ar_akhlag2-ch3_1.htm

حبّ اللذة والسعادة

حبّ اللذة والسعادة

الغریزة الاُخرى من الغرائز الفطریة فی الإنسان هی حبّ اللذة وحبّ الراحة وتتقارن عادة مع الهروب من المشاقّ والآلام.

فطریة هذه الغریزة تعنی أن الروح والنفس الإنسانیة خُلقت بنحو لا تستطیع أن تتنفّر عن اللذة وتشتاق إلى الألم.

وبعبارة اُخرى: انّ حبّ الإنسان للّذة والالتذاذ ونفوره من الآلام والعذاب أمر غیر اختیاری له، بل مودع فی ذاته تكوینا. فلا یدخل أصل هذا الحبّ فی دائرة الأخلاق لأنّه أمر غیر اختیاری ولا یصحّ ذمّ شخص أو الثناء علیه بسبب حبّه للذة والالتذاذ أو نفوره من الألم والعذاب.

وینبغی الالتفات إلى انّ السعادة لیست أمراً منفصلا عن اللذة ولا یختلف عنها اختلافاً ذاتیاً وماهوی1. انّ حقیقة سعادة الإنسان ترجع إلى لذته الدائمة والشاملة، ولهذا فانّنا نذكر اللذة والسعادة هنا معاً كتوأمین.

القرآن وحبّ اللذة

انّ القرآن الكریم لا ینفی وجود حبّ اللذة ولا یستنكره، لیس هذا فحسبُ بل یقیم مجموعة من تعالیمه على أساس هذا الحبّ الطبیعی فی الإنسان ویستثمره فی نهجه التربوی.

حینما یرغّب القرآن الإنسان فی الإلتزام والعمل بتعالیم الدیانة الإلهیة، ویشجعه على السیر فی طریق الحیاة الصحیح یستثمر جیّداً وجود هذا الحبّ ودوره فی اتّباع منهج وسلوك خاصّ.

یعِد القرآن الإنسانَ بأنه سوف ینال اللذة والسعادة الأبدیة انْ هو اتّبع الصراط الإلهی فی الحیاة، ویحذّره بأنّ المستقبل المرّ غیر الهانىء والقرین بالشقاء سیكون بانتظاره انْ هو انحرف عن هذا الطریق وتمرَّد على الأمر الإلهی، وسیتعرض للعذاب والشقاء، والقرآن یزخر بالتبشیر بالسعادة واللذة والإنذار والتهدید بالعذاب والشقاء.

فی جمیع المواضع التی استعمل فیها لفظ السعادة والفلاح والفوز ونظائرها فی هذا الكتاب المقدس فانّه یعنی انّ على الإنسان ـ لحبّه الفطری للسعادة والهناء ـ أن یعمل بالتعالیم الدینیة لكی یُوفّق لنیل مراده وضالّته، ویصل إلى الغایة التی یبتغیها، وهذا یعنی انّ القرآن یؤید ویقرّ بوجود هذا الحبّ الفطری فی الإنسان ولا ینكره أو ینفیه، بل یوجّهه نحو النهج التربوی الصحیح للانسان.

على أنّ القرآن قد استعمل فی بعض الآیات مادة (اللذة) ففی آیة یقول عن الجنة التی وعد بها الصالحین:

وَفِیهَا مَا تَشْتَهِیهِ الاَْنفُسُ وَتَلَذُّ الاَْعْیُنُ2.

وجاء فی آیة أخرى:

مَثَلُ الْجَنَّةِ التی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِیهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاء غَیْرِ آسِن وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَن لَمْ یَتَغَیَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِینَ3.

انّ الجنة التی نعدكم ایاها أجراً لأعمالكم الصالحة هی المكان الذی یتوفّر فیه ویكون فی متناولكم كلّ ما تحبّون وتلتذ بها أعینكم.

ویقول القرآن عن الذین یسهرون اللیل ویعبدون الله وحسب التعبیر القرآنی:

تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ4:

فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا یَعْمَلُونَ5.

أجل، رعایةً لهؤلاء وحبّاً لهم قد ادّخر لهم ما لم تره عین انسان ولم یسمع به ولا علم به أحد ولیس بوسعه معرفة كنهه.

وقد استعمل القرآن مادة (السعادة) فی آیتین، مرة فی الآیة:

یَوْمَ یَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِیدٌ....... وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالاَْرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذ6.

ویقول عن الأشقیاء فی مقابل السعداء:

فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیهَا زَفِیرٌ وَشَهِیقٌ7.

ویشیر القرآن أیضاً إلى هذه الغریزة الإنسانیة بتعابیر وأسالیب بیانیة جذابة، ننقل نماذج منها: یقول فی أوصاف الجنة وتنعّم أهلها:

إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّات وَعُیُون * ادْخُلُوهَا بِسَلاَم آمِنِینَ * وَنَزَعْنَا مَا فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُر مُتَقَابِلِینَ * لاَ یَمَسُّهُمْ فِیهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِینَ8.

وبهذا الشأن یقول فی آیة أخرى:

جَنَّاتُ عَدْن یَدْخُلُونَهَا....... وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِی أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبٌ وَلاَ یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبٌ9.

والآیتان المذكورتان تُشیران إلى الغریزة الإنسانیة التی نبحث عنها ببُعدَیْها الإیجابی والسلبی وتستثمران الدور التربوی لكلا البعدین وما لهما من تأثیر على تصویر أعمال الإنسان وسلوكه، وذلك من أجل هدایته وإرشاده وتربیته والتوجیه الصحیح لهذه الغریزة.

