پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی
منتشره شده در پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch4_7.htm

ar_akhlag3-ch4_7.htm

العواطف الاجتماعیة فی القرآن

العواطف الاجتماعیة فی القرآن

كما قلنا سابقاً فانّ المجتمع العالمی الذی یطرحه الاسلام كاُنموذج لم یتحقق بعدُ ولا یمكن تحقیقه فی هذا العصر أیضاً، ولكن الناس اذا كانوا طالبین للحق فبوسعهم ایجاد مجتمع بمستوى أدنى على أساس الدین والتعاون على البر والتقوى.

حینما یتأسس مثل هذا المجتمع الإلهی على أساس الحق عقیدة وعملا وترابط أعضاؤه فی إطار التعالیم والقوانین الدینیة فسوف تتولد بینهم عواطف خاصة. وكما قلنا فانّ العلاقة العاطفیة تنشأ إثر عامل طبیعی تارة وإثر عامل عقلانی تارة اُخرى، وتكون العوامل العقلانیة هی المؤثره فی ایجاد هذه العواطف الاجتماعیة.

ان أعضاء هذا المجتمع یدركون أن جهود جمیع الأعضاء تُبذل لاجل هدف واحد وینفع بعضهم لبعض. هذا الادراك یثیر فیهم العواطف والتحابب ویرسخ تضامنهم الاجتماعی. انه ذلك التآلف والتحابب الذی ینشأ بین المؤمنین وقد اعتبره الله سبحانه احدى نعمه الكبرى وامتنّ على المؤمنین باعطائهم هذه النعمة ویذكّرهم بها باستمرار ویدعوهم لتقدیرها والسعی لتقویتها. قال تعالى بهذا الشأن:

(وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)([1]).

كانت القبائل العربیة قبل الاسلام متعادیة فیما بینها، وكانت شؤون الحیاة المادیة وراء العداء بینها، وقد اثار التعارض فی الشؤون المادیة عواطف سلبیه بینهم. فجاء الاسلام وجمَعهم حول محور الحق واختفت تلك العواطف السلبیة. لقد اجتثّ الاسلام جذور تلك العواطف السلبیة من خلال تقدیم رؤیة صحیحة ومكافحة الرؤى الخاطئة فانجذب الناس نحو القیم والأهداف المعنویة، وببركة الاسلام ولّت العداوات ذات الجذور المادیة وتولّدت بدلاً عنها علاقات عاطفیة ایجابیة على أساس الدین الحق. لقد جعل الله قلوبهم متراحمة واصبحوا اخوانا فی ظل الاسلام. من الواجب تقدیر هذه النعمة وترسیخ العلاقات العاطفیة المتبادلة والاُخوة الدینیة بایلائها اهتماماً أكبر لكی تتحقق المصالح المتوخاة من الحیاة الاجتماعیة بنحو أفضل.

جاء فی آیة اُخرى:

(وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِی الأَْرْضِ جَمِیعاً ما أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ)([2]).

هذه الآیة تخاطب النبی الاكرم(صلى الله علیه وآله وسلم) بانّك لو كنت تملك ثروات الارض كلها ثم انفقتها لم توفّق للتآلف بین قلوب القبائل العربیة المختلفة، الاّ انّ الله تعالى قد ألّف بین قلوبهم بنعمة الاسلام وجعلهم متراحمین، أی مع غض النظر عن هذا العامل الإلهی وهو العامل المعنوی والحاكم على قلوب الناس لو عزمت على انفاق ثروات الارض كلها لیستأنسوا بینهم لم توفق فی ذلك. ان وحدة المسلمین وتضامنهم إذنْ نعمة عظمى وجدت فی ظل الاسلام والایمان بالله وتفوق قیمتها النعم المادیة كلها، اذ لو انفقت ثروات الارض كلها للتألیف بین القبائل العربیة لم تكُ مجدیة فی حین قد تآلف جمیع المسلمین الیوم ـ عربا وغیر عرب ـ فی ظل الاسلام وبدون بذل أموال، وهذا التوادّ والتحابب المتبادل له أبلغ الاثر فی تحقیق المصالح المادیة والمعنویة لهذا المجتمع، وتفوق قیمته النعم المادیة كافة.

