو لم يُبرَم هذا العقد ولا نُطقَت هذه الجمل ومُورِس هذا العمل الطبيعي بناءً على رباط حُر بين الرجل والمرأة فهو، وإن لم يختلف عن سابقه من حيث الظاهر ومن المنظار الطبيعي، وأن الرجل والمرأة مارسا هذا الفعل الطبيعي بدافع غريزتهما وحسب، فسيكون الأول عبادة، والثاني ذنبًا! بالطبع الزواج يُبنى على عقد تتْبَعه التزامات، أما الفعل الغريزي بين الرجل والمرأة فهو ذات الفعل في الحالتين. هذان الفعلان، اللذان يبدوان متاشبهين في الظاهر، يكونان في حالة الزواج عبادة، وفي حالة العلاقات الحرة معصية. نعم البعض، ممن لا يلتفت إلى هذه النقطة، يقول: "ما الفرق بين هذين الفعلين؟! فهؤلاء الذين تراهُم عاصين يمارسون ذات الفعل الذي تحسَبه أنت عبادة! فلماذا يُعَد أحدهما ذنبًا يؤاخَذ عليه صاحبُه، بل يعاقَب، في حين أن الآخر يجلب الثواب لصاحبه؟!" ذكرت هذا الموضوع على سبيل المثال وحسب، وإلا فإن هذه الملاحظة جارية في الكثير من المسائل. وجميعنا يعلم، ويُقر، ولا بد أنه ملتفت إلى أن قيمة الكثير من الأعمال تختلف كاختلاف السماء والأرض بقليل من التغيير في كيفية العمل، أو لربما بمجرد تغيير النية.

وإليكم مثال آخر في مجال اختلاف النية، وقد أشارت إليه الروايات أيضًا، وهو أنه لو قام شخصان للصلاة فأدّيا الصلاة مثل بعضهما بالضبط مع مراعاة كيفية القراءة نفسها، وآداب الصلاة ذاتها، لكن كان قصد أحدهما أداء التكليف الشرعي من دون الالتفات أبدًا إلى أن الآخرين سيشاهدونه أم لا، أما الآخر فلم يكن له قصد من الصلاة إلا أن يُظهر للآخرين أنه من أهل الصلاة والعبادة، فسيجني الأول بعمله هذا ثوابًا عظيمًا، أما الآخر فليس أنه لن يجني ثوابًا، بل إنه يستحق العقاب على ذلك، لأن عمله كان رياءً، وهو نوع من الشرك. فهذا الأخير – في الحقيقة – قد عبَد نفسَه وعبَد الناس عوضًا عن عبادة الله تعالى. إنها "النية" التي أدّت إلى كل هذا الاختلاف بين عملين متشابهين، بحيث رفعَت قيمة أحدهما من تحت الصفر إلى ما يقارب اللانهاية!

وهذه القاعدة تنطبق أيضًا على الشؤون الاجتماعية والقضايا الأخرى. ولا أظن أن الذين يصغرونني يذكرون ما سأقوله لكنّ أترابي أو الذين يقاربونني في السن يذكرون جيدًا كيف أن البعض كانوا أيام الثورة يدرّبون جماعات من أجل مقارعة الشاه والنظام البهلوي، ولربما كانوا يغتالون بعض الشخصيات [المرتبطة بالشاه] أحيانًا. منطق هؤلاء كان: "إننا نناضل ضد نظام الظلم والجور." بالطبع هذا الموضوع دخيل وغير حقيقي، فلقد كان هدفهم الأساسي شيئًا آخر، وأنا بهذه القصة أريد أن أوضح أهمية اختلاف النية والرؤية. لربما كان مؤسّسو تلك المجموعة أشخاصًا متدينين وفدائيين، ولم تكن لهم نية من وراء تلك الأعمال سوى خدمة الشعب والمجتمع، بل كانوا أيضًا على استعداد لبذل أرواحهم في هذا السبيل، لكنهم، من الناحية العملية وبشكل تدريجي، أخذوا يتصاحَبون ويتعاونون مع أشخاص ذوي ميول يسارية لم يكن لهم اعتقاد يُذكر بالدين، وكان القاسم المشترك الوحيد الذي يربطهم بالجماعة الأولى هو ضرورة مقارعة النظام البهلوي الظالم. الجماعة الأولى كانت ترى في هذا النضال واجبًا دينيًّا، أما الجماعة الثانية فتقول: "النظام البهلوي يجب أن يسقط، ونحن من يجب أن يتولى السلطة مكانه، فلقد غصب هؤلاء حقنا!" وفي النهاية أدى الاختلاط بين هذين التوجُّهين إلى انحراف هذه الحركة، فكانت النتيجة أنهم عمَدوا، في الأيام الأولى التي تلت انتصار الثورة، إلى خِيرة كوادر الثورة فاغتالوهم. فأمثال آية الله الدكتور بهشتي، والدكتور آيَت وكثير غيرهما من كوادر الثورة، اختطفهم هؤلاء أنفسهم من بيننا. دافع هذه الجماعة منذ البداية كان مقارعة النظام البهلوي وإسقاط دولته، لكن الصالحين والمؤسسين لهذه الجماعة كانوا قد أسسوها أداءً للواجب الديني والإلهي وكانوا يؤمنون بضرورة أن تجري هذه المقارعة في إطار الأحكام الإلهية. نعم قد يخطئون في تحديد واجبهم، لكن نيتهم في البداية كانت إلهية، لكن هذه النية أخذَت بالخفوت مع مرور الوقت، فحَلّ الهوى والنفس محل رضى الله تعالى، وبدلًا من أن يفسحوا المجال للصالحين لتولي الحكم قالوا: "نحن من يجب أن يتولى الحكم، ولو كانت القضية بالدور، فإن الدَور لنا!" هؤلاء أنفسهم أخذوا منا خيرة الكوادر البشرية للبلد في الأيام الأولى من انتصار الثورة، وقتَ كنا في أمَس الحاجة إليهم! أويمكن أن نتصور جريمة أفدح من هذه الجريمة؟! مَن الذين اقترفوا هذه الجرائم؟ إنهم أشخاص ابتدؤوا نشاطهم خدمةً للمجتمع ومحاربةً للظلم! لابد أنكم عرفتم أي أشخاص أقصد، وكيف بدأ انشقاقهم، وإلى أين انتهى!

