ما معنى علاقة الإنسان بنفسه؟
السؤال الأول الذی یطرح نفسه فی هذا القسم ویستدعی الإجابة یدور حول عنوان هذا القسم (علاقة الإنسان بنفسه) لما فیه من إبهام وعدم تحدید لمفهومه الواقعی، إذ إنّ العلاقة تلاحظ عادة بین موجودین مستقلین یشكّلان طرفی العلاقة.
ویمكننا أن نجیب: انّ الإنسان بالرغم من أنه یُعدّ موجوداً واحداً الاّ انّه بامتلاكه روحاً مجرّدة وجسما مادیاً وتركّبه من هاتین الحقیقتین المختلفتین أمكنه أن یمثّل طرفی العلاقة. من هنا سیكون المقصود من علاقة الإنسان بنفسه هو تلك العلاقة القائمة بین الروح والجسم. ویمكن القول: انّ علاقة الروح مع الجسم هی علاقة الإنسان مع عین ذاته، لانّ الروح والجسم كلیهما لیسا أجنبیَّین عن الإنسان نفسه.
وفیما یرتبط بهذه الإجابة فی تفسیر علاقة الإنسان بنفسه ینبغی القول: انّ هذه الإجابة وإنْ كانت فی ذاتها وجهاً صحیحاً بَید أنها ـ بالنسبة للمشكلة التی نواجهها ـ لا یمكن أن تكون تبیاناً دقیقاً لعنوان بحثنا هنا وموضوعه، لانّ القضایا التی ننوی طرحها تحت عنوان (علاقة الإنسان بنفسه) هی أوسع من ذلك ولا یستوعبها التعلیل المذكور، أی انّ ما نبحث بشأنه من القضایا التی ترتبط بعلاقة الإنسان بنفسه لا ینحصر فی دائرة العلاقة بین الروح والجسم، لأنّا ـ إضافةً إلى هذه العلاقة ـ نقوم بدراسة العلاقات الروحیة الداخلیة أیضاً، وبعبارة اُخرى علاقة الروح مع الروح، ولعلّ من الممكن القول:
انّ هذا القسم من دراستنا أساسی ومحوری بنحو أكبر، وذلك بأن ندرس ونلاحظ كیف ینبغی أن یقوم الإنسان برعایة روحه ونفسه، وكیف ینظم حیثیاته النفسیة والروحیة، وما هی الملكات التی ینبغی تحصیلها؟
وعلیه إذا لاحظنا العلاقة بالنفس بمعنى علاقة الروح بالجسم فإنّ هذا العنوان لا یستوعب ما نروم البحث بشأنه.
الإجابة الاُخرى التی یمكن طرحها عن التساؤل المذكور ستكون بهذا النحو:
یقال أحیاناً انّ الإنسان ذو شخصین من الـ (أنا) أو (النفس) أو یقال: یشتمل على (أنا) و(النفس) وعلیه فإنّ المراد من علاقة الإنسان بنفسه هو علاقة إحدى نفسیه مع الاُخرى، أو علاقة الـ (أنا) فی الإنسان مع (نفس) الإنسان.
وهذه الإجابة غیر صحیحة فی رأینا أیضاً، وفی التعبیر المذكور تسامح إذ إنّ امتلاك الإنسان ـ بتعبیرات مختلفة ـ (وجودین) أو فردین من الـ (أنا) أو (روحین) أو (نفسین) لا ینسجم مع وحدة حقیقة الإنسان، ولا یكون مراد من یطرحها واضحا، وبما أن هذه التعابیر مجملة تحتاج إلى تفسیر فانّها قاصرة عن إعانتنا فی توضیح عنوان البحث.
الإجابة الثالثة التی یمكن طرحها تجاه التساؤل المذكور هو التأكید فی تفسیر (علاقة الإنسان بالنفس) على علاقة الـ (أنا) الفردی للانسان مع الـ (أنا) الاجتماعی. یقال أحیاناً انّ الإنسان ذو (أنا) فردی و(أنا) اجتماعی وهناك علاقة بینهما ولیس مضمون عنوان بحثنا سوى هذه العلاقة.
ینبغی القول انّ الإجابة الثالثة ـ إضافةً إلى التسامح فی تعبیرها ـ قاصرة عن تبیان مرادنا من عنوان (علاقة الإنسان بنفسه) لانّ الـ (أنا) الاجتماعی للانسان یرتبط بالأخلاق الاجتماعیة ومحله القسم الثالث من بحث الأخلاق فی القرآن وسنتناوله بعد اكمال هذا القسم، وأمّا فی هذا القسم فسنقوم بدراسة القضایا ذات العلاقة بالإنسان الفرد، وذلك تحت عنوان (العلاقة بالنفس).
