القسم الثانی
4
انّ الأفعال الإلهیّة تجلّیات للصفات الإلهیّة، فاذا تمّ معرفتها وإدراكها من قبل الإنسان فانّ آثاراً خاصّةً سوف تظهر فی قلبه ثمّ فی عمله وسلوكه، ونظراً لتنوّع وجوه الأفعال الإلهیّة، بمعنى انتزاع مفاهیم مختلفة منها وارتباطها مع القابلیات الروحیة المختلفة فی الإنسان، یُطرح بهذا الشأن عدد من الصفات والأفعال الأخلاقیة التی تتناسب مع تلكم القابلیات:
من جملة المعارف المرتبطة بالصفات والأفعال الإلهیّة هی معرفة هذه الحقیقة، وهی أنّ الله سبحانه قد أعطى الإنسان نعماً كثیرة، وأنّه قادر على مواصلة هذا العطاء والإنعام فی الدنیا، كما أنّه قادر على مضاعفة هذه النعم الدنیویّة، مضافاً الى أنّه قادر على التفضل على الإنسان بنعم اُخرى أفضل وأرقى وأزید من هذه النعم فی عالم الآخرة، وفی المقابل معرفة هذه الحقیقة، وهی أنّ الله قادر على سلب هذه النعم الدنیویّة من الإنسان، وأنّه قادر على حرمانه فی العالم الأبدی من جمیع النعم وجعله فی عذاب وألم دائمَین.
انّ معرفة الله بلحاظ هذه القدرة، والإلتفات الى مثل هذه الأفعال الإلهیّة یمكن أن یخلق فی الإنسان حالات نفسیّة وسلوكیة خاصّة، وحالة الشكر هی الحالة الاُولى التی تظهر فی الإنسان عند ملاحظة كون الله منعماً ومعرفته ولیّاً للنعمة، ومن الأفضل أن نقول: إنّه المیل الأول الذی یستیقظ فی الإنسان بعد هذه المعرفة. انّ حالة الشكر میل فطری یشعر به الإنسان فی نفسه تجاه كلّ منعم بلحاظ إنعامه. وبوسع كلّ فرد أن یختبر ذلك فی باطنه، أی عندما یحسن شخص الى شخص آخر ویعطیه نعمة فانّ المنعَم علیه یشعر بشعور خاصّ تجاه المنعِم، فیكون ذلك منشأً لشكره واحترامه، یقدّره بلسانه ویسعى عملیاً بأن یتناسب سلوكه مع إحسانه، هذه كلها مراتب الشكر والمنشأ لجمیعها هو الشعور الذی ینشأ فی قلبه.
الآن مع ملاحظة هذا المیل العامّ والفطرة لنوع الإنسان نقول: نظراً الى إمكانیة إدراك انّ الله هو المنعم الأول للإنسان بالمعرفة الدقیقة، وأنّه هو الذی یعطی المخلوقات النعم الصغیرة والكبیرة، الباطنة والظاهرة بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، هذا الشعور إزاء الله یجب أن یكون فی قلب الإنسان أعمق وأكمل لأنّ نعمه كبیرة وعمیقة ولا تُحصى وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها1 الاّ أن یفقد الإنسان سلامة فطرته ویعلو الصدأ والحجب الداكنة والظلام على مرآة قلبه فلا یتفاعل مع النعم الإلهیّة بسهولة. لو لم تتلوّث فطرة الإنسان وبقی قلبه سلیما فانّ ملاحظة كل هذه النعم تكفی لأن تخلق حالة الشكر فی القلب وتظهر عبادة الله فی سلوكه.
نشیر هنا الى هذه الحقیقة: انّ حالة الخضوع التی ـ كما قلنا سابقا ـ تنشأ إثر إدراك العظمة الإلهیّة، وحالة الشكر التی قلنا إنّها تتحقّق فی الإنسان إثر إدراك إنعام الله علیه تكونان من أقوى الدوافع فی الإنسان لعبادة الله، وتضفیان على عبادته أرفع القیم. وتأییداً لهذا القول نذكّر ببعض الروایات التی قسّمت العبادة الى ثلاثة أنواع:
الأول: العبادة التی تؤدّى خوفا من عذاب النار.
الثانی: العبادة التی تؤدّى رجاء تحصیل الثواب والاجر.
الثالث: العبادة التی تختلف عن هذین النوعین اختلافا جوهریاً وقد ذكرت تعابیر مختلفة للدافع فی هذا النوع من العبادة.
فی بعض الروایات ذُكر حبّ الله كدافع للنوع الثالث، والشكر لله فی بعض آخر، وأهلیّة الله تعالى لأن یكون معبوداً للإنسان فی موارد اُخرى واُنیطت عبادته الى كونه أهلاً للعبادة.2
ولعله من الممكن القول إنّ النوع الثالث لعدم كونه معروفاً بنحو كامل للجمیع، ولتعلّقات عموم الناس فانّ هذه الحالات قلیلاً ما تطرأ على قلوبهم، ولم یتعرفوا علیها جیّداً فقد ذُكرت بصور مختلفة وعُرضت فی كلّ مورد بنحو یتناسب مع فهم السامع، ولكن یمكن القول إنّه فی الحقیقة ذو مراتب مختلفة، عبّر عن أعلى مرتبة فیه بـ (وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك).3 بمعرفة العظمة الإلهیّة تحصل حالة الخضوع فی الإنسان، ویكون منشأً للتسلیم بین یدی الله عز وجل، وعندما یعرف الإنسان انّ هیئة خاصّةً من العبادة كالصلاة مطلوبة لله یتبلور شعوره بالخضوع بأداء الصلاة والركوع أو السجود، ولو لم یكن هناك أیّ دافع آخر فانّ معرفة الله ومعرفة العظمة الإلهیّة تكفیان لدفع الإنسان نحو العبادة.
فالله تعالى إله ولا یمكن ممارسة فعل ما إزاءه سوى عبادته، انّ هذا أعلى رغبة فطریة للإنسان، وذلك بأن یخضع بدون طمع فی أجر بین یدی موجود عظیم وغنی وكامل مطلق، وستكون هذه أعلى وأخلص مراتب العبادة.
فی المرتبة الثانیة تكون العبادة أكثر قیمة وذلك حینما یكون دافعها هو حبّ الله، حیث تنشأ فی الإنسان قوة عاطفیة جاذبة نحو الله تدفعه نحو العبادة، أی إنّه یعمل ما یرضی الله. یلاحظ فی هذه العبادة عدم وجود دافع آخر ـ من ثواب أو عذاب ـ سوى الله وحبّه أیضاً.
فی المرتبة الثالثة تكون العبادة أكثر قیمة حینما یكون دافعها هو شكر الله على نعمه التی سخّرها للإنسان، أی عندما یرى انّه لیس بوسعه أن یُجزی على نعم الله ویقدِّم شیئاً إزاء نعمه، لأنّ كلّ ما لدیه هو منه أصالة، یصل الى هذه النتیجة وهی إظهار الخضوع والعجز والتذلل والحقارة من خلال ممارسة العبادات.
هذه ثلاثة أنواع من الدافع لعبادة الله، وهی ذات مستوى أعلى من الدوافع العامّة والمألوفة، فعلى الإنسان الوصول الى المرتبة الأكمل من المعرفة وحبّ الله لكی یمارس عبادة الله بهذا النحو.