مثل هذه الأعمال، التي من شأنها أن تكون لها نتائج طويلة الأمد في المجتمع، يجب أن تكون دعائمها في غاية المتانة! لا بد أن نتوخّى الدقة من أن العمل الذي نَهُمّ بالقيام به – أولًا – يجب أن يكون مَرْضِيًّا للعقل وعند الله عز وجل، وثانيًا يجب أن نرى أننا من أجل ماذا نقوم به؟! فأحيانًا لا يكون دافعنا من هذا العمل غير المشاعر والأحاسيس، وأحيانًا أخرى يكون دافعنا المصالح الشخصية وحَسب، فنسعى وراءها تحت يافطة الخدمة وما إلى ذلك، متوقّعين أن نجني منه منافع شخصية! فإن كان الدافع إلى العمل، منذ البداية، هو الهوى أو المنافع الدنيوية أو التنافس والتغالُب أو ما إلى ذلك، فلن تكون نتائجه محبَّذة. ولقد خُضنا هذه التجربة منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة حتى اليوم، حيث مضى على انتصار الثورة أربعين عامًا. ولو توخّيتُم الدقة أنتم أنفسكم فلعلكم ستشاهدون اليوم أيضًا نماذج بارزة من هذه التجارب.

خيانة الشاه العظمى في إشاعة العلمانية

الحق أن ظلم نظام الشاه لم يقتصر على تخصيص بعض ثروات البلد لمنتسبي البلاط وحاشيته واستغلال منافع البلد لصالحه وحرمان الشعب منها – على أن هذا النمط من الظلم كان قائمًا، بل بارزًا أيضًا، وكان بإمكان الجميع لمسه – لكنه، إلى جانب هذا الظلم، كان قد ألحق بالمجتمع ضررًا يفوق في الأهمية والخسارة ذلك الأول بكثير، وهو أنه عَمِد إلى الدين فأضعفه، بل كانت النية إلغاء الدين من المجتمع بالكامل. أساس هذا الموضوع ليس بحاجة إلى تبيين وإثبات وقرائن وشواهد، وإن الكل مُطّلع عليه بشكل أو بآخر، لكن هناك بعض الحاجة إلى إلقاء المزيد من الضوء على عمق هذه الخيانة العظمى وأساليب محاربة الدين، ومن ذلك أن خططهم تلك أدت إلى أن يشاع في المجتمع ضربٌ من العلمانية ما أنزل الله بها من سلطان.

كانوا يشيعون لقضية أن الشؤون الحياتية تنقسم إلى طائفتين: الطائفة الأولى تضم القضايا الجادة التي تمس كل إنسان، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، إيرانيًّا أو عربيًّا أو أمريكيًّا أو غير ذلك، فهي تتصل بإنسانية الإنسان. والطائفة الثانية هي القضايا الذوقية، التي وإن لم تكن بجدية تلك، لكنها محترَمة. الطائفة الأولى تشمل قضايا من قبيل تلبية الاحتياجات الغذائية للشعب، وتأمين السكن، ونظام الحكم، والأمن، والعمل، والتعليم، ...إلخ، وفي النهاية الفنون التي يحتاجها الناس (ولو سنحَت الفرصة فسأشير إلى حاجة البشر إلى الفن).

كان يقول هؤلاء: "هذه الامور لا صلة لها بالدين. على سبيل المثال: يعلم كل امرئ أن عليه أن يعمل ليكسب رزقًا، وإن كل إنسان، حتى مَن لا يعتقد بوجود الله أصلًا، يطالِب بحفظ الأمن. فهذه المسائل لا علاقة لها بالدين. فالدين يقول للشخص: عليك أن تصلي! وإن للشخص الحرية في أن يصلي أو لا يصلي. فإن قرر الصلاة فيجب على الآخرين احترام رغبته تلك، لكن هذه المسألة لا صلة لها بالقضايا الجادة لحياة الإنسان، بل هي مجرد رغبة وذوق على هامش الحياة، شأنه شأن سائر الأمور الذوقية التي يحسها الناس. مثلًا: توجد في عالم الطبيعة ألوان شتى، وكل إنسان يميل إلى لون معيّن، أو إن كل فرد يرغب في زيّ خاص يرتديه. اختيار الدين أيضًا هو مسألة تقع ضمن هذه الدائرة، فهو أمر ذوقي ولا يدخل ضمن قضايا الناس الحياتية الجادة، وإن مَهَمّتنا وواجبنا هو الاهتمام بالقضايا الجادة التي تمس حياة البشر، وتلبية الأمور الخارجة عن إطار ذوق الأفراد والمرتبطة بالناس جميعًا، ويحتاجها الكل، ولا بد من إنجازها بعدالة ضمن إطار خاص."

بالطبع، أنصار هذا الطراز الفكري يقولون هذا الكلام في شعاراتهم، أما على أرض الواقع، فكلنا قد شاهَد كيف يتصرّفون! مرادي من بيان هذا الكلام هو أن النظام الشاهنشاهي الظالم كان قد نثر بذور هذا الفكر وروّجَ له بصور مختلفة؛ عبر الكتب الدراسية، والأفلام، والسلوكيات الفنية، والخطابات، والأنشطة السياسية والاجتماعية. وإن المصطلح الشائع لهذا الفكر في الثقافة السياسية هو "العلمانية". فالعلمانية تعني فصل الدين عن محتوى الشؤون الحياتية الجادة للإنسان. فالعلمانيون يقولون: "نحن لسنا ضد الدين ولا ملحدين، لكننا نعتقد أن الدين لا صلة له بقضايا الحياة المهمة، ومنها القضايا السياسية والاجتماعية. فالدين مسألة ذوق ورغبة، وإن لكل امرئ أن يقبل به، بأن يصلّي مثلًا، أو أن يرفضه فلا يصلي."

توغّل العلمانية إلى الفن

واليوم تسعى قوى العالم الكبرى جميعًا لطَرح معتقَد العلمانية هذا، وتعزيزه والترويج له بصوَر شتى، وحياكة المؤامرات والدسائس من أجل تنفيذه، وإعداد مختلف الكوادر على أسُسه وقواعده. على سبيل المثال لعل تسعين بالمئة من المسلمين يحملون هذا التصوُّر، وهو أن: "الفن لا صلة له بالدين لأنه أمر ذوقي، يرغب فيه البعض ويمارسونه، لكن البعض الآخر لا يرغبون فيه ولا يمارسونه. فلا ينبغي إكراه أحد على تعلّم الفن، كما لو رغب أحد في تعلّمه فلا يجوز الحيلولة دونه. فهذا الموضوع لا علاقة له بالدين؛ فالراغبون في الفن قد يكونون من المصلّين وقد لا يكونون كذلك. فالالتزام بالصلاة لا هو يُلزم الشخص بتعلّم الفن ولا يمنعه منه. فالصلاة أمر يرتبط بالدين، والفن شأن يتصل بذوق الناس، ولا يُحكَم عليه بأنه حسَن أو قبيح؛ فلو أحَبّ امرؤ اللون الأصفر أو القَصّة الفلانية في الثياب، أفيمكننا أن نقول: لماذا يحب ذلك؟ إنها طبيعته التي تُملي عليه مثل هذه الرغبة فصار يحب هذه الأشياء. أنماط الفنون هي الأخرى من هذا الجنس، فمَن يحب الفن يستطيع ممارسته، ومن لا يحبه فليس ملزمًا بأن يمارسه. الفن لا صلة له بالدين، ولا بالسياسة، ولذا نرى أن لكل عرق من الأعراق، في شرق الأرض وغربها، ولجميع المتدينين واللادينيين فنًّا خاصًّا في بيئتهم، وعليه فلا بد من فصل شأن الفن عن شأن الدين، ولا ينبغي الكلام في أن هناك فن إسلامي وفن غير إسلامي! بل إن مناقشة أنه: أي الأفعال صحيح إسلاميًّا، هي قضية أخرى، وهي لا تتصل بحيز الفن والأذواق!"

