ar_akhlag3-ch11_16.htm

العلاقة بین الحق واهل الحق

العلاقة بین الحق واهل الحق

ینقدم هنا هذا السؤال فی الذهن: هل یجب أولاً معرفة الحق لكی نعرف أهل الحق بواسطة كلامهم الحق، أو العكس حیث یجب معرفة اهل الحق كی نستمع لقولهم ونصدّق به؟

نقول فی الإجابة: ذكرت هذه العلاقة من الطرفین فی الروایات وخاصةً نهج البلاغة. ففی بعض الموارد قیل: «اعرف الحق تعرفْ أهله» وقالوا فی موارد اُخرى: لا یمكن معرفة الحق حتى تعرفوا أهل الحق قبل ذلك([1]). ویبدو وجود تناقض بین هذین الأمرین. ولكنه یجب الالتفات الى ان هذا تناقض ظاهری، ومن أجل حلّه یجب القول: لا شك فی ان على كل انسان ادراكَ بعض الأمور بعقله ومنها ماهیة الذین یمكن الاستناد الیهم وأی اشخاص یجب الاخذ بقولهم.

ویمكن طبعا أن نعتمد على الاشخاص بتعریف الآخرین، وهؤلاء یجب تعریفهم من قِبل آخرین، ولكن ینبغی الانتهاء بأشخاص نیتقن بأنفسنا بوثاقتهم وحقانیتهم ولیس بتعریف الآخرین، والاّ فانّ القضیة ستبتلى بالتسلسل.

فمثلاً اننا نقلد المجتهد جامع الشرائط وقد عرفناه عن طریق اهل الخبرة، وهؤلاء یجب ان نعرفهم بتعریف الآخرین، وهذه التعریفات لابد ان تنتهی بأشخاص نثق بهم بأنفسنا ونحرز وثاقتهم بصورة مباشرة.

من جهة اُخرى یكون السند فی اعتبار قول المجتهد هو كلام الامام المعصوم(علیه السلام)، ونعرف حجیة قول الامام بقول النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) أو قول الله، واما وجود الله وصحة قوله فنحن ندركه بالعقل.

لا شك إذنْ فی ان مجموعة من الحقائق الاولیة ینبغی معرفتها من قبل كل شخص استناداً الى عقله وادراكه فقط، ولا یمكن الاستناد الى أی شخص آخر فی معرفتها.

من جهة اُخرى لا مفرّ من الاعتماد على الآخرین فی معرفة بعض الأمور فی حیاتنا، سواء أكانت ذات صلة بشؤون الحیاة الاعتیادیة أو المسائل الشرعیة، ونحتاج الى اجتهاد المجتهدین والمتخصصین واهل كل فن وعلمهم واختصاصهم وتجاربهم، ولا یوجد سبیل آخرُ لتحریك عجلة الحیاة، وبدون هذا الاستناد لا تنتظم حیاة الانسان ولا یبلغ الى الهدف فی حیاته الاجتماعیة.

بملاحظة البیان المذكور ندرك انّ المجموعتین من الاحادیث المتعارضة ظاهراً تقصدان مرتبتین من المعرفة:

فی المرتبه التی لا نعرف فیها الحق ولا الشخص الثقة فلا یمكن ان نستند الى قول شخص بصورة عمیاء بل لابدّ أن نعرف مجموعة من الحقائق بعقولنا كی نعرف أهل الحق بتلك المعرفة.

ولكن بعد التعرف الاجمالی على اهل الحق بمعلوماتنا یمكن ان نستند فی الحقائق التی لا ندركها بعقولنا أو نفقد الاهلیة العلمیة فیها الى من هو أهل لذلك، أی الذین ادركنا حقانیتهم بعقولنا ومعرفتنا.

بناء على ذلك یكون الامران صحیحین ولا تناقض فی الامر، فنعرف الحق من اهل الحق فی مواضع، كما نعرف اهل الحق من الحق فى مواضع اُخرى.

التوازن فی الاعتماد

یسلك البعض سبیل الافراط فی الاعتماد على الآخرین ویتخذون اموراً غیر عقلائیة اساساً لاعتمادهم. هذا النوع من الاعتماد المفرط ینشأ من روح صبیانیة، كالاطفال الذین یتبعون والدیهم بدون دلیل. ان هؤلاء فی الوقت الذی یجب فیه تشخیص الحسن والسیء من خلال الاستناد الى عقولهم ومنطقهم وقوة ادراكهم یتّبعون الآخرین بدون استناد الى عقولهم ومنطقهم فی شؤون الحیاة المهمة.

هذه الحالة منتشرة ولا زالت موجودة فی جمیع المجتمعات، خاصةً المنحطة منها، وقد صرح القرآن مراراً فی هذه القضیة بأن منطق المجتمعات المنحطة ثقافیا وعلمیا تجاه الانبیاء(علیهم السلام) كان اتّباع طریقة آبائهم، أو انهم كانوا یجیبونهم حینما یدعون الناس الى الدین الحق بأن طریقة آبائنا تكفینا. وقد ذمّت آیات كثیرة هذه الظاهرة الاجتماعیة المنحطة، كقوله تعالى:

(وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَیْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَ لا یَهْتَدُونَ)([2]).

(وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ لا یَهْتَدُونَ)([3]).

(وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ الشَّیْطانُ یَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِیرِ )([4]).

(وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِی قَرْیَة مِنْ نَذِیر إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّة وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ * فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَیْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِینَ)([5]).

(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِیمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّینَ * فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ یُهْرَعُونَ)([6])

هذه الآیات تستنكر بشدة اتّباع الآخرین والطاعة العمیاء لهم وعدم الاستعانة بالعقل والادراك الفطری، وتذم الافراد والفئات على هذه الصفة وتسعى مستدلة لإیقاظ عقولهم وفطرتهم، وتحذر بنی الانسان بشدة من خلال التهدید بالعواقب الوخیمة والمرّة لهذه الطاعة العمیاء والاتباع جهلا، خاصة فی الموارد المؤثّرة فی تقریر مصیر الانسان، وهی تؤدی الى تكذیب الله تعالى والانبیاء(علیهم السلام) والادیان الإلهیة.



[1]. نهج البلاغة ـ الخطبة 147.

[2]. البقرة 170.

[3]. المائدة 104.

[4]. لقمان 21.

[5]. الزخرف 23 ـ 25.

[6]. الصافات 68 ـ 70.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...