من معارف الإنسان بالله تعالى هی معرفته بهذه الحقیقة، وهی أنّ الله قادر على استرجاع جمیع النعم التی أعطاها ایّاه فی هذه الدنیا، من قبیل العمر والصحة والسلامة والاصدقاء والأقرباء والأولاد والأموال وغیرها، أی یسلبها منه بعبارة اُخرى، وهكذا المعرفة بانّه قادر فی العالم الخالد أن یحرمه من جمیع النعم ویعرّضه للعذاب والمعاناة ویُبعده عن الجنة ونعمها، والأمرّ من الجمیع هو أن یبتلیه بالبُعد عنه وعن رحمته، وفی المقابل هو قادر على إدامة النعم التی تفضّل بها أو یزیدها فی المستقبل كماً وكیفاً، وهكذا یمتعنا بنعم أكثر وأعلى فی الآخرة.
انّ الإلتفات الى هذا المعنى ومعرفة الله بلحاظ قدرته هذه وأنّ بیده سعادة الإنسان وشقاءه فی الدنیا والآخرة یحفّز فینا حالتَی (الخوف) و(الرجاء) الروحیتین والنفسیتین.
بناءً على هذا یرتبط (الخوف) و(الرجاء) كلاهما بمستقبل الإنسان، على عكس الشكر حیث یكون بإزاء النعم التی أعطاها الله للإنسان فی الماضی، كما أنّ هاتین الحالتین ـ الخوف والرجاء ـ مختلفتان فی الاصل، لأن (الخوف) حالة ناشئة من معرفة الله بلحاظ كونه قادرا على حرماننا من نعم الدنیا فی المستقبل وهكذا النعم الاُخرویة، بینما (الرجاء) حالة ناشئة من معرفة الله بلحاظ كونه قادراً على ادامة إعطاء هذه النعم الدنیویّة فی المستقبل، ویزیدها كماً وكیفاً ویمتّعنا أیضاً بالنعم الاُخرویة العظیمة.
انّ الخوف من الحرمان والرجاء بمستقبل أفضل متجذّران فی فطرة الإنسان، وهما عاملان قویّان لدفع الإنسان نحو بذل الجهد والسعی وبناء الذات وإصلاح شؤونه المادیّة والمعنویّة، وبلحاظ دورهما وأهمیتهما هذه یؤكّد القرآن الكریم علیهما فی بُعده التربوی ویهتمّ بتفعیلهما وتوجیههما الوجهة الصحیحة بأسالیب مختلفة، وفی مناسبات مختلفة، فیلزم هنا الإشارة الى بعض الآیات:
1 ـ هناك آیات تؤكّد أنّ السعادة الأبدیة تكون من نصیب الذین یشعرون بالخوف والخشیة كالآیتین:
إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ * جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْن تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ.4
أی یمكن أن یستفاد من الآیتین بأن خوفهم وخشیتهم هما اللتان أوصلتاهم الى هذا المقام السامی والقیّم. وكالآیة:
إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآْخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ یَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ یَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِینَ.5
وكالآیات: وَالَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَیَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَیَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ * وَالَّذِینَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً وَیَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ * جَنّاتُ عَدْن یَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّیّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ كُلِّ باب * سَلامٌ عَلَیْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ.6
وكالآیة: إِنَّ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِیرٌ.7
وكالآیتین: وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوى.8
2 ـ فی مجموعة اُخرى من الآیات القرآنیة عُرّفت الخشیة بتعابیر مختلفة كشرط لقبول دعوة الأنبیاء والهدایة الإلهیّة والتأثّر بالنذُر السماویة كالآیتین:
وَلَقَدْ آتَیْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِیاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِینَ * الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.9
إنّ الذین یتّصفون بخشیة الله ویخافون یوم القیامة یمیّزون بین الحق والباطل فی ضوء الكتب السماویة، ویتحلَّون بالتقوى من خلال الإنتفاع بالمواعظ والتذكیر.
وكالآیة: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَة وَأَجْر كَرِیم.10
وكالآیات: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَیْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ یَخْشى.11
وكالآیة: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ یَخْشاها.12
وكالآیة: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ.13
وكالآیات: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى * سَیَذَّكَّرُ مَنْ یَخْشى * وَیَتَجَنَّبُهَا الأَْشْقَى.14
3 ـ المجموعة الثالثة تعرّف الخوف والخشیة بتعابیر مختلفة كعاملین لفعل الخیرات والإسراع فیها، كالآیات:
إِنَّ الَّذِینَ هُمْ مِنْ خَشْیَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِینَ هُمْ بِآیات رَبِّهِمْ یُؤْمِنُونَ * وَالَّذِینَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا یُشْرِكُونَ * وَالَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ.15
فی هذه الآیات یتنوّع التعبیر فتارة تذكر الخشیة، وتارة اُخرى تذكر الإشفاق، واُخرى الوجل، وكلها تؤكّد على هذه الحقیقة وهی أنّ صفة الخوف والخشیة من الله والقیامة تدفع الإنسان لیصبح فعّالاً فی أعمال الخیر ویسارع للقیام بها.
4 ـ المجموعة الرابعة من الآیات تدلّ بتعابیر مختلفة على أنّ الخشیة لا تجوز من أیّ شیء سوى الله وحده، كالآیة:
وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.16
وكالآیة: الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَیَخْشَوْنَهُ وَلا یَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ.17
هذه الآیة تثنی على الأنبیاء(علیهم السلام) وتذكر خصلة الخوف من الله فیهم وعدم خوفهم من غیره، والتی یتصفون بها كصفة بارزة وممدوحة.
وكالآیة: الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ دِینِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.18
والآیة: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآیاتِی ثَمَناً قَلِیلاً وَمَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.19
وكالآیة: وَمِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَیْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ یَكُونَ لِلنّاسِ عَلَیْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِی وَلاُِتِمَّ نِعْمَتِی عَلَیْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.20
وكالآیة: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّة أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ.21
5 ـ بعض الآیات تؤكّد على الخشیة كشرط للإعتبار بالحوادث، كما جاء فی آیتین بعد ذكر قصة فرعون:
فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الآْخِرَةِ وَالأُْولى * إِنَّ فِی ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ یَخْشى.22
إضافةً الى هذه الآیات التی استعملت لفظ الخشیة، هناك آیات استُخدم فیها لفظ (الخوف)، فهل للخوف مفهوم الخشیة أم یختلف عنها؟ نُقلت أقوال لبعض المفسرین وأهل اللغة وهی قابلة للنقض الى حدّ ما ولا تبدو مُتقنة، وعلى الرغم من أنّ ظاهر بعض الآیات یحكی عن وجود اختلاف مفهومی بین الخوف والخشیة، ولكن لا یمكن الإشارة بصورة یقینیة الى وجود اختلاف لغوی بینهما.
قلنا انّ ظاهر بعض الآیات یحكی عن وجود اختلاف مفهومی بین الخوف والخشیة، قال تعالى:
وَلَقَدْ أَوْحَیْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى.23
انّ تقارن الخوف والخشیة فی هذه الآیة وتعلقهما بشیء واحد یبیّن لنا هذه الحقیقة، ولها ظهور فی وجود اختلاف بین اللفظین قطعاً، وقال بعض: الخشیة حالة نفسیّة تحدث حینما یشعر الإنسان بعظمة شخص أو خطر قد یهدّده، بینما الخوف لا ینحصر فی هذا المورد بل له شمول أوسع، ولكن بملاحظة الآیات نجد بدقة أنّ الخشیة استُعملت فی المواضع التی استُعمل فیها الخوف، ولا یبدو وجود أیّ اختلاف بین موارد الخشیة مع موارد الخوف، وتقارن الخوف والخشیة فی الآیة لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى لا یدلّ بالضرورة على الاختلاف بینهما، بل یحتمل كونه من باب تأكید لفظ بلفظ آخر، ولا یتنافى مع اتحاد معنَییهما وترادفهما.