لقد أشرنا سابقاً إلى انّ غرائز الإنسان الفطریة أساساً ذات وجهین بصورة عامّة، وانّ كلّ غریزة ذات جهة إیجابیّة واُخرى سلبیّة، أو انّها ذات قطب إیجابیّ وآخر سلبی. وحبّ اللذة أیضاً غیر مستثنى من هذه القاعدة، فالوجه الآخر منه هو الهروب من الآلام، أی كما یُقبل الإنسان فطریا وذاتا على اللذة والالتذاذ یوجد فی روحه ـ فی المقابل ـ الهروب والنفور من المشاقّ والآلام على نحو تكوینی وغیر اختیاری.

وعلیه فإنّ أصل حبّ الإنسان لِلّذة یحظى بتأیید القرآن، ولا یعترض علیه لأنّه غریزة فطریة وقهریة. ومن الطبیعی أن یقرّ القرآن بهذه الغریزة، ولكنّه لا یتركها حرة مطلقة العنان أبداً، بل یرشدها نحو جهتها الصحیحة ویعِد الإنسان بشىء فیه لذة خارقة.

وعلى أساس هذه الحقیقة التی ذكرناها فی الفصول السابقة ـ وهی انّ الغرائز الفطریة فی الإنسان تتكیف وتتبلور حسب درجة المعرفة وتتّسع وتضیق أو تشیر إلى أهداف بعیدة أو قریبة حسب كمیة وكیفیة وسطحیة وعمق علمنا ومعرفتنا ـ یعلّم القرآن الإنسان الذی یبحث عن حیاة اللذائذ بعیدا عن الآلام والمشاقّ بأنّ مثل هذه الحیاة تتحقّق فی الآخرة وللمؤمنین فقط، وذلك بهدف سوقهم نحو الغایات الإنسانیة السامیة وتحریرهم من اللذائذ العابرة والاهواء المادیة الآنیة.

وفی ختام البحث نذكر التعبیر القرآنی الآخر فیما یتعلّق بهذه الغریزة وهو (الحیاة الطیبة) فی آیة أخرى:

مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیَاةً طَیِّبَةً10.

فی الحقیقة انّ الله سُبحانه یرغّب الإنسان فی هذه الآیة ـ من خلال التحدّث عن الحیاة الطیبة ـ فی الایمان والعمل الصالح لیصبح اهلاً لتفضل الله عزّوجلّ علیه بالحیاة الطیبة والطاهرة فی الواقع الخارجی.

وبكلمات موجزة: انّ القرآن الكریم یدعو الناس إلى الایمان والعمل الصالح ویبشر بالأجر الاُخروی مصحوبا بالسعادة واللذة الدائمة. ونحن نستنتج انّ حبّ اللذة فی ذاته غیر مرفوض فی الرؤیة القرآنیة حتّى یكون مورداً للذمّ والملامة.

حبّ اللذة المذموم

هنا وبعد أن اتّضح عدم اعتبار القرآن وجود هذه الغریزة أمراً سیئا ومرفوضا یطرح هذا السؤال: مع وجود هذه الرؤیة القرآنیة الإیجابیة لماذا یذمّ حبّ اللذة أحیاناً؟ وكیف یمكن الجمع بین هذا الذمّ وتلك الرؤیة القرآنیة؟

فی الإجابة عن هذا السؤال نقول: انّ ذمّ هذه الغریزة لا یتعلّق بأصل حبّ اللذة كی یتعارض مع الرؤیة القرآنیة هذه، بل انّ منشأ هذا الذمّ هو أمور اُخرى نشیر إلى بعضها، وبعبارة أخرى: لیس أصل اللذة هو المنشأ لهذا الذمّ بل مااقترنت به من عدة عوامل ثانویة وعرضیة، وبدونها لا یتّجه ذمّ إلى حبّ اللذة فی الإنسان. ونشیر إلى بعض هذه العوامل العرضیة:

أ ـ الغفلة ونسیان اللذائذ ذات القیمة الأكبر والأفضل، وذلك نتیجةً للاهتمام والإستغراق فی اللذائذ الآنیة والعابرة والاهتمام المفرط بالأهواء الرخیصة.

عندما یدرك الإنسان لذة فإنّ التفاته ینصرف إلیها فی البدایة، وفی المرحلة الثانیة والمراحل التالیة لها تشتد رغبته تدریجیّاً فی الانتفاع الأكبر من ذلك الشیء اللذیذ، وبالتالی یُحرَم شیئاً فشیئاً من اللذائذ الموجودة الاُخرى مما یمكنه التمتع بها.

بعبارة اُخرى انّ الإنسان ذو قابلیة محدودة ولم یخلق فی هذا العالم بنحو یمكنه من التمتع بجمیع اللذائذ فی آن واحد وینتفع بكلّ ما له شأن الالتذاذ به، فیضطر لانتخاب بعض ما یمكن الالتذاذ به من بینها.

ومن الواضح أن مقتضى العقل والمنطق انتخاب الأفضل والأشد لذة من بین اللذائذ المتنوّعة بكمیاتها وكیفیاتها ودرجاتها المختلفة، الاّ انّه قد یخطىء وینحرف ولا یراعی الموازین العقلانیة الصحیحة فی انتخابه أحیاناً، بل یبادر لانتخاب بعض اللذائذ على أساس موازین غیر عقلانیة وغیر منطقیة وغیر صحیحة، بل بدون الالتفات إلى أیّ معیار وإنّما من أجل الأُنس ببعض اللذائذ الحسیة المادیة، ومثل هذا الترجیح یصدّه عن لذة هی أشدُّ وأسمى. ومن هنا سیصبح منشأ لقیمة سلبیّة.