وقد تُطرح هذه الشبهة ببيان أبسط فيقال: "هل لنا أن نقول: هناك طَبخ إسلامي وطبخ غير إسلامي؟! إن الناس يُرَكّبون المواد الغذائية مع بعضها البعض بالطريقة التي تعجبهم ويطهونها بنحوٍ معيّن. وإن أهل كل حي أو مدينة يطبخون الحساء بطريقة خاصة بهم، ويُعجبهم نوع معين من الحساء، وما من أحد يحكم على تقاليدهم هذه بأنها حسَنة أو قبيحة، بل يَنسُب هذه التقاليد إلى ذوقهم. الفن أيضًا هو من هذا الصنف، فهو أمر ذوقي!"

فهل موضوع الفن هو حقًّا هكذا؟!

ضرورة إزالة الغموض من أسُس الفن وقواعده

أساسًا، الدين ليس مجرد صلاةٍ وصيام. بل إن الدين قد قُدّم لنا – أصلًا – على نحو سيّئ وخاطئ. إننا قد اجتزنا الخطوة الأولى للثورة، بكل ما اكتنفها – هنا أو هناك - من صعوبات، ومنعطفات، وإبهامات، ونحمد الله على أننا اجتزناها بثبات، وأننا عبرنا هذه المرحلة بنجاح، على رغم أنوف أعداء الإسلام وإيران الإسلامية، وهم أيضًا يعترفون بهذا النجاح. وإن كل من يُحَكّم عقله ولو قليلًا يُقِرّ بأن الخطوة الأولى للثورة كانت موفَّقة. ومع أن البعض – على خلفية البغضاء أو الأغراض الدفينة – يَعُد هذه الخطوة غير موفقة، فإن كل عاقل يدرك أن أمثال هؤلاء يكذبون.

لكن يتوجب علينا في الخطوة الثانية للثورة أن نجد حلولًا للمسائل التي كان يكتنفها غموض أثناء الخطوة الأولى. فالغموض الذي كان يلُف هذه المسائل أدى إلى أن لا نستفيد منها إلا القليل، بل أدى هذا الغموض أحيانًا إلى نشوب تعارض بين جماعتين، إلى درجة أن تدافع الأولى عن وجوده وتدعم الأخرى عدمَه، وهذا ما أدى إلى الاصطدام بين الكثير من الكوادر، وذهاب الطاقات هدرًا عوضًا عن التآزر في الاتجاه الصحيح وجَني النتائج المنشودة. وإن التصادم هذا أدى إلى أن تكون المحصّلة صفرًا في حالة تساوي الجانبين، أما في حالة غلبة أحد الجوانب – الذي غالبًا ما يكون جانب الباطل – تكون المحصلة غير مَرْضِيّة وتحت الصفر!

وإن من القضايا التي لا بد أن تُحمل على محمل الجد ويعالَج ما يكتنفها من أشكال الغموض هو قضية الفن. وفي هذا الخصوص لا بد – أولًا - من إزالة الضبابية التي تلف هذا الموضوع، وثانيًا تقديم خطة وأطروحة لتنفيذه، وكذا وضع مناهج وخطط متنوعة لأصنافه المختلفة، وفي المرحلة التالية ضمان لوازمه التنفيذية، من رصد الميزانية والقضايا الأخرى. بالطبع هذه اللوازم التنفيذية تقع ضمن المراحل النهائية، فالمرحلة الأولى هي أساسًا إعداد الأسس العقلية لهذا الموضوع. فلا بد بادئ ذي بدء من تحديد أنه أساسًا ما هو العمل الصحيح فيما يتصل بالفن؟ وأنه ما محل الفن بالنسبة إلى المجتمع؟ ثم يصار بعد ذلك إلى تحديد علاقة الفن بالدين والثورة وأهداف الثورة، فإن كانت له علاقة بمثل هذه الأمور فلا بد من وضع أطروحة لكيفية الإفادة منه في الحياة. بعد وضع الأطروحة لا بد من وضع مناهج لأنواع الفنون المختلفة، وتهيئة الممهدات التنفيذية لكل منها. هذا هو السياق المنطقي للعمل. بالطبع لا يعني هذا أنه لا بد من الانتهاء من جميع هذه المراحل في مدة قصيرة، مع أن هذا مرتبط بمقدار همتنا وعزيمتنا، وكم نرفُد لهذه الأمور من طاقات. فلربما أحسَّ البعضُ بالمسؤولية وعالجوا هذه الأمور بسرعة، ووضعوا لها الأطروحات والخطط أبكر بكثير من غيرها، ثم بعزيمة الفنانين الثوريين والإسلاميين يُبدأ بتنفيذ هذه الأطروحات والخطط أو بتعزيز وتكميل ما بُدئ به منها.