الآیات التی ورد فیها لفظ الخوف كثیرة ومتنوعة أیضاً، فتارة یُنسب الخوف فی هذه الآیات الى ذات الله سبحانه بتعابیر مختلفة، كالآیة:
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَْرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِی وَخافَ وَعِیدِ.24
وكالآیات:
وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوى.25
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.26
وفی موارد اُخرى ورد الخوف من العذاب كالآیة:
إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْم عَظِیم.27
هذه العبارة نقلت عن لسان انبیاء الله العظام فی موارد عدیدة.
جاء فی بعض الآیات انّ الأنبیاء كانوا یخوّفون أقوامهم ـ ارشاداً لهم وانذاراً ـ من یوم القیامة، أو الیوم الذی ینزل فیه العذاب علیهم، كالآیتین:
وَیا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْكُمْ یَوْمَ التَّنادِ * یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِم.28
وآیات اُخرى نظیر:
إِنِّی أَخافُ عَلَیْكُمْ عَذابَ یَوْم عَظِیم29 أو عَذابَ یَوْم أَلِیم30 أو عَذابَ یَوْم كَبِیر31 أو عَذابَ یَوْم مُحِیط.32
وهناك ثناء ـ فی موارد من الآیات ـ على الذین یخشون عذاب یوم القیامة أو یوم القیامة بلحاظ أخطاره طبعا.
فی إحدى هذه الآیات ذُكر هذا اللون من الخوف كصفة بارزة للعقلاء، فقالت فی تعریف أولی الألباب أی ذوی العقول:
وَالَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَیَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَیَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.33
وفی آیة اُخرى ذُكر الخوف من الله كصفة ممدوحة للملائكة وعباد الله المصطفین حیث قالت:
یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ.34
وتُثنی آیة اُخرى على رجال طاهرین واُناس عظام: یسبحون الله صباحا ومساء فی بیوت نورانیة كالمعابد والمساجد ومنازل الأنبیاء وأولیاء الله، ولهم صفات سامیة منها صفة الخوف من یوم القیامة حیث تقول:
رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَیْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِیتاءِ الزَّكاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَالأَْبْصارُ.35
وهناك تأكید ـ فی آیات اُخرى على أفعال الأبرار وصفاتهم عند وصفهم وبیان معاییر البِرّ والإحسان فیهم، من أهمّها صفة الخوف من القیامة والتی تكررت مرتین، فتقول مرّة: وَیَخافُونَ یَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً36 وتقول مرّة اُخرى على لسان الأبرار: إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا یَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِیراً.37
وقد نهی فی موارد عن الخوف من الآخرین واُمر بالخوف من الله فقط، فكما كان بلفظ الخشیة: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ فقد جاء فی بعض الآیات: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ.38
وفی هذا السیاق وردت الفاظ اُخرى فی القرآن الكریم متماثلة فی المفهوم نوعا ما، أحدها: لفظ (الرهبة) أو (رهب) بمعنى الخوف وقد استعمل فی عدة آیات نظیر الآیة وَإِیّایَ فَارْهَبُونِ39 والآیة فَإِیّایَ فَارْهَبُونِ،40 ونظیر الآیة التی تثنی على التوراة: وَلَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَْلْواحَ وَفِی نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ.41
وتقول آیة اُخرى فی هذا السیاق:
إِنَّهُمْ كانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَیَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِینَ.42
ثانیها: لفظ (الإشفاق) كالآیة: وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ43 فقد استُند فیها الى الإشفاق من الله كثمرة للخشیة وصفة بارزة، كما ورد هذا المضمون فی الآیة:
إِنَّ الَّذِینَ هُمْ مِنْ خَشْیَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.44
والإشفاق ورد تارة من العذاب وتارة من یوم القیامة، كالآیة:
الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.45
وكالآیتین: وَما یُدْرِیكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِیبٌ * یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَیَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السّاعَةِ لَفِی ضَلال بَعِید.46
الآیتان تشیران الى أنّ الإشفاق والخوف من القیامة أثر للعلم بحقانیّتها والمعرفة بها.
وورد الإشفاق تارة ثالثة من العذاب، قال تعالى:
وَالَّذِینَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.47
هذه الآیة تشیر الى أنّ المصلّین هم الذین یصدّقون بیوم القیامة ویخافون من عذاب ربهم، وخوفهم ناشئ من المعرفة بیوم القیامة والتصدیق بیوم الجزاء، حیث جاء قبل هذه الآیة:
وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ.48
وثالثها: لفظ (وجل) وقد استعمل فی آیات كالآیة:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.49
وكالآیتین: فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِینَ * الَّذِینَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.50
هاتان الآیتان تستندان بنحو خاصّ الى معرفة الله والإعتقاد بوحدانیته، وهذه المعرفة تكون منشأً لظهور حالة الوجل فی القلوب، وتستفید الآیتان منه كعامل تربوی لهدایة الآخرین، حیث إنّ المخبتین ینشأ لدیهم هذا الإعتقاد ویتبعه ظهور هذه الحالات، فلهم البشارة على هذه السعادة، فأنتم أیضاً سیروا فی هذا الطریق حتّى تبلغوا السعادة التی نالوها.
وكالآیة: وَالَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ.51
مع فارق كون القلوب فی الآیات السابقة على وجل من الله وذكره، وهنا على وجل من القیامة والرجوع الى الله.
الى هنا بحثنا عن الآیات المتعلقة بالخوف والخشیة والألفاظ المرادفة لهما، وقد أوضحنا مفهومهما وكیفیة ظهورهما، ویمكن الإشارة الى عدة ملاحظات:
1 ـ إنّ الملحوظ فی الخوف هو النظر الى المستقبل ولیس الماضی أبداً، الاّ بلحاظ النتائج المترتبة على حدث واقع فی الماضی.
2 ـ یتعلق الخوف أصالة بأمر غیر محبّذ قد یواجهه الإنسان وهو قلِق على مستقبله، ولذا فانّ ما یكون متعلَّقا للخوف أولاً وبالذات هو مرارة حرمان الإنسان من الأمور المحبّذة ورغباته، والابتلاء بأمور مكروهة ومزعجة ولكن الخوف ینسب أحیاناً ـ ثانیاً وبالعرض ـ الى أمور اُخرى، فمثلاً: ننسبه أحیاناً الى شخص سبّب ظهور مثل هذا الوضع المكروه، أو الى أعماله التی سبّبت عدم ارتیاحنا أو الى مكان ذلك العمل والحدث المكروه أو زمانه، ونقول انّا نخاف من العمل الكذائی أو المكان والزمان الكذائی، وعلیه یُنسب الخوف إلیها جمیعاً، ولكن كما قلنا إنّ المنشأ الاصلی لهذه كلها هو عدم الإرتیاح الذی یرد على الإنسان.