ب ـ الاقبال على اللذائذ الخسیسة والإستغراق فی الأهواء المنحطة ذات القیمة الدانیة بسبب حبّ اللذة المفرط وعدم تحمّل الصعاب والعمل والسعی. من یظنّ انّه قادر على امتلاك حیاة خالیة من الصعاب والمشاقّ، یودّ ـ استنادا إلى حبّه المفرط للّذة ـ الهروبَ من كلّ ما یستوجب عذابه ومشقته ویغرق فی لذائذ دانیة وأهواء رخیصة وفاقدة للقیمة، غافلاً عن انّ الله سُبحانه قد جعل هذه الحیاة قرینة الآلام والصعاب والسعی والعمل ولا تخلو عن الأتعاب والمشاقّ. ان اللذائذ التی یبحث عنها الإنسان فی هذا العالم ذات مقدمات یصاحب إعدادها المشاقّ ولا یصل الإنسان الى قُلل الآمال الاّ بالتعب والكلل.

ویؤكّد القرآن على هذه القضیة كثیرا وهی انّ حیاة الإنسان فی الدنیا قرینة المصاعب والمشقّات. وعلینا أن نفهم ونقبل هذه الحقیقة، وإنْ كانت مرّة، وهی انّ الحیاة الخالیة عن المشاقّ لن تتیسّر لأحد فی هذه النشأة. والقرآن یخبر فی إحدى آیاته بتعبیر جذاب عن هذا التقارن والتلاحم بین الحیاة والأتعاب بهذا النحو:

لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ فِی كَبَد11.

على هذا فلاینبغی للانسان أن یبحث عن كنز بدون نَصَب، وحیاة بدون تعب، ولكنْ بوسعه أن ینتخب من بین اللذّات ـ التی یقترن جمیعها بالأتعاب والمشاقّ ـ ما هی أكبر قیمة وأدوم مدّة، وعلیه أن یعمل بهذا النحو وإنْ كان فیه أتعاب ومشاقّ أكبر.

وأمّا لو غضّ شخص نظره عن تلك اللذّات السامیة واستغرق فی اللذّات الدنیئة والرخیصة وسهلة التناول والتی لا تحتاج إلى تحمّل مشقة وسعی مضاعف، حبّاًللكسل والدعة وهرباً من السعی والتعب، فإنّ طلب اللذة هذا مذموم لهذه القضیة الهامشیة.

ج ـ التقصیر فی ازدهار استعداد الإنسان لإدراك اللذّات السامیة والإكتفاء باللذّات الطبیعیة.

انّ الإنسان منذ بدء ظهوره لا یعرف جمیع اللذّات المتاحة لَهُ بصورة عامّة. انّه یدرك فی طفولته لذة الأكل والشرب فقط، ثمّ یعرف تدریجیّاً لذة اللعب، ثمّ اللذة الجنسیة لدى البلوغ.

هذه نماذج من مجموعة اللذّات الإنسانیة التی تتحقّق بشكل تلقائی وبصورة طبیعیة. فإنّ بنی الإنسان المتعارفین والسالمین یدركون اللذّات المذكورة فی سنین خاصّة من أعمارهم، ولكنْ هناك مجموعة اُخرى من اللذّات یمكن أن یحصل الإنسان علیها بسعیه وجهوده فقط من قبیل لذة الأُنس مع الله تعالى والحظوة بالقرب والمنزلة لدیه. مثل هذه اللذّات نوع آخر من اللذّات الإنسانیة، بل ینبغی أن یختصّ اسم اللذّات الإنسانیة بهذا النوع، لانّ النوع الأول یحصل لدى الحیوانات أیضاً ویتمیّز النوع الثانی بفارق واضح، وهو أنّ قابلیة إدراكها لا تنضج فی الإنسان ولا تصل إلى الفعلیة بنحو تلقائی وبصورة طبیعیة، بل للعوامل الخارجیة وجهود الإنسان دور أساسی فی نضجها وازدهارها.

وعلیه فإنّ العقل یقتضی أن یهیّىء الإنسان الذی یبحث عن الكمال الأجواء لنضج هذه القابلیات ویسعى ویجدّ بنفسه دون أن یغرق فی مستنقع اللذّات الطبیعیة من النوع الأول والمیول والأهواء الحیوانیة. فإذا توانى فی نیل القابلیة لإدراك هذه اللذّات السامیة ولم یكلّف نفسه جهداً، بل اكتفى باللذّات الطبیعیة والرخیصة فقط كان ذلك انتخابا خاطئا ومنشأ للقیمة السلبیّة.

فمن الضروری الاهتمام بهذه الأمور الثلاثة فی مجال حبّ اللذة:

1 ـ معرفة عدم وجود حیاة مجرّدة عن المشاقّ، فعلینا إعداد أنفسنا لتحمّل المصاعب فی هذه الحیاة حیث تتبعها لذّات قیّمة طبعاً، ولنحذر من الوقوع فی اللذّات والأهواء والرغبات الرخیصة إثر الجزع وقلة التحمّل.

2 ـ المقارنه بین اللذّات المتوفّرة لنا ثمّ انتخاب الأفضل والأكبر قیمة من بینها.

3 ـ السعی الحثیث لاكتساب قابلیة إدراك اللذّات السامیة والإستعداد للتمتع باللذّات الإنسانیة المتعالیة وتوفیر أجواء نضجها ولوازم ازدهارها. فمن اللازم على الإنسان حینما یعلم بوجود مثل هذه اللذّات السامیة أن یسعى لنیلها وتحریر نفسه من مستنقع اللذّات الحیوانیة، والاهتمام بها عند الانتخاب وعدم الغفلة عنها.

وتدل آیات قرآنیة كثیرة فی هذا المجال على أن بنی الإنسان فی طبیعتهم یطلبون اللذّات المادیة والدنیویة فی حین تكون اللذّات الاُخرویة أرجح من اللذّات الدنیویة، وعند التزاحم بین اللذّات وعدم امكانیة الجمع بینها فمن الواجب انتخاب اللذّات الأفضل، والا فانّهم یمارسون ما لا قیمة له بل ذا قیمة سلبیّة. نشیر هنا إلى عدد من هذه الآیات كنماذج، قال تعالى فی إحداها:

بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا * وَالاْخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقَى12.