الحرمان من طاقات الفن وقابلياته نتيجة المنظومة القِيَمية الخاطئة

المشكلة الأولى التي كانت قائمة خلال الأربعين عامًا المنصرمة بخصوص الفن والتي لم تُتِح لنا الإفادة من هذا المجال على أتم وجه، هي الغموض في الجانب القِيَمي للفن، وهو أن معظم المسلمين الثوريين، الذين بذلوا في سبيل الثورة جهودًا جبارة على مدى سنين، كانت نظرتهم إلى الفن نظرة سلبية، أي إنهم يرونه مقرونًا بدلالات سلبية. يظن هؤلاء أن الفنان هو الذي يكون عمله مصحوبًا بالآثام، بل لا يستطيع أصلًا أن يمارس عمله من دون معصية! وهذا بالطبع تصور خاطئ. فلا بد أن نُعرّف مفاهيم الفن والذنب على حِدة ونحدد أين تلتقي هذه المفاهيم فيما بينها. فبهذه الطريقة بالذات تحدَّد العلاقة بين الكثير من القضايا وبين الذنوب. على سبيل المثال: كلنا يعلم أن لحم الضأن جيد وقد أكّدَت الروايات على أكله، إلى درجة أنه قيل في الخبر: «مَن لم يأكل اللحمَ أربعينَ يومًا ساءَ خلُقه وإذا ساءَ خلُق أحدكم... فأَذِّنوا في أذُنه الأذان كُلّه»‏.[1] فمن المستحب أن يأكل الإنسان اللحم، ولو مرّةً كل بضعة أيام. لكن إذا لم تُذبح الشاة على الطريقة الشرعية؛ كأن لا تُذبح باتجاه القبلة، يحرم أكل لحمها. وكذا إذا سرق راعٍ في باديةٍ خروفًا من قطيع غيره وألحَقَه بقطيعه، فمع أن هذا الحيوان هو خروف وأن الحكم الابتدائي لأكل لحم الخروف هو الاستحباب، لكن أكل لحم هذا الخروف بالذات حرام، لأن عنوانًا ثانويًّا أُضيف إليه هو عنوان السرقة والغصب.

فليس أنه إذا حُكم على عمل فنيٍّ ما بالحرمة، فيجوز أن نقول: إن جميع الفنون حرام! فذاك العمل الفني الأول أُلحق به عمل محرم، وليس الأمر هكذا دائمًا. لذا من الممكن أن يتصدّى أشخاص، انطلاقًا من رغبتهم وإحساسهم بالمسؤولية لخدمة الإسلام والثورة، فيقوموا بتهذيب ذلك العمل الفني من شوائبه السلبية والإفادة من الفن، بما هو فن، خدمةً للإسلام، وحينها لا يصبح الفن عملًا مباحًا فجسب، بل قد يكون أعظم العبادات.

فكلنا يعلم أن بالإمكان ممارسة بعض الفنون الشائعة بطريقة تقود إلى نتائج جيدة للمجتمع، مع أنها تمارَس أحيانًا بصورة غير شرعية. على سبيل المثال بإمكاننا استخدام الفن لتعليم الأطفال، في الأعمار بين الثالثة والرابعة، وتدريبهم على الكثير من التعاليم الدينية، وآداب المعاشرة، بل تقوية العواطف العائلية، والشعور بالمسؤولية فيهم بشكل تدريجي. الإفادة من الفن لتعليم الصغار يبدأ من حكاية معلّمات الكتاتيب للأقاصيص وصولًا إلى المسرح والسينما. ثم إذا أصابَ الصغار حظًّا من التعليم وأصبحوا قادرين على القراءة فقد يكون لمطالعة الروايات والحكايا المربّية التي تبني شخصية الطفل تأثيرٌ كبير. وإن المجتمع الخاوي من مثل هذه الفنون يُحرم من الكثير من العناصر المربِّية والمهذِّبة.

إذًا ليس لنا أن نقول: "كل فن هو قبيح". فلو كان فنٌّ معيّن قبيحًا فلا بد أن نتقصى سبب قُبحه؛ وهذا أشبه بالمثال الذي طرحناه للحم الضأن؛ فحين يكون أكل لحم ضأنٍ ما حرام فهو بسبب عنوان آخر أُلحق به، مثل الغصب والسرقة أو عدم ذبحه على الطريقة الشرعية، وإلا فإن أكل لحم الضأن مستحَب إذا لم يصدق عليه مثل هذا العنوان.

مراحل الأبحاث الأساسية في موضوع الفن

أنا شخصيًّا لستُ متخصصًا في الفن، وأكتفي هنا بفهرَسة بضع نقاط فيما يتصل بالأبحاث الواجب إجراؤها في مجال الفن. واسأل الله أن يكون بينكم من الباحثين والعلماء من أصحاب الفكر والرأي والذوق السليم والمحبين للإسلام والثورة ممن بإمكانهم متابعة هذه القضايا. بالطبع لا ينبغي التعجُّل، فهذا الصنف من الأبحاث هو من الأبحاث الأساسية التي قد تستغرق عشرات السنين لتعطي ثمارها.

تعريف الفن وبيان صلته بالجمال

لا بد في هذا النمط من الدراسة من تعريف الفن أولًا. فالفن في المصطلح الشائع له صلةٌ مباشِرة بالجمال. على أن هذا ليس المصطلح العام للفن. فالمصطلح العام للفن يشمل كل تصرُّفٍ في الأمور الطبيعية يُتيح إمكانية الإفادةِ الفضلى منها. وهذا المصطلح يشمل الصناعة أيضًا. أول مركز علمي للتقدّم أُسّس في إيران كان اسمه "دار الفنون"، الذي يعادله بالفارسية اليوم "هُنَرِستان"، و"الفنون" هي جمع "فَن". في زمان "أمير كبير"[2] أُسّسَت دار الفنون بمنزلة ما يعرف اليوم بـ"الجامعة". ومع أن اسمها "دار الفنون" لكن الحقيقة هي أن ما كان يدرَّس فيها هو العلوم الجديدة الأعلى درجةً من مستوى الثانوية.

الفن هو كل تصرُّف في الأمور الطبيعية بالشكل الذي يجعلها أكثر نفعًا ويضيف إليها فائدة جديدة. فقد يلزم تركيبُ بضعِ مواد، أو تغيير شكلها للحصول على النتيجة المطلوبة. في فن الرسم مثلًا يرسم الرسّام على الورق شكلًا لم يكن موجودًا سابقًا، باستخدام ألوان معدنية أو صناعية، وأداةٍ (فرشاة) مصنوعة من مواد طبيعية أو صناعية؛ فهو يخلُق من تركيب الألوان ودَمج الخطوط شكلًا جميلًا، وهذا يُدعى فنًّا. فالرسام – في واقع الأمر – أحدَث في هذه الأشياء تغييرًا يثير النظرُ إليه إعجابَ المشاهِد، وهذه هي الفائدة الجديدة التي أُضيفَت عليه. فقبل ذلك الحين لم يكن النظر إلى الورقة الخالية ممتعًا للإنسان، أما بعد إيجاد هذه التغييرات أصبح يلتَذّ بالنظر إليها، وهذا هو فعل الفن.