3 ـ فی مقابل الخوف الوارد فی الآیات المذكورة استُعمل لفظ الرجاء فی آیات عدیدة، الرجاء والخوف لیسا على طرفی نقیض تماماً، أی إنّ الرجاء لا یعنی عدم الخوف تماماً، ولا الخوف یعنی عدم الرجاء تماماً، بل انّهما حالتان وجودیتان متضادتان تنشأ إحداهما فی النفس الإنسانیة من الشعور بالخطر فی المستقبل، وثانیتهما تنشأ فی روح الإنسان وتظهر فی إحساسه من الشعور بالتنعّم والتمتّع بالنعم فی المستقبل.
عندما یظن الإنسان انّ نعمة ما سینالها فی المستقبل ویلتذّ ویتمتّع بها، فانّه یشعر إثر ذلك بشعور طیب وحالة محبّذة وجمیلة نسمیها (الرجاء) و(الأمل).
إذنْ تُلحظ فی (الرجاء) و(الأمل) خصوصیتان كما هو حال الخوف، إحداهما: النظر الى المستقبل، ولذا لا علاقة للرجاء بالماضی بل بلحاظ نتائجه التالیة، ثانیتهما: أنّ المنشأ الأساس للأمل والرجاء هو اللذة والراحة التی تحصل للإنسان نفسه، ولكن تُنسب هذه الحالة أیضاً الى أشیاء اُخرى عرَضا.
فمثلاً: یلتفت الإنسان تارة الى النعمة التی تبعث على التذاذه وراحته فینجذب قلبه إلیها ویكون آملاً، وتارة الى من یعطیه هذه النعمة ویأمل به، وتارة الى الزمان أو المكان الذی سیتمتّع فیه بتلك النعمة، فی هذه الحالة یمكن نسبة رجائه أو أمله الى ذلك الزمان أو المكان، ولكن المتعلَّق الأساس والمنشأ الأول لظهور هذه الحالة فی النفس الإنسانیة هو التذاذ الإنسان وتمتعه، أی إن علته باطنیة وتتعلّق بالإنسان نفسه.
لقد نُسب (الرجاء) الى الله فی موارد من القرآن الكریم، والى الرحمة الإلهیّة فی موارد اُخرى، والى یوم القیامة فی بعض الموارد لأنّ القیامة عالم یكون الإنسان فیه مشمولاً للرحمة الإلهیّة، نشیر الى بعض هذه الآیات على التوالی: فی آیتین نُسب الرجاء الى الله كالآیة:
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِیراً.52
وكالآیة: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِیهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الآْخِرَ وَمَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ .53
ففی الآیة الاُولى عُرّف رسول الله الكریم على أنّه أسوة ومقتدى، وفی الثانیة ابراهیم(علیه السلام) وأتباعه. وفی عدد من الآیات اعتبر لقاء الله متعلَّقا لـ (الرجاء)، وهذه الآیات تنقسم الى مجموعتین: مجموعة بشأن الذین یرجون لقاء الله كالآیة:
فَمَنْ كانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا یُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.54
وكالآیة: مَنْ كانَ یَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآَت وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ.55
فی هاتین الآیتین تمّ الإلتفات الى (الرجاء)، ولكن بلحاظ لازمه الذی لاینفك عنه، أی إنّ الآیة تؤكّد انّ (الرجاء) وإنْ كان حالة روحیة ونفسیّة، ولكنه ذو لازم سلوكی لا ینفك عنه ویكون منشأً لصدور أعمال خاصّة فی الإنسان. من هنا فانّ الآیة إمّا تؤكّد تأكیداً صریحاً على لزوم أداء العمل الصالح وتشیر بعبارة فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً الى هذا اللازم السلوكی، أو تؤكّد علیه بصورة كنائیة، وعبارة فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآَت تعبیر كنائی ظاهراً عن وجوب السلوك الصالح ووجوب أداء الوظیفة، أو تعرّف الأسوة والنموذج فی السلوك حتّى تقول بأنّ الذین یرجون الله علیهم تنظیم سلوكهم طبقاً لهذه النماذج، والتحرك خلف هذه الاُسوات والإقتداء بهذه القُدوات، وسیكون نبی الله محمد(صلى الله علیه وآله وسلم) وابراهیم(علیه السلام) خیر اُسوة لهم.
على أیّة حال فانّ هذه الآیات تذكّر بهذه الحقیقة بتعابیر مختلفة، وهی انّ لوجود (الأمل) و(الرجاء) فی قلب الإنسان منشأ وآثاراً وعلامات، والعلامة البارزة للأمل بالله ویوم القیامة هی ممارسة العمل الصالح واجتناب الشرك.
والمجموعة الثانیة تذمّ الذین لا یرجون لقاء الله، كالآیتین:
إِنَّ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِینَ هُمْ عَنْ آیاتِنا غافِلُونَ * أُولئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا یَكْسِبُونَ.56
وكالآیة: فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ.57
وكالآیة: وَإِذا تُتْلى عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّنات قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآن غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ.58
وكالآیة: وَقالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِیراً.59
هذه الآیات كسابقتها تتحدّث عن لقاء الله، ولكن مع هذا الفارق وهو أنها تتحدّث عن الذین لا یرجون اللقاء، وتبیّن لوازم هذا الیأس وعوارضه وآثاره: إنّ الذین لا یرجون لقاء الله قد تعلقت قلوبهم بالدنیا وفرحوا بها، وغفلوا عن الله وآیاته ویرتكبون القبائح ویطغَون ویتشبّثون بذرائع واهیة، ویطلبون ما لا یكون مناسبا، وأخیراً یتعرّضون الى عقوبة هذه الأعمال والسلوك ونتائجه الوخیمة.
الملاحظة الجدیرة بالذكر وتناسب الموضوع الأصلی لهذا البحث هی أنّ الآیات الكریمة قد صرحت بهذه الحقیقة، وهی أنّ منشأ الیأس هو الغفلة عن الله وآیاته والغفلة فی نفسها معلولة لعدم معرفته جیّداً، وعلیه فانّ المعرفة تمثّل مقدمة وشرطا ضروریا لظهور حالة (الرجاء) والرجاء حالة تنشأ من نوع من المعرفة الإلهیّة فی نفس الإنسان، وتكون منشأً لآثار عملیة. أی إنّ رجاء لقاء الله والیأس منه ـ بعد المعرفة التی هی أكثر تجذّراً وأرسخ ـ هما العلة والأساس لارتكاب أعمال صالحة أو قبیحة، وهكذا فی صلاح الإنسان وفساده، وبالتالی هما العامل لنیل الثواب والعقاب الاُخروی.
بناءً على هذا فانّ الرجاء بلقاء الله أثر ومعلول للمعرفة من جهة، ویزول نتیجةً لضعف المعرفة وللغفلة عن الله والقیامة، ومن جهة اُخرى یكون علة وعاملاً مؤثراً لتغییر سلوك الإنسان، وبالتالی نیل السعادة الأبدیة ویؤدی عدمه الى الشقاء الأبدی.
فی بعض الآیات یكون عالم الآخرة متعلَّقا للرجاء كالآیة:
فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْیَوْمَ الآْخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِی الأَْرْضِ مُفْسِدِینَ،60وهكذا العبارة:
لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الآْخِرَ.61
وقد وردت رحمة الله فی موارد كمتعلَّق لـ (الرجاء) كالآیة:
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَقائِماً یَحْذَرُ الآْخِرَةَ وَیَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إِنَّما یَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَْلْبابِ.62
هذه الآیة تطرح أولاً وباُسلوب جذّاب الخوف والرجاء معاً وتذكر عللهما وآثارهما ثانیاً، فمن جهة تؤكد أنّ عامل احیاء اللیل وطاعة الله وعبادته فی هؤلاء الرجال الإلهیّین هو الخوف من الآخرة ورجاء رحمة الله، ومن جهة اُخرى تلفتنا الى هذه الحقیقة وهی أنّ الخوف من القیامة، والرجاء لرحمة الله هو من نصیب ذوی العقول والألباب وأرباب العلم والمعرفة.