وقال فی آیة أخرى:

تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا وَاللهُ یُرِیدُ الاْخِرَةَ13.

وجاء فی آیة أخرى:

مَنْ كَانَ یُرِیدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِیهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الاْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْیَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْیُهُمْ مَشْكُور14.

قیاس وتقییم اللذّات

عند مقارنه الدنیا مع الآخرة فی البحث الماضی قلنا: بما انّ الإنسان یبحث عن حیاة باقیة فالله سُبحانه یرشده لنیل هذا المقصود والعثور على هذه الضالة ویعلّمه بأنّ الحیاة الآخرة أبقى. هنا ینبغی الالتفات إلى وجوب ملاحظة شدة اللذة وكیفیتها وعمقها فی هذه المقارنة، فإنّ اللذة والسعادة الاُخرویة من هذه الناحیة هی الأفضل والأكثر قیمة أیضاً بالقیاس إلى اللذّات الدنیویة الضئیلة والسطحیة.

فهنا معیاران فی هذه المقارنه والتقییم لترجیح لذة على اُخرى هما: الكیفیة والدوام، واستناداً إلى الآیة الكریمة القائلة:

وَالاْخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقَى15.

وعلى أساس هذین المعیارین المذكورین تكون لذّات الإنسان فی حیاته الاُخرویة أرجح وأكثر امتیازا.

یفضّل الإنسان فطریا لذة تدوم سنة على لذة ساعة. ولو افترضنا انّ اللذتین تساویتا زمانا ولكنْ اختلفتا كیفیة وشدة وضعفا أو تقارنت إحداهما بالآلام والمتاعب وكانت الاُخرى خالیة من الشوائب فإنّ الإنسان یرجّح طبعاً اللذة الأشد والأقوى على اللذة الأضعف والأكثر سطحیة، ویرجّح اللذة النقیة البعیدة عن الآلام والمشاقّ على اللذة المصحوبة بها.

یبدو انّ كلمة «خیر» فی مثل هذه الآیات تشیر إلى هذه الشدة والكیفیة الأرفع والخلوّ من الآلام والمتاعب. إذنْ فالآیات السابقة وما یشبهها تكون قد أشارت بایجازها إلى جمیع معاییر الترجیح.

تحمّل المشاقّ بأمل نیل اللذّات

الملاحظة الملفتة الاُخرى هی ضرورة تحمّل الإنسان الصعاب لكی ینال اللذّات الاُخرویة القیّمة كما هو شأنه فی الحیاة الاعتیادیة والیومیة.

انّ الأتعاب التی یتحمّلها العمّال والفلاحون فی حیاتهم الیومیة هی من أجل توفیر الراحة والرفاهیة لأنفسهم وعوائلهم فی المستقبل بعملهم وسعیهم الفعلی، والاّ لم یكونوا على استعداد لتحمّل المشاقّ والأتعاب والرضوخ لعبء العمل والسعی أبداً.

وعلى هذا فإنّ تحمّل المشاقّ والأتعاب بهدف الوصول إلى لذة أكثر وأفضل وأشدّ وأبقى، أمر مألوف وشامل بصورة فطریة وارتكازیة بین بنی الإنسان كافة وذلك فی نطاق اللذّات المادیة والمعنویة، ولكنْ ببالغ الأسف حینما یأتی دور الشؤون الاُخرویة واللذّات الأبدیة یبدون ضعفا غالباً، ولا یستعدون لتحمّل مشاقّ هذا العالم من أجل نیل اللذّات الاُخرویة.

قد یُسأل هنا: رغم ترجیح الإنسان فطریاً اللذّات الأفضل والأبقى على اللذّات الوضیعة وقصیرة الأمد وابتناء الحیاة الإنسانیة نوعاً على هذه الحقیقة بوضوح، كیف انّ الكثیر من الناس لا یراعون هذه القاعدة فیما یتعلّق بالحیاة واللذّات الاُخرویة ویرجّحون اللذّات الدنیویة العابرة على الحیاة واللذّات الدائمة فی الآخرة؟ فی الإجابة عن هذا السؤال یجب القول: انّ المنشأ الرئیسی والعامل النفسی لمثل هذا الترجیح والانتخاب الخاطىء وغیر المعقول هو ضحالة المعرفة وبتبعها ضعف الایمان.

فإذا اعتقد انسان حقَّ الاعتقاد انّ الحیاة الدنیا غیر قابلة للقیاس مع الحیاة الآخرة، وانّ لذّاته وآلامه فی الدنیا أكثر سطحیة، وإدراكه فی هذا العالم أضعف من إدراكه فی الآخرة، وانّ آثار الحیاة فی الدنیا لا تساوی شیئاً بالقیاس إلى آثار الآخرة، واعتقد بأنّ الدنیا محدودة ومتناهیة والآخرة غیر محدودة وغیر متناهیة، وحیاة الإنسان الدنیویة بالقیاس إلى الحیاة الاُخرویة أقصر من طرفة عین بالقیاس إلى ألف عام، واعتقد بأنّ تحمُّل بعض الأتعاب والمشاقّ والمرارة فی هذا العالم یستتبع السعادة واللذة الدائمة، لهان علیه تحمُّل هذه المشاقّ ولكان هجران هذه اللذّات سهلاً بل ویكون لذیذا.

الاّ انّ الكثیر من بنی الإنسان ینجذب اهتمامهم ـ نتیجةً لضعف الایمان وضحالة المعرفة ـ إلى هذه اللذّات المادیة الوضیعة ویتركّز على شؤون الحیاة الدنیا، وبالتالی یرتكبون ما یترتّب علیه العذاب فی الآخرة.