بعد ردّ الإجابات آنفة الذكر لنلاحظ أخیراً ما المراد من (العلاقة بالنفس)؟
یمكن القول: انّ المراد هو العلاقة بین شؤون النفس وأبعادها. أی انّ روح الإنسان وإنْ كانت موجوداً واحداً وبسیطا ینبغی الالتفات إلى أنّ هذا الموجود الواحد ذو شؤون مختلفة، وبتعبیر أوضح: ذو أبعاد مختلفة مترابطة، وتكون العلاقة بین أبعاد النفس وشؤونها منشأ لانتزاع مجموعة من مسائل الأخلاق نشیر إلیها تحت عنوان (علاقة الإنسان بنفسه) وللمزید من الإیضاح لابدّ من الإشارة إلى أحد الأصول الموضوعة فی علم الأخلاق یرتبط بعلم النفس وینبغی البحث بشأنه هناك.
علم النفس والأخلاق
یرتبط علم الأخلاق مع علوم مختلفة بأنواع من العلاقات ومنها علاقته الوثیقة مع علم النفس، وله علاقة أوضح مع فلسفة الأخلاق.
والأخلاق أساساً ـ سواء أكانت بمعنى الملكات النفسیة البحتة أم بمعنى أوسع وأعمَّ فتشمل أفعال الإنسان الاختیاریة، بأن یكون علم الأخلاق محلاً لتبیین الأفعال الصالحة والسیئة أیضاً ـ ذات علاقة وثیقة مع النفس. إذ إنّ الملكات والأفعال الاختیاریة من الظواهر النفسیة ویتمّ كیفیة تشكّلها فی إطار علاقة واقعیة فیستدعی بحثاً واقعیاً وموضوعیاً ودراسةً وجهداً علمیاً حقیقیاً. أی مع غضّ النظر عن تقییم الإنسان للأعمال الصالحة والسیئة ـ والذی یتمّ فی نطاق علم الأخلاق ـ فإنّ واقعیّات النفس والتفاعلات التی ترافق تشكُّل الأمور النفسیة، من قبیل كیفیة نشوء الملكات الأخلاقیة فی روح الإنسان وكیفیة صدور الأفعال الأخلاقیة من النفس وأحوال التفاعلات النفسیة الاُخرى بحاجة إلى تحقیق ودراسة موضوعیة وبحث علمى لكی نوفّق فی (علم الأخلاق) للبحث حول المسائل الأخلاقیة ببصیرة تامة ومعرفة صحیحة عن الأمور النفسیة، بل هی من جملة الأمور الواقعیة الخارجیة التی ینبغی الكشف عنها فی إطار تحقیق علمی، فسیكون لها تناسب موضوعی مع أحد الفروع العلمیة الحقیقیة، وسیكون أفضل الفروع المعنیّة بالاهتمام بالبحث بشأن النفس والأمور النفسیة هو (علم النفس).
انّ موضوع (علم النفس) یستدعی بذاته البحث عما یجری فی نطاق النفس الإنسانیة كظاهرة مرتبطة بالنفس، أی كموضوع خاصّ له وجوده الواقعی، فی علم یتعلّق بهذا الموضوع، ولیس ذلك العلم غیر (علم النفس).
انّ علم النفس وإنْ ابتعد عن هذا المنهج فی وقتنا الحاضر، ولا تعتبر أغلب مدارس علم النفس ـ بسبب حصرها العلم فیما یمكن مشاهدته وإخضاعه للتجربة الحسیة ـ هذه المسائل النفسیة الداخلیة وغیر المحسوسة والتی لا تخضع للتجربة الحسیة، من المسائل العلمیة. انّ هیمنة اللجوء إلى التجربة الحسیة فی الأوساط العلمیة فی الغرب أدت إلى انحصار علم النفس فی دائرة السلوك الإنسانی. وقام الكثیر من علماء النفس بتعریف (علم النفس) ـ بسبب امكانیة مشاهدة السلوك الإنسانی واخضاعه للتجربة ـ بأنه علم السلوك الإنسانی. ولهذا فقد أخرجوا مبادىء السلوك والحالات والملكات النفسیة التی لا تخضع للتجربة الحسیة من موضوع علم النفس، وألحقها بعضهم بفلسفة علم النفس.
لقد طرحت النظریة القائلة بضرورة قصر موضوع علم النفس على دراسة السلوك فی مطلع القرن العشرین من قِبل عالم النفس الأمریكی المعاصر ج. ب. واتسون حیث طرح هذه الفكرة وهی ضرورة خضوع معلومات علم النفس ـ إذا أرید أن یعتبر علما ـ للمشاهدة والتقدیر.
كان واتسون یعتقد بأنّ الطریق الوحید لتأسیس علم النفس یتیسّر من خلال دراسة سلوك أفراد الإنسان، وبذلك یصبح علم النفس علماً موضوعیاًمتعلّقاً بالأمور العینیة.
وقد قام الإستناد إلى السلوك ـ والذی اختصت به نظریة واتسون ـ بوضع منهج لعلم النفس طیلة النصف الأول من القرن العشرین ولا یزال خلیفته (علم نفس المحرّك والإستجابة) خاصّةً فی ضوء بحوث العالم النفسانی ب.ف.إسكینر فی جامعة هارفارد یحتفظ بتأثیره النافذ.