انّ عمق معرفة هؤلاء بباطن الوجود وخلود حیاة الإنسان، والنعم والنقم التی أعدها الله عزّ وجلّ للصالحین والطالحین هی التی تبعث فی قلوبهم حالات الخوف من القیامة ورجاء الرحمة، وتُبعد عنهم التغافل والترف والكسل وتدفعهم نحو الجد والاجتهاد والعبادة واحیاء اللیل.
وكالآیة:
إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أُولئِكَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ.63
هذه الآیة تبیّن هذه الحقیقة أیضاً، وهی أنّ رجاء رحمة الله وإنْ كان حالة روحیة الاّ انّ له آثاراً وعلامات سلوكیة لا تنفك عنه، فالملتزمون عملیاً والذین یهاجرون ویجاهدون هم الذین یحق لهم أن یدّعوا انّ لهم رجاء برحمة الله.
وهناك عناوین اُخرى اعتُبرت فی موارد متعلَّقات للرجاء، كالآیة:
وَلا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا یَرْجُونَ.64
وكالآیتین: إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً یَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ * لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ وَیَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.65
واعتُبر الحساب فی الآیة التالیة متعلَّقا لـ (الرجاء)، قال تعالى:
إِنَّهُمْ كانُوا لا یَرْجُونَ حِساباً.66
علینا أن لا نغفل عن هذه الملاحظة وهی أنّ (الرجاء) حالة نفسیّة تنشأ من العلم والمعرفة بالمبدأ والمعاد، كما نطق بذلك الكثیر من الآیات، كما أنّ جمیع الآیات تؤكّد على أنّ الرجاء أساس لجمیع الجهود الإنسانیة النافعة والمثمرة، ومنشأ لإصلاح شؤون المجتمع، ووصول الإنسان الى السعادة الأبدیة، كما أنّ الیأس أو قطع الرجاء من الله ویوم القیامة هو المنشأ لكلّ فساد وجریمة وتعرّض الإنسان الى الشقاء الأبدی.
فی بعض الآیات یحتمل أن لا یكون (الرجاء) بمعنى الأمل بوقوع أمر محبّذ فقط، بل لعل المراد منه هو انتظار شیء قد یكون نافعا للإنسان أو ضارّاً. فی جمیع الآیات التی ورد فیها (رجاء الیوم الآخر) بل (رجاء اللقاء)، یُحتمل أن یكون الرجاء قد استُعمل بالمعنى المطلق للإنتظار، نظیر لفظ الظن الوارد فی بعض الآیات كـ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ67 فهذه العبارة تعطی هذا المعنى وهو أنّهم یعتقدون بوجود یوم القیامة، كما یمكن استنتاج هذا الأمر بدقة من الآیات التی استُعمل فیها لقاء الله أو (لقاء الربّ). واللقاء بمعناه العرفانی مقبول طبعا ولا نرید انكاره، بل نرید القول إنّ اللقاء فی القرآن هو أعمُّ من هذا اللقاء الخاص بالمؤمنین، بل إنّه لقاء یشمل الكافرین أیضاً. فمثلاً: جاء فی الآیة یا أَیُّهَا الإِْنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِیهِ68 فانّ هذا اللقاء لا یختص بالمؤمن بل تصرح الآیة بانّه یرتبط بكلّ إنسان، وهو خطاب للإنسان ولیس للمؤمن، بل یمكن القول: نظراً الى أنّ الآیة فی مقام الانذار فانّ ظهورها فی لقاء غیر المؤمن أقوى.
وعلیه یُحتمل أن یكون رجاء لقاء الله أو الیوم الآخر بمعنى مجرّد الإنتظار أو وقوع وتحقّق القیامة بكلّ ما فیها من نعم ونقم، سواءً أكان الإنسان فیها منعَّما أو متعرّضا للنقمة والعذاب، ولیس من الضروری أن یكون بمعنى رجاء السعادة، بل نظراً الى ایمانهم بوقوع القیامة فانّهم ینتظرون ذلك، الاّ أنّ انتظارهم قد یصاحبه الخوف من العذاب أو الرجاء بالرحمة. وقد یكون السرّ فی اعتبار بعض المفسرین بعض موارد (الرجاء) بمعنى الخوف هو أنّ الرجاء أعمُّ من توقّع الخیر أو الشر، وفی المقابل لا ینتظر المنكرون للقیامة خیرها ولا شرّها. فی الكثیر من الموارد یشیر القرآن الى أنّ (الرجاء) قد استُعمل فی المفهوم المقابل للخوف، ویبیّن أحد شقّی الإنتظار وهو الذی ینتهی بالتنعّم واللذة، كما أنّ (الخوف) یبیّن الشق الآخر من الإنتظار والذی ینتهی بالنقمة والعذاب.
ان عِدْلَی الإنتظار هذین بمثابة عاملی حركة الإنسان، إمّا یجذبه الرجاء نحو الصلاح وإمّا الخوف، ومن الواضح انّ الخوف من القیامة أو رجاءها یحصلان فی حالة الإیمان بتحققها والإعتقاد بوقوعها فی نفس الإنسان، والله سبحانه یؤكّد على هذین العاملین القویین للحركة فی تربیة المؤمنین، وإذا كان لـ (الرجاء) بیوم القیامة أو (اللقاء) فی بعض الآیات ظهور فی مطلق الإنتظار واستعمل بمعنى اعتقاد الإنسان بتحققه وینتظره، فانّه بلحاظ هذه العلاقة الوثیقة بین الإعتقاد والعلم بتحقّق القیامة من جهة، والأمل باللذائذ أو الخوف من عذابها من جهة اُخرى. هذه العلاقة هی من الوثاقة والشدّة بحیث تدعو الى اطلاق (الرجاء) أحیاناً على أصل الإعتقاد بالوقوع وانتظار التحقق. وهذا الاطلاق أوضح فی الآیات التی تنفی الرجاء كقوله تعالى: بَلْ كانُوا لا یَرْجُونَ نُشُوراً69 أو لا یَرْجُونَ أَیّامَ اللهِ،70 ولـ (لا یَرْجُونَ) فی هذه الموارد مفهوم (لا ینتظرون) لشحّة الذین یعتقدون بتحقّق القیامة ثمّ لا یشعرون بخوف أو رجاء، وأغلب الذین لا یرجون یعود عدم رجائهم لعدم اعتقادهم بتحققها من الأساس لكی یشعروا بخوف أو رجاء إزاءها، وهذه الغالبیة والعلاقة بین عدم الإعتقاد وبین فقدان الأمل والرجاء من القوة والتماسك بحیث یمكن القول: إنّ من لا یرجو القیامة لا یعتقد بتحقّقها عادة، بل یمكن استعمال فقدان الأمل فی عدم الإنتظار والإعتقاد، ومن المحتمل استعماله فی الآیات فی هذا المعنى بهذا اللحاظ أیضاً.
