الاحكام الحقوقیة والأخلاقیة للزواج فی القرآن
ذكر سابقاً انّ النیة هی أساس القیمة الأخلاقیة، أی یلزم وجود الحسن الفاعلی الى جانب الحسن الفعلی أیضاً، وبناء على ذلك من تزوج بهدف اشباع شهوته فقط لم یحظَ عمله بقیمة اخلاقیة، وللزواج طبعاً قیمة اخلاقیة مهما كان الدافع فی ذلك، إذ انّ من یلتزم بالحدود الإلهیة من خلال الزواج ولا یتزوج بالمحارم وینأى بنفسه عن الانفلات فی اشباع الشهوة، أی یضع قیوداً وموانع شرعیة لدى اشباع غریزته وشهوته فانه بحاجة الى دافع اخلاقی لذلك وإنْ كان هذا الدافع عاما ویشعر به جمیع المسلمین لدى زواجهم، وقلما یوجد من یلتزم بحدود الزواج خوفا من متابعة اجهزة القضاء فقط. أجل انه دافع إلهی ویقدم على هذا العمل نیلا للثواب أو خوفا من العقوبة الاخرویة على الاقل، وهذا فی نفسه ذو مرتبة من القیمة الأخلاقیة وإنْ لم تكن قیمته جدیرة بالمقارنة مع قیم الأخلاق الاسلامیة السامیة.
أسمى قیمة للزواج یكون حینما یشعر الانسان بدافع أسمى لتأسیس الاُسرة كدافع الابتعاد عن المعصیة. ان هذا الدافع خیر ویخلق قیمة اخلاقیة، واذا كان ذا همة أعلى وأقدم على هذا العمل بغیة مرضاة الله سبحانه فقد اتّصف بقیمة اخلاقیة سامیة.
یجب الالتفات فی مثل هذه الأعمال التی یشعر الانسان بدافع طبیعی ازاءها الى انّ المیول الغریزیة تدفع المرء لممارستها غالبا، وقلیلون هم الذین یوفقون لتهذیب نیاتهم وتحصینها أمام تأثیرات هذه الغریزة وجذابیتها، ولكن بقدر علو الانسان فی همته والاخلاص فی نیته یكون عمله ذا قیمة اخلاقیة أسمى.
على أی حال ففی الزواج نوع من القیمة الأخلاقیة، والآیات القرآنیة ذات دلالة واضحة على هذه الحقیقة كقوله تعالى:
(وَ أَنْكِحُوا الأَْیامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ یَكُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ)([1]).
یعتبر تحدید المهر فی الشریعة الاسلامیة المقدسة من الاحكام الحقوقیة للنكاح. وقد كان هذا الحكم وما یزال موجوداً فی سائر الأمم. وفی الآونة الأخیرة أخذت بعض المجتمعات الغربیة بإثارة الشكوك حول هذه القضیة بل اعتبرتها قیمة سلبیة، فكأن تحدید المهر یعنی بیع المرأة وشراءها، الاّ ان هذا الانطباع لیس له اساس صحیح. فقد اعتبر الاسلام المهر على أساس المصلحه الاقتصادیة للمرأة، فحتى مع عدم تحدید مقداره فی العقد یجب على الرجل دفع مهر المثل. وكذلك وجوب نفقة المرأة على الرجل من الاحكام الحقوقیة للزواج فی النظام الحقوقی للاسلام وقد شرّعت هذه الاحكام لمصالح اجتماعیة خاصة، وینبغی أن یبحث عنها عند البحث عن الأحكام الحقوقیة.
والى جانب هذه الاحكام الحقوقیة هناك احكام اخلاقیة فی الاسلام تتعلّق بهذه الموضوعات، منها ان تحدید المهر وإنْ كان واجبا ولكن لا ینبغی أن یكون باهظاً الى درجة العجز العملی عن تقدیمه. وعلیه یكون التشدد فی تحدید المهر الى درجة عجز البعض عن تقدیمه وعن الزواج ناقضا للغرض ولا ینسجم مع جوهر قانون الزواج فی الاسلام. ویحرم الكثیر من الرجال والنساء من الزواج.
یؤكد القرآن على هذه القضیة وهی أن الفقر لا ینبغی أن یسبب حرمان المرء من الزواج، فعلى الفقراء التوكل على الله سبحانه فانّه سوف یغنیهم، ولكن غلاء المهور یعمل عادة على تاخیر الزواج أو حرمان الكثیر من الناس منه.
طبعاً یحق للمرأة تحدید المهر حسب رغبتها قانونیاً، الاّ انّ القرآن الكریم یدعو الى عدم التشدد فی تحدید المهر أخلاقیا، ویدعو للزواج من الفقراء أیضاً.
رغم هذه الوصایا قد یكون اشخاص فی ظروف خاصة یعجزون فیها من الزواج الدائم، فیمكن رفع حاجتهم بالزواج المؤقت دون أن یشعروا بعبء ثقیل. وهذا طریق قانونی آخر ذكره الله سبحانه فی القرآن الكریم حیث یقول:
(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً)([2]).
الطریق الثالث الذی یقترحه القرآن الكریم فی هذا المجال ویرتبط طبعاً بالعصور الغابرة هو الزواج بالإماء، وذلك بالنسبة للعاجزین عن الزواج بالحرائر والقادرین على الزواج بالإماء، قال تعالى بهذا الشأن:
(وَ مَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ یَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ مِنْ فَتَیاتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ)([3]).
وقال فی ذیل الآیة:
(ذلِكَ لِمَنْ خَشِیَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَیْرٌ لَكُمْ)([4]).
وأخیراً على الذین اُغلقت أمامهم جمیع هذه الطرق وعجزوا عن الانواع الثلاثة للنكاح أن یتحلّوا بالعفاف والنزاهة حتى یغنیهم الله من فضله وكرمه ویكونوا قادرین على الزواج، قال تعالى بهذا الشأن:
(وَ لْیَسْتَعْفِفِ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى یُغْنِیَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ)([5]).
وهذا حكم اخلاقی أیضاً بشأن العلاقة الزوجیة.
[1]. النور 32.
[2]. النساء 24.
[3]. النساء 25.
[4]. النساء 25.
[5]. النور 33.