وهناك آیات اُخرى تشید بالمؤمنین على عواطفهم الخاصة التی دعتهم للتعاون بینهم منها قوله تعالى:

(وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الإِْیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ یُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَ الَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالإِْیمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ)([3])

انّ المؤمنین فی المدینة الذین یُعبر عنهم بـ (الانصار) یبدون مودتهم للمهاجرین الذین هاجروا مكة وفقدوا مقومات الحیاة ولم یقصروا فی بذل أموالهم ورعایتهم ویؤثرونهم على أنفسهم فینالون الفلاح، لان من یتحرر من عامل البخل الخطیر والمضرّ فقد أفلح.

ینبغی الالتفات الى ان هذه الاستعدادات والتضحیات التی أبداها الانصار للمهاجرین قد حصلت إثر التحابب والعواطف بینهم فی ظل الاسلام الذی كان فی الحقیقة هو النبع الفیاض للعواطف فی قلوب المسلمین.

واجیال المسلمین التالیة حینما تتدبر فی ایثار المسلمین والمؤمنین وتضحیاتهم فیما بینهم فی سبیل الاسلام ابّان العهد الاسلامی الأول فانّها تدعو لهم، وتدفعهم هذه الذكرى للقول: ربنا لا تجعل فی قلوبنا غلاًّ لأی مؤمن وبالتالی تتعاظم المحبة والعواطف المتبادلة بین المؤمنین. وذیل الآیة (ربنا انك رؤوف رحیم) یشیر الى هذا الأمر وهو أن تراحم المؤمنین والتوادد فیما بینهم اشعاع من رحمة الذات الإلهیة الطاهرة على عباده.

اذا اُهملت العلاقات المعنویة فی مجتمع ما وكانت العلاقات الاجتماعیة بین أعضائه قائمة على أساس المصلحه المادیة، وكانت الشؤون المادیة محوراً لعواطفهم وصداقاتهم كانت هذه العواطف خطیرة وتسوقهم نحو الشقاء. وقد كان الكفار یتحاببون ویتعاونون فیما بینهم على أساس المكاسب المادیة المشتركة. وكان تضامنهم یشكل خطراً كبیراًعلى الاسلام، وخسارة لا تعوّض بالنسبة الیهم اذ كان یبعدهم عن المعنویات والسعادة الحقیقیة. وقد أشیر فی القرآن الكریم الى نماذج من هذه العواطف. منها ما ورد فی قصة النبی ابراهیم(علیه السلام):

(وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَیْنِكُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا)([4]).

كان(علیه السلام) یخاطب عبدة الأصنام: ان عبادة الأصنام السائدة فی مجتمعكم لیست لأجل عقیدة اتخذتموها بعد بحث وتحقیق، بل لم تؤمنوا بها حقا وإنما كان هناك مصالح مادیة مشتركة بینكم وجعلتم عبادة الأصنام محوراً لنیل المكاسب المادیة فی حیاتكم. هذه الوحدة وإنْ وفّرت المصالح المادیة للحیاة ولكن لیس لها قیمة معنویة ولا اخلاقیة. ان قیمة التضامن الاجتماعی تستند الى تحققها فی سیاق هدف صحیح ویكون نافعاً لتوفیر المصالح المعنویة المشتركة، فی غیر هذه الحالة وإنْ كانت نافعة مادیا الاّ انّها ضارة معنویا وتستتبع الندم. من هنا قال تعالى:

(الأَْخِلاّءُ یَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِینَ)([5]).

وبما انّ المكاسب المادیة لا تنفع یوم القیامة، ویدركون ان اولئك الأصدقاء هم السبب لعذابهم فانّهم یتمنون عدم مصادقتهم.

(یا وَیْلَتى لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً)([6]).

والصداقة الوثیقة الوحیدة التی تنفع فی الآخرة هی الصداقة القائمة على محور الایمان والتقوى.



[1]. آل عمران 103.

[2]. الانفال 63.

[3]. الحشر 9 و 10.

[4]. العنكبوت 25.

[5]. الزخرف 67.

[6]. الفرقان 28.


نشانی منبع: https://mesbahyazdi.ir/node/1297