1 ـ بلحاظ ما سبق یعتبر الخوف والرجاء حالتین نفسیّتین لوحظ فیهما النظر الى المستقبل، ویكون ذلك منشأً لظهور الحالتین فی الإنسان، مع فارق هو أنّ الإنسان فی إحداهما یلاحظ احتمال كونه متألّما ومبتلىً بألوان البلاء والعذاب فی المستقبل، فیدعوه الشعور المزعج بالخوف والقلق فی روحه الى ترك بعض الأعمال أو ادائها، وفی الثانیة یلاحظ احتمال كونه متمتّعا ومتنعّما ومنتفعا ببعض النعم فی المستقبل، ولذا ینشأ فی قلبه شعور بالسرور ویدفعه نحو السعی والحركة. وكما قلنا قد یستعمل ذلك فی مطلق الإنتظار بحكم العلاقة الوثیقة بین هذه الحالة وبین الإعتقاد والإنتظار.
2 ـ نظراً الى أنّ الإنسان المعتقد والمؤمن یرى أنّ الله قد یمتّعه بنعم فی المستقبل، وقد یحرمه حتّى من النعم الموجودة، فانّ هذه الرؤیة تكون منشأً لخوفه من الله وأمله به، حتّى یبلغ المستوى الأكمل وهو أنّ الله سبحانه وحده هو القادر على أن ینعّمه أو یحرمه فی المستقبل، وهذه الرؤیة تكون سبباً لخوفه من الله وتعلّق قلبه به فقط، وهذه من الصفات البارزة فی الإنسان العارف بالله والصالح.
3 ـ الخوف والرجاء من الصفات الضروریة التی ینبغی أن یتّصف بهما الإنسان العازم على السیر فی طریق الكمال والصلاح، وفقدان أحدهما ـ فی الواقع ـ نقص فی الخصال الإنسانیة والنفسیّة، ویترك آثاره السیئة على سلوكه وبالتالی على سعادته ومعنویاته.
إنّ الخوف والرجاء بمثابة قوة التنفیذ أو جناحی الطیران والحركة، ویكونان العامل المباشر لجهود الإنسان وجدّیتة وسلوكه، أی یمكن القول: بصورة عامّة یكون سلوك الإنسان كله من آثار وتجلّیات هذین المیلَین فی النفس، وهو أعمُّ من الأعمال المادیّة والمعنویّة والدنیویّة والاُخرویة، والإلتفات الى هذه الملاحظة أمر ضروری وهی أنّ متعلَّق الخوف والرجاء لیس واحداً، ویكون مختلفا اختلافا شدیدا حسب درجات المعرفة المختلفة، ولكن ما یبحث عنه فی هذا المقال هو الخوف والرجاء من الله والقیامة، وكلما تعمّقت معرفة الإنسان بالله سبحانه والقیامة تضاعف خوفه ورجاؤه، كما قال تعالى: إِنَّما یَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ،71 كما روی عن رسول الله(صلى الله علیه وآله): (من كان بالله أعرف كان من الله اخوف).72
من هنا تؤكّد الآیات والروایات بشدّة على هاتین الحالتین، كالآیة:
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ.73
والروایات فی هذا المجال كثیرة لأنّ الخوف والرجاء هما اللذان یدفعان الإنسان ـ سراً وعلنا ـ للسعی والتحرك والجد.
4 ـ لابدّ من التوازن بین الخوف والرجاء، فقد ورد فی روایات لو قیس الخوف والرجاء معاً لدى المؤمن كانت هاتان الحالتان متكافئتین فی قلبه دون أن یترجّح أحدهما على الآخر، وقد ذُكرا معاً فی آیات، قال تعالى:
یَحْذَرُ الآْخِرَةَ وَیَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ74 ویَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً.75
وورد فی روایة عن الامام الصادق(علیه السلام):
(كان أبی یقول: إنّه لیس من عبد مؤمن الا وفی قلبه نوران: نور خیفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم یزد على هذا، ولو وزن هذا لم یزد على هذا).76
5 ـ الخوف والرجاء حالتان وجودیتان ولا ینفی أیّ منهما الآخر لكی یعتبر الطرف المقابل له تماماً، فالخوف لا یعنی عدم الرجاء، كما لا یعنی الرجاء عدم الخوف، بل لكلّ منهما طرفه المقابل، كما ورد فی الروایات أنّ النقطة المقابلة لـ (الخوف) هو الأمن والتجرّی، والنقطة المقابلة للرجاء هو الیأس أو القنوط وهما من الذنوب الكبیرة، فالیأس من رحمة الله یعنی افتقاد الرجاء وهو معصیة، كما إنّ الشعور بالأمن الكامل من العذاب الإلهی بمعنى عدم الخوف من الله والقیامة معصیة أیضاً.
لا ینبغی الغفلة عن أنّ هاتین الحالتین (الخوف والرجاء) وإن لم تكونا متقابلتین بنحو التناقض بأن تنفی إحداهما الاُخرى، ولكن بینهما تأثیر وتأثّر متبادل قطعاً، فمثلاً: إذا تعدّى خوف الإنسان حالة الإعتدال فانّ أمله سوف یضعف حتماً ویكون دون المستوى المطلوب، وبالعكس لو تجاوز الأمل ورجاء الإنسان حدّه تبدّلت حالة الخوف فی الإنسان الى الشعور بالأمن والتجرّی على الله وأحكامه، ولذا ورد عن الامام الصادق(علیه السلام):
(أرجُ الله رجاء لا یجرئك على معاصیه، وخفِ الله خوفا لا یؤیسك من رحمته).77
من هذه العلاقة والتأثیر والتأثّر یمكن استنتاج أنّ الخوف والرجاء لیسا متقابلین تماماً، ولكن لكلّ منهما نوع ملازمة مع مقابل الثانی.
هذا اللفظ یلازم الخوف والخشیة الى حدّ ما. فالخشوع یعنی خضوع القلب، ویشیر الى حالة اللیونة فی القلب مقابل (القسوة) التی تطلق على صلابة القلب وعدم تأثّره.
قال تعالى فی القرآن الكریم:
أَلَمْ یَأْنِ لِلَّذِینَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا یَكُونُوا كَالَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَیْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.78
هذه الآیة ترغّب المؤمنین بأن یتحلَّوا بالخشوع والخضوع فی القلب ولا تقسو قلوبهم ولا یكونوا غیر متعاطفین، ولیكونوا متواضعین خاضعین إزاء كلمات الله وآیاته والكتب السماویة والحق والحقیقة، ولینظّموا شؤون حیاتهم ویعطوا الصورة الصحیحة لأعمالهم وسلوكهم بوحی منها، وتذمّ الذین وصفتهم بأنّهم قساة القلب الذین نزلت علیهم الكتب السماویة والتوراة ولكن لم تؤثّر على حیاتهم، وبدلاً من الخروج من حالة الغفلة والمیل الى الحق تمادت قلوبهم فی قسوتها ومارسوا الفسق والفجور، وتطلب الآیة من المؤمنین السعی لجعل قلوبهم خاشعة تجاه الحق واسم الله وأن لا یبتلوا بمصیر بنی اسرائیل.
انّ تعامل الآیة المذكورة مع خشوع القلب وقسوته یبیّن هذه الحقیقة وهی أنّ تحصیل الخشوع أمر اختیاری الى حدّ ما، أی الإنسان بتوفیر المقدّمات وممارسة أعمال خاصّة قادر على إیجاد هذه الحالة فی القلب، كما أنّ القسوة ـ وهی النقطة المقابلة للخشوع ـ یمكن إیجادها فی القلب عن طریق مقدماتها الاختیاریة ولذا توجه الذمّ الى قاسی القلب.