لو سألتم العاصی لماذا ترتكب المعصیة؟ لأجاب: انّ هذا العمل لذیذ ویمارسه للذته.

ولو سألتم: ألیس فی ترك هذه المعصیة لذة أخرویة؟ أوَلیست اللذة الاُخرویة أسمى وأشدَّ وأكثر دواماً من هذه اللذة العابرة والضعیفة؟ إذنْ لماذا ترجِّح هذه اللذة العابرة والضعیفة على تلك اللذة الأبدیة والشدیدة؟ لعجز عن تقدیم جواب مقنع ومعقول، بل قد یشجب نفسه على ذلك، الاّ انّه یمارس ذلك الفعل عملیّاً ولا یراعی لوازم هذه الحقیقة. سرّ القضیة هو أنّ العاصی وإنْ أقر وذمّ نفسه ولم ینكر الآخرة ولذّاتها ولكنّ سلوكه الخاطىء یشیر إلى ضعف إیمانه بالآخرة قطعاً، وعدم اكتمال معرفته بها، وهنا یكمن السبب الرئیسی لارتكاب المعصیة.

والحاصل أنّ المنشأ الرئیسی لهذا التناقض بین القول والعمل هو ضعف الایمان والنقص فی المعرفة. وهو یلوم نفسه لوجود أصل الایمان فیه مهما كان ضعیفا، ولا یهجر جمیع اللذّات العابرة لضعف إیمانه وضحالة معرفته. فلو كان ذا إیمان قوی ومعرفة ذات مستوى رفیع بحیث یكون كمن یرى عذاب الآخرة لهان علیه تحمّل الصعاب وهجر لذّات المعاصی.

فإنّ الالتفات إلى اللذّات الأسمى والأفضل والأكثر دواماً یمثّل دافعاً قویاً لتحمّل مشاقَّ أقلّ وهجر لذّات أحطّ وأبسط، واللذّات الاُخرویة غیر مستثناة من هذه القاعدة، فإنّ ذوی الایمان والعقیدة یتحمّلون الكثیر من المشاقّ والآلام بغیة نیل اللذائذ المعنویة والاُخرویة ویغضّون الطرْف عن الكثیر من اللذائذ المادیة والدنیویة الدنیئة. حتّى انّ الكثیر منهم یُقبل على الشهادة والتضحیة ویواجه مرارة الموت ویهجر الدنیا بما فیها. وبناءً على هذا فإنّ حبّ اللذة الذی یجر الإنسان إلى مستنقع الذنب والمعصیة وعبادة الدنیا لو تمّ توجیهه بنحو صحیح واتخذ اتجاهه الصحیح بفعل المعرفة العمیقة والدقیقة عن الإنسان والوجود واستهدف الغایات واللذّات النهائیة والقیّمة والسامیة یصیر أنفع عامل تربوی للانسان ویلعب دوراً قویّاً فی تكامله یتنافى مع الدور الأول تماماً.

نماذج من الطالبین للراحة

انّ تأثیر حبّ الدعة ذو نطاق واسع على حیاة الإنسان ولا یقتصر على نطاق بعض أعماله أو جوانب معدودة من حیاته، بل یظهر ذلك فی وقائع الحیاة الإنسانیة كافة.

فالكثیر من ألوان الشقاء والانحراف والذل والخزی الذی ابتُلی به أفراد الإنسان أو المجتمعات المختلفة على مدى التأریخ ینشأ من الخمول وحبّ الراحة والابتعاد عن المشاقّ والأتعاب.

والقرآن الكریم یركّز بنحو خاصّ على فئتین من بنی الإنسان الذین لم یتحمّلوا الأعمال الصعبة والمضنیة رغم كونها نافعة ومصیریة، وذلك بسبب حبّ اللذة والراحة، ویشیر إلى مصیرهم المشؤؤم والمشین لكی یعتبر الآخرون فی مسرح التأریخ بحیاة هؤلاء المهینة الناشئة من الكسل وحبّ الدعة والراحة.

كان من اللازم ـ بمقتضى حكم العقل الذی أعطاهم الله سُبحانه ـ أن یكونوا جادّین وصابرین كی ینالوا العزة والرفعة فی الدنیا والفلاح والسعادة الدائمة فی الآخرة، ولكنّهم إثر حبّ الدعة والراحة ابتاعوا لانفسهم الذل فی الدنیا والآخرة، وغدَوا حدیثاً لعامّة الناس وخواصهم، وقد ذُكروا فی القرآن كنماذج لاُناس یحبّون الراحة.

بنو اسرائیل

إحدى الفئتین المذكورتین هم بنو اسرائیل، فقد تحدّث القرآن الكریم عنهم مراراً وذكّر بجهات من حیاتهم ورؤاهم وسلوكهم كی یعتبر المؤمنون والاجیال المقبلة ولا یقعوا فی المزالق التی سقطوا فیها، إذ یقول فی موضع:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِیكُمْ أَنْبِیَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ یُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِینَ * یَا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَْرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِی كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِینَ * قَالُوا یَا مُوسَى إِنَّ فِیهَا قَوْماً جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى یَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ یَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنْ الَّذِینَ یَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمَا ادْخُلُوا عَلَیْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِینَ * قَالُوا یَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِیهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّی لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِی وَأَخِی فَافْرُقْ بَیْنَنَا وَبَیْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیْهِمْ أَرْبَعِینَ سَنَةً یَتِیهُونَ فِی الاَْرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ16.