ویتمّ فی (علم نفس المحرّك والإستجابة SR) دراسة ماهیة الدوافع التی تستدعی الردود السلوكیة وما هی العطایا والتوبیخات التی تحافظ على دوام هذه الردود، وكیفیة تغییر السلوك من خلال تغییر نماذج التشجیع والتوبیخ1.
على أىّ حال، انّنا نعتقد ـ كما ذكرنا ـ انّ معرفة الظواهر النفسیة تدخل فی موضوع علم النفس، لانّ العلم لا ینحصر فیما یثبته منهج التجربة الحسیة، بل من الممكن بناء اعتقاد یقینی وقاطع بالحقائق والأمور الواقعیة الماثلة وخصائصها بطرق اُخرى غیر التجربة الحسیة، والاعتقاد الیقینی علم مهما كان طریق تحقّقه، سواء أكان عن طریق التجربة الحسیة أو أیّ طریق آخر.
ومع غضّ النظر عن هذه المشكلة وإجابتنا عنها فإنّ علم النفس یبحث عن الأمور النفسیة الواقعیة، ووظیفته الكشف عن الحقائق النفسیة، أعنی الأمور النفسیة الواقعیة الموجودة فی عالم التكوین، ولیس بحثاً عمّا ینبغی أو لا ینبغی، إذ إنّ ما ینبغی وما لا ینبغی حتّى بالنسبة إلى ما یتعلّق بالأمور النفسیة یرتبط بـ (علم الأخلاق). انّ ما یتعلّق بالأمور النفسیة الواقعیة یكون مرتبطاً بـ (علم النفس) المتقدم طبعاً العلم الذی یبحث عمّا ینبغی وما لا ینبغی ففی الأمور النفسیة أیضاً علینا ـ كأی موضع آخر ـ التعرّف على الأشیاء الموجودة لكی نعرف كیفیة معالجتها والتعامل معها. وما لم نطّلع على هذه الحقائق حول ماهیة النفس وشؤونها وأبعادها وقابلیاتها وصیاغتها لا یحقّ لنا الحكم بشأن ما ینبغی وما لا ینبغی للنفس أو الأفعال الاختیاریة من الناحیة الأخلاقیة ووجوب العمل على هذا النحو ولیس ذاك، وأیّ عمل یكون صالحاً أو سیئا؟ وأیّة ملكة تكون من الفضائل وأیها من الرذائل و... واتخاذ قرار بشأنها.
انّ تربیة الإنسان بهذا اللحاظ كغرس شجرة، ومن یروم السیر فی هذا المضمار كمن یرید زراعة غرس، أی علیه فی الخطوة الاُولى أن یعرف ماهیة الغرس، وأنّه لأی نوع من الأشجار؟ وما هی قابلیاته؟ وما هو التأثیر الطبیعی للمناخ علیه؟ وأیّة مواد تؤثّر فی تغذیته ونموه؟ ما هو مدى نموه وثماره التی یقدمها؟. هذه القضایا وما شاكلها لابدّ من الإحاطة بها من قبلُ كی نعرف كیف نزرع الشجرة؟ وما هی كمیة المیاه والأسمدة اللازم توفیرها؟ وفی أیّة منطقة جغرافیة ومناخیة نباشر بزراعتها؟
وبصورة إجمالیة ما لم نعرف ماهیة هذه الشجرة وما ستكون وتمتلكه من أشیاء بالقوة وبالفعل لا یمكن أن نبحث عن زراعتها ورعایتها ونتخذ قراراً بشأنها.
إذا نظرنا إلى النفس الإنسانیة من هذه الزوایة فانّها كالغرس تماماً مع فارق هو أنها أكثر تعقیداً، انّنا سوف نتعامل فی مجال النفس مع ظاهرة الاختیار والإرادة والرغبة والمعرفة والخصائص الاُخرى التی تمیّزها عن الموجود المادی البسیط، وهی الخصائص التی لا تحظى بها الشجرة ولا سائر الموجودات غیر المختارة.
انّ مسؤولیة علم الأخلاق هی تعلیمنا كیفیة تزكیة النفس وتربیتها لأجل التخلّی عن الرذائل، والتحلّی بالفضائل، الاّ انّ أداء هذه المسؤولیة والقیام بهذا الإرشاد التربوی فی (علم الأخلاق) منوط بمعرفة ماهیة النفس قُبیل السیر فی نطاق هذا العلم ومعرفة قابلیاتها واستعداداتها، عمّا ینبغی أن تصیر لكی نتمكن من البحث فی (علم الأخلاق) وهو علم قیمی، وما هی مراحل الرشد والكمال التی ینبغی أن نطویها؟ وما هی الملكات التی یجب تحصیلها؟ وأیّة صفة تكون رذیلة وینبغی تطهیر النفس منها؟ وأی عمل یكون صالحاً وینبغی أداؤه، وأی عمل یكون قبیحا وینبغی تركه؟
وفی الحقیقة یكمن السرّ الأساسی لارتباط (علم النفس) مع (علم الأخلاق)، وفی هذا السیاق یتبنّى علم الأخلاق جملة من الأصول الموضوعة أساساً له وهی مما تستفاد من علم النفس. وواضح انّ القسم المرتبط بـ (علاقة الإنسان بنفسه) الذی بادرنا به هنا أشدّ استناداً وتعلّقاً بهذه الأصول، وارتباطه بعلم النفس أوثق.
