ar_akhlag3-ch4_3.htm

دور العوامل العاطفیة فی الحیاة الاجتماعیة

دور العوامل العاطفیة فی الحیاة الاجتماعیة

تنقسم العواطف الى قسمین:

أ ـ العواطف التابعة للعوامل الطبیعیة والناشئة تبعا لتأثیرها بحیث اتخذت وجهتها الخاصة، كالعواطف الاُسریة التی تنشأ إثر الزواج بین الرجل والمرأة، وتأسیس الاُسرة على أساس العامل الطبیعی أو الغریزی بین هاذین وابنائهما، وحتى العواطف المتبادلة بین الرجل والمرأة والتی تكون سببا لزواجهما ولتأسیس الاُسرة ستكون تابعة للعامل الطبیعی والغریزی.

ب ـ العواطف التی لا تتبع العوامل الطبیعیة بل تنشأ بعد تأسیس المجتمع، ویمكن أن تؤثر فی بقاء المجتمع وترسیخ العلاقات الاجتماعیة، أی ان بنی الانسان الذین باشروا تعایشهم الاجتماعی وحیاتهم المشتركة فی المجتمع لتوفیر متطلباتهم المادیة والمعنویة استجابة لحكم العقل ستنشأ بینهم عواطف متبادلة فی ظل هذا التعایش المتبادل، إذ انّ الانسان حینما یشعر بانّ اناساً آخرین یخدمونه ویرفعون حوائجه فی الحیاة الاجتماعیة فانّه یشعر بالتعاطف والمودة تجاههم.

وعلیه یمكن أن نستنتج انّ العواطف لیس لها دور أساسی وتأسیسی فی تكوین الحیاة الاجتماعیة أو المجتمع المدنی، بل ینحصر دورها فی ترسیخ وتثبیت العلاقات الاجتماعیة ـ التی وجدت إثر عوامل اُخرى سابقة ـ وفی بقائها واستمرارها.

قد تخطر فی الذهن هذه االقضیة وهی أن بنی الانسان كافة بما أنهم ولدوا من أب واحد وأم واحدة فهم فی الحقیقة أعضاء اُسرة واحدة، وفی هذه الحالة ینبغی أن تكون العلاقات العاطفیة بینهم عاملا لوحدتهم والتضامن بینهم جمیعا، لیس فی مجتمعات محلیة وشعوب وحكومات فحسب بل فی مجتمع انسانی عالمی واحد، وتستتبع الترابط بین المجتمع البشری كله وتحول دون تشتّته.

ومما یؤید هذه القضیة انّ القرآن الكریم یعتبر ظهور الجیل البشری فی الارض من أب واحد وأم واحدة حیث یقول:

(یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا)([1]).

إذنْ بملاحظة هذه الحقیقة وهی ان أفراد الانسان جمیعا هم أعضاء أسرة كبیرة واحدة ولهم أب واحد وأم واحدة نستنتج وجود عواطف اُسریة فیما بینهم، ولابدّ أن تكون هذه العواطف عاملا لوحدة بنی الانسان والتضامن بینهم فی المجتمع الانسانی والعالمی، فی حین ان الأمر لیس كذلك.

ورداً على ذلك ینبغی القول ان دائرة العواطف الاُسریة لیست غیر محدودة بل تتحدد بالقربى. وللعلاقات العاطفیة بین الاقرباء والاُسرة طاقة كبیرة فی نطاق الاُسرة، ولكن كلما تعددت الواسطة وتباعدت القرابة فانّ هذه العواطف تكون أوهن وأخف لونا، وتحفظ تأثیرها فی اطار العشیرة والقبیلة الى حدٍّ ما فی بعض الظروف التأریخیة والزمانیة، ولكن مع تكثر الوسائط یبلغ الأمر حد النسیان الكامل لهذه الرابطة النسبیة. دعونا من بعض المتخصصین فی علم الاحیاء الذین یشكّكون أساسا بوجود هذا الترابط العام والشامل بل ینكرون ذلك، اذ یعتقد الكثیر من انصار نظریة داروِن ان بنی الانسان قد وُجدوا من امهات وآباء مختلفین، فالبیض ولدوا من حیوان خاص، وللسود والحمر والقومیات الانسانیة الاُخرى مناشىء وجذور منفصلة وقد ولدوا من آباء وأمهات تختص بهم.

لا نسلم طبعاً بهذه النظریة، ولكن كما قلنا فانّ علاقة القرابة والنسب تعجز عن ایجاد عواطف وثیقة بین أعضاء المجتمع الكبیر، ولا تكفی حقیقة انتهاء جمیع بنی الانسان الى أب واحد وأم واحدة لایجاد علاقات اجتماعیة وثیقة بینهم وضمان وحدتهم، ففی الكثیر من الموارد یتقاتل بنو الانسان فی معارك طاحنة ویدمّرون ممتلكاتهم بقسوة، وعلیه نستنتج ان لا دور یذكر للعواطف فی تأسیس المجتمع الكبیر.



[1]. الحجرات 13.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...