ar_akhlag3-ch12_10.htm

أسباب الانحراف والزلل فی القضاء

أسباب الانحراف والزلل فی القضاء

تكون العوامل التی تسبب الانحراف فی القضاء فی الموارد الخاصة بصورة رئیسیة عبارة عن المصالح المادیة حیث یقترحها على القاضی أحد طرفی الدعوى كرشوة لیحكم لصالحه بدون حق. وهذا الفعل من اقبح واسوء القیم السلبیة فی سلوك القاضی وقد تحدثنا عن ذلك سابقاً بنحو اجمالی.

ینبغی الالتفات طبعا الى انّ الرشوة من القیم السلبیة العامة للقضاء ولا ینحصر ذلك فی سلوك القضاة وان كان هذا الأمر اوضح فیما یتعلق بسلوكهم، اذ كما ان أخذ الرشوة قبیح وحرام فان تقدیمه حرام وسیء أیضاً. وعلیه فانّ القیمة السلبیة للرشوة ترتبط بسلوك القضاة فلا یجوز أن یصدروا حكما بدون حق تأثراً بالرشوة، كما ترتبط بسلوك طرفی الدعوى فلا یجوز لهما التأثیر على حكم القاضی بتقدیم الرشوة الیه ومشاركته فی أكل اموال الآخرین. كما یمكن القول انّ القیمة السلبیة للرشوة ترتبط بشهادة الشهود أیضاً، اذ انّ القاضی كما یمكن أن یصدر حكما بدون حق باستلام الرشوة، فانّ الشاهد أیضا یمكن ان یدلی بشهادة خاطئة وبدون حق باستلام الرشوة ویؤثر فی انحراف حكم القاضی.

ومن الممكن أحیاناً ان لا تكون المصلحة المادیة هی العامل فی انحراف القاضی بل السبب فی ذلك هو خوفه من احد طرفی الدعوى، أو توقّع حمایة أحدهما فی بعض الموارد، وعلى أی حال طلب رضاه فیكون ذلك سببا للحكم لصالحه.

ویمكن أحیاناً ان تكون المشاعر الشخصیة كالعلاقات الاُسریة والعشائریة سببا للحكم لصالح أحد الطرفین، ویمكن أحیاناً ان یظن ان قیمة اخلاقیة تدفعه للحكم لصالح أحد الطرفین ضد الطرف الآخر، كأن یتخاصم اثنان على مال، أحدهما غنی والآخر فقیر ومحتاج، وكانت القرائن والأمارات والشواهد تدل على انّ الحق مع الغنی، ولكن القاضی ـ حمایةً للمحروم المستضعف ـ یحكم لصالح الطرف الآخر.

هذه مجموعة العوامل التی یمكن ان تحرف القاضی عند إصدار الحكم والقضاء عن النهج الصحیح، وبعبارة واحدة یمكن إطلاق هوى النفس على جمیع هذه الموارد لأن ما یخالف الحق هو هوى النفس، سواء أكان المشاعر أو الخوف او المال أو العواطف الاُسریة والاجتماعیة، ولا فرق بینها فی انها اتّباع لهوى النفس ومعارضة للحق. من هنا نؤكد ـ خاصةً بالنسبة للقاضی ـ على ان یكون مراقباً لنفسه حین إصدار الحكم لئلا یكون تابعا لهوى النفس ومنحرفا عن الحق.

ینبغی للقاضی ان یكون فی أعلى المستویات فی التقوى والفضیلة. إذ انّه الشخص الذی یرید اقامة العدل فی المجتمع ومنع الظلم والجور. إذنْ لابدّ ان یكون عادلاً قبل غیره، فاذا كان مثل هذا الشخص عاملاً بالظلم والجور فی المجتمع فانها كارثة ومصیبة وفتنة اجتماعیة كبیرة.

لقد أشار الله سبحانه فی القرآن الكریم الى هذه العوامل تحت عنوان هوى النفس، وقد حذّر القضاة بصورة غیر مباشرة من اتباع الهوى حیث خاطب الله سبحانه النبی داود(علیه السلام):

(یا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِیفَةً فِی الأَْرْضِ فَاحْكُمْ بَیْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَیُضِلَّكَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما نَسُوا یَوْمَ الْحِسابِ)([1]).

فی هذه الآیة یخاطبه الله بأنا جعلناك خلیفة لنا فی الارض، ویحذره من اتباع الهوى إذ انّه یصدّه عن الحق ولا یمكن ان یقضی حینئذ قضاء صائباً.

على القاضی ان ینتبه دائما الى وجود من سوف یحاسبه وهو لا یخطئ أبداً ویعاقب الظالم بشدة ولا یتأثر بالمال والرشوة وعوامل اُخرى.

و قد ذكر فی القرآن الكریم عدة امور تتعلق بقضیة اتباع هوى النفس فیما یرتبط بالقاضی، ومن جملتها ما جاء عن الرشوة فى قوله تعالى:

(وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالإِْثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)([2]).

و النوع الآخر لهوى النفس المؤثّر على القضاء هو الرغبة فی المحافظة على العلاقات مع ذوی المكانة الاجتماعیة وهی الرغبة التی تدفع القاضی للحكم بغیر حق قدرَ الإمكان، قال تعالى بهذا الشأن:

(وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)([3]).

هذه الآیة لا تختص بالقاضی طبعا، الاّ انّه لو حكم بغیر حق صونا لعلاقاته مع الآخرین كان مشمولاً للآیة قطعاً.



[1]. ص 26.

[2]. البقرة 188.

[3]. هود 113.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...