خصائص النفس وأبعادها
أجرى علماء النفس بحوثا كثیرة حول خصائص النفس ومیزاتها الذاتیة وحیثیاتها الغریزیة وأبعادها الفكریة. وقد أثبتوا للنفس میولا خاصّةً أسموها (الغریزة) أولاً، وبعد تقدیم تعریف خاصّ للغریزة2 تغیّرت هذه العبارة لتستخدم بدلاً عنها تعابیر اُخرى نظیر السائق3 أو الدافع وما شاكلها.
انّهم كما قلنا: وإنْ كانوا قد أشاروا إلى هذه المیول النفسیة ولكنْ فی حدود معلوماتنا وبحوثنا لم تتمّ دراسة هذه المیول الذاتیة والأمور الغریزیة للنفس بنحو كامل فی أیّة مدرسة لعلم النفس، ولم تطرح نظریة متكاملة وشاملة بشأنها. قال بعضهم ـ مثلاً ـ : للانسان غریزتان، وقال بعض آخر: ثلاث غرائز وعدّها بعضهم اثنتی عشرة وأربع عشرة وثمانی عشرة وأكثر.
كان فروید یعتقد بوجود قوتین رئیسیتین غیر واعیتین یعتبران دافعین قویَّین فی تحدید السلوك وهما (غریزة الحیاة) وتتجلّى فی النشاط الجنسی و(غریزة الموت) وهی التی تمهّد للسلوك العنیف4.
وقد ذكر ماكدوغال الغرائز التالیة فی كتابه(علم النفس الاجتماعی (1908م):
الإكتساب والبناء والإستطلاع والهروب والروح الاجتماعیة والدفاع والتكاثر والنفور والإستدلال وإثبات الوجود. ثمّ وسّع قائمته لتصل إلى ثمانی عشرة غریزة، حیث كان بعضها یتعلّق بمتطلَّبات الجسم الخاصّة، وسعى لتبیین السلوك الإنسانی كلّه من خلال اصلاح وتركیب هذه الغرائز5.
ثمّ اتّضح انّ تبیین ظرافة السلوك الإنسانی یستدعی افتراض عدد كبیر آخر من الغرائز. من هنا اعتُبرت المنافسة وكتمان السرّ والتواضع والطهارة والتقلید والظلم والنزاهة والحسد من الغرائز، وأخیراً آل الأمر إلى اعتبار كلّ ما یتصور من ألوان السلوك فی عداد الغرائز6.
على أىّ حال،، لا یوجد رأی قاطع عن حقیقة المیول الأساسیة فی النفس، وما ذُكر لحدّ الآن یكون فی مرحلة الفرضیة والنظریة، ولم یصل بعدُ إلى مرحلة القطع والقانون.
وعلیه لیس بوسعنا أن نستمد من علم النفس المعاصر كمبدأ یقینی ما یحدّد الدوافع الرئیسیة فی الإنسان وقابلیاته وثرواته الفطریة، ویمهّد للبحث فی الأخلاق والأصول الموضوعة لعلم الأخلاق سوى ما ذكرنا آنفا من قیامهم بطرح نظریات فحسب.
اُطروحة مقترحة
فی هذا المجال نقترح اُطروحة لمعرفة الغرائز والدوافع والمحتویات الأساسیة للنفس تقوم على أساس مشاهدات داخلیة وتجارب باطنیة وتكون دلیلا لتبویب البحوث فقط، وفیها یُعلم كیفیة الدخول فی هذا البحث وتبویب مسائله ومواضیعه. ولاثبات وجود مثل هذه الدوافع فی الإنسان یمكن أیضاً استخراج شواهد قرآنیة مع التأكید على أنّه لا یمكن نسبة هذا الطرح إلى القرآن.
على أىّ حال، یبدو فی البدء أنّ من الأفضل أن نلاحظ هیكلیة النفس ونقوم بدراسة بشأنها لیُعلم ماهیة أبعاد النفس التی یمكن اعتبارها وجوهاً وشؤونا للنفس ذاتها، ثمّ نبحث عن الدوافع الناشئة من الأبعاد النفسیة المذكورة وبمثابة الحصیلة للترابط بین هذه الأبعاد.