لیس واضحاً لدینا المقصود الحقیقىّ من قول بنی إسرائیل لموسى(علیه السلام): فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ ولكنّ خصلة حبّ الدعة هی التی كانت تدفعهم لاطلاق هذا القول اللامعقول، ورغم علمهم انّ منازلة العدوّ تستتبع العزة والرفعة واللذة السیادة والحریة كانوا یفضّلون حبّ الراحة والدعة المصحوب بالذل والمهانة. أجل انّ هذا یمثّل أحد المظاهر القبیحة لحبّ الراحة التی تتجلّى فی أمة فیحرمها من الكثیر من السعادات.

وفی آیة اُخرى كشف القرآن عن حبّ اللذة المُذلّ لدى بنی اسرائیل، ولذا راح یذمّهم بشدة بقوله:

وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ یُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الاَْرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنَى بِالَّذِی هُوَ خَیْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَیْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَب مِنْ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا یَكْفُرُونَ بِآیَاتِ اللهِ وَیَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا یَعْتَدُونَ17.

هذه الآیة تبین طبیعة حبّ اللذة المصحوب بالخمول لدى بنی إسرائیل ونتائجه المشینة، وذلك بعد نجاتهم من آل فرعون الذین كانوا یهدّدون وجودهم بأسره وأرواحَهم وأموالهم وأعراضهم ویستعبدونهم، ومع انّه كان یُهیّأ لهم أفضل الطعام (المنّ والسلوى ) ولكنْ بدافع من حبّ التنوّع طلبوا الخضروات والبصل وأخذوا بالتعلّل، وبالتالی استوجبوا الغضب والسخط الإلهی.

هذه القصة تهم المسلمین جمیعا سیّما الشعب الایرانی المسلم بعد الثورة (الإسلامیة) حیث تتماثل ظروفه مع ظروف بنی إسرائیل آنئذ، فعلینا الاعتبار بهذه الآیة والحالة المهینة التی ابتُلی بها بنوإسرائیل فلا نصیر بتعلّلنا سبباً لسرور الاعداء وشماتتهم، وحزن الأصدقاء وغمّهم.

لقد ظهرت الیوم وللأسف طموحات غیر متوقَّعة ومتطلَّبات كاذبة، وهناك أشخاص یبغون المعیشة الأفضل والتمتع بكلّ شیء بدون إنجاز عمل ملحوظ وتقدیم خدمة مرموقة.

یحقّق هؤلاء رغباتهم عبر طرق خاطئة ویلقون عبء حیاتهم على كاهل الآخرین، أو یبادرون بالتشاؤم وتعكیر الأجواء، ویهاجمون الشعب والنظام والعلماء، ویعاضدون الأعداء عملیّاً.

المنافقون

الفئة الثانیة هم المنافقون، وقد ركّز القرآن علیهم كنموذج آخر لمحبّی الراحة، وقد استخدم لفظ (المنافقین) فی سور قرآنیة مختلفة وبشأن جماعات عدیدة.

ففی بعض الموارد أُطلق على الیهود الذین كانوا ذوی وجهین: فقد كانوا من جهة یخاطبون المسلمین بانّنا معكم، وفی غیابهم یتعاونون مع المشركین من جهة اُخرى ویقولون لهم: انّا معكم.

وفی بعض الموارد أطلق على جماعة أسلموا فی الظاهر وكانوا یقولون للمسلمین لقد آمنّا بما آمنتم به ونتّبع نبیكم ودینكم ولكنّهم لم یؤمنوا فی باطنهم.

كما أُطلق لفظ (المنافقین) على المؤمنین الذین لم یكن إیمانهم قویاً وثابتا بالدرجة المطلوبة ولم یسلّموا للرسول الأكرم(صلى الله علیه وآله وسلم) بنحو كامل ولم یذعنوا للاحكام الإسلامیة، خاصّةً الصعبة منها، كعدم ممارسة الجهاد والتعلّل عن المشاركة فی الحرب.

فالجهاد من أوضح مصادیق الاختبار، فمن قوی إیمانه یكون مستعدا للتضحیة حتّى بنفسه، ولو كان ضعیفا شق علیه ذلك ولم یرضَ ببذل المال أیضاً.

فی الصدر الأول للاسلام كان ذوو الایمان الراسخ والمعرفة الكاملة على اطمئنان من انّهم سیحظَون بأمور أفضل إزاء هذه الحیاة ومتعلّقاتها، بینما كان ذوو الایمان الضعیف المشوب بمرتبة من النفاق یتعلّلون وینتصلون عن إطاعة أوامر رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) بالجهاد بالأموال والأنفس، وكانوا كسالى حین أداء العبادة من قبیل الصلاة لانّها لیست ذات لذة مادیة.

المنافقون فی القرآن

لقد ذمّ القرآن الكریم المنافقین لاسباب مختلفة، ویمكن القول انّ جمیعها یرجع إلى طبیعتهم فی حبّ اللذة والراحة، وقد ذمّ فی قسم كبیر من سورة التوبة عدم ممارستهم الجهاد ونكولهم عنه، نشیر هنا إلى بعض الآیات:

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِیلَ لَكُمْ انفِرُوا فِی سَبِیلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَْرْضِ أَرَضِیتُمْ بِالْحَیَاةِ الدُّنْیَا مِنْ الاْخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فِی الاْخِرَةِ إِلاَّ قَلِیلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا یُعَذِّْكُمْ عَذَاباً أَلِیماً وَیَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَیْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَیْء قَدِیرٌ18.

لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِیباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَیَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ یُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ19.

إِنَّمَا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الاْخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ20.

وَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَلاَ تَفْتِنِّی أَلاَ فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكَافِرِینَ21.

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ یُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِی الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا یَفْقَهُونَ22.

وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ یَا أَهْلَ یَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَیَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمْ النَّبِىَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِیَ بِعَوْرَة إِنْ یُرِیدُونَ إِلاَّ فِرَار23.

