القرآن وأولویة الأم
هناك آیات اُخرى فی القرآن تذكر ـ فی سیاق تأكیدها على عظمة حق الوالدین ووجوب ادائه ـ ما تتحمّله الأم من اتعاب مضنیة لا تجازى، منها ما جاء فی سورة لقمان:
(وَ وَصَّیْنَا الإِْنْسانَ بِوالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْن وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ أَنِ اشْكُرْ لِی وَ لِوالِدَیْكَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ)([1]).
تتضمن هذه الآیة تأكیداً شدیداً على حق الأم، كما انّ الروایات تثبت للأم حقاً أكبر من حق الأب، فهی تدعو للاهتمام بالوالدین أولاً وفی التعابیر التالیة تذكّر بحق الأم وأتعابها أیام الحمل وارضاع الطفل وتربیته، والهدف هو بیان الحكمة فی سبب هذا الكم الكبیر من الدعوة الى الاحسان والبر بالوالدین وخاصة الأم.
ثم ورد تعبیر (ان اشكر لی ولوالدیك) وهو من التعابیر القرآنیة العجیبة ولا نظیر له فی أی موضع من القرآن، یدعو الله عزّ وجلّ: اشكرونی أولاً ثم یدعو الى شكر الوالدین مباشرة. الملفت هو عدم الفصل بین شكر الوالدین وبین شكر الله سبحانه فی العبارة، بل ذكر الأمر بشكر الله وشكر الوالدین بفعل واحد مما یشیر أكثر مما سبق الى أهمیة حق الوالدین.
وفی ذیل الآیة یذكر ذات الاستثناء الوارد فی الآیة السابقة بفارق طفیف وهو انهما ان سعَیا لان تشرك بالله تعالى فلا تطعهما.
(وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِی ما لَیْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنابَ إِلَیَّ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)([2]).
من الطبیعی أن یكون الوالدان اللذان یدعوان الى الشرك ولم یكتفیا باقتراحه بل یصرّان على ذلك ثابتین على الشرك، ورغم ذلك فانّ الآیة تدعو الى الاحسان بهما وتأمر بعدم الاطاعة عند دعوتهما الى الشرك فقط، ومع ذلك توصی مباشرة بالتعامل الحسن معهما فی الدنیا، جاء فی آیة اُخرى:
(وَ وَصَّیْنَا الإِْنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)([3]).
هذه الآیة كالآیة السابقة ـ تذكّر بما تعانیه الأم من متاعب ومشاق أیام الحمل والولادة تذكیراً للولد بحقها الذی یفوق حق الأب بلحاظ هذه المشاقّ لكی لا ینساها ولا ینسى حقها أبداً.
[1]. لقمان 14.
[2]. لقمان 15.
[3]. الاحقاف 15.