النفس هرم ثلاثی الأبعاد
ولأجل الحصول على معرفة أوضح لخصائص النفس نسلك طریقة تشبیه المعقول بالمحسوس، ونشبّه النفس بهرم ذی سطوح جانبیة ثلاثة. و تثلیث السطوح یتناسب مع تصوُّرنا عن النفس، والذی نرید تقدیم اُطروحتنا المقترحة على أساسه، وإنْ أمكن بمزید من الدقة اكتشاف المزید من أبعاد النفس فتكون شبیهة بهرم ذی أبعاد أكثر.
إلى هنا تكون صورة النفس لدینا والتی تمثّل الأساس لاُطروحتنا المقترحة هی نفس ذات ثلاثة أبعاد وتشبه هرماً ذی ثلاثة سطوح جانبیة.
وإنْ سألتم: لماذا شُبّهت النفس بالهرم، وما هو وجه الشَبه بینهما؟ لقلنا فی الإجابة:
وجه الشَبه هو أن رأس الهرم یفید وحدة مقام النفس، وتتّحد السطوح التفصیلیة والمتعدّدة عند وصولها إلى تلك النقطة، وبالعكس تنشأ أو تظهر وتتجلّى شؤونها المختلفة من نقطة الرأس الواحدة. نستنتج إذنْ انّ جمیع هذه الصور تتّحد فی مقام ذات النفس وأعماقها أو انّها شیء واحد بالحقیقة.
ولكی نجسّد وحدة النفس هذه ونبرزها بنحو محسوس وواضح قمنا بتشبیهها برأس الهرم وقلنا: هذا الهرم المشبّه به عندنا ذو ثلاثة سطوح جانبیة لكی نبیّن شؤون النفس المختلفة وأبعادها المختلفة وهی:
1 ـ بُعد العلم والمعرفة، أی كلّ ما یكون من مقولة العلم والإدراك. انّ العلم من أبعاد النفس الواضحة، فإنّنا على علم بأنّ النفس رغم انّ لیس لها غیر حقیقة واحدة لا أكثر فإنّ العلم كامن فی ذاتها، یصحّ اعتباره عین وجود النفس.
2 ـ بُعد القدرة وهو الوجه الثانی الذی نتصوره للنفس. كلّ فرد منا یدرك هذا المعنى فی نفسه وهو انّنا نمتلك عدة قدرات، ونعنی بالقدرة ما یكون مبدءً لنشاطنا. ومقصودنا من النشاط لا یتلخّص فی الأعمال والنشاطات الجسمیة، بل حتّى عندما لا یقوم الجسم بنشاط، ولیس بالإمكان أن نؤثّر على شیء فی الخارج فانّنا یمكن أن نستفید من القدرة، فنقوم بنشاط داخلی وسرّی فی باطن أنفسنا وأرواحنا، كأن ندرك شیئاً ونتصوره ونصدّق به، أو نقرّر تجاه عمل ما. انّ الإرادة الناشئة من النفس ذات مبدأ، وذلك المبدأ هو المنشأ للأعمال والمصدر للنشاطات وحركة النفس، انّه الحقیقة الكامنة فی ذات النفس وباطن الروح.
3 ـ بُعد الحبّ، وهو الوجه الثالث والأخیر الذی یمكن تصوّره للنفس ویمكن الإشارة إلیه بتعابیر مختلفة. انّ أقلّ ما نؤكد علیه فی هذه المرتبة هو (حبّ النفس) ففی مرتبة ذات النفس هناك حبّ موجود لذات النفس قطعاً.
بید أنّنا نعتقد انّ الحبّ الموجود فی ذات النفس لا ینحصر فی (حبّ الذات)، بل انّ حبّ الله وعبادته والتقرّب إلیه هو أیضاً من جملة المیول الفطریة لدى الإنسان والتی لها جذور فی ذات النفس، كما انّنا نعتقد فیما یرتبط بالبعد الأول والوجه الأول للنفس انّ علم الإنسان وإدراكه لا ینحصر فی العلم بالنفس، بل انّ العلم بالعلة والخالق ومعرفة الله ـ حسب الاصطلاح ـ هو الوجه الآخر للإدراك الفطری وغیر الإكتسابی للانسان، وله وجود فی ذات النفس وإنْ كان ضعیفا، وهو قابل للتقویة طبعاً حتّى یبلغ درجة الإدراك الحضوری الواضح، كماانّ بُعد القدرة فی النفس یكون منشأ للسیر إلى الله تعالى، وعلیه یمكن القول: انّ القدرة ـ كالعلم والحبّ اللذَین لكل منهما نسبة مع النفس ونسبة مع الله ـ ذات نسبة إلى الله أیضاً، وتكون منشأً للسیر إلى الله. أی انّ الإنسان فی ذاته یعرف الله بصورة فطریة ویحبّه وبإمكانه السیر والتحرّك نحوه.
وعلیه فإنّ العلم والقدرة والحبّ فی عین كونها أبعاداً للنفس الإنسانیة تشیر من البدایة بنحو فطری مهما كان ضعیفا إلى جهة لانهائیة ولها ارتباط بالله تعالى، الاّ انّنا قمنا ـ رعایة لمستوى القدرة والإدراك لدى العموم ـ بالتأكید والاهتمام بالعلم بالنفس وحبّ النفس لدى عرض الاُطروحة.