انّ الآیات المذكورة وآیات عدیدة اُخرى تذكّر بتعابیر مختلفة ألوانا من التعلّل والإمتناع عن المشاركة فی الحرب، الاّ انّ منشأ الانحراف والانحطاط فیهم كان فی الحقیقة هو حبّ الراحة والانجذاب إلى اللذّات الآنیة والعاجلة. ومعالجة هذا المرض تكمن فی رفع مستوى المعرفة والایمان كی یعرفوا انّ هذه اللذّات عابرة وغیر دائمة، وستكون فی مقابلها اللذّات الاُخرویة الأفضل والأكثر دواماً.

لو كان هؤلاء یعملون على تقویة إیمانهم واكمال معرفتهم ویقومون بالمحاسبة والمقارنة الدقیقة لأدركوا انّ الخمول والكسل وحبّ الراحة ضارّ بهم، ولحثّوا أنفسهم نحو السعی وبذل الجهود.

لكنّ من المؤسف انّ أمثال هؤلاء لا یكلّفون أنفسهم حتّى التفكیر بهذا الشأن، وبمجرّد الرغبة فی الالتذاذ ینصرف التفاتهم إلى اللذائذ المادیة ویغرقون فیها تماماً ولا یهمّهم أىّ شیء آخر.

رؤیة القرآن فی الالتذاذ

لا یعتبر القرآن الكریم أصل الالتذاذ أمراً سیئا، وقد أجاز ذلك صریحا فی بعض الآیات، بل لامَ الذین یحرمون أنفسهم أو الآخرین من التمتع بالنِعم الإلهیة. یقول القرآن فی موضع:

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّیِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِیَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا خَالِصَةً یَوْمَ الْقِیَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاْیَاتِ لِقَوْم یَعْلَمُونَ24.

انّ ذوی الایمان سیتمتعون بهذه اللذّات والزینة فی الآخرة بنحو كامل دون انْ تصحبها مشاقُّ ومصاعب.

وعلیه لا اعتراض على التمتّع بالنِعم والالتذاذ بها من وجهة نظر القرآن، وما ندّد به بهذا الشأن هو تفضیل اللذّات الآنیة والعابرة والرخیصة على اللذّات الدائمة السامیة.

إذنْ لیس الحدیث عن التمتع باللذّات المادیة، بل فی جواز الإكتفاء بهذه اللذّات العابرة والانجذاب لها بنحو یصدّ الإنسان عن نیل اللذّات الأبدیة والاُخرویة، وهو أمر غیر معقول وغیر صحیح لدى العقلاء، ویحكم العقل والمنطق بتقدیم اللذّات الدائمة والسامیة والشدیدة ـ لدى التعارض ـ على اللذّات العابرة والوضیعة والسطحیة.

إذنْ حینما نلاحظ فی القرآن الكریم أو الأحادیث الإسلامیة بعض التضییقات فی التمتع بالزینة والطیبات فانّه لیس لكونها لذیذة أو زینة أو طیبة وطاهرة بل انّ حرمتها هو بلحاظ عنوان عرضی یطرأ علیها لدى تعارضها مع اللذّات الأبدیة الاُخرویة.

العنوان العرضی المذكور هو (مانعیة هذه اللذّات المادیة الدنیئة عن وصول الإنسان إلى اللذّات الأبدیة والاُخرویة السامیة). وعلیه فإنّ الممنوع هو ممارسة الإنسان وانشغاله بهذه اللذّات الدنیویة التی تؤدی به إلى الغفلة بنحو مّا عن الحیاة الآخرة وسعادته الخالدة وتصدّه عن نیل اللذّات الدائمة.

وعلى هذا فلو فرض عدم تحدید سعة الالتذاذ لدى الإنسان وكان بإمكانه التمتع باللذّات المادیة والمعنویة والدنیویة والاُخرویة كافة لم یكن هناك مانع من الجمع بینها.

فی موارد عدیدة من الآیات القرآنیة إشارات إلى هذه الحقیقة نذكّر هنا ببعضها، فقد جاء فی إحدى الآیات:

زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالاَْنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَیْر مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ وَاللهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ25.

أجل، یحبّ الناس هذه الرغبات والشهوات الدنیویة الخداعة كالمال والأزواج والأولاد و... ولكنْ علیهم أن یعلموا انّ العاقبة الحسنة تكون عند الله عزّوجلّ. هكذا یعتز الناس بالنِعم الدنیویة والمنتوجات المادیة ویعتقدون بحسنها ولا یدركون انّ هناك ما هو أفضل منها، والله سُبحانه ینبئهم بأنّ المتقین سیتمتعون عند ربهم بنِعم عظیمة فی الجنة وبساتین تجری فیها السواقی والانهار.

لو أصابت الإنسان النشوة لِلحظات بفعل المخدّرات أو المسكرات وهامَ فی الخیال فانّه یكون قد نال فی الحقیقة لذة قصیرة سیعقبها شقاء طویل، وستصنع منه موجوداً عاطلاً ومسكیناً ومریضاً وعالةً على المجتمع. هنا یدرك كلّ عاقل ـ حینما یقارن تلك اللذة العابرة التی تستتبع هذا الشقاء الدائم مع تلك الراحة واللذة الدائمة التی تتحقّق بترك هذه اللذة الآنیة ـ ضرورة الجهاد مع النفس، وغضّ الطرْف عن تلك اللذة الآنیة كی لا یسقط فی هذا الشقاء والحرمان من كلّ تلك الراحة والبهجة.

