تعدد الازواج
فی الرؤیة الاسلامیه یجوز الزواج باربع نساء. ولتعدد الزوجات فی الاسلام بُعد اخلاقی ینبغی دراسته بصورة مستقلة. ونشیر هنا الى الملاحظات والاحكام الأخلاقیة الواردة فی القرآن بشأنها، قال الله تعالى:
(وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)([1]).
ههنا سؤال ینقدح حول مضمون الآیة والترابط بین صدرها وذیلها وشرطها وجزائها، وهو: ما الرابطة بین عبارة (وإنْ خفتم الاّ تقسطوا فی الیتامى) وهی الشرط وبین عبارة (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وهی الجزاء، ولماذا علّق الله سبحانه هذا الجزاء على ذلك الشرط؟ وما السبب لقوله: (وإنْ خفتم الاّ تقسطوا فی الیتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)؟
عرض المفسرون وجوها مختلفة للإجابة على السؤال، أوجهها وجهان:
الأول هو وجود اعداد كبیرة من الاطفال الیتامى بین العرب إثر الحروب الكثیرة، فی هذه الحالة دعا القرآن الكریم الى الاحتراز من التصرف بأموال الیتامى وعدم خلطها بأموالهم. وفی الوهلة الاُولى من نزول الآیات بهذا الشأن أخذ بعض المسلمین المتصدین لرعایة بعض الیتامى یشعرون بالقلق الى درجة عدم تناولهم لبقیة الطعام الذی یفضل منهم فیفسد، لظنهم عدم جواز التصرف بمال الیتیم.
أثارت هذه الحالة بعض المشكلات مما دعا البعض للتوجّه الى رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)لیخبروه بقولهم: اننا نخشى التصرف بأموال الیتامى وبالتالی وجدت هذه المشكلات. فی هذه الظروف كما جاء فی شأن النزول نزلت آیات أمر الله سبحانه فیها بأن یكون تصرفكم على أساس مصلحة الیتیم ولیس عدم التصرف أبداً.
(وَ اللّهُ یَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)([2]).
من هذه المشكلات قضیة البنات الیتیمات اللائی یصعب رعایتهن من جهة، وشحة المُقدمین على الزواج بهن لدى بلوغهن سن الزواج لیُتْمهنّ من جهة اُخرى. یعتقد بعض المفسرین ان الآیة الكریمة تدعو الى الزواج بالیتیمات التی فی اُسرهن، ولا یشكّل وجود الزوجة عقبة بوجه هذا الفعل إذ بامكانهم الزواج باثنتین أو ثلاث أو أربع نساء. إذنْ حكمة هذا الحكم هی عدم بقاء الیتیمات دون أزواج. لكن قانون تعدد الزوجات عام ولا یختص بمورد نزول الآیة طبعاً، الاّ انّ الأساس فی جعل هذا القانون وشأن نزول الآیة المذكورة هو البنات الیتیمات.
وقال بعض آخر من المفسرین: ان الآیة تعنی انكم لو خفتم أن یؤدی الزواج بالیتیمات الى التصرف غیر الوجیه فی أموالهن فتزوجوا بنساء اُخریات غیر الیتیمات، واعتبره العلامة الطباطبائی الوجه الاقوى فی تفسیر المیزان.
وعلى أی حال، فلا خلاف بین الشیعة والسنّة فی جواز تعدد الزوجات، ومقصودنا من ذكر هذه الآیة هو التذكیر بالقضیة الأخلاقیة التی تدعو الیها عبارة: (فانْ خفتم الاّ تعدلوا فواحدة) فعلى من یختار أكثر من امرأة الالتزام بالعدالة فی التعامل معهن، ومن الممكن استیفاء بعض حدود ودرجات العدل قانونیا، ولكن اذا احتمل الزوج عجزه عن رعایة العدالة بینهن فالأفضل ـ حسب ما یدعو الیه القرآن ـ اكتفاؤه بالزواج من امرأة واحدة، ورغم ذلك لو انتخب زوجة اُخرى لم یبطل عقد الزواج من الناحیه الحقوقیة ویكون مُلزما برعایة العدالة بینهن، مما یدل على ان دعوة القرآن دعوة اخلاقیة.
[1]. النساء 3.
[2]. البقرة 220.