امتزاج الاحكام الحقوقیة والأخلاقیة فی القرآن
تم بیان الاحكام الأخلاقیة والحقوقیة فی القرآن الكریم بصورة ممتزجة سیّما فی العلاقات الاُسریة والشؤون الزوجیة، ففی الموارد التی بینّت فیها الاحكام الحقوقیة قاطبة هناك ذكر للاحكام الأخلاقیة أیضاً. والسبب لهذا الامتزاج هو أن الاحكام الحقوقیة لا تضمن لوحدها سعادة الانسان وكماله من جهة، وانّ الهدف الرئیسی للقرآن فی بیان الاحكام الحقوقیة لیس فقط وضع قانون لتنظیم العلاقات الاجتماعیة من جهة اُخرى، بل یقصد هدفاً أسمى هو بلوغ الانسان الى كمالاته المعنویة والأخلاقیة، بل ان الأهداف الأخلاقیة فی القرآن حاكمة على اهدافه الحقوقیة.
للامتزاج بین الأخلاق والحقوق فی القرآن خصوصیة ایجابیة ذات تأثیر نافذ فی الحیاة الاجتماعیة، إذ انّ الناس لو افتقدوا التربیة الأخلاقیة والمعنویة لكان تنفیذ القانون الحقوقی الجاف أمراً صعبا وبحاجة الى جهاز اداری كبیر بوسعه متابعة اعمال جمیع الناس.
فی المجتمع البعید عن التربیة والقیم الأخلاقیة یسهل التهرب من القانون والضوابط الاجتماعیة من قِبل الأفراد ویشیع ویكثر انتهاك القانون. فی هذه الحالة یلزم وجود جهاز قضائی واداری واسع ومقتدر لمتابعه هذه الانتهاكات.
من جهة اُخرى اذا افتقد المسؤولون التنفیذیون المتصدون لمتابعة هذه الانتهاكات الصلاحیة الأخلاقیة فانّهم سیرتكبون انتهاكات أكبر وأعقد ذات شمولیة أوسع وتبعات أشدّ ضرراً على المجتمع، فلابدّ من وجود جهاز رقابة یشرف على اعمالهم بهدف متابعة هذه الانتهاكات. واذا انتهك المراقبون القانون أیضاً فمن اللازم تشكیل محكمة علیا لمتابعة انتهاكاتهم وبالتالی لن تنتظم الأمور حتى یقع زمامها بید الصالحین الذین ینتهجون الطریق الصحیح بعیداً عن انتهاك القانون والانحراف عنه.
انّ القانون الحقوقی الجاف یعجز حتى عن فرض النظام فی الحیاة المادیة والدنیویة للانسان، بل یتوقف تأثیره المناسب على اسناد نظام اخلاقی، فكلما ترسخت الاسس الأخلاقیة فی المجتمع طوت النفوس البشریة طریق التكامل والرقی بنحو أكبر، كما ستنخفض نسبة الجریمة وانتهاك القانون، وبالتالی ستقل وتتیسر مهام الاجهزة التنفیذیة والقضائیة بنحو أكبر. من هنا فانّ القرآن الكریم یذكر الاحكام الحقوقیة مع الاحكام الأخلاقیة عادة، وعلیه قلّما نجد لدى البحث عن اخلاق الاُسرة فی القرآن آیة تهتم بالجانب الأخلاقی فقط. اننا نبحث عن الجوانب الأخلاقیة فی هذه الآیات فعلا ونوكل البحث عن جوانبها الحقوقیة الى فرص مناسبة اُخرى.
* * *
الزواج فعل مسموح به من الناحیة الحقوقیة ولا شك أو شبهة فی جوازه فی الرؤیة الاسلامیة، ولكن ما هو حكم الزواج فی بعده الأخلاقی؟ هل یستوجب كمالاً نفسیا فی الانسان وهل یكون ـ اضافة الى جوازه ـ راجحا ومحبذاً؟
للزواج فی باب الفقه احكام مختلفة حسب اختلاف الاحوال والظروف، فیكون واجبا أحیانا أو مستحبا أو مباحا، بل تترتب علیه الاحكام الخمسة حسب اختلاف الظروف. ویمكن استنتاج حُسن الزواج بوضوح من آیات القرآن الكریم، الحُسن الذی یبلغ حد الوجوب فی بعض الظروف، وفی دائرة السنّة توجد روایات كثیرة بهذا الشأن أیضاً، ولكن لا نتابعها لان بحثنا هنا قرآنی.