پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی
منتشره شده در پایگاه اطلاع رسانی آثار حضرت علامه مصباح یزدی (https://mesbahyazdi.ir)

صفحه اصلی > ar_akhlag3-ch7_8.htm

ar_akhlag3-ch7_8.htm

العهود الانسانیة أو العقود الاجتماعیّة

العهود الانسانیة أو العقود الاجتماعیّة

استناداً الى ما ذكر، فانّ عهد الله أو العهد مع الله وان كان عهداً ذا طرفین: أحد طرفیه هو الله عز وجل والطرف الآخر هو الناس، ولكن نقوم من الآن ببحث قرآنی حول العهد الذی یكون طرفاه من البشر ونسمّیه بـ (العهد الاجتماعی).

فی مورد العهود الاجتماعیة تأمرنا أو تدعونا مجموعة من الآیات وبتعابیر مختلفة الى الوفاء بعهودنا مع الآخرین أو تثنی على الموفین بعهودهم، وبذلك تلفت نظر الانسان الى أهمّیة الالتزام بالعهد.

فی موضع یعدّ القرآن الاعمال الصالحة ویثنی على المحسنین بسبب أعمالهم الصالحة ویقول:

(وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا)([1]).

فی هذه الآیة یشیر الى الوفاء بالعهد باعتباره أحد الاعمال الصالحة ممّا یستحقّ إیلاء الاهتمام ویستلزم الوفاءُ به الثناء.

وفی آیة اُخرى یأمر الله عز وجل بالوفاء بالعهد صریحاً ویعتبر الانسان مسؤولاً تجاه عهوده ویقول:

(وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)([2]).

وفی آیتین یقول تعالى لدى التعریف بالمؤمن وبیان صفاته الثابتة البارزة:

(وَ الَّذِینَ هُمْ لأَِماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ)([3]).

ینبغی الالتفات بشأن هذه الایات الى انّ الامانة فی الحقیقة مصداق من مصادیق العهد، والامین بتقبُّله امانة الشخص الآخر یكون قد تعهَّد له وتعاقد معه بان یحافظ علیها ویحرسها حتى استردادها. وعلیه فان قبول الامانة بمثابة العهد ذی الطرفین، فیكون أداء الامانة بمثابة الوفاء بالعهد، والخیانة فیها بمثابه نقض العهد.

وتذم مجموعة اُخرى من الایات الذین ینقضون العهد ولا یراعون العهود الاجتماعیة. فی إحدى هذه الآیات ذم بنی اسرائیل بقوله تعالى:

(أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِیقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یُؤْمِنُونَ)([4]).

فی هذه الآیة استعمل لفظ (نبذ) بشأن نقض العهد ویعنی الرمی بعیداً وقد ذمهم بالاستفهام التوبیخی على نقضهم للعهد. قال تعالى فی آیة اُخرى:

(الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی كُلِّ مَرَّة وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ)([5]).

فی الآیة ـ كما هو الملاحظ ـ ذم لنقض العهد الاجتماعی بألذع التعابیر، ومن خلال ذلك تتضح القیمة السلبیة الشدیدة لنقض العهد.

لقد تم البحث والالتفات الى قضیة العهد والعقد الاجتماعی ونقض العهد فی سورة التوبة اكثر من أی سورة اُخرى. ان اكثر من عشر آیات فی بدایة السورة تتعلق بمسألة العهد. الآیة الاُولى منها تبدأ بدون البسملة وذكر اسم الله اشارة الى الغضب والسخط الالهی وثقل معصیة نقض العهد، وهی تتطرق الى قضیة نقض العهد لدى فئة من المشركین كمعصیه كبیرة وعمل قبیح جداً یستدعی براءة الله ورسوله:

(بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ)([6]).

جاء فی هذه الآیة وعدة آیات لاحقة حدیث عن المعاهدة التی كانت مبرمة بین المسلمین والمشركین وقد نقضها المشركون. وهكذا اعلن الله سبحانه باننا لا نحترم هذه المعاهدة أیضا وسوف لا نراعی بنودها: قال تعالى فی الآیة اللاحقة:

(إِلاَّ الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوكُمْ شَیْئاً)([7]).

لقد استثنیت هذه الفئة من المشركین الذین واصلوا الالتزام بالعهد مع المسلمین من الامر العام فی الآیة الاُولى وأمرت المسلمین صریحا بعبارة «فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ»([8]) بانه یجب علیكم الوفاء بعهدكم معهم حتى ینتهی أجل عهدهم.

فی هذه الآیة یأمر الله عز وجل بعبارة (اتموا) برعایة العهد والالتزام به، وهذا التعبیر الخاص هو بلحاظ الاجل المعین للعهد مع المشركین فیؤكد على اتمام المدة واجتناب نقض العهد حتى نهایة المدة المقررة.

على أی حال فان الله عز وجل یقسّم المشركین فی الآیات الاُولى من سورة براءة الى مجموعتین: الاُولى هم الذین نقضوا عهدهم فیحذر المسلمین من انّ العهد مع هؤلاء لا قیمة له ولا حرمة، وفی المقابل لا یلزم الوفاء بعهدهم معهم، ویؤكد على هذه الحقیقة فی عدة موارد. الثانیة هم الذین احترموا عهدهم مع المسلمین والتزموا به فیوصی المسلمین بالوفاء بعهدهم فی المقابل، والعمل ببنوده حتى نهایة الاجل المعین، ویؤكد على هذا الأمر فی آیات عدیدة. عن المجموعة الاُولى یقول تعالى فی آیة كریمة:

(بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ)([9]).

ویقول مرة اُخرى فی الآیة الثالثة:

(وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِیءٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ رَسُولُهُ)([10]).

وفی الآیات اللاحقة یضیف: كیف یمكن ان یكون للمشركین عهد عند الله والحال انهم ان انتصروا علیكم وأحسوا بالاقتدار لا یلتزمون بأی عهد تجاهكم ولا یعطونكم أی أمان لانفسكم وأموالكم. إذنْ قاتلوا ائمة الكفر الذین ینقضون العهد. وقد اكد الله سبحانه على هذه القضیة عدة مرات.

أما بالنسبة للمجموعة الثانیة التی التزمت بعهدها ومیثاقها مع المسلمین فان الله لم یشملها بأوامر الآیات السابقة، وفی الآیة الرابعة یدعو المسلمین الى تنفیذ عهدهم معهم. كما یقول فی الآیة السابعة: ما دام المشركون یوفون بعهدهم مع المسلمین فعلى المسلمین الوفاء بعهدهم معهم أیضا. ثم یعتبر الله تعالى هذا الوفاء بالعهد من آثار وعلامات التقوى:

(كَیْفَ یَكُونُ لِلْمُشْرِكِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ)([11])



[1]. البقرة 177.

[2]. الاسراء 34.

[3]. المعارج 32; المؤمنون 8.

[4]. البقرة 100.

[5]. الانفال 56.

[6]. التوبة 1.

[7]. التوبة 4.

[8]. التوبة 4.

[9]. التوبة 1.

[10]. التوبة 3.

[11]. التوبة 7.


نشانی منبع: https://mesbahyazdi.ir/node/1325