انّ الأبعاد الثلاثة التی ذكرناها للنفس تكون عین النفس فی مقام بساطة النفس ـ أی فی نقطة رأس الهرم ـ بیدَ أنها حینما تصل إلى مقام التفصیل تتجلّى وتظهر بصور مختلفة ومستقلة عن بعضها نذكرها تحت عناوین ثلاثة: العلم، والحبّ والقدرة، إذ إنّ لكلّ منها مفهومه الخاصّ من تلك الصور الثلاثة.
ففی مقام التفصیل یباین مفهوم العلم مفهومَ الحبّ ویتمیّز عنه ویتشخص، وهكذا الحبّ مع القدرة، والقدرة مع العلم. ویمكن إثبات هذه الصور الثلاث فی كلّ موجود ذی احساس. وعلى هذا الأساس یمكن القول: انّ الصفات الذاتیة لكلّ موجود مجرّد هی العلم، والقدرة والحبّ.
فی مقام وحدة النفس وبساطتها وهی بمثابة رأس الهرم یترابط العلم والقدرة والحبّ ویكون بعضها عین البعض الآخر، حیث لا توجد هناك غیر حقیقة واحدة نعبّر عنها بـ (النفس) ولكنْ كلّما اقتربنا من قاعدة الهرم یمیل هذا الإجمال إلى تفصیل أكبر، ای انّ الزاویة تنفرج بصورة أكبر وتضمّ فی داخلها الحقائق التی یكون أحد هذه الأبعاد الثلاثة هو الأشد وتتجلّى بنحو أكثر تفصیلا، ولكنْ على أىّ حال، فإنّ هیئة النفس ذاتها بغضّ النظر عن الأمور التی تكتسبها فیما بعد أو تظهر فیها تتألف من هذه الأمور الثلاثة وتنتزع منها هذه المفاهیم الثلاثة.
أضف إلى ما ذكرناه لحدّ الآن ـ من تشبیه النفس المعقولة بالهرم المحسوس ذی الأبعاد الثلاثة ـ عن النفس والشؤون المختلفة المرتبطة بها كالوحدة والكثرة والعلم والقدرة والحبّ أنّ الذی یشكّل المحتوى الداخلی لهذا الهرم ذی الوجوه أمر واحد هو الاندفاع والحركة نحو الكمال، فالنفس تبغی التحرّك دائما ویكون لها سیرٌ حثیث بلا كلل، وبما انّ هذه الحركة لا تكون خارجة عن ذات النفس فمن الممكن القول من هذه الناحیة: انّ النفس ذاتها هی عین هذه الحركة وعین هذا الانبعاث. كلّ انسان یحس بمیله الباطنی نحو الرقىّ والتقدم ولا یرضى بالتوقف والركود، ویمكن ملاحظة الآثار والعلامات الظاهریة لهذا المیل النفسی فی مراحل حیاة الإنسان المختلفة منذ الطفولة حتّى الشباب والكمال، وذلك فی صور ومظاهر مختلفة.
ومن المناسب أن نشیر هنا إلى نكتة ذوقیة وإنْ لم تكن استدلالیة، ولكنّها ذات ظرافة جدیرة بالالتفات وتكون بمثابة التأیید من روایات المعصومین(علیهم السلام) لما ذكرناه آنفاً. حیث ورد فی بعضها انّ الروح مشتقة من الریح، ونظراً إلى انّ روح الإنسان هی النفس الإنسانیة ذاتها ـ وإنْ كان الظاهر من هذه الروایات هو بیان العلاقة اللفظیة واللغویة القائمة على انّ الروح والریح لهما مادة مشتركة واحدة فی الأصل ـ ولكنْ یمكن القول بأنّها تشیر إلى أنّ النفس أی الروح الإنسانیة ذاتها كالریح لها حالة تحرُّك وهبوب وصعود وهبوط، وأنّ حقیقة الروح أساساً لیست شیئاً غیر حركة النفس وتغیّرها كحقیقة الریح التی لیست شیئاً غیر حركة الهواء وتغیّر الجو. وكما أن حیثیة الریح وهویتها تستند إلى حركتها وتغیّرها فإنّ هذه الحیثیة ملحوظة أیضاً فی الروح، وتكون الحركة أمراً ذاتیاً للنفس الإنسانیة.
أجل یُستفاد من هذه الروایات انّ حقیقة النفس الإنسانیة هی الحركة، وأنّ ذاتها عین التحرّك والانبعاث، ولیس هذا البیان على نحو الإشارة والإشعار فحسبُ، بل تصرّح روایة محمد بن مسلم بهذه الملاحظة وهی انّ الروح متحرّكة كالریح حیث یقول: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله عز وجل وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی كیف هذا النفخ؟ فقال: انّ الروح متحرّك كالریح وإنّما سُمّی روحاً لأنّه اشتق اسمه من الریح، وإنّما اخرجه عن لفظة الریح لانّ الأرواح مجانسة للریح، وإنّما أضافه إلى نفسه اصطفاء على سائر الأرواح7.
