الأنموذج الجمیل لـ(الولایة).
بعد توضیح هذه الآیات تحسن الاشارة الى آیة تقدّم للمسلمین القدوة والأسوة فی هذا المجال لكی یحددوا صداقاتهم وعداواتهم تبعاً لها، قال تعالى:
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِیمَ لأَِبِیهِ لأََسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)([1]).
علیكم اتّباع النبی ابراهیم(علیه السلام) واصحابه الذین قالوا لقومهم بصراحة: انّا برءاء منكم ومما تعبدون. فینبغی للمؤمن أن یكون صریحا هكذا أمام الكافر اذ لا معنى للمناورة السیاسیة مع أعداء الدین. أعلنوا براءتكم من الكفار واظهروا عداءكم. یدور هذا الاختلاف حول الهدف وأساسه الایمان والكفر. فلا یجوز أبداً بیع العقیدة بأی شیء آخر، والطریق الوحید لحلّ هذا الاختلاف هو ایمان العدو بالله عزّ وجلّ.
لقد اعتبرت الآیة الكریمة النبی ابراهیم(علیه السلام) قدوة للمسلمین واستثنت مورداً واحداً وهو وعده لربِّ اُسرته بأن یستغفر له، اذ كان ذلك سلوكاً مفعماً بالمودة من ابراهیم(علیه السلام) تجاهه، فلا تتبعوه فی ذلك، أی اذا كان أحد أعضاء اُسرتكم كافرا فلا تعِدوه حتى بالاستغفار.
هذا وكان وعد ابراهیم(علیه السلام) طبعاً فی زمان لم یثبت فیه عناد آزر وكان(علیه السلام)یأمل هدایته ولذا قال فی آیة اُخرى:
(وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لأَِبِیهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَها إِیّاهُ فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لأََوّاهٌ حَلِیمٌ)([2]).
إذنْ لا ینبغی اتخاذ المسلمین سلوك ابراهیم(علیه السلام) ذریعةً لاقامة صداقات مع أقربائهم الكفار، والله سبحانه یعطی الأمل فی آیة اُخرى بحلول یوم تتبدل فیه العداوات الى صداقات:
(عَسَى اللّهُ أَنْ یَجْعَلَ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ الَّذِینَ عادَیْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللّهُ قَدِیرٌ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ)([3]).
أجل، قد یؤمن الكفار فی المستقبل ویصبحون اصدقاءكم، ولكن حینما كانوا اعداء لله فلا یحق لكم اقامة الصداقة معهم.
[1]. الممتحنة 4.
[2]. التوبة 114.
[3]. الممتحنة 7.