یمكن القول فی الواقع انّ لذة الأهواء المادیة والدنیویة اللامعقولة بالقیاس إلى اللذّات الأبدیة والاُخرویة تتصف بهذه الحالة وتصدّ عن نیل اللذّات الاُخرویة السامیة، إذنْ علینا عند الانتخاب الالتفات الكامل إلى هذه الحقیقة كی لا نقع فی شرَك شقائها وعاقبتها السیئة.

لو انقضى عمر الإنسان المحدود فی الدنیا كلّه بالالتذاذ ثمّ ابتُلی بالعذاب الدائم لِأمره العقل بهجران هذه اللذّات كلّها. لأنّه لیس من الصحیح أبداً أن یعرّض الإنسان نفسه إلى الشقاء والآلام والعذاب اللامحدود من أجل لذة والتذاذ محدود، وأمّا مع الالتفات إلى كون هذه اللذّات الآنیة فی الدنیا أیضاً مصحوبة بالمشاقّ والمصاعب فمن الأوْلى أن یحكم العقل بتركها.

فحیث یكون الحدیث عن الانتخاب وندخل نطاق الأخلاق، یلزم انتخاب الأفضل وترك الآخر، وذلك من خلال التدقیق وإمعان النظر فی إطار الملاكات العقلیة والمعاییر الأخلاقیة الصحیحة.

خلاصة القول والكلام الأخیر هو انّ حبّ الراحه خصلة مذمومة لانّ سعادة الإنسان فی الدنیا والآخرة لن تحصل بدون مشقة وسعی، فالمحبّ للراحة یرید التنعّم فی حین انّ الحیاة قد تقارنت مع المشقة والسعی، والله سُبحانه بقوله فی إحدى الآیات:لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِی كَبَد26 یؤید هذه الحقیقة.

انّ حبّ الراحة فی هذا العالم وهو عالم العمل والسعی وبذل الجهد یصدّ الإنسان عن سعادته وكماله الأبدی فهو إذنْ من الصفات القبیحة والمذمومة، وحال الإنسان فی العالم الآخر وحیاته فی الجنة ستختلف طبعاً عن ما یجری فی هذا العالم حیث یكون التذاذه فیها بدون سعی ومشقة وتعب ونَصب، وسوف یتوفّر ذلك للمتقین، ولا یتعارض مع لذة وسعادة أسمى.

الشدة والضعف فی القیم السلبیّة

الملاحظة الاُخرى التی ینبغی التذكیر بها هنا هی: استناداً إلى الرؤیة الإسلامیة التی تَعدّ الحیاة الخالدة والأبدیة هی الأصیلة والحیاة الدنیویة مقدمةً لها فإنّ كلّ ما یمنع من اللذة ویستوجب العذاب الاُخروی یكون ذا قیمة سلبیّة قطعاً، ولا یسمح به أبداً، لانّ لذة الدنیا لیست قابلة للقیاس مع عذاب الآخرة أبداً، لا من حیث المدة، فإنّ أحدهما محدود والآخر غیر محدود، ولا من حیث الشدة والضعف فإنّ اللذّات والآلام الاُخرویة لیست قابلة للقیاس مع اللذّات والآلام الدنیویة. وعلى هذا فإنّ مثل هذه اللذة الدنیویة القصیرة التی تحول دون اللذّات الأبدیة وتستوجب العذاب الاُخروی تكون محرَّمة فی الشرع المقدس ویكون تركها واجباً.

الاّ انّ بعضا آخر من اللذّات الدنیویة یقتصر تأثیرها على حرمان الإنسان من المزید من اللذّات الاُخرویة ولا یستوجب العذاب، فإنّ الإنسان رغم وجود هذه اللذّات یدخل الجنة أیضاً ویصل إلى دار السعادة ولكنْ بسبب هذه اللذّات الدنیئة یُحرم من الدرجات العالیة منها. هنا یحكم العقل بأنّ مثل هذه اللذة مرجوح، ویكون مثل هذا الالتذاذ مكروها فقهیا لدى الشریعة المطهرة وتركه مستحبّا.

وأخیراً انّ بعض اللذّات المادیة تعارض أیضاً اللذّات الخاصّة بأولیاء الله والكمّل من بنی الإنسان المتألقین فقط، وتمنع اللذّات التی لا یمتلك الأشخاص المتعارفون قابلیة إدراكها، وتتجاوز حدود النِعم المحسوسة فی الجنة من قبیل الأطعمة والأشربة، والقرآن الكریم یقول عن هذه اللذّات:

فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُن27.

لانّ مثل هذه اللذّات تختص بهم وتكون محجوبة عن غیرهم.

انّ لتلك اللذّات الدنیویة التی تزاحم هذه اللذّات الخاصّة بأولیاء الله ومقاماتهم قیمةً سلبیّة خاصّةً، وإنْ كانت مباحة لدى الشرع المنیر والفقه الإسلامی.

من هنا یتّضح السرّ فی إحتراز أولیاء الله من أنواع الالتذاذ المباح والتزیّن المشروع، وندرك لماذا لا یرتكبون حتّى ترك الأوْلى.


1 راجع هذا الكتاب ج1/20 ـ 22.

2 الزخرف 71.

3 محمد(صلى الله علیه وآله وسلم) 15.

4 السجدة 16.

5 السجدة 17.

6 هود 105 ـ 108.

7 هود 106.

8 الحجر 45 ـ 48.

9 فاطر 33 ـ 35.

10 النحل 97.

11 البلد 4.

12 الأعلى 16 و 17.

13 الانفال 67.

14 الإسراء 18 و 19.

15 الأعلى 17.

16 المائدة 20 ـ 26.

17 البقرة 61.

18 التوبة 38 و 39.

19 التوبة 42.

20 التوبة 45.

21 التوبة 49.

22 التوبة 81.

23 الأحزاب 13.

24 الأعراف 32.

25 آل عمران 14 و 15.

26 البلد 4.

27 السجدة 17.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...