ویكون معنى الكلام المذكور فی ضوء جوهر المعارف الإسلامیة ومضمون الآیات القرآنیة انّ روح الإنسان حركة نحو الله تبارك وتعالى. نشیر فی هذا المجال إلى آیة قال تعالى فیها:
یَا أَیُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِیهِ8.
فمن هذه الآیة یمكن استشعار أن حقیقة وجود النفس وروح الإنسان هی الكدح والسعی والحركة، فعلى الإنسان توجیه هذه الحركة وهدایتها نحو مسیرتها الصحیحة. وبعبارة أوضح یمكن الإستنتاج من الآیة المذكورة انّ أصل الحركة والسعی والسیر نحو الرب أمر قطعی وجبری شئنا أم أبینا، والإنسان سوف یدرك القیامة شاء أم أبى وسیلتقی بربه، الاّ انّ توجیه هذه الحركة الجبریة أمر اختیاری، ولذا ذكرت الآیة نوعین من الأهداف للحركة المذكورة: أحدهما الهدف من أصل الحركة التی تحصل شئنا أم أبینا، ویلتقی الإنسان بربه أخیراً، أی أصل اللقاء، ثانیهما هی كیفیة اللقاء، فالإنسان لو انتخب فی هذه الحركة الجبریة جهة صحیحة كان لقاؤه مع ربه مقارناً للرضا ویكون مسروراً وعزیزاً، وإنْ لم یتّبع جهة صحیحة فی حركته كان اللقاء مرّاً، ولذا یقول عقیب الآیة المذكورة:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِیَمِینِهِ * فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَاباً یَسِیراً * وَیَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ یَدْعُو ثُبُوراً * وَیَصْلَى سَعِیر9
حینما نقیس حركة النفس مع هدفنا سنجد انّها انجذاب إلى الله من جهة، أی انّ الهدف هو الذی یجذبها نحوه، والله هو الذی یحرّك الإنسان نحوه، وهی من جهة اُخرى حركة نفسیة، وهی ـ تشبیهاً للمعقول بالمحسوس ـ كالجاذبیة الموجودة بین الحدید والمغناطیس، فعندما ننظر إلى الحدید نجده یتحرّك نحو المغناطیس، وعندما ننظر إلى المغناطیس نجده یجذب الحدید نحوه.
وبین النفس وبین مبدء الوجود یوجد مثل هذا الجذب والانجذاب والسیر والحركة أیضاً ـ وإنْ لم یكن جذبا وانجذابا أعمى ومظلما، بل مع فارق كبیر معه ـ فالحركة موجودة فی ذات النفس، ولیست ـ طبعاً ـ واضحة تماماً وواعیة فی البدایة، بل تصبح مع تكامل النفس تدریجیّاً بصورة واعیة.
الترابط الدائم بین أبعاد النفس
بعد اجتیاز مقام بساطة النفس والوصول إلى مقام التفصیل والكثرة لشؤون النفس تكون الحقیقة الاُولى التی تُطرح هی أبعاد النفس الثلاثة أی العلم والقدرة والحبّ أو حبّ النفس التی قمنا ببیانها، والآن وبعد أن اتّضحت أبعاد النفس تصل النوبة إلى أن معرفة هذه الحقیقة وهی انّ الأبعاد المذكورة للنفس ـ أی العلم والحبّ والقدرة ـ مترابطة ارتباطا دائماً لا ینفك، وتوجد بینها أواصر معقدة ومتشابكة هی غایة فی التأثیر والتأثّر.
نشرع بالدوافع التی یمكن اعتبارها من زمرة فروع حبّ النفس الذی یمثّل بُعداً من الأبعاد الثلاثة للنفس، وإنْ أمكن القول بلحاظ آخر ـ كماانّ حبّ النفس لم یكن منفصلا عن البعدین الآخرین أعنی العلم والقدرة ـ انّ دوافعه الفرعیة وإنْ كانت مظاهر وفروعاً لحبّ النفس ولكنّها ذات ارتباط وثیق مع البُعدین الآخرین وهما العلم والقدرة، لانّ الدوافع الإنسانیة عبارة عن جواذب لیست كالجاذبیة المغناطیسیة العمیاء، بل جواذب مقرونة مع الإدراك والوعی نوعاً مّا، وتتعلّق دائما بأمور معروفة للانسان نحواًمن المعرفة، سواء أكان بنحو الإدراك الفطری أو الإكتسابی، وسواء أكان بنحو الإدراك الاجمالی أو التفصیلی و...
على أىّ حال، فإنّ العلم والوعی والإدراك هو الذی یوجّه هذه الدوافع والمیول الفطریة، ویعمل على إثارتها وإیقاظها ورشدها وبلوغها ونضجها.
