الامر بالمعروف والاقتدار والآمریة
هل الامر بالمعروف مشروط بالآمریة والاستعلاء، أم یكون عملیا على نحو الموعظة والنصیحة والطلب؟
فی الاجابة عن هذا السؤال یمكن القول: من خلال موارد استعمال الامر بالمعروف فی الآیات والروایات نصل الى هذه النتیجة وهی انّ الهدف الرئیسی لدى الشارع المقدس هو اقتدار أعضاء المجتمع على التأثیر على تاركی المعروف أو مرتكبی المعصیة وصدّهم بأی نحو ممكن عن المعصیة ودفعهم باتجاه أداء واجبهم. ومن الطبیعی ان هذا الفعل ذو مراحل:
المرحلة الاُولى فی مورد الجاهل الذی یرتكب المعصیة نتیجةً لجهله. فی هذه الحالة یكفی ارشاده وتعلیمه الواجبَ الشرعی، فیترك الفعل حینما یعلم انه معصیة أو یمتثل واجبه الشرعی حینما یعلم بوجوب فعل ما.
المرحلة الثانیة فی مورد من یعلم واجبه ولكنه یرتكب المعصیة أو یترك واجبه. المناسب هنا هو تذكیره بالموعظة والنصیحة والانذار والتبشیر والعواقب المرّة والمؤلمة التی اُعدّت له لتركه الواجب أو ارتكابه الحرام، لكی یقوى فیه دافع ترك المعصیة وأداء الواجب فیترك المعصیة أو یؤدی واجبه بنفسه.
فی المرحلة الثالثة یأتی دور الشدة والآمریّة اذا كان مؤثرا، فینبغی زجره عن ارتكاب المعصیة أو دفعه لاداء الواجب باستعلاء وآمریة.
بناء على ذلك فانّ المهم هو صدُّه عن المعصیة بأی نحو كان أو دفعه لاداء الواجب، وینبغی ملاحظة الاسلوب الاكبر تأثیراً ایجابیا والانفع والافضل ولا ینبغی الاستناد الى مادة (الأمر) فقط لنقول: نظراً لاستعمال لفظ الامر هنا فلابدّ من الآمریة والشدة والفظاظة، بل ینبغی الالتفات الى التعابیر الاُخرى الواردة فی الروایات أیضاً. علینا السعی للوصول الى هذا المقصود بالطریق الافضل والانسب والاقل ضرراً، ویختلف ذلك باختلاف الظروف فیمكن تارة بالارشاد والتعلیم والموعظة والنصیحة وتارة بصورة الامر وإعمال القوّة.
ولعل السبب فی انتخاب عنوان (الامر والنهی) فی هذا المجال هو انّ الناس كانوا ملتزمین بالاسلام ویؤدّون الواجبات ویتركون المنكرات، والمفروض ان نبی الاسلام(صلى الله علیه وآله وسلم) وخلفاءه قد بینوا احكام الاسلام كلها ویعرف عامة الناس واجباتهم، فالذین یرتكبون المعاصی عالمین كان عددهم ضئیلاً فلا یوخذ بنظر الاعتبار بین الملتزمین بالاسلام، وكان المسلمون مسلطین علیهم. فی هذه الاحوال ینبغی امرهم بالمعروف ونهیهم عن المنكر بقوة.
ولكن ینبغی الالتفات الى ان هذه الظروف لا تتحقق فی أی زمان ومكان، ففی المناطق البعیدة عن مركز الاسلام تختلف الاحوال فیوجد من لا یعرف المعروف والمنكر أو لم یتلقَ تربیة جیّدة ولهذا اعتاد على ارتكاب المعصیة. فواجب الآخرین تجاه هؤلاء الافراد فی المرحلة الاُولى هو الارشاد والتعلیم والموعظة والنصیحة، وحتى لو كان الدلیل منحصراً فی ادلة وجوب الامر بالمعروف والنهی عن المنكر ما كنّا نستطیع القول بوجوب أدائهما بلحن الامر وان استتبع ذلك أثراً سلبیا واعطى نتیجة معكوسة ومرفوضة بدلا عن النتیجة المطلوبة، لاننا نعلم انّ الهدف هو ركون الناس الى الحق واداؤهم للمعروف وتركهم للمنكرات، وینبغی أداء هذا العمل بطریق مؤثر ونافع ولیس بالتعامل الفظّ والتأمّر والقسوة والغضب فانه یثیر اللجاج وردّ الفعل لدى المخاطب. ولا یمكن ان یحتمل احد بان الامر بالمعروف والنهی عن المنكر امران تعبدیان محضان ومصلحتهما مجهولة، فنقوم فی أی حال نواجه فیه المذنب بامتثال هذا الامر التعبدی بلا هدف وبلحن الامر، وان كان ذا أثر معكوس لدیه ویسوقه نحو العناد واللجاج.