وعلیه فانّ جذور الخشوع موجودة فی الفطرة الإنسانیة كسائر المشاعر والعواطف، وهی قابلة للقوة والضعف فعلینا تقویة جذورها الفطریّة حینما تضعف.
یعتبر القرآن الكریم (الخشوع) من الصفات البارزة للإنسان الصالح، ویشیر الى هذه الصفة فی مقام الثناء على الأشخاص والجماعات باعتبارها نقطة امتیاز، كما قال فی مدح الأنبیاء(علیهم السلام):
إِنَّهُمْ كانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَیَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِینَ.79
فی آیة اُخرى یذكر (الخاشعین) و(الخاشعات) ـ بعد اعتبارهم فئة لها هذه الصفة الممتازة ـ ضمن فئات اُخرى ذات صفات بارزة اُخرى، وتقول أخیراً كأجر على هذه الصفات الصالحة:
أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِیماً،80 وفی مورد المصلّین یستند الى اتّصافهم بالخشوع كرمز للاستقامة والتحمل حیث یقول تعالى:
وَاسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِیرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِینَ * الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَیْهِ راجِعُونَ.81
ومن الجدیر بالإلتفات أنّ هذه الآیة تشیر بدقة الى موضوع البحث وتسلّط الاضواء على العلاقة بین حالة الخشوع وبین معرفة المبدأ والمعاد وبعض الأفعال الإلهیّة، ببیان انّ حالة الخشوع من صفات الذین یظنون أنّهم یلاقون الله ویرجعون الیه.
وفی آیة اُخرى یبیّن تعالى الخشوع فی الصلاة كعلامة بارزة للإیمان الذی یكون هو المنشأ لفلاح الإنسان، حیث یقول:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.82
وفی مورد آخر أكثر تفصیلا یتطرق الى علامات النقطة المقابلة لصفة الخشوع ویقول:
أَ فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ فَهُوَ عَلى نُور مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِی ضَلال مُبِین * اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشاءُ.83
لقد شرح الله سبحانه صدور بعض الناس وأعطاهم قلوباً تذعن للإسلام وتكون تحت شعاع من نور ربهم، تقشعرّ جلودهم من سماع آیات الله، وتلین قلوبهم وجلودهم لذكر الله، وهذه كلها آثار وعلامات لخصائل تحكی عن الخشوع فی القلب، وفی المقابل أشار سبحانه الى (لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وهم الذین لا یملكون شیئا من هذه الخصال ولا یتأثّرون أبداً بالحق ممّا یدلّ على ضلالهم المبین.
أجل، إنّها حالة وكیفیة خاصّة فی الجهاز العصبی للإنسان بأن یقشعرّ جلده حینما یجد نفسه فجأة بین یدی موجود عظیم، ثمّ یلین قلبه وبالتبع جلده، ویشعر فی نفسه وهو أمام الله لینا وخشوعا وتواضعا، وهذه علامة اهتدائه. كما أنّ آیات اُخرى تذكر علامات اُخرى كالسجود على الأرض والبكاء بتأثیر من الإستماع الى الآیات الإلهیّة، حیث تقول:
إِذا تُتْلى عَلَیْهِمْ آیاتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِیًّا.84
أو تقول: وَیَخِرُّونَ لِلأَْذْقانِ یَبْكُونَ وَیَزِیدُهُمْ خُشُوعاً.85
كما قالت فی آیتین سابقتین:
إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلى عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلأَْذْقانِ سُجَّداً.86
ومرّة اُخرى یلزم الإنتباه الى هذه الملاحظة، وهی أنّ هذه الآیة تشیر الى العلاقة بین الخشوع بعلاماته وآثاره وبین العلم والمعرفة، وأنّ هذه الحالة كالحالات المماثلة لها تنشأ من المعرفة، حیث إنّ الذین أوتوا العلم هم ذَوو المعرفة الذین یشعرون بالخشوع فی قلوبهم ویسجدون لله.
تذكر آیات من القرآن الكریم حالتی التضرّع والإستكانة وهما تشیران الى حالة تحدث إثر الخوف والخشیة، فالتضرع لغةً هو التصاغر والتذلل وأثره البكاء والنحیب، ولكنه فی عرفنا یستعمل بمعنى البكاء والنحیب الذی یحدث إثر التضرع، ولكن كما قلنا: إنّ التضرع حالة قلبیة ولیس عملاً عضویّاً. إنّه الشعور بالحقارة والضیاع ویكون منشأً للبكاء والنحیب لدى المتضرع، ولكن ما هو المنشأ لظهور هذه الحالة فی قلب الإنسان؟
فی الإجابة یمكن القول: إنّ العامل الذی ینبّه الإنسان على ضعفه وحقارته وحیرته تجاه الحوادث والمشكلات فی الحیاة هو السبب لظهور هذه الحالة فی قلبه. أجل، انّ الابتلاء، والحرمان، والفقر والمرض، والسیل والزلزال وما شاكلها تنبّه الإنسان وتخرجه من الغرور والغفلة، ویمكن الإستفادة من القرآن بأنّ الله حینما كان یرسل الأنبیاء الى أقوامهم كان یبتلیهم بالبلاء لكی تحصل لدیهم حالة التضرع، ویؤمنوا بدین الله ویهتدوا الى طریق الحق والحقیقة باتّباع الأنبیاء كما قال تعالى:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَم مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما كانُوا یَعْمَلُونَ.87
وقال فی آیة اُخرى:
وَما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَة مِنْ نَبِیّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ.88
وفی آیة اُخرى یُظهر هذه الحقیقة بلسان آخر ویقول:
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما یَتَضَرَّعُونَ.89
هذه الآیة تؤكّد الحقیقة نفسها التی وردت فی الآیات السابقة، أی إنّ الله یبتلی الأمم لكی تتضرع له، ولكن رغم ذلك لم یكن لبنی الإنسان ردّ فعل متماثل فی هذه الابتلاءات، فبعضهم لم یتأثّر بهذه العوامل بسبب قسوة القلب، فی حین كان المتوقّع هو أن ینتبهوا ویستیقظوا من نوم الغفلة، ویخرجوا من الجهل والظلام ویلاحظوا حقیقة وجودهم فی هذا الكون العظیم، ویشعروا بحقارتهم بین یدی الله القدیر المهیمن على هذا الوجود العظیم والمالك لكلّ ما لدى الجمیع، وقد اُفیض علیهم من ذلك المصدر الفیاض، فیعظّموه ویذعنوا بعبودیتهم.
هنا یُطرح هذا السؤال: لماذا یقسو قلب بعض الناس، ولا ینتبهون بعوامل التحذیر والیقظة هذه ولا یدركون عظمة الوجود وحقارتهم، ولا یرجعون الى خالق الوجود وربّهم بالتضرع والإنابة؟ مع انّ هذه الابتلاءات والمشكلات تقتضی الرجوع الى أنفسهم فی هذه الأوضاع، فما هو العامل الذی یصدّ الناس من التضرع والرجوع الى الله حتّى مع وجود الابتلاءات والمصائب؟
للإجابة عن السؤال قلنا سابقا انّ حبّ الدنیا والتشبّث بالمادیات یقسّی قلب الإنسان، ویجعله غیر متعاطف مع الأمور المعنویّة، فمن الطبیعی جدّاً حینما یركّز الإنسان اهتماماته على شیء ویتعلّق قلبه به فسوف یضعف اهتمامه بشیء آخر یضاده أو یزاحمه ولا یعبأ به، ولهذا حینما تشتد علاقة الإنسان بشخص معیّن فانّه یضعف اهتمامه بالآخرین.