ومن جهة اُخرى تكون هذه الدوافع الأساسیة والفرعیة هی القنوات لحركات الإنسان ومساعیه وجهوده وستكون فی ذاتها مظاهر وتجلّیات لبُعد القدرة للنفس.
وعلیه یمكن القول انّ هذا الاتصال والإرتباط بین العلم والقدرة والحبّ فی النفس الإنسانیة قائم بنحو مّا حتّى النهایة فی جمیع الفروع والشُعب، وإنْ كان لأحد هذه الأبعاد الثلاثة فی بعض المجالات ظهور وتجلٍّ أكبر بالقیاس إلى البعدین الآخرین. فإنّ من الواضح جدّاً مدى ما للبعدین النفسیَّین (العلم والقدرة) بالقیاس إلى البُعد الثالث للنفس (حبّ النفس) من تأثیر بالغ فی تجلّیه وظهوره، فی توجیهه وهدایته، فی إثارته وإیقاظه، فی رشده ونضجه، وفی تكثیر فروعه وأغصانه. حتّى انّ حبّ النفس لا یمكن أبداً أن یتّصف بهذا الرشد والنضج والإكتمال الكبیر بدون العلم والقدرة، إذ یمكن القول بعبارة واحدة: انّ جمیع الجهود والنشاطات والتحرّك الإنسانی طیلة العمر من أیّ نوع كان، مادی ومعنوی، ودنیوی واخروی، وفردی واجتماعی، هی آثار ومظاهر للمیول الإنسانیة المتنوّعة والمعقدة، وترجع أخیراً فی أساسها وأصولها إلى (حبّ النفس).
الاّ انّه یمكن القول أیضاً: انّ هذا التأثیر والتأثّر موجود بالنسبة للبعدین الآخرین للنفس أعنی العلم والقدرة، وسیكون كلّ منهما متأثّرا ببُعدی النفس الآخَرین فی رشده ونضجه وتفصیله وتفرعاته.
انّ النفس فی مقام الاجمال عین العلم بالنفس، ولكنْ عندما یجیء مجال التفصیل فانّ العلوم الحضوریة والحصولیة المختلفة تتحقّق، فالعلم بالقوى، والعلم بالأفعال والانفعالات وأخیراً جمیع العلوم التی نكتسبها عن الأشیاء الخارجیة تتحقّق فی باطن النفس. انّ العلم فی النفس ینشأ من نقطة الاجمال تلك ثمّ ینمو وینضج حتّى یكون فی النهایة على صورة شجرة راسخة ومحكمة كثیرة الأغصان والأوراق والفروع یوماً بعد آخر حتّى تشغل فضاء واسعاً، وتلقی بظلالها على كلّ شیء وفی كلّ مكان. انّها حقیقة واضحة یمكن لمسها بأدنى ملاحظة.
ما نرید قوله هنا هو ما قلناه فی حبّ النفس، وهو أن للبعدین الآخرین تأثیراً بالغا فی هذا الرشد والنضج، بمعنى أنّ القدرة وحبّ النفس عاملان قویّان فی العلم بالنفس تفصیلا، ویسبّبان رشدها ونضجها وتكثّر فروعها واغصانها وأوراقها، كما أنّ التأثّر بهما یزید من قدرة الإنسان یوماً بعد آخر وتظهر فی الإنسان میول أكثر تعقیدا.
وما ذكرناه عن حبّ النفس والعلم یصدق فی مورد القدرة أیضاً، إذ إنّ قدرة الإنسان تحقّق رشداً ونضجاً أكبر، یوماً بعد آخر. وفی كلّ یوم یمرّ علیه یكتسب قدرة على أعمال كان یعجز عنها فى السابق. انّ قدرته فی الهدم والإعمار، والتحطیم والبناء، والخلق والابداع، والابتكار والاختراع والإكتشاف تواصل مسیرتها التقدمیة، ولكنْ مَن القادر على نكران تأثیر العلم وحبّ النفس فی هذا التغیّر الكبیر فی قدرة الإنسان، وحصول التفصیل العجیب من تلك النقطة الاجمالیة؟
1 مبادىء علم النفس ـ تالیف علماء النفس: ریتال انكینسون وریتشاردس انكینسون وارنست هلفارد ـ ترجمة لجنة المترجمین الایرانیین ص 25.
2 الغریزة: قوة حیویة فطریة تهیّىء الموجود الحی للعمل بنحو خاصّ فی ظروف مناسبة.
3 السائق: حالة الاندفاع التی تبرز تحت تأثیر حاجة حیویة.
4 مبادىء علم النفس ـ ترجمة لجنة من المترجمین الایرانیین ـ ج 1 / 511.
5 المصدر السابق ج 1 / 510 و 511.
6 المصدر السابق ج 1 / 511.
7 الكافی ج 1 / كتاب التوحید / باب الروح / الحدیث 3.
8 الانشقاق / 6.
9 الانشقاق / 7 ـ 12.