الفن، في مفهومه الشائع في عرفنا المعاصر عمومًا، يقترن بالجمال، لكنْ للجمال نفسِه مفهومٌ يقتصر استخدامه في عرفنا اليوم على المرئيات، وأحيانًا على المسموعات أيضًا. كأن يطلَق على الصوت أو الموسيقى أحيانًا صفة الجمال، فيقال: "صوت جميل" أو "موسيقى جميلة"، لكن هذه الصفة لا تطلَق على الملموسات؛ فلا يقال للشيء الناعم – مثلًا - إنه جميل، مع أن المرغوبية موجودة في هذا الملموس أيضًا. كما لا يقال للطعام اللذيذ جميل، مع أننا، من حيث هيأته ولونه، قد نراه في ذلك المستوى من الجمال أيضًا، بمعنى أنه قد يثير إعجابَنا إذا نظرنا إليه، لكننا لا نستخدم صفة "الجميل" مع طعمه، مع أن تحليل معنى الجمال يشمل طعمه أيضًا. فحين يُطهى الطعام بشكل جيد ويلتذ المرء بأكله يكون - في الحقيقة – جميلًا، وهذا يشبه بالضبط ما صُنع مع الرسم الذي ذكرناه. بالطبع هذا النِّقاش يقع ضمن حيّز اللغة ونحن نكتفي بهذا المقدار منه ونتجاوزه.

مكانة الجمال في حياة البشر

الفن مقترن بالجمال، لكن ما مكانة الجمال في حياة البشر؟

تُقسَّم نِعَم الله تعالى في عالم الوجود، من ناحية من النواحي، إلى طائفتين: الأولى هي النعم التي إن لم نستخدمها تصبح حياتنا في خطر؛ كالأطعمة والأشربة والهواء والضوء ...إلخ، والثانية: هي النعم التي إذا غابت فإنها لا تهدِّد حياتَنا، إذ نستطيع العيش من دونها أيضًا، لكنّ غيابَها يجعل قلوبنا تشعر بنقص ما، فتسعى وراء لذّاتٍ ترى أن وجودَها مهم لها. الحكمة من وجود مثل هذه اللذات هي بحد ذاتها حديث ذو شجون وبحاجة إلى أبحاث ونقاشات مطوَّلة. على أية حال فإن الإنسان يشعر بالاحتياج إلى أمور يلتَذّ بالنظر إليها أو بسماعها. ولا نريد الدخول في بحث فلسفي وعقلي في هذا الخصوص، لكن نريد عبر تلاوة بضع آيات من الذكر الحكيم أن نرى كيف ينظر القرآن الكريم إلى قضية الجمال؟

الجمال من منظار القرآن

يقول الله في كتابه العزيز: إن من الحِكَم التي لاحَظناها في خَلق السماوات هي أن تكون جميلة؛ (زَيَّنّاها لِلنّاظِرين).[3] فلقد خلَق الله عز وجل السماء بحيث إذا نظرنا إليها ليلًا نلتَذّ من منظر النجوم فيها. وفي آية قرآنية أخرى يشير إلى الحكمة من وراء أمثال هذه الجمالات، فيقول: (إِنّا جَعَلنا ما عَلَى الأَرضِ زينَةً لَها لِنَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلًا[4] أي: إن أنواع الزينة والجمال هذه الموجودة في عالم الخِلقة تمهّد الأرضية لاختياركم لكي تختاروا سواء السبيل بإرادتكم أنتم. فإنّ كل ما على الأرض، من نباتات وبحار وخُلجان وتلال ومناظر طبيعية، هي - في الحقيقة - زينة للأرض. فلو كانت الأرض كلها وكل ما عليها أسود لسَئِم الإنسان من رؤيتها. لكنّ صحاري الأرض أيضًا، مع أنها خالية إلا من التراب والرمال، فإن التغيُّرات الخاصة في أشكالها التي تُحدِثها العوامل الطبيعية بتدبير من الله عز وجل تجعل المرءَ يستمتع بالتفرُّج عليها. الجبال أيضًا لها جمالها الخاص وإن مشاهدتها ممتعة للإنسان. ولقد كان بعض علمائنا العظام يحبون النظر إلى الجبال، وكان في النظر إليها لذّة كبيرة لهم. والله عز وجل يقول: كل هذه الآثار على الأرض جعلناها زينة لكم.

ودعوني أُشير إلى آية قرآنية أخرى لعلكم لم تلتفتوا إليها إلى الآن، ولربما تتحيّرون إذا سمعتموها. المخاطَب الأساسي في هذه الآية هم رعاة الأغنام والمواشي؛ يقول تعالى لهم: "حين تأخذون أغنامكم صباحًا من حظائرها إلى المرعى وتعودون بها ليلًا إلى الحظائر مرة أخرى فإن في حركة الأغنام هذه جمالًا ما! يا ترى هل التفَتُّم مرةً إلى هذه الملاحظة وهي أن هذه الحركة بالذات هي نعمة من الله تعالى وأن القرآن الكريم يذكّر بهذه النعمة؟! إن هناك محاسن كثيرة في عالم الوجود وإن البشر جميعًا يدركون هذه المحاسن، لكن الله عز وجل يشير إلى شيء لا يلتفت إليه حتى ذوي الاختصاص. ولولا أنني أحفظ الآية عن ظهر قلب لما تلوتُها، ولعلّكم كنتم ستشكّون في وجود مثل هذه الآية في كتاب الله. يقول تعالى: (وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحُون).[5]

أتلاحظون كم يهتم الله تعالى والقرآن الكريم والدين بقضية الجمال، إلى درجة أن الله لا ينسى أن يذكّرنا في تعاليمه بأن في ذهاب الخراف من حظيرتها إلى المرعى جمالًا مميّزًا، وأن عليكم أن تلتفتوا إليه وتلتَذوا به!

الذين يجدون في أنفسهم الدافع إلى البحث عن قضية الجمال والزينة في القرآن الكريم وسائر نصوصنا الدينية بوسعهم أن يستخرجوا منها التفاتات جميلة وينتفعوا منها. بمعنى أننا بالفطرة نفتّش عن الجمال، وأن حياة الإنسان بلا جمال ستكون حياةً جافّةً ومُمِلّة. ولكَثرما ذكّرَ الله تعالى بهذه النقطة، وهي أننا جعَلنا نِعَمنا لكم جميلةً وأن عليكم أن تعرفوا قدرها وتشكروها.

الكشف عن سبُل إيجاد الجمال وبيانها

النقطة الثانية في مسار هذا البحث هي الالتفات إلى الفنون الطبيعية والمكتسبة. ويمكن توضيح هذه النقطة في مثال: إن المواد الغذائية التي تلبّي احتياجاتنا الحيوية توجد في متناولنا بصورتين: فلقد خَلق الله تعالى قسمًا منها في الطبيعة جاهزًا للأكل وفي وسعنا استعمالها. على سبيل المثال النباتات القابلة للأكل، فهي تنمو في الطبيعة ويمكننا تناولها. أما القسم الثاني فهي المأكولات التي يُعِدّها الإنسان، بما آتاه الله من مواهب، عبر تركيب المواد المختلفة وطَهيها. فلقد أودَع الله عز وجل في الإنسان موهبةً يستطيع من خلالها أن يتعلّم كيف يركّب المواد مع بعضها البعض ويطبخها، ويضيف إليها مواد متنوعة لتُضفي عليها نكهاتٍ وعطورًا خاصة لتكون لذيذة للأكل. وكان بمقدور الله أن يفعل كل هذا بنفسه، لكن بما أن الهدف الإلهي هو أنّ خليفةَ الله في هذا العالم عليه أن يبني نفسَه بنفسه وبإرادته هو، فقد جعَل دائرة اختياراته وإرادته واسعة جدًّا، بل أراد الله من الإنسان أن يفكّر حتى في طعامه، بأنه: ماذا يأكل، وكيف يُعِدّ الطعام، وكيف يتناوله بحيث يكون نافعًا له؟

وهذا التقسيم يَطال أيضًا الأمور التي تبعث على الجمال والزينة؛ فهناك بعض الأمور هي زينة بشكل طبيعي؛ كالأمثلة التي ضربناها من القرآن الكريم، من خروج الأنعام من حظائرها وعودتها إليها (لَكُم فيها جَمال)، وجمال السماوات، ...إلخ.

لعله "كانط" الذي قال: "في العالم شيئان يبعثان فيَّ اللذّة: الأول هو إنجاز المسؤولية والقيام بالعمل ذي القيمة الأخلاقية، وما من شيء عندي أكثر من هذا قيمةً وأشدّ منه لذّة، والثاني هو النظر إلى السماء." هذا القول لفيلسوف كبير له دور عظيم في فلسفة الغرب. فهذه هي الزينة التي أعدّها الله وقدّمها لنا. لكن كما أن الله تعالى قد منح الإنسان موهبةً لإعداد الطعام يستطيع بمساعدتها اكتشافَ طُرق إعداده ومن ثم الإفادة منه على نحو أفضل، فقد وضع في متناول يديه أيضًا الموهبة لخَلْق الجمال في أمور أخرى لكي ينتفع من نِعَم الله أكثر. لكنّ تفعيل هذه المواهب يحتاج منا إلى عمل ونشاط.

بيان العلاقة بين الدين والفن

النقطة الثالثة هي: ما هو الهدف من استعمال نِعَم الله تعالى؟ وهاهنا تُطرَح قضية الدين. فالبعض يظن أنه ما من هدف للإنسان وراء الانتفاع من نِعَم الله في الأرض والسماء إلا اللذّة، ومَلء البطن، وإشباع الغرائز، شأنه في ذلك شأن الحيوانات! وإنك لا تجد في أعماق أمثال هؤلاء غير ذلك، فنِعَم الله جميعًا في نظرهم ما هي إلا أدوات لهذا الغرض. بل يظن هؤلاء أن الأنشطة السياسية هي الأخرى هدفها كسب دَخْل أكبر وعيشُ حياةٍ أكثر متعة، لكي يتمكّنوا أكثر من إشباع رغباتهم الحيوانية! وهناك عدد كبير يذهبون إلى هذا الرأي. بالطبع ليس في جعبتي إحصائية لهذا الموضوع، على أن الأمر لا يحتاج كثيرًا إلى إحصائيات؛ فلعلّنا نحن أيضًا كنا نحمل مثل هذه الرؤية في مدة ما من حياتنا!

ولقد جاء الدين ليقول للإنسان: "حياتك الدنيا هذه (التي تطول سبعين أو ثمانين أو مئة سنة، أو أزيد أو أقل) هي كلها عبارة عن رحلة، وإن أمامك مقصَد، وهذا المقصد يدوم إلى ما لا نهاية! فلا تظن أن مقصدك هو هذه الدنيا. مقصد الحيوانات هو هذه الحياة الدنيا، وإن رحلتَها تنتهي بموتهم، أما أنتم معاشر البشر فإنكم لم تُخلَقوا لهذا المقصد. إن حياتكم الدنيا هي عبارة عن مختبَر، تُختبَرون فيها من ناحية، وتَبنون ذواتكم فيها من ناحية  أخرى لكي تستطيعوا الانتفاع من حياةٍ لا حدود لها ولا نهاية؛ (خالِدينَ فيها أَبَدًا).[6] إن الهدف الأساسي للدين هو أن يُفَهّم البشر أنه يوجد إله، وأن الله قد خلَقكم لهدف، وأن هذا الهدف يَكمُن وراء حياتكم الدنيا المحدودة هذه. فالحياة في عالم الدنيا مقدّمة ووسيلة، وهي في الحقيقة رحلة، وعليكم أن تعرفوا المقصد من وراء هذه الرحلة، وأنْ تعملوا على أن تتزوَّدوا من هذه الرحلة بما ينفعكم في ذلك المقصد الذي لا نهاية له.

من أجل ذلك فإن علينا الإفادةَ من النِّعَم المحلَّلة في هذه الدنيا وسيلةً لبلوغ ذلك المقصد، يقول الله عز وجل في مُحكم كتابه العزيز: (كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَاشكُروا لِلّٰه).[7] الناس جميعًا يعلمون مسبقًا أن عليهم أكل الطعام، لكن الدين يقول: "استعملوا هذه النعم بالشكل الذي لا يضُرّ بالمقصد الذي أنتم ذاهبون إليه. ليس هذا فحسب، بل بالشكل الذي يساعدكم في الوصول إليه، ويجعلكم تنتفعون من تلك الحياة هناك على نحو أفضل. إذًا لا بد من استعمال هذه النِعَم بشكل ديني وإنساني. فاستخدام هذه النعم لمجرّد ملء البطون وإنجاب الذرية هو استخدام حيواني، فالحيوانات هي الأخرى تنتفع من الدنيا بهذا المقدار. لكنه يتوجّب على الإنسان، من حيث كونه إنسانًا، أن يفعل ما يؤَمِّن له مصيرًا أبديًّا وسعيدًا. وإن السبيل للوصول إلى مثل هذا الهدف هي أن ينتفع من هذه النعم بطريقة خاصة، بمعنى أن لا يعمل انتفاعُه منها على الإضرار بسعادته الأبدية أو بالعوامل المفيدة لهذه السعادة. لكنّ الإنسان – بالطبع – لا يستطيع بمفرده اكتشاف جميع الأسرار الكفيلة بإيصاله إلى مثل هذه السعادة. من أجل ذلك جاء الوحي ليُعينَه على ذلك، ويعلّمه كيف ينتفع من كل نعمة بالشكل الذي يكون نافعًا له لنيل سعادته الأبدية. ومن المفضَّل أن تُتّخَذ هذه المسائل الثلاثة مقدمات يرتكز إليها الباحثون في عملهم. وأسأل الله أن يُشَمِّر الباحثون عن سواعدهم فيُخضِعوا هذه المقدمات للبحث والدراسة.

ضرورة توظيف أنواع الفنون في إطار القِيَم الدينية

وإن من المباحث المرتبطة بهذه المقدمات هي إلقاء الضوء على دور القِيَم الدينية في الفنون المختلفة. فإن للفنون أنواعًا شتّى؛ أحد هذه الأنواع يداعب أبصارنا بشكل مباشر؛ مثل الرسم، والخط، والفنون الجميلة المستعملة في العمارة، ونتيجة هذه الفنون هي أن تستمتع بها العيون أكثر من غيرها من الحواس. النوع الآخر هو الذي يخاطب أسماعَنا؛ كالأصوات ذات الإيقاع الجميل والموسيقى. التعريف العلمي للموسيقى هو: تركيب الأصوات بشكل يلتَذ منه الإنسان. بالطبع هناك تتمة لذلك، وهو أن الموسيقى تكون أحيانًا حزينة، لكن لا بد من الالتفات إلى أن هذا النمط من الموسيقى أيضًا يؤدي إلى ضرب من اللذة العقلانية. وعليه فليس من الضرورة أن يشتمل التعريف العلمي للموسيقى على استعمال الآلات الموسيقية. على أية حال إن نوعًا من الفنون يتعامل مع آذاننا.

وثمة في تعاليمنا الإسلامية أحكام توصينا باستعمال هذه الزينة في حياتنا من أجل طاعة الله جَلّ وعلا. مثلًا يقول تعالى في كتابه العزيز: (خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِد).[8] إنه أمر الله تعالى بأن: ارتَدُوا ثيابًا جميلة ونَظِّفوا أبدانكم ومَشّطوا شعوركم وتعطَّروا إذا حضَرتُم تجمُّعًا يُرضي الله تعالى، وذلك لكي يستمتع مُجالِسوكم بالجلوس إليكم، ولا تكونوا بحيث يَنفُر الآخرون منكم ويوَدّوا لو ذهبوا عنكم بسرعة. أي إن عليكم أن توظِّفوا العوامل المساعِدة على تشكيل هذه الاجتماعات المفيدة لكم، ولو من خلال التعطُّر. فإن ثواب صلاتك ركعتَين وأنت متعطِّر يعادل ثواب سبعين ركعة من دون تعطُّر! فالتعطُّر هو نوع من الزينة والجمال، وإن الشيء الذي يؤدي إلى تحقُّق هذه الزينة في عملنا يسمى بـ«الفن».

النوع الآخر من الفنون هي تلك التي ترتبط بالكلام. وإن النطق بكلام جميل يعني أن يتكلم المرء بطريقة يستمتع الآخر من سماعه ويُعجَب به. وجميعنا يعلم أن من خصوصيات القرآن الكريم، والتي يؤكّد القرآنُ نفسُه عليها، هي ما فيه من جمال. وإن من جُملة معاجز القرآن الكريم هي إعجازه في الفصاحة والبلاغة. وإن الذين يسعون إلى تحسين كلامهم يحاولون أوّلًا فَهْم محاسن كلام القرآن. وهذا بحد ذاته ضَرب من الفن. فإنّ على هؤلاء أن يسعوا لتعلّم المعلومات التي تُعَد مقدمة لهذا الفن، ومن ثم يحاولوا استيعاب محاسن كلام "نهج البلاغة"، فإن في نهج البلاغة محاسن جَمّة. فإن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أمير الكلام، وإن في كلامه محاسنَ وجمالات كثيرة، يندهش لسماعها حتى الكفار أحيانًا. أحد أساتذة الجامعات هنا في مدينة قم، والذي قَدِم إليها من الولايات المتحدة، كانت شرارة دخوله الإسلام معرفةَ كتاب نهج البلاغة. فلقد أدرك الرجل محاسن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة لدى سماعه، فكانت سببًا لاجتذابه. إذًا أحد الفنون هو أن يتعلّم الإنسان كيف ينطق كلامًا جميلًا.

الأقسام الأخرى من الفن تشمل فنونًا مثل المسرَح والفلم وأمثالهما، وهي فنون بلغَت كمالها في عصرنا الحاضر. فبعد اجتياز الفن مراحلَ مختلفة اجتمعَت اليوم مجموعةٌ كبيرة من الفنون في قالب فَنّي يُدعى "الفلم السينمائي". ومع أن المعروف أن هذا الصنف من الفنون هو من ابتداع المجتمعات اللاإسلامية وأننا أخذناه من الغرب، لكنّ هذا النوع من الفن يُعَد هو الآخر نعمة إلهية. فما أكثر العلوم التي تنتشر اليوم في المجتمعات الإسلامية وهي مُستقاة من الغرب، كالعلوم المختلفة المرتبطة بالطب مثلًا؛ فمعظم أطبّائنا اليوم يُحرّرون وصفاتٍ طبية تعلّموها من الغرب. كما تُصنع في بلدنا عقاقير كثيرة أخَذْنا صِيَغها الكيمياوية من الغرب. فأخذُ العلوم المفيدة من الآخرين لا ضير فيه، المهم هو أن نرى: ما الهدف من هذا الأمر؟ وأنه في أي مجال يطبَّق هذا العلم؟

فلو وُظِّف العلم بالشكل الذي يضُر بالمسار الإنساني للحياة فإنه لن يكون مُحبَّذًا وسيُعَد سيّئًا، وحين يكون الدين الإسلامي هو مَن يَضع هذه المنظومة القِيَمية فلا بد أن نقبَلها بكل كياننا. مثلًا، يقول الإسلام في المأكولات: "لحم الخنزير حرام." فعَبر نظرةٍ سطحية عابرة ربما لا يلاحَظ فرق بين لحم الخنزير ولحم الضأن إذا وُضعا إلى جوار بعضهما البعض، بل لربما رغبَ البعض في لحم الخنزير أكثر وكان لهم ألَذّ وفضّلوه على الضأن، لكن الإسلام يقول لنا: "لا تأكلوا هذا اللحم، لأن في أكله أَضرارًا بدنية وروحية جَمّة لا تعلمونها." هذا التحريم لا يعني أن الإسلام يمنعنا من المأكولات عموما، بل مرادُه هو أنْ يتناول الإنسانُ المأكولات بالشكل الذي لا يضُرّ بكمالاته الإنسانية. فالإسلام يحلّل أكل لحم الضأن، وإن باستطاعة الإنسان أن يشوي هذا اللحم الطيّب ويأكله ويُطعم به الآخرين. بل من الواجب أن يذبح الحاج في الحج شاةً ويأكل هو مقدارًا من لحمها، ويُعطي الباقي للآخرين لأكله. إذًا حرمة أكل لحم الخنزير لا تعني أن أكل اللحم عمومًا حرام.

وكذا الحال بالنسبة إلى الفن، فحين يحرّم الدين الإسلامي نوعًا من الفن، أو كيفيّةً خاصة منه فلا يعني ذلك أنه يعارض كل فَن. فالله جل وعلا نفسُه قد امتدح الفن وأَطرَى عليه بشدة، بل عَدَّ نفسَه فنّانًا أيضًا! أفلا يقول الله عز وجل: "لقد جعلتُ زينة؟!" أوَليسَت حقيقة الفن هي إيجاد الزينة؟! فالله تعالى حين يقول: (زَيَّنّاها لِلنّاظِرين)[9] فكأنه يقول: "أنا فنان، وقد خلقتُ السماوات بِفَن يلتَذ كل إنسان إذا نظر إليها. وخلقتُ الخراف بحيث إذا خرجَت مع حملانها من حظائرها وراحَت الحملان تَعدو هنا وهناك خلف أُمّهاتها فإنكم تستمتعون بهذا المنظر." أشكال الجمال هذه الله عز وجل الذي خلَقها. فهو إذًا فنّان، ويريد منا نحن أيضًا أن نكون فنّانين، فنصنع ما يُضفي على أعمالنا كمالًا، ولَذّةً، وسعادة. يقول لنا: "احذروا من أن تُداخِل أعمالَكم شوائبُ تَضُر بعملية تكامُلكم. صحيح أنكم قد لا تكونوا مُطَّلعين على بعض المضَرّات، لكنني أضع المعارف اللازمةَ في متناول أيديكم، فأنتم لم تكونوا تعلمون أن لحم الخنزير مُضرّ لكم، لكنني نبّهتُكم إلى ذلك. في مجال الفن أيضًا قد تكونون غافلين عن بعض الأضرار، لكنني سأساعدكم فأعرّفكم بهذه الأضرار." لكن هذا الإنذار لا يعني أن الفن عمومًا أمرٌ سيّئ.

إن من النعم المهمة لله سبحانه وتعالى، والتي علينا الإفادة منها في زماننا هذا أعظم إفادة، هي الفن في جميع أنواعه. لكن جميع هذه الفنون لها حدود؛ فكما أن المأكولات بعضها حلال وبعضها حرام، فإن المسموعات أيضًا بعضها حلال وبعضها حرام. فقد رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله: «ليس منّا مَن لم يَتَغَنَّ بالقرآن»؛[10] أي من لم يقرأه بصوت جميل. يعني: تفننوا في قراءة القرآن، واقرؤوه بطريقة مُمتعة للسامع. ولا شك أنه ليس المراد من ذلك هو استعمال الآلات الموسيقية والرقص مع قراءته! فمثل هذه الأعمال مُضرّة، لكنّ تحسين الصوت ليس مضرًّا. فتعلّموا أن تقرؤوا القرآن بصوت جميل جدًّا، لكن بطريقة لا تَضُر بهدفكم النهائي. فالقرآن الكريم إنما جاء ليَسْمو بأرواحكم ويقرّبكم من بارئكم، فلا ينبغي أن تفعلوا ما يقرّب أرواحكم من الأنعام، فهذا عمل سيئ.

إذًا فإن للفن منزلة رفيعة في حياة الإنسان. وإن الله أيضًا يَعُد نفسَه فنّانًا، وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) يصنَّف في عداد فنّاني العالَم البارزين؛ فإن فَنَّ كلامِ الإمام علي (عليه السلام) لا نظير له. إن علينا أن نحترم أُطُر القيم الإسلامية والتعاليم الدينية بخصوص الفنون المختلفة، لكننا - شأننا في الكثير من المجالات الأخرى - قَصَّرنا في هذا المجال خلال الأربعين عامًا المنصرمة (من عمر الثورة الإسلامية). فلقد تطوَّرنا إلى حدّ كبير في مجال صناعة الأسلحة وبعض التقنيات العلمية، وتدارَكنا في هذه المجالات ما كُنّا عليه من تخلُّف في الماضي، وصرنا اليوم – ولله الحمد – ننافس دولًا تملك أرقى المنتجات في هذه المجالات، بل بلَغنا فيها حدّ الاكتفاء الذاتي، فلم نَعُد بحاجة إليهم. لكننا، في الكثير من المجالات الأخرى، لم نعمل ما كان ينبغي منّا عملُه. وإنّ مقدارًا من هذا القصور مرتبط بنا نحن علماء الدين، إذ لم نبيّن الأبعاد الفكرية والأساسية لمثل هذه الأمور كما ينبغي وكما هو مطلوب منّا. وإنّ علينا الاعتراف بهذا القصور. فتعالوا نتكاتف ونتآزر لنبذل المزيد من الجهود لإيجاد الأسُس الفكرية لهذه الأمور. يتوجّب علينا أن نُشَمّر عن سواعِدنا من أجل تبيين هذه المسائل ووضعها في إطار القيم الدينية.

من أجل هذا تحديدًا يَدأَب سماحةُ الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) دائمًا على بيان الخصوصيات اللازمة للسينما، ويطالب الفنانين بإنتاج أفلام مفيدة للمجتمع والثقافة الدينية. فلا بد للفن أن يوافق القِيَم الدينية، وإلّا كان مُضرًّا. من أجل ذلك يتوجّب علينا أن نتعلّم القِيَم الدينية من جهة، والمهارات الفنية من جهة أخرى من المتخصصين في هذين المجالين لكي نتمكن – في هذا البعد أيضًا – من الانتفاع من النعم الإلهية أفضل الانتفاع، لكي نتقرّب إلى الله تعالى ونبلغ أعلى مراتب الكمالات الإنسانية.

وفقنا الله وإياكم إن شاء الله


[1]. المحاسن: ج2، ص466.

[2]. ميرزا محمد تقي خان الفراهاني (1807 – 1852م) رئيس وزراء ناصر الدين شاه القاجاري. [المترجم]

[3]. الحجر: الآية16.

[4]. الكهف: الآية7.

[5]. النحل: الآية6.

[6]. البيّنة: الآية8.

[7]. البقرة: الآية172.

[8]. الأعراف: الآية31.

[9]. الحجر: الآية16.

[10]. بحار الأنوار: ج73، ص342.