إنّ الذین یحبّون الدنیا والأمور المادیّة بشدّة وتعلّقت قلوبهم بها، نظراً الى أنّ القیم المعنویّة وعالم الآخرة والاُنس مع الله من سنخ آخر ولا علاقة لها باللذائذ المادیّة الدنیویّة سوف یضعف اهتمامهم بتلكم القیم المعنویّة. وهذا الأمر یؤثّر لیس على العواطف والمشاعر فحسب، بل على الأبعاد الروحیة والنفسیّة والسلوكیة الأخرى. فمثلاً: الذین یكثرون من الأكل والنوم تموت فیهم أرضیة الحالات الروحیة الظریفة، أی إنّ ذلك لا یبعد الإنسان من الله فحسب، بل یضعف ما فیه من مشاعر إنسانیة ظریفة سواءً ارتبطت هذه المشاعر بالدنیا أو الآخرة.
والقرآن الكریم قد أثنى على النصارى بسبب هذه المیزة بقوله:
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ قالُوا إِنّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسِینَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا یَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْیُنَهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ90
انّ حالة اعتزال الدنیا الموجودة فی القسّیسین والرهبان النصارى وعدم تعلّق قلوبهم باللذائذ المادیّة هو السبب فی بقاء مشاعرهم وأحاسیسهم حیّة وكونهم ذوی رأفة ورُحماء. وفی مقابل النصارى یذكر الیهود كثیراً بوصفهم یفكّرون دائماً بالمادیات كما قال تعالى:
وَإِذْ قُلْتُمْ یا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحِد فَادْعُ لَنا رَبَّكَ یُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الأَْرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنى بِالَّذِی هُوَ خَیْرٌ.91
أجل، انّ لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحِد یبیّن نفسیّة الیهود، وبهذه المیزة لا یبقى مجال للدموع، والشوق، والبكاء و... وسوف تموت فی هذا الإنسان المشاعر والأحاسیس الظریفة حتّى ما یرتبط منها بالدنیا، وسوف تتحكّم فیه لذة البطن والفرج فقط.
بناءً على هذا، یكون لـ (قسوة القلب) عاملان: عامل مادی یرتبط غالباً بالجسم أی الإهتمام بالبطن والغریزة الجنسیة، والآخر عامل نفسیّ وهو عبارة عن تعلّق القلب بكلّ ما یعارض ویزاحم المشاعر المعنویّة والأمور الاُخرویة.
العامل الأول یضعف المشاعر والأحاسیس بصورة عامّة، والعامل الثانی یحرف مسیرة الأحاسیس والمشاعر المتجهة الى الله والآخرة والمعنویات الى الأمور المادیّة والدنیویّة الزائلة.
وأخیراً للوقایة ومعالجة (القسوة) التی تعدّ من الأمراض الخطیرة فی قلب الإنسان من الضروری أن نستند الى هذین العاملین: السعی حتّى لا یتمتّع الجسم باللذائذ المادیّة والجسمیّة فوق المستوى المطلوب، وهكذا السعی حتّى لا تتعلّق قلوبنا كثیراً بالمادیات والأمور التی تزاحم المعنویات، ونطهّر قلوبنا من هذه التعلقات.
* * *
1 ابراهیم: 34.
2 ورد فی الروایة عن المعصوم: (ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبید، وان قوما عبدوه شكراً فتلك عبادة الاحرار). بحار الأنوار، ج 78، ص 69، الروایة 18.
وفی روایة اُخرى عن الامام الصادق(علیه السلام): (إن العباد[ة] ثلاثة قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفا فتلك عبادة العبید، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّا له فتلك عبادة الاحرار، وهی أفضل العبادة). بحار الأنوار، ج 70، ص 255، الروایة 12.
وفی روایة ثالثة عن الامام علی بن الحسین(علیه السلام): انّی اكره ان اعبد الله ولا غرض لی الا ثوابه فاكون كالعبد الطمع ان طمع عمل والا لم یعمل، واكره ان [لا] اعبده الا لخوف عقابه فاكون كالعبد السوء ان لم یخف لم یعمل، قیل فلم تعبده؟ قال: لما هو أهله بأیادیه علی وانعامه). بحار الأنوار: ج 70، ص 210، الروایة 33.
3 بحار الأنوار: ج 72، ص 278، الروایة 1.
4 البینة: 7 و8.
5 التوبة: 18.
6 الرعد: 21 ـ 24.
7 الملك: 12.
8 النازعات: 40 و41.
9 الأنبیاء: 48 و49.
10 یس: 11.
11 طه: 1 ـ 3.
12 النازعات: 45.
13 فاطر: 18.
14 الأعلى: 9 ـ 11.
15 المؤمنون: 57 ـ 61.
16 الاحزاب: 37.
17 الاحزاب: 39.
18 المائدة: 5.
19 المائدة: 44.
20 البقرة: 150.
21 التوبة: 13.
22 النازعات: 25 و26.
23 طه: 77.
24 ابراهیم: 14.
25 النازعات: 40 و41.
26 الرحمن: 46.
27 الانعام: 15 ـ یونس: 15 ـ الزمر: 13.
28 غافر: 32 و33.
29 الأعراف: 59.
30 هود: 26.
31 هود: 3.
32 هود: 84.
33 الرعد: 21.
34 النحل: 50.
35 النور: 37.
36 الإنسان: 7.
37 الإنسان: 10.
38 آل عمران: 175.
39 البقرة: 40.
40 النحل: 51.
41 الأعراف: 154.
42 الأنبیاء: 90.
43 الأنبیاء: 28.
44 المؤمنون: 57.
45 الأنبیاء: 49.
46 الشورى: 17 و18.
47 المعارج: 27.
48 المعارج: 26.
49 الانفال: 2.
50 الحج: 34 و35.
51 المؤمنون: 60.
52 الاحزاب: 21.
53 الممتحنة: 6.
54 الكهف: 110.
55 العنكبوت: 5.
56 یونس: 7 و8.
57 یونس: 11.
58 یونس: 15.
59 الفرقان: 21.
60 العنكبوت: 36.
61 الاحزاب: 21.
62 الزمر: 9.
63 البقرة: 218.
64 النساء: 104.
65 فاطر: 29 و30.
66 النبأ: 27.
67 البقرة: 46.
68 الانشقاق: 6.
69 الفرقان: 40.
70 الجاثیة: 14.
71 فاطر: 28.
72 بحار الانوار: ج 70، ص 393، الروایة 64.
73 السجدة: 16.
74 الزمر: 9.
75 السجدة: 16.
76 اصول الكافی: ج 2، ص 71، الروایة 13.
77 بحار الأنوار: ج 70، ص 384، الروایة 39.
78 الحدید: 16.
79 الأنبیاء: 90.
80 الاحزاب: 35.
81 البقرة: 45 و46.
82 المؤمنون: 1 و2.
83 الزمر: 22 و23.
84 مریم: 58.
85 الإسراء: 109.
86 الإسراء: 107.
87 الانعام: 42 و43.
88 الأعراف: 94.
89 المؤمنون: 76.
90 المائدة: 82 و83.
91 البقرة: 61.