د ـ مبدأ رعایة الأولویة
المبدأ الرابع الذی یتولى تلبیة المتطلبات القیمیة للمجتمع هو مبدأ (تدرج العلاقات الاجتماعیة) فالعلاقات بین ابناء المجتمع والعلاقات المعیشیة بینهم لیست بمستوى واحد، اذ هناك اشخاص تتشابك معیشتهم لیلا ونهارا ویستمر تواصلهم فی جمیع أبعاد وشؤون الحیاة، كما یوجد اشخاص لا تبلغ علاقاتهم هذا المستوى حیث یتم الاتصال بینهم أسبوعیا او شهریا لا أكثر. إذنْ رغم الترابط فی حیاة ابناء المجتمع ـ شاؤوا أم أبوا ـ وتشابكها بنحو مباشر أو غیر مباشر فانّ هذه العلاقات ذات خطوط غامقة وباهتة اللون، وذات شدة وضعف وفوارق عمیقة.
هذا الاختلاف فی العلاقات والتقارب والتباعد بین الأشخاص یمثل ارضیة اُخرى لنشوء حقوق ومسؤولیات اجتماعیة تستدعی نوعا من التقسیم فی الواجبات، ویطرح مبدأ رابعاً الى جانب الأبعاد الثلاثة السابقة. انّ التدرج فی مستوى العلاقات بین الأشخاص ودرجات القرب والبعد فی حیاتهم یقتضی ثبوت حقوق ومسؤولیات مختلفة بحقهم.
ان مسؤولیات الفرد لیست متساویة تجاه كل فرد فی المجتمع، بل تختلف حسب درجة التباعد والتقارب والاتصال والقرابة بینهم، وهكذا الحقوق المتبادلة بینهم تكون ذات درجات وكیفیات مختلفة بتأثیر من هذا العامل.
نستنتج ان أحد معاییر الاختلاف فی الحقوق والمسؤولیات هو الاختلاف فی العلاقات الاجتماعیة، وینبغی اعتباره مبدأ مهماً آخر ویكون ذا درجات ویراعى فیه الأهم والمهم، یقول الله سبحانه فی القرآن الكریم:
(وَ أُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْض فِی كِتابِ اللّهِ)([1]).
مؤكداً على هذا المبدأ، ومشیراً الى ان الارحام والاقارب أیضاً لیسوا متكافئین حیث یرجّح بعضهم على بعض آخر، حتى الجار القریب قد منحه الاسلام حقوقاً خاصة. وعلیه كلما كانت العلاقة أقرب كانت العلاقات المتبادلة أقوى والحقوق والمسؤولیات بین الطرفین أعظم.
